قال الكاتب والروائي عبد الكريم جويطي إن على الروائيين المغاربة أن يستلهموا كتاباتهم من التجارب الأدبية في البلدان التي تعيش مجتمعاتها إشكالات مثل الإشكالات التي يعيشها المجتمع المغربي؛ حتى يكون لما يكتبونه وقْع، ويُفضي إلى نقاش عمومي حول القضايا التي تتطرق إليها الأعمال الأدبية. ونصح جويطي، خلال لقاء نظمه المقهى الثقافي بتمارة، مساء السبت، الشباب المغاربة المقبلين على خوض تجربة الكتابة الروائية ب"ألا يضيّعوا وقتهم كثيرا مع الرواية الفرنسية"، معتبرا أنه منذ عقود "لم تُكتب رواية جيدة في فرنسا". وأوضح الكاتب والروائي المغربي أن الرواية الفرنسية هي رواية المدينة، إذ تركز على سلطة المدن على البادية؛ "بينما نحن في العالم العربي لم يسبق أن كانت لدينا مدينة، وحتى المدن التي كانت هشة ومهددة سرعان ما يتم ترييفها إما بالنازحين أو بمخططات بدْونتها". وأضاف أن الروائيين المغاربة يمكن أن يستلهموا رواية مهمة عن هذه الوضعية من أمريكا اللاتينية، بينما المرجعية الروائية الفرنسية "لن تعطي أي نتيجة، لأننا لا نتوفر على مدن"، متوقفا عند طرح المفكر عبد الله العروي حول هذا الموضوع حينما تساءل: "هل ساحة قلعة السراغنة بمدينة الدارالبيضاء هي ساحة "الكونكورد" بفرنسا؟". وتابع الروائي المغربي: "ليست هناك مدينة مثالية، ولكن هناك مدن فيها قيم المدينة؛ وهي، كما قال لوگوف، الانتقال من القيمة الاستعمالية إلى القيمة التبادلية، والانتقال من زمن الفلاح إلى زمن التاجر، ومن علاقات القرابة القبلية إلى الفردانية"، معتبرا أن مدننا "لا تتوفر فيها هذه القيم"، بل إن حتى "السياسة عندنا لا تزال تمارس بمنطق قبلي"، على حد تعبيره. واعتبر جويطي أن أعظم خدمة يمكن أن يقدمها الأدب اليوم، هي أن يستلهم تجارب البلدان التي لها إشكالات تاريخية قريبة من الإشكالات الموجودة في مجتمعنا، مثل أمريكا اللاتينية، مبرزا أن المغرب، في الوقت الراهن، لا يوجد فيه نقاش عمومي. ولذلك، يضيف المتحدث، "ينبغي أن يدفعنا الأدب إلى النقاش العمومي". وأضاف أن الأفيد هو أن يستلهم الروائيون المغاربة تجارب نظرائهم في أمريكا اللاتينية، الذين تحضر في أعمالهم القرية والبدو ويتطرقون إلى إشكالات "المدن المعاقة التي يُساء تسييرها، ولا تتوفر فيها قيمة المدينة"، معتبرا "أننا لن نستفيد كثيرا من رواية باريس أو لندن؛ ولكننا سنستفيد كثيرا من رواية بوينوس أوريس (عاصمة الأرجنتين) وهافانا (عاصمة كوبا) ومكسيكسو (عاصمة المكسيك)". وعن علاقة الرواية بالتاريخ، الذي كان موضوع اللقاء الذي احتضنه المقهى الثقافي بتمارة، قال جويطي إن شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تبحث عن التاريخ في الرواية "لأننا في مأزق تاريخي تعمق من هزيمة 67 وتدمير العراق"، وما تلا ذلك من تدمير للمدن التي كانت بؤرا للحداثة، مثل بيروت والقاهرة ودمشق وبغداد، بعد سيطرت عليها الأصولية، على حد تعبيره. واعتبر صاحب رواية "المغاربة" أن الخدمة التي يمكن أن يقدمها الأدب الحقيقي هو أن يكون حريصا على ألا ينساق وراء الإجماعات المبنية على حقائق وأساطير، بل أن يكون حريصا على عدم الركون إلى هذه الإجماعات السائدة في كل جماعة إنسانية، وأن يعمل على تلغيمها وطرح الأسئلة حولها وتفكيكها. وتابع جويطي بأن الروائي لا يكتب الرواية بهدف إضافة حقيقة إلى الحقائق التاريخية التي تطرق إليها المؤرخون، بل يكتب لكي يعطي صيغة أخرى للأحداث لا توجد عند أي مؤرخ، لأن الروائي يملك أدوات غير متاحة للمؤرخ، مثل المفارقة والسخرية والانتصار للصامتين والغوص في أعماق ذوات المنتصرين، "لأن النصر أحيانا يكون سيئا وكارثيا أكثر من الهزيمة". واعتبر أن الروائيين يتموقعون، على الصعيد العالمي، في نفس مرتبة المؤرخين، مستحضرا نموذج روسيا، التي كانت فعالياتها، حين طرح الخيارات الممكنة للتحديث، "يستشهدون بالروائي ديستوفسكي أكثر منا يستشهدون بالسياسيين". من جهة ثانية، عبّر صاحب رواية "ثورة الأيام الأربعة" عن رفضه للإنتاج الكمي الأدبي على حساب الكيف، قائلا إن الرواية بالنسبة إليه "عمل جدّي"، وإن الروايات التي يكتبها قد تتطلب منه ما بين خمس إلى سبع سنوات، وإنه ليس من الروائيين الذين يكتبون رواية في سنة أو سنتين، ولو اضطر إلى التوقف عن الكتابة إذا لم يجد شيئا جديرا بالكتابة. كما أكد عبد الكريم جويطي أن كل أعماله الروائية موجهة إلى المغاربة بالدرجة الأولى، وأن "أدبي وطني وأكتب للمغاربة بهواجس المغاربة"، مشيرا إلى أنه بصدد كتابة رواية جديدة سيخصصها للعلاقة بين المغرب والجزائر، وأنه سيكرّسها "لخدمة الأمور الوطنية".