قال الكاتب عبد الكريم جويطي إن "المغرب يعد من بعض دول العالم التي يمكن أن نقول عنها إن شعبها مثقل بتاريخه، مثل الصين ومصر، بسبب استمرارية الدولة وتركيبة القبيلة، ذلك أن جبال الأطلس حافظت على هوية المكونات المغربية". وأضاف جويطي، خلال ندوة افتراضية نظمها مركز تكامل للدراسات والأبحاث، تحت عنوان "أي دور للمؤرخ في فهم أزمة كورونا؟"، أن "الشخصية المغربية تنوء تحت ثقل التاريخ، من خلال وحدة المذهب والاستمرارية وردود الأفعال تجاه التحرش الأجنبي". وتابع الروائي المغربي المهتم بالتاريخ أن "تاريخ المغرب مطبوع بالاستمرارية، وهو أمر إيجابي وسلبي، ذلك أن المغرب لم يعش قطائع كبرى، حيث استمرت القبيلة والمخزن والمذهب، ثم جاءت الزوايا، ما يجعل الأوبئة والمجاعات، أو ما يسمى الجوائح، مكونا كبيرا للشخصية المغربية". وأوضح الكاتب أن "تمثل المغربي للزمان والمكان والقدر والحادث المأساوي يأتي من التوالي البنيوي والهيكلي للمجاعات والأوبئة في تاريخ البلد، ما جعل شخصية المغربي متميزة في العالم، لأن عندها فائضا في الانتقاد للذات وقسوة كبيرة مع الذات، حيث نرى دائما الجانب الفارغ من الكأس، وهو ما يمكنه تفسيره تاريخيا". وأردف جويطي قائلا: "حاولت من خلال رواية المغاربة الإشارة إلى سيطرة المحافظة والتقليد في المغرب، حيث تتم إعادة إنتاج التاريخ في الحاضر، ونتلذذ بإعادة إنتاجه أيضا"، موردا أن "التاريخ الحديث للاستقلال لم يحسم في أي شيء من خلال محطات تاريخية". "نميل للتوافق، وهو مفهوم يستعمل في التاريخ السياسي للمغرب منذ 1956، ويعني الستاتيكو، حيث لا نجد أحدا ينتصر أو ينهزم، ومن ثمة نحافظ على البنية نفسها"، يقول الكاتب عينه، مشيرا إلى "سيطرة المحافظة في كل تجليات الحياة، حيث نجدها في أي نقاش عمومي عبر المرجعية الدينية التي تحضر حتى في أشياء مدنية تتعلق بالحياة العادية". ولفت الروائي إلى أن ذلك يمكن ربطه بالجوائح والأوبئة، قائلا: "شكلت ضربات قاصمة، جعلت المغربي إنسانا قدرياً، فالذين خرجوا يهللون ويكبرون في مدن فاس وطنجة وتطوان عبارة عن مشهد يتكرر خلال كل الجوائح والأوبئة، وهو ما يتمثل في حلقات الذكر خلال تفشي الطاعون والخروج في الجنائز". واسترسل جويطي بأن "الشخصية المغربية مركبة ومحافظة في عمقها لأنها تخاف التغيير، وتعتقد أنه سيحطمها"، مبرزا أن "تاريخ المغرب في حضوره مع الجائحة بنيوي وهيكلي خلال عهد السلاطين الكبار الذين تتذكرهم الذاكرة الشعبية". وأكد المتحدث أن "الكارثة العظمى تقع حينما تكون السلطة ضعيفة، مثلما وقع في وباء 1818 خلال عهد مولاي سليمان"، موضحا أن "الذهنية المغربية تريد سلطة قوية في فترة الوباء، لأن الكل سيكون رابحا، وهو ما لاحظناه في دخول بعض الآليات القليلة للجيش إلى الدارالبيضاء، حيث استُقبلت بالفرح رغم حساسية البعض تجاه الجيش في علاقته بالحياة المدنية، لكن رُحب بها في الفترة الاستثنائية". "لما يكون لديك رأس دولة عنده صلاحيات اتخاذ القرارات، الجميع يمتثل لها في اللحظات الاستثنائية، حيث يستحسن أن تكون السلطة قوية"، يقول جويطي، مردفا أن "الدولة ستستفيد مما وقع، فباستثناء المسيرة الخضراء لم يكن هناك تجاوب للقرار نفسه منذ 1975". من جانبه، أكد المؤرخ الطيب بياض أن "معشر المؤرخين عادة ما درجوا على الحديث عن التحولات الكبرى وكتابتها، بينما معشر المؤرخين الحاليين محظوظون بمعايشة التحول الذي سيُكتب في سخونته، وهو منعطف نعيشه في التاريخ". وشدد بياض على أن "الأزمة التي نعيشها ليست مرتبطة بوباء فقط، بل كل هذه التداعيات، حيث يطرح تساؤل بشأن علاقة المؤرخ بوباء كورونا من خلال استدعاء البنية الممتدة في الزمن الطويل لفهم ظرفية عصيبة، ذلك أن تميزها اليوم لا يقتصر على الوطن فقط، بل في كونيتها وتعقيداتها عبر الرهانات الكبرى التي تخص الاستراتيجية الدولية والاقتصاد". وأبرز المؤرخ المغربي أن "المؤرخ مؤهل انطلاقا من الفهم المشكل للتاريخ أن يستدعي البنيات الممتدة في الزمن الطويل ليسهم إلى جانب باحثين من حقول معرفية مختلفة في تقديم عناصر إجابة على كل ما يعتمل هذا الظرف العصيب من تعقيدات". وأوضح بياض أن "أكثر ما نحتاجه في هذه اللحظة هو تلاقح العلوم المعرفية، حيث علمتنا التجارب التاريخية أنه يظهر فكر منظر للأزمة في لحظة معينة، حيث تفرض منهجا ومقاربة وقراءة تتفاعل مع اللحظة، لكن ربما تتطلب الاجتهادات اللحظية إبداعا أكبر". من جانبه، قال محمد مزيان، أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في القنيطرة: "بعدما اندلع وباء كورونا، انطلقت مجموعة من الأسئلة حول ما يمكن أن يقدمه التاريخ من إفادة في الموضوع"، متسائلا: "هل التاريخ قادر على تقديم دروس تفيد البشرية في استيعاب ما يحدث؟ هل له الصلاحيات للانخراط في المعيش اليومي والحدث الآني؟". وأضاف مزيان أن "ما يركز عليه المؤرخ ليس الأزمة في حد ذاتها، وإنما تداعياتها وانتشارها على نطاق واسع، وهو ما يحيلنا على الحديث عن التاريخ الآني بوصفه تاريخا ساخنا غير قابل للتأطير، وهو ما يطرح ثنائية الذاتية والموضوعية، فالمؤرخ شاهد على المرحلة من حسن حظه". وأبرز الأستاذ الجامعي أن "المؤرخ ينطلق من الأشياء الماضية لبناء دينامية تاريخية، فهي محاولة لخلق حوار مزدوج بين الماضي والمستقبل"، موردا أن "التاريخ الآني يعتبر نقلا مباشرا للحدث، ففي سياق جائحة كورونا وقع تداخل مجموعة من المتخصصين وتغير على مستوى طبيعة الوثيقة التي اعتاد المؤرخ التعامل معها". "يوجد الآن زخم في المعطيات والصور والوثائق، ما يضع المؤرخ أمام إشكالية كبرى تتعلق بتنظيم كل هذه المعطيات لنستخلص ما يفيد المجتمع"، يردف مزيان، معتبرا أن "المؤرخ عليه الانخراط في النقاش المجتمعي حتى لا يبقى خارج الزمن، لأن الجائحة تطرح مدى قدرتنا على الفهم واستيعاب الأزمة بتجلياتها وانعكاساتها وتمثلاتها وإيصال ذلك إلى المستقبل عوض الحاضر فقط".