يمتح التطوع مشروعيته من ثقافتنا الحضارية وتقاليدنا العريقة. ومما عمق هذا الاختيار ، هو دسترة هذا المبدأ بشتى التعابير السائدة. لكن الدافع الذي جعلني أقارب هذا الموضوع هو مجموعة من الإشكالات التي تصاحب دلالة التطوع. أي: هل التطوع يعني المجانية؟ هل هناك تأصيل قانوني وتنظيمي لمفهوم التطوع؟ كيف نميز بين التطوع التلقائي والتطوع التعاقدي؟ إن اقتحام هذا الباب تفرضه الضرورة التشريعية المغيبة في هذا المجال، والأدوار التي مكن الدستور منها المجتمع المدني. وهذا مجال اهتمام مجموعة من الأنسجة المدنية، حتى نضمن جميعا قواعد مشتركة لمفهوم التطوع، ونقله من التلقائية إلى المهنية. إن حل هذه الإشكالات سيساعد على دعم الديمقراطية التشاركية، التي تشجع على انخراط المواطنين في المساهمة في تدبير الشأن العام والمحلي. لذلك نؤكد ابتداء على أن "التطوعية" آلية مدنية تجمع بين المجتمع المدني والهيآت التنفيذية، والدولة عن طريق الشراكات والتعاقدات. إن الحكومة اليوم فتحت نقاشا وحوارا وطنيا وجهويا من أجل بلورة مدونة مدنية من ضمن أقطابها، المشروع التشريعي المتعلق بالتطوعية، الضامنة للدينامية المجتمعية، ومحفزة الكفاءات الشبابية وغيرها. إن العمل على هذا المشروع يتطلب تأهيلا كبيرا تدعمه توفير المعلومة، والتكوين، والتحسيس، والعمل المتواصل المبني على حسن التدبير والحكامة الجيدة. وتشكيل اتحادات وشبكات ومنسقيات ضمانا لتوحيد المجهود. وكون الدستور جعل العرائض ترفع من قبل المواطنات والمواطنين للهيآت المنتخبة والسلطات العمومية، فهذا مؤشر على رغبة المشرع الدستوري في إحداث التفاعل بين المدني والسياسي ومؤسسات الدول في إطار تفعيل الديمقراطية التشاركية، بناء على التكاملية بينها وبين الديمقراطية التمثيلية. وكون المغرب في بداية مشواره بالنسبة لهذا البناء التشاركي، فإنه من الضروري الاستفادة من التجارب الدولية. لذلك لا بد من بذل المجهود من أجل إنجاح عملية التنسيق بين كل الأطراف بغية الوصول إلى صياغة منتوج تشريعي لفلسفة"التطوعية" وامتداداتها المدنية في رسم معالم علاقات أفقية وعمودية. وبالتالي سنؤسس لقيم مدنية مشتركة تصبح اللغة التي يفهمها الجميع، مما يساعد على زرع التطوعية بمفهومها المهني، والمؤسساتي، طبعا ولن يحصل هذا إلا بتوفر العزيمة والإرادة لكل الفاعلين، ووجود المناخ التطوعي المبدئي، المنبثق من القيم الحضارية الإنسانية. ومن خلال هذا المقال التحسيسي أؤكد على مجموعة من القضايا أوجزها فيما يلي: - التطوعية عنوان كبير للانخراط في المواطنة، بشقيها الحقوقي والواجباتي. - التطوعية مؤشر مشجع على انخراط المواطنين في التدبير، إذا بنيت على المرونة والبساطة. - التطوعية حتمية لإنتاج شبكات عمل متناغمة ومتناسقة. - التطوعية التزام مدني للعمل الإنساني. - ضرورة إنتاج تشريع يهم "التطوعية" احتراما للضمانات القانونية والتنظيمية لمجالات تنزيلها على الواقع. - ضبط معايير التطوع المهني التعاقدي ضمانا لاستيعاب شرائح المجتمع بناء على عنصري الفطرة والعلم لأن صحيح المنقول يتناغم مع صحيح المعقول. - الالتقائية ركيزة أساسية ومساعدة على تجسير العلاقة بين المجتمع المدني والسلطات العمومية والهيآت المنتخبة. - بناء منطق الحكامة والشفافية والوضوح في دعم وصرف ميزانيات المشاريع المدنية. - تفعيل منطق الشراكة، والتعاقد بناء على منشور 2003 للوزير الأول، ومجموعة من المعاهدات الدولية، والأعراف السائدة. - إن التطوعية تبنى على المعرفة، والكفاءة، والمبادرة، لأن الغاية هو مأسسة المهنية والتعاقدية. - للإعلام بشتى أنواعه بحكم سلطته تأثير كبير على نشر ثقافة التطوع بشقيها التلقائي والتعاقدي. - إن الاعتراف الرسمي بالتطوعية التعاقدية، مرتبط بحضور الهيآت المهتمة بهذا الشأن بالحضور الفعلي داخل المجتمع. واحترام الاختيار الديمقراطي في كل شيء خاصة وأنه أصبح ثابتا من ثوابت الأمة الجامعة. - إن التطوعية آلية فاعلة من أجل التربية على على التشاور، وتكافؤ الفرص، والرفع من القدرات، والاستثمار في الموارد البشرية... - الحكومة مؤهلة من خلال تعدد قطاعاتها لتقديم الدعم بمختلف أشكاله لمفهوم "التطوعية"، في تنسيق وتشاور مع المجتمع المدني. من خلال هذا العرض الموجز، نؤكد على أن محور التطوعية سيعرف تطورا كبيرا نظرا لوجود إطار حكومي يهتم بالموضع، ولجن مدنية، ومنظمات مجتمعية ذات نفس الاهتمام، والوثيقة الدستورية التي تجبر كل الفاعلين التعاون من أجل التنزيل الديمقراطي لمقتضياته خاصة ما له علاقة بالموضوع. إضافة إلى وجود تجارب دولية لبلدان شقيقة لها مشوار مشرق في هذا المجال. إن التطوعية نتاج فكري وعملي للممارسة المجتمعية الشاملة لمجالات متعددة. تتعاون فيها الديمقراطية التمثيلية، والتشاركية، والقرب..من قبل فاعلين إقليميين ودوليين، وتحتاج إلى تدبير محكم. من أجل الانخراط الشامل في المساهمة في تدبير الشأن العام، انطلاقا من رؤية مندمجة ومتكاملة. ونتمنى أن يكون الإنتاج التشريعي المرتقب منسجما وملبيا لهذا الطموح التطوعي المؤسساتي والتعاقدي والمهني.