على الرغم من حِرْص وزارة الوظيفة العمومية وتحديث القطاعات، على إيراد جُملة في تقديمها لمشروع قانون 31.13 المتعلق بالحصول على المعلومات، جاء فيها أنّ "توفير المعلومات بالقدر الكافي يساهم في ترسيخ الديمقراطية التشاركية قيَما وممارسة من خلال تحفيز المواطنين على المشاركة في مراقبة عمل الإدارة وفي اتخاذ القرار"، إلاّ أنّ مضمون مشروع القانون، لم يكن كافيا، ل"إرضاء" الباحثين والحقوقيين وممثلي هيئات المجتمع المدني، وحتى ممثلي عدد من المؤسسات التابعة للدولة، الذين شاركوا خلال اليوم الدراسي الذي نظمته هيأة مراقبة الرشوة بالمغرب (ترانسبارانسي)، والنقابة الوطنية للصحافة المغربية ومنظمة الدفاع عن حرية التعبير والإعلام "حاتم"، حول موضوع "الحق في الحصول على المعلومة". فإذا كان رئيس مجلس المنافسة، عبد العالي بنعمور، قد اعترف، خلال الجلسة الصباحية، بوجود عراقيل تحول دون الحصول على المعلومات حتى بالنسبة للصحافيين، فيما دعا رئيس الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة، عبد السلام أبودرار إلى تقليص دائرة "الاستثناءات" التي يتضمّنها مشروع قانون الحصول على المعلومات الذي أعدّته وزارة الكروج، لتفادي العودة إلى مفهوم "كلّ ما من شأنه"، فإنّ ممثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مصطفى العراقي، قدّم، خلال الجلسة المسائية، عدّة ملاحظات حول المشروع، باسم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي أعدّ مذكّرة بهذا الشأن سيرفعها إلى الجهات المعنية. العراقي، الذي اعتبر الحق في الحصول على المعلومات بمثابة العمود الفقري لبقيّة الحقوق، وعلى غرار أبودرار، دعا إلى ضرورة تقليص الاستثناءات التي تضمّنها المشروع ما أمكن، وأن تكون واضحة، ومجرّدة من العبارات الفضفاضة، ومنسجمة مع ما تنصّ عليه المواثيق الدولية المتعلقة بحماية الحياة الخاصّة للأفراد، مشيرا في هذا الصدد إلى ما ورد في الباب الخامس من مشروع القانون الذي أعدّته وزارة الوظيفة العمومية وتحديث القطاعات، والذي ينصّ على أنّ الحصول على المعلومات لا يمكن أن يمارس بشكل مطلق، بل هناك معلومات مشمولة بالاستثناءات كالمعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد". ممثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان قال إنّ عبارة "الأمن الداخلي والخارجي" التي تضمّنها نصّ المشروع هو مفهوم فضفاض، إذ يكفي، يضيف المتحدث، أن تنشر صحيفة ما خبرا حول الصفقات العمومية المتعلقة بالجيش لتتمّ محاكمتها، داعيا إلى أن يكون القانون دقيقا في مُصطلحاته، وأن تكون الاستثناءات دقيقة وواضحة، تفاديا لأي تأويل خاطئ، وتفاديا لاستعمال الشطط في السلطة من طرف مسؤولي المؤسسات العمومية والدولة. وإضافة إلى "الاستثناءات"، دعا العراقي، الذي كان يتحدث باسم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى ضرورة أن تتمتّع اللجنة الوطنية المشرفة على إعداد مشروع قانون الحق في الحصول على المعلومات بالاستقلالية التامّة عن جميع المؤسسات الدستورية، ضمانا لاستقلالية عملها، كما دعا إلى القيام بحملات تحسيسية "لتغيير العقلية الإدارية السائدة، حتى تصير المعلومات التي بحوزة الإدارة في متناول جميع المواطنين، كما ينصّ عل ذلك الدستور". على صعيد آخر، تحدث محمد الخمليشي، عن اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي في مداخلته عن إشكالية الحق في الحصول على المعلومات، وحماية الحياة الخاصّة للأفراد، حيث أورد بهذا الخصوص مسألة نشر لوائح المستفيدين من رخص النقل، التي أقدمت عليها وزارة التجهيز والنقل قبل شهر، وكذا نشر القرارات التأديبية في حقّ القضاة الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء مؤخّرا، حيث رأى مؤيّدو الخطوتين في ذلك تعزيزا للشفافية، فيما رأى المعارضون أنّ في ذلك مسّا بالحياة الخاصة للأفراد. الخمليشي قالَ إنّ هذه الوضعية، التي وصفها ب"المنطقة الرمادية"، تحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة، في أفقِ أن يخرج مشروع القانون بنصّ يضمن الحقّ في الحصول على المعلومة، دون أن يمسّ ذلك بالحياة الخاصة للأفراد، مضيفا أنّ مشروع قانون رقم 13.31 المتعلق بالحصول على المعلومات، لا يتعارض في عمومه مع القانون رقم 08.09 المتعلق بحماية المعلومات الشخصية للأفراد. "المنطقة الرمادية" التي أشار إليها ممثل اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، قال محمد العوني، رئيس منظمة حرية التعبير والإعلام "حاتم"، إنّ هناك إمكانية لتجاوزها بسهولة، "وأن يصير لها لون واضح"، ما دام أنّ هناك تجارب دوليّة حسَمت في هذا الموضوع، داعيا إلى الاقتداء بهذه التجارب. اليوم الدراسي الذي انعقد تحت عنوان "من أجل قانون ناجع للحق في الحصول على المعلومة، وتدابير فعالة لترسيخه"، اختُتم بتلاوة التقرير الأولي الذي تضمّن أهمّ التوصيات والخلاصات التي وردت في تدخلات المشاركين، والذي سيكون أرضية تمهيدية لمذكّرة للمرافعة أمام الحكومة والبرلمان والمؤسسات المعنية. التقرير الأوليّ تضمّن دعوة إلى إعطاء الأولوية لقانون حق الحصول على المعلومات مقارنة مع باقي القوانين، وضرورة مراجعة القوانين الأخرى، أو تعديلها، بما يسمح بتطبيق سليم لقانون الحصول على المعلومات، وبشكل لا يتعارض مع مقتضياته. وفي مجال التحسيس، وإشراك المجتمع المدني، دعا التقرير إلى الرفع من مستوى تحسيس المواطنين، والإدارات والمؤسسات العمومية، والمقاولات الخاصة بأهمية القانون، بهدف التفاعل الإيجابي معه، مع ضرورة إشراك فعاليات المجتمع المدني والهيئات المهنية في بلورة الصياغة النهائية للقانون، والأخذ بملاحظاتها واقتراحاتها. على صعيد التطبيق، أوصى التقرير بضرورة مراجعة النظام الأساسي للوظيفة العمومية، خاصة في الشقّ المرتبط بالسرّ المهني، وعدم مواجهة المؤسسات الوطنية المختصة في الحصول على المعلومات بمبرّر الحفاظ على السرّ المهني، مع تقوية برامج الحكومة الالكترونية، وخلق جماعات محلية إلكترونية لمساعدة الجماعات المحلية على التواصل مع المواطنين عن طريق وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصال. التقرير أوصى أيضا بملاءمة مشروع قانون الحصول على المعلومات مع الدستور، والمعايير الدولية، مع التنصيص لزوما على إلزامية الإدارة على إعطاء المعلومات لطالبها، وصياغة القانون بلغة واضحة ودقيقة لا تترك أي مجال للتأويل الفضفاض. مجال الاستثناءات كان حاضرا في التقرير الختامي لليوم الدراسي، إذ أوصى المشاركون بضرورة تقليص مجال الاستثناءات وربطها بمبررات واضحة، كما دعوا إلى إعادة النظر في تركيبة اللجنة الوطنية للحق في الحصول على المعلومات، بما يضمن تمثيلية أوسع للمجتمع المدني، ويعزز من استقلاليتها.