الواقع التشريعي والحق في الولوج للمعلومات بداية، لا بد من التأكيد على أن العصر الحالي، هو عصر يتسم بكونه عصر»المعلومات»ولقد اعتبره البعض عصر الثورات الثلاثة، الثورة الديمقراطية والثورة التكنولوجيا، وثورة المعلومات على اعتبار أن حرية الصحافة والإعلام عموما، تعتبر حقا من حقوق الإنسان، وسنلاحظ ذلك الاهتمام المتميز لدى أصحاب القرار وبالأخص المسؤولين التشريعين منهم، وأضحى مبدأ أحقية الإنسان في الإعلام والاتصال، مكسبا تقرره معظم دساتير العالم، فضلا عن المواثيق الدولية وبالأخص الفصل 19 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان. والملاحظ أن عددا من الدول العربية قد واكب إقرار هذا الحق في دساتيره، ثم فيما بعد عملت على صياغة قوانين تنظيمية تجسد هذا الحق عمليا، بما يتماشى وظروف كل دولة على حده. وإذا كانت مجموعة الدول ما تزال تعاني من فراغ تشريعي، بخصوص الحق في الولوج إلى المعلومات، فإن ثمة كثير من الدول حاولت تفادي هذا الفراغ التشريعي. ومنها المغرب الذي عمل على سد، هذا الفراغ، عبر مشروع قانون الولوج إلى المعلومات،الذي قدمته الحكومة إلى البرلمان في هذا الاتجاه. علما أن الدستور المغربي لعام 2011، قد أكد في فصله 27 ? إلى أحقية المواطن في الولوج للمعلومات كما أن الديباجة لأولى للدستور قد أشارت صراحة لهذا الحق، وهو الأمر الذي نص عليه الفصل 28 كذلك. الإجراءات التشريعية المغربية الحالية وتفاديا للفراغ المشار إليه، عملت الحكومة المغربية على تقديم مشروع قانون الحق في الولوج إلى المعلومات. و قدمت بعض الفرق البرلمانية، ومنها الفريق النيابي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والفريق النيابي للحركة الشعبية مقترحات قوانين بصفة موازية . وكانت الأمانة العامة للحكومة، قد عممت بواسطة موقعها الإلكتروني، مسودة مشروع قانون الحق في الولوج إلى المعلومات، الذي قدمته إلى البرلمان ونجد في نص المشروع تعريفا « للمعلومة» بأنها كل المعطيات والبيانات، المعبر عنها في شكل أرقام وأحرف، ورسوم أو صور، كيفما كانت الدعامة الموجودة فيها، ورقية، أم إلكترونية، أو غيرها وقد وضعت لهذه الغاية، لائحة، شملت الوثائق الإدارية، التي عادة ما تكون عبارة عن تقارير ودراسات، ومراسلات، وآراء استشارية إضافة إلى القرارات الإدارية، والأوامر، والأحكام والقرارات القضائية، وقد حدد هذا المشروع الهيئات المعنية بتسليم المعلومات، والتي تشمل الإدارات العمومية، والجماعات المحلية، والبرلمان ومؤسسة القضاء، وكل هيأة ترافقها أو تساهم في تمويلها هذه الهيئات، وكل مقاولة من القطاع العام، أو الخاص مكلفة لتسيير مرفق عام. وبموجب هذا القانون سيكون لكل مواطن أو مواطنة، كما بالنسبة للأشخاص المعنويين الخاضعين في وضعهم القانوني للنظام القانوني المغربي، بإمكانه أن يحصل على المعلومات والوثائق، التي تكون في حوزة الهيآت المعنية، مع التأكيد على مراعاة مقتضيات هذا القانون في تطبيقاته، كما أنه يمكن، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم المساس بالمصلحة العامة أو الإضرار بها، وكذلك الشأن بالنسبة للمصالح الخاصة لعموم الأفراد، أن يعيد أي فرد استعمال المعلومات، وتوظيفها، والتي سبق تعميمها من خلال النشر، أو سبق تسليمها من لدن الهيأة المعنية. وطبقا لهذا القانون، تكون الهيأة المعنية، ملزمة بتعيين شخص أو أكثر، يكون مكلفا بمهمة تلقي طلبات الحصول على المعلومات، عند الحاجة وفي حالة إذا ما تم رفض هذا الطلب، على الشخص المسؤول أن يبرر رفضه تسليم المعلومات المطلوبة برسالة مكتوبة، ذات طابع رسمي. المعلومات المسموح بالحصول عليها. عمل مشروع القانون الحكومي، على تحديد المعلومات المسموح الحصول عليها ويمكن حصرها في زهاء عشرون مجالا : النصوص التشريعية، والتنظيمية الخاصة بهذا القانون مشاريع ومقترحات القوانين ومهامها وهياكلها الخدمات المقدمة للمواطنين من طرف الإدارة المساطر المتعلقة بالخدمات الإدارية المقدمة للمواطنين حصيلة الخدمات المقدمة للمواطنين التراخيص الإدارية، ورخص الاستغلال طرق التظلم المتاحة للمواطنين، المتعاملين مع الإدارة حقوق وواجبات المواطن تجاه الهيأة المعنية عروض مناصب الشغل، والتوظيف ولوائح المستخدمين فيها. الأنظمة والمساطير والمذكرات والدوريات والدلائل التي تحتفظ بها الهيأة المعنية دليل الموظفين والأعوان، والمستخدمين ومهامهم، ومسؤولياتهم. الأعمال والتقارير والبرامج والبلاغات والدراسات والأعمال التحضيرية المرتبطة لهيئة صنع القرار. أنواع المعلومات، التي تحتفظ بها الهيأة المعنية مع الإشارة إلى الوثائق المتاحة إلكترونيا وميزاتها، وجميع برامج لإعانات المالية مشروع قانون المالية والتقارير المرافقة له مشاريع الميزانيات الفرعية للوزارات الإحصائيات الاقتصادية والاجتماعية المعطيات المفصلة والمجهولة الاسم للأبحاث الميدانية إحصاء السكان والسكن والمقاولات. المعلومات والمعطيات التي لا يحق للمواطن الحصول عليها. وبموازاة مع ما سبق، نص المشروع على المعلومات والمعطيات التي لا يحق للمواطن الحصول عليها وهي تقارب خمسة عشر منها. وجاءت كالتالي: المعلومات التي تتعلق بالدفاع الوطني المعلومات التي تتعلق بأمن الدولة الداخلي والخارجي المعلومات إلي تتعلق بالحياة الخاصة للأفراد المعلومات المتعلقة بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور مداولات مجلس الوزراء، والمجلس الحكومي شأن هذه الاستنادات المعلومات التي يؤدي الكشف عنها إلى إلحاق ضرر بالعلاقات مع دولة أخرى أو منظمة دولية حكومية المعلومات المقدمة من طرف دولة ما أومنظمة على أساس الحفاظ على سريتها المعلومات التي تكشف قدرة أو عدم قدرة الدولة على تدبير السياسة النقدية والمالية، أو سياسية عمومية قيد الإعداد سير المساطر القضائية والمساطر التمهيدية المتعلقة بها. الأبحاث والتحريات الإدارية وحقوق الملكية الفكرية . مسطرة الحصول على المعلومات: وقد حدد مشروع القانون المقدم من طرف الحكومة شروط ومسطرة الحصول على المعلومات بناء على ما يلي : أن يقدم طلب مباشر إلى الإدارة المعنية مقابل وصل يتم تقديمه إلى الشخص المعني بالطلب أن يتم تحديد وبدقة وبوضوح المعلومات المرغوب في الحصول عليها يلزم مشروع هذا القانون الجهة المكلفة تسليم المعلومة، أن تستجيب لطلب الحصول على المعلومات داخل أجل 15 يوما أخرى. كما حدد هذا المشروع، الأسباب التي تمكن الإدارة من إضافة ملف خمسة عشر يوما كأجل إضافي. إما لصعوبة لحصول على كمية كبير من الوثائق، أو إذا كان الطلب يطلب استشارة الغير قبل تسليم المعلومة المطلوبة. والملاحظ أن هذا المشروع باعتباره مشروعا لقانون يضمن حق المواطنين والمواطنين في الحصول على المعلومات، يتضمن عدة ثغرات منها ما يتعلق بالمضمون، ومنها ما يتعلق بالجانب المنهجي أسلوبا وصياغة، من ذلك أنه لم يحدد في تعريفه للمعلومة، طبيعة هذه المعلومة ونوعها، كما لم يحدد طريقة استخدامها إعلاميا وجعل مسألة الاستفادة من المعلومة، رهين بمدة محددة لكنها طويلة نسبيا، الأمر الذي يجعل الصحفي يواجه صعوبة حقيقية على طريق الاستفادة من المعلومة آنيا. إضافة إلى هذا فقد ذهبت المادة 19 من هذا المشروع إلى تحديد استثناءات كثيرة تجعل عديد من المؤسسات محرمة على الصحفيين وعموم الراغبين في الاستفادة من المعلومات، تخص هذه المؤسسة أو تلك . ويمكن تسجيل بعض المآخذ على المشروع الحكومي وهي أربعة: الملاحظة الأولى، أن مشروع قانون الحكومة حول الحق في الولوج للمعلومات يطرح تفسيرات ضبابية، ويقدم مفهوما فضفاضا لحرية تداول المعلومات وهو بهذا يعاكس الاتجاهات العامة العالمية التي تدعو الحكومات إلى ضرورة توسيع مفهوم حق الإنسان في الاتصال وحقه في الحصول على المعلومات، وطريقة سريانها، وأسلوب تداولها. . الملاحظة الثانية، وهي أن هذا المشروع على غير ماهو متداول في قوانين مماثلة، في الديمقراطيات الغربية. وفي آسيا والولايات المتحدةالأمريكية لم تمنح للصحفيين والصحفيات، امتيازات محددة للحصول على المعلومات إن على مستوى مساطير الحصول عليها، أو على مستوى إعطاءهم أسبقية الحصول على المعلومة آنيا، وبالأخص تلك المرتبطة بالأحداث الجارية وطنيا ودوليا. الملاحظة الثالثة، أن المشروع الحكومي عمم هذا الحق على عموم المواطنين بما يعني، أن الاستفادة من المعلومة ? مهنيا - أضحى مجالها ضيقا. الملاحظة الرابعة، تكمن في كون الإشكال الأساسي ليس في منظومة القانون، ولكن يكمن في هيمنة عديد من القوانين الأخرى الموازية، إلى حد تعديها على الحريات ، وتقليص مجالاتها، من خلال امتلاك السلطة التنفيذية لآليات تقنية تجعلها قادرة على تفسير منظومة القانون وفقا لخطها السياسي العام ليس إلا. *موقف الأحزاب السياسية لممثلة في البرلمان * بجانب مشروع قانون الحق في الولوج للمعلومات الذي قدمته الحكومة، قدمت بعض الفرق البرلمانية مقترح قانون وهي الفريق النيابي لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي قدم مقترح قانون يرمي لضمان حق الحصول على المعلومات. ويتضمن هذا المقترح نحو خمسة عناوين رئيسية هي: التعريفات والأهداف الحق في الحصول على المعلومة الاستنادات المفوضية العامة للمعلومات أحكام خاصة وقدم فريق الحركة الشعبية في مجلس النواب مقترح حول الحق في الحصول على المعلومات، وقد تضمن هذا المقترح إضافة للديباجة 16 مادة وهي عبارة عن إجراء مسطرية للحصول على المعلومة ولم يفلح هذا المقترح في تحديد تعريف ماهية المعلومة. كما لم يربط بين طبيعة المعلومة التي يتطلبها العمل الصحفي. وسار في مسار مشروع الحكومة الذي اعتبره نوعا من تعميم غير محدد للمعلومة، ولم يضع إطارا مهنيا لها. بالنسبة لمقترح قانون الفريق النيابي الاتحادي، فقد عالج الحق في الولوج للمعلومات، عبر خمسة أقسام تشتمل على ثلاثة وأربعين مادة: ففي القسم الأول، عمل المقترح على تحديد تعريف للمعلومة كما حدد مفاهيم أربعة مصطلحات وهي : 1. الهيآت العمومية 2. المفوضية العامة للمعلومات 3. المعلومات 4. الرسوم كما عمل على تحديد الغرض من القانون وهو تسهيل الحصول على المعلومات، ولم تحدد هذه المادة نوعية المستفيدين، كما لم تعمل على استثناء فئة دون غيرها فيما يتعلق بإعطاء أسبقية الحصول على المعلومة، وكذا نوعيتها بالنسبة لفئة الصحفيين الذين تشكل المعلومة لديهم عنصرا أساسيا ومركزيا في عملهم الصحفي. ويختلف المقترح الاتحادي، عن المشروع الحكومي، كونه أعطى للأجانب، وكذا المؤسسات الأجنبية الحق في الحصول على المعلومات وهو الأمر الذي لم يشر إليه المشروع الحكومي. وتؤكد المادة الثانية من هذا المقترح، على أن الغرض من هذا القانون هو تسهيل الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الهيآت العامة إلا ما دخل فيها في نطاق الاستثناءات التي حددها القسم الثالث من المقترح الاتحادي الذي يشير إلى تسهيل الوصول، وليس إلزام الإدارة، بإعطاء المعلومات التي يطلبها المواطنون. ويحدد هذا القانون بصفة أساسية مسطرة الحصول على المعلومة، كما يحدد من تطلب منه هذه المعلومة. واللافت للانتباه أن هذا القانون، جاء بمؤسسة جديدة التي ستتكفل بتسليم المعلومة، وهي التي جاء بها القسم الرابع الذي أحدث مؤسسة المفوضية العامة للمعلومات، التي تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، ويترأسها مفوض عام، كما حدد القانون مهام هذه المفوضية. وبصفة عامة، فإن مقترح القانون الاتحادي، هو عبارة عن تسطير قانوني لمعظم الإجراءات الإدارية التي يتطلبها الحصول عل المعلومة. كما أنه في سياق كلامه عن المعلومات وصفاتها وأنواعها ، لا يشير إلى العناصر المميزة للمعلومة التي يتطلبها العمل الصحفي أين كان نوعه وبالتالي، فإن السياق العام الذي نهجه المشروع الحكومي، هو ذاته الذي طبع المقترح الاتحادي بمعنى أن كلا الموقفين لا يعكسان رغبات ومهام العمل الصحفي، ولا يعتبران سندا قانونيا مشروعا ? يمكن أن يحمي الصحفي في عمله اليومي، أيا كانت طبيعته. و يسري هذا الحكم، على المقترح الحركي الذي يرمي إلى تكريس مبدأ الحق في الحصول على المعلومات لكل المواطنين والمواطنات طبقا لمقتضيات مقترح القانون المقدم إلى البرلمان بمجلسيه. وكما هو الشأن بالنسبة للمقترح الاتحادي، فإن هذا المقترح، يغلب عليه طابع إجرائي إداري دون مزيد من تحديد للمفاهيم العامة « «للمعلومة»، لتبقى المعلومة الواردة في هذا القانون هي المعلومة ذات الطابع الوثائقي الإداري الذي يعتبر حق الحصول عليها حقا مكتسبا. كما أنه ليس فيه ما يميز»المعلومة» ذات الطابع المهني الصحفي، والمعلومة العادية ذات الطابع الإداري فضلا أن ثمة بعض ما ذكر هذا القانون يتم تفعيله بفعل النشر الرسمي الذي يفرضه القانون، أو أن ثمة هيآت متخصصة بإعلام المواطن بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، بناء على المؤشرات الاقتصادية التي هي نتاج وضع تنموي معين. وهذا الأمر يسحب على قانون الميزانية وعلى نشاطات الوزارات ، ثم على التصريح الحكومي الذي يعتبر تركيب منهجي لكل نشاطات الدولة ومتفرعاتها. مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال