إحياء للذكرى السادسة عشرة لأحداث 16 ماي الدامية ، استضافت الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب، بالمركز الثقافي حسن الصقلي بسيدي البرنوصي ، الأستاذ والروائي الأديب عبد الكريم جويطي في لقاء مفتوح حول موضوع «الأدب والقيم الكونية « ، وذلك يوم 9 ماي 2019 . وقد استهلت اللقاء الأستاذة ابتسام العبسي نائبة كاتبة الجمعية ، بكلمة أمام حضور نوعي متميز ، من باحثين ، وأدباء وفنانين تشكيليين وروائيين ومفكرين، أشارت من خلالها إلى دواعي اختيار المقاربة الأدبية كمنحى وصيغة لمواصلة بناء فكر متنور ، تقدمي ولنبذ العنف ، واجتثاث جذور التعصب والتطرف .ومن جهتها أعربت الأستاذة سعاد المكدوري الخمال، رئيسة الجمعية عن سعادتها ، وتفاؤلها الكبيرين لمواصلة الجمعية لأحد أهم الدروب النضالية في مواجهة بنيات فكرية وعقلية ونمطية ، أطرت لنقاش أصولي متطرف ، ينتعش بدماء الأبرياء ويتبنى أفكارا خرافية هدامة للقيم الإنسانية النبيلة ، ولقيم التسامح والتعايش والصفح الجميل . وأجابت في هذا الصدد عن سبب اختيار الأستاذ جويطي عبد الكريم لمناقشة موضوع يشغل بال الجميع ، مشيرة من جهة إلى مكانة الأديب عبد الكريم جويطي في الساحة الإبداعية بالمغرب وعلى الصعيد العربي والدولي ، وكذلك لحجم إصداراته الأدبية والروائية وحصوله على العديد من الجوائز الأدبية القيمة ، من جهة ثانية. كما أبرزت في كلمتها أن الجمعية اشتغلت بصفة دورية ومستمرة ، على تحقيق الأهداف التحسيسية والتوعية داخل الأوساط التعليمية ، من أجل إرساء وترسيخ منظومة قيم النبل والجمال والتوجه نحو حياة منفتحة، في زمن تعرف فيه قيمنا السمحاء الزوال بل الاندثار !!!! لذلك دعت الأستاذة سعاد الخمال إلى ضرورة ملامسة موضوع القيم في مجال الأدب والرواية والإبداع بصفة عامة . انطلق الأستاذ عبد الكريم جويطي في مداخلته بتوليف لمجموعة من الأسئلة ، مستشعرا ما يحدث بالثقافة المغربية من جديد للمواضيع الأدبية التي أضحت مستهلكة، ونقل مجال الاهتمام ، من مواضيعه التقليدية المتداولة في السابق، وهو ما يدعو إلى تأمل هذه الظاهرة، مشيرا في ذات الوقت إلى موضوع اللقاء والذي يندرج ضمن هذا المسار الجديد في تناول الأدب وعلاقته بمواضيع أخرى « علاقة الأدب بالقيم الكونية « ، وتحدث في البداية عن ضرورة التحليل العميق والمرجعي لمفهوم القيم الكونية، موضحا أنها لا تكون كذلك إلا بتقبلها من لدن الجميع ، متسائلا في ذات الوقت « هل هناك بالفعل قيم كونية ؟؟» وهو نقاش يقع في كل جامعات العالم ، ويطرح أسئلة أخرى أكثر كثافة من حيث البنية الفكرية للإنسان «هل هناك قيم مهيمنة ؟؟» هل هناك استحالة الإجماع على قيم معينة ؟؟ ، مما ولد جدلا بين الكوني والنسبي يقول الروائي عبد الكريم جويطي. وأضاف إنه ومنذ الفلسفة اليونانية والقضية مطروحة مقدما المثال بخلاف سقراط الذي كان يؤمن بوجود قيم كونية ، كالعدل والفضيلة ، وبخاصة الذين كانوا يؤمنون ، بأن كل إنسان قادر على توليد قيمة ، مستشهدا في ذلك بكتاب فوكوياما «نهاية التاريخ» ، الذي استند على الفكرة القائلة بأن انتزاع الاعتراف من الآخر هو الذي يحرك التاريخ، وأن الديموقراطية الليبرالية وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار الدول الشيوعية ، قد انتصرت وصارت واقعا كونيا ، اتجهت معه كل الدول نحو ، وإن بوتيرات متفاوتة ، الى تبني الخصوصيات. وأشار الجويطي الى أن فوكوياما نفسه بدأ في تنسيب فكرته هذه ، لأن هذه القيم الكونية تظل قيما نسبية على اعتبار أن الكل يتحرك في حقل ثقافي مرتبط بالتواتر الإنساني والسوسيوثقافي والاقتصادي والمؤثرات والجوار … يعني أن كل ثقافة تبنى على الخصوصية ، وبالتالي يستحيل أن تكون لنا قيم كونية، لأن هناك في نهاية المطاف ثقافات مختلفة ، وكل ثقافة تمتلك نسقا خاص بها ، مذكرا بما تعرضت له البشرية من فظاعات ومحن وحروب دامية تتبلور من خلالها أشياء وقيم إنسانية ، توازيها بشكل أو بآخر أنساق شيطانية .. وعن علاقة الأدب مع القيم ، أكد الأستاذ عبد الكريم جويطي أن أول ما حققته الإنسانية كمنتوج هو الأدب والفن ، مشيرا إلى أن الدين يكره الأدب والفن ، لأنهما ولدا من نفس الرحم : (الخوف من الموت) ، معتبرا أن الأدب له قدرة على جمع التجارب ، ويجيب عن الحاجة إلى الحكايات لكي يتحقق التماسك ، مضيفا أن من ولد الأدب هو الحنين ، وكل إنسان له حنينه ، وكلنا لنا حنين إلى الطفولة كجنة مفقودة أي أن الأدب مخترق بالحنين وهذا كله يؤكد أن الأدب العالمي واحد وهنا تكمن عظمة الأدب. وقد عرج الأديب في معرض حديثه عن كونية الأدب ، على المقومات الأدبية العالمية للسرد والمحكي في الرواية ، معتبرا أن الرواية جاءت بشيء مذهل للبشرية وذلك بدعامات أدبية موحدة تتمثل في : 1 النسبية : لهدم فكرة الحقيقة ، ولكي تفقد الحقيقة هالتها . والرواية في هذا المعطى تنتصر للتفاصيل ولا شيء يقيني ، فضلا عن أن النسبية تجعل المحكي شيئا مبتذلا وليست ملحمة فيها بطل ، وأن الإرادة لا قيمة لها . 2 الشك : معتبرا أن الرواية بمثابة امبراطورية للريبة ، وهي الخدمة العظيمة التي قدمت للأنظمة المعاصرة 3 المفارقة : أو ما يطلق عليه بالسخرية، فكل شيء في الرواية مفارق وساخر ، والواقع يسخر منا ، والبطل دائما معطل. 4 اللعب : وهو عنصر في الرواية لاستشعار أن كل شيء يصبح لعبا وأن أي شخص كبير تجده بشيء من الطفولة والتصابي يمارس اللعب عن طريق الكتابة . وفي تفاعله مع هذه العناصر المكونة للفعل الروائي خلص إلى القول أن ما يقتل المجتمعات هو الحقائق وطريقة تملكها وخلفية تبنيها ، والتواطؤ مع جزء معين منها. .من هنا شدد على أن الأدب الكبير تكتبه النفوس الكبيرة ، والنفس الكريمة والتي تحب حتى العدو .نفس تسمو وتعتمد الصفح الجميل معتبرا كذلك أن الأدب رحابة إنسانية لتتسع للجميع ، وقادر على السيطرة على النزوعات التدميرية للآخر وجعل الفرد يسمو نحو الأفضل . وأشار الأستاذ والروائي عبد الكريم جويطي إلى أن الإنسان من الناحية الوجودية يعيش الحياة كمزق وشذرات لا تلتئم على بعضها ، لذلك يحتاج للأدب ، وخصوصا الحكاية ليبني من كل هذه الأجزاء كلا متماسكا . وحيال ذات المعاني والأفكار أجمعت المداخلات والنقاشات التي تلت عرض الأستاذ عبد الكريم جويطي ،على ما يضيفه الإبداع والأدب على المكنون النفسي للفرد وتنقيته من الشوائب القبيحة ، والنزوعات التدميرية ، من أجل مدارك أرحب وأنبل ، وقد عبر أحد المفكرين الحاضرين ، حين قال مستلهما ذلك من «أجراس الجوع» للإبداع فضل علي لحمايتي من شروري . واستطرد بالقول أن الأسرة استقالت من مهامها التربوية. ومن ثم جاءت صرخة أحد المتدخلين حين قال نحتاج إلى معجزة في المجال التربوي وفي عودة أدوار بناء القيم والضوابط للمدرسة العمومية ، في حين طالب أحد الباحثين التربويين بإدراج رواية «المغاربة» ضمن المقرر الدراسي لما تتضمنه من معاني ومحكي ومعطيات تاريخية تستفزنا ، وتدعونا إلى التفكير في أنفسنا في قيم الحياة ، وفي القيمة كثابت في كل المتحول ، وكذلك تمنح النفس الأدبي بيسر لملامسة هذا الثابت . وفي معرض رده على العديد من التساؤلات والملاحظات والأفكار التي كانت في مجملها إغناء لهذه الأمسية الأدبية ، أكد الأستاذ الروائي عبد الكريم جويطي على أهمية المصالحة مع الذات ، خصوصا وأن الدولة هي من صنعت التطرف بل وبنته وحمته واحتضنته بأدواتها ، ولم يكن قضية طارئة ، بل كان جزءا من البنية الاجتماعية المرصودة تشكل من خلالها الإحساس بالهزيمة ، وانغلاق سبل الحق في الحياة . وبالتالي فاستغلال الدين يوفر مجالا كبيرا للمزايدة ، ويزداد استغلاله كلما تأسس على تعاقد اجتماعي ويؤخذ من الدين ما يخدم هذا التعاقد نحو المنفعة ونحو مزيد من التخلف والسكيزوفرينيا وشل كل سبل النقد والتفكير ، معبرا في ذات الوقت عن أنه لا نجاة من ذلك ولا خروج من خانة التشرذم ولا تطور بدون تعليم جيد ، معبرا أن الأدب لا سلطة له ، فقط قد يسبب الإزعاج أو يخلق المقاومة الحقيقية في العالم ، وبناء مواقف ضد منظومة تطارد أفراحنا وحياتنا ، وتؤسس للفراغ وللصمت ، وفرض شروط على النقاش ، وختم الروائي عبد الكريم جويطي لقاءه بتيمة الاعتراف : «لقد أنقذني الأدب» وقبل اختتام اللقاء قام الأستاذ نائب رئيسة الجمعية الدكتور عبد الله زيوزيو بتقديم برنامج الذكرى 16 لأحداث 16 ماي حسب البرنامج التالي : – وقفة عند النصب التذكاري بساحة محمد الخامس قبالة بنك المغرب على الساعة الرابعة بعد الزوال (16 ماي) -الأيام السينمائية الأولى بعرض شريط «ميمات الثلاثة» لسعد الشرايبي يوم 16 ماي وشريط «يا خيل الله» لنبيل عيوش يوم 17 ماي – ندوة ختامية يوم 18 ماي 2019 بقاعة السينما « ريتز» الدارالبيضاء 10 ليلا