اعتبر أحمد الجرطي وهو يقدم للقاء الذي احتضنته قاعة القدس أول أمس الاثنين حول «الرواية وزمنها»، والذي استضاف الروائي التونسي كمال الرياحي والمغربي عبد الكريم جويطي، أن الرواية تشكل اليوم الجنس الأدبي الأكثر انتشارا كما أنها بصمت على حضور لافت جراء ما حققته من تراكم في تقنياتها الاسلوبية والسردية، بالإضافة الى طرحها لموضوعات الزمن المعاصر.، مشيرا إلى أن جنس الرواية ظل ممانعا ومتأبيا على التدجين والترويض المؤسساتي. وأضاف الجرطي أن الرواية إعادة قراءة للتاريخ ، قراءة جديدة تنزاح عن حقائقه القائمة للنفاذ الى عوالمه المغيبة والمطموسة، لامتلاكها طاقات أسلوبية هائلة لتجديد خصائصها كما تتميز بقدرتها على منافسة العلوم الإنسانية في تقديم معرفة شاملة. انطلق الروائي التونسي الرياحي صاحب «عشيقات النذل»، الغوريلا»، «ا»لمشرط « الحاصلة على جائزة الكومار الذهبي ، ومجموعتين قصصيتين «نوارس الذاكرة» و «سرق وجهي»، في تدخله من التساؤل عن جدوى الرواية، ملاحظا أن هيمنتها اليوم على باقي الاجناس الأدبية من حيث المقروئية، لم تعد محل تجاذبات واختلاف حيث أصبحت الجنس الأدبي المرحب به لدى القارئ والناشر العربيين بعد أن كانت محط رفض من قبل النقاد ممن اعتبروها جنسا طفيليا، رابطا هذا التحول بطبيعة العلاقة بين الروائي والسلطة الحاكمة وتمكن هذا الأخير من انتزاع مكانة داخل هذا الزحام من المسؤوليات المعقدة الذي يعيشه الإنسان اليوم، وبالتالي إخراج الأدب من عزلته الكلاسيكية، حيث كان ينظر إليه كترف، ونقله الى مستوى الضرورة. وشدد الرياحي على أن التاريخ الرسمي يشوبه التزوير وظل محكوما منذ أمد بعيد بانتماء المؤرخ لماكينة النظام، بالإضافة الى أنه تاريخ يكتبه دائما المنتصرون وبالتالي ظل عاجزا عن نقل هواجس الشعوب لانشغاله عن الواقع بالوقائع ، وهو ما يفسر التضييق الذي يمارس على الروائي الذي اختار المجازفة بإعطاء صوت ، في نصوصه، لمن يعيشون خارج التاريخ الرسمي، الممنوعين من الكلام، للمعتقلين، الأقليات وحتى المنحرفين والمجانين والمقصيين بعيدا عن مخافر السلطة. ورسم الرياحي ملامح الروائي الحقيقي الذي يراقب ويرصد، يجمع ثم يسجل مثل ميزان حرارة يقرأ المجتمع في حالاته الحقيقية، يقدر الاحتمالات أكثر من السياسي الذي يقرأ المجتمع من خلال الرغبات والشعارات، مؤكدا أن الرواية تخلق تاريخا مضادا لانشغالها بأسئلة الراهن لذا يرى الرياحي أنه ليس للعالم بديل غير الرواية والوعي الذي تمنحه للقارئ. كما أنها تظل في المجتمعات المحبطة واحدة من أكبر التعويضات الممتعة التي استطاع الإنسان ابتكارها للم شتات الشعوب، لأنها تشيد عالما حرا يصنعه الروائيون احتجاجا على الراهن الذي يصنعه الحكام. ولم تفت الروائي التونسي الإشارة الى دور دور النشر العربي في الانتشار الواسع لهذا الجنس الادبي الذي عمق عير تاريخه، حاجتنا الى التثاقف الداخلي حيث أصبحت القضايا المحلية اليوم قضايا رأي عام عربي.، متوقفا عند الخطورة التي تكمن اليوم في توجيه مقروئية الرواية نحول ميول فئة معينة وخاصة الشابا لما فيه من إضرار بالذائقة الأدبية. من جانبه جزم الروائي عبد الكريم جويطي في تدخله حول هيمنة الرواية اليوم بأننا لانعيش حقا زمن الرواية، مضيفا أننا لم نقم بعد بنقلة حقيقية نحو الرواية إذ لا يزال هذا الجنس في بداياته. واعتبرالجويطي ان ما يمكن أن تقدمه الرواية اليوم في عالم عربي ينتصر فيه التقليد هو قدرتها على التحليل ، وعلى الانكباب على أوهامنا لأنها الجنس الأدبي الوحيد الذي يملك أدوات هائلة لتحطيم كل شيء داخل المجتمعات من إجماعات زائفة أو رأي واحد بني بالعنف والقناعات والأساطير الوطنية المؤسِسة. واعتبر جويطي صاحب «كتيبة الخراب» و»ليل الشمس» و»الموريلا الصفراء»، و «المغاربة» الفائزة بجائزة المغرب للكتاب السنة الماضية، أن الروائي هو شخص يخلخل القناعات ويزرع الشك ويقلّب تربة التاريخ كاشفا ما تم إخفاؤه معتبرا الرواية «امبراطورية الشك» بامتياز ومضيفا أنها ظلت دائما مربكة للقناعات التي يراد لها أن ترسَّخ، كما انها الجنس الذي يحطم نفسه باستمرار ويتطور في خضم عملية التحطيم هاته، وبهذا المعنى فإن الرواية قامت بحركة مضادة لتشظي العلوم الإنسانية وأخذت على عاتقها كتابة نص تلتقي فيه كل العلوم الإنسانية لتقدم بالتالي معرفة متناسقة ، مشبها الرواية، بهذا التجميع، بأنها شعرية القلب ونثرية العلاقات الاجتماعية اذ أنها تبحث في الهوة بين الشخوص والواقع . وفي الاطار شدد جويطي على أن الروائي دون غيره من الكتاب مطالب بامتلاك ثقافة عميقة حيث لا يمكن كتابة رواية بثقافة ضحلة لا تستطيع تقديم رؤية لمجتمعها ، محذرا من خطورة توجيه مقروئية الرواية في العالم العربي ومن القرصنة ، والفوضى وحالة إفساد الذوق العربي سواء من طرف مؤسسات الإعلام أو دور النشر أو ممارسي القرصنة.