القصر الملكي يعلن عن زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب في 28 أكتوبر    كأس أمم أفريقيا لكرة القدم الشاطئية.. المنتخب المغربي يتغلب على غانا (5-2)    في مشهد "سريالي".. حضرت المعارضة والسلطة وغاب أيت منا وأغلبيته عن الدورة الاستثنائية لمجلس المحمدية    ارتفاع التضخم ب0,8% وكلميم أغلى المدن المغربية في تكاليف المعيشة    لكبح ارتفاع أسعار اللحوم.. إعفاءات ضريبية لاستيراد قرابة مليون رأس من الماشية    ارتفاع التضخم يقلص مدة الرحلات السياحية للأمريكيين    إدارية طنجة تعزل الشرقاوي من رئاسة مقاطعة طنجة المدينة وتجرده من عضوية جماعة طنجة    الزنيتي مهدد بالغياب عن "الكلاسيكو" بسبب الإصابة    من هم اللاعبون المغاربة أكثر دخلا في إسبانيا … ؟    تعليق عمل 11 أستاذا مغاربيا في مدرسة بكندا بتهمة خلق بيئة "سامة" للطلاب    قنصلية مغربية متنقلة تثير الجدل في إسبانيا    حوار مع مخرج "مذكرات" المشارك في المهرجان الوطني للفيلم    أزمة حقيقية تهدّد جيش إسرائيل    وفاة رجل الدين التركي كولن المتهم بتدبير محاولة انقلاب في 2016    حزب الله يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية وغارات تستهدف محيط مطار بيروت    الحكومة تصادق على مشروع قانون المالية 2025 والنصوص المصاحبة له    قانون المالية.. الحكومة تقترح 28 ألفا و906 من المناصب الجديدة بالوزارات والمؤسسات التابعة للدولة    مشروع قانون المالية 2025: تخصيص 16.5 مليار درهم لدعم غاز البوتان والسكر والدقيق    حارث يواصل تألقه رفقة مارسليا بتسجيل هدف أمام مونبوليي        ملاحقة قناص بلجيكي ضمن وحدة النخبة الإسرائيلية        تخصيص حوالي 200 مليون سنتيم لإصلاح طرقات مدينة مرتيل    كيوسك الإثنين | أغلفة مالية إضافية للتعليم والصحة والاستثمار العمومي    "حماس" تدعو المجتمع الدولي لفرض عقوبات على إسرائيل    "أنوار التراث الصوفي بين الفكر والذكر" شعار مهرجان سلا للسماع والتراث الصوفي    انتشار مرض الكيس المائي الطفيلي بإقليم زاكورة..    عمال "سامير" يخضون اعتصاما لاسترجاع حقوقهم وإنقاذ المعمل من التلاشي    سناتور من سكان أستراليا الأصليين تحرج عاهل بريطانيا    "جمعية ضحايا تازمامارت" تعيد تشكيل مكتبها المسير وتضع على رأسه أحمد المرزوقي    البنك الدّولي يتوقع انخفاظ نسبة النموٌّ في المغرب إلى 2.9% في عام 2024    دوليبران.. لم تعد فرنسية وأصبحت في ملكية عملاق أمريكي    الاتحاد الأوروبي يقسم ناخبي مولدافيا    قناة تركية تنعى الداعية فتح الله غولن    ارتفاع تكلفة الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان إلى أرقام قياسية    كشف مجاني لمرضى بالقصر الكبير    المغرب يحتفي بحفظة الحديث النبوي    "فندق السلام" يلقي الرعب في قلوب متتبعي المهرجان الوطني للفيلم بطنجة        الفلسطينيون يعانون لقطاف الزيتون بين الحرب في غزة والاعتداءات في الضفة        طنجة .. لقاء أدبي يحتفي برواية "الكتاب يخونون أيضا" لعبد الواحد استيتو وخلود الراشدي    اتحاد طنجة يفوز على أولمبيك آسفي    ستخلق 60 الف منصب شغل.. المصادقة على 618 مشروعا استثماريا بجهة الشمال    تدهور الحالة الصحية للممثل محمد الشوبي ونقله إلى المستشفى العسكري        دراسة: آثار التدخين تبقى في العظام مدى الحياة    "إنتر ميامي" يشارك في مونديال الأندية    معهد الموسيقى بتمارة يفتتح موسمه الدراسي الحالي باستضافة موسيقيين روس    حماة المستهلك يطالبون الحكومة بالإسراع في تنفيذ قرار استيراد اللحوم لحل الأزمة    جبور تهتم بالتوحد في "أنين صامت"    المغرب يسجل حالة وفاة ب"كوفيد- 19"    علماء يطورون تقنية جديدة لتجنب الجلطات الدموية وتصلب الشرايين    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"كوفيد الصغير" للكاتبة لطيفة لبصير .. موت الجسد أم قهر النفس؟
نشر في هسبريس يوم 06 - 09 - 2021

شكلت الكتابة على الدوام شحنة لتفريغ الألم والمرض والمعاناة والقلق الإنساني، ولكل كاتب طريقته الخاصة وتعبيره الفريد لتجسيد ذلك؛ وبهذا المعنى فإن المجموعة القصصية "كوفيد الصغير" للكاتبة لطيفة لبصير لا تخرج عن هذه القاعدة، إذ تتمثل الكتابة عندها في القدرة على جعل الألم والمرض مجالا للإبداع؛ وهي بذلك لا تبخل بالوسائل اللازمة لتحقيق غاياتها، شأنها في ذلك شأن المصور المحترف والمبدع، حيث حددت هدفها في التصوير والكشف عن وباء "كوفيد" كما أرخى بظلاله على العالم بأسره.
مثل هذا المسعى جعل الكاتبة لطيفة لبصير تغير مسار الكتابة عن كل ما ألفناه في كتاباتها السابقة، فقد انفصلت عن التحليل النفسي الذي رافق جل كتاباتها، وأقحمتنا في فن الواقعية المغلف بأسلوب سردي خلق صور الفكر الذي يتأمل قوة وباء كوفيد...
بهذا الاعتبار بنت الكاتبة بذلك إبداعا يمكن أن نسميه إبداع الأزمة. ويمكن أن نفهم كلمة أزمة كما حددها محمد برادة في أن "ما كان واضحا ومسلما به لم يعد كذلك، إنها انهيار الواضح أو ما يراد له أن يكون واضحا"، (سياقات ثقافية، ص27). ونتساءل من خلال هذه الأزمة كيف يمكن للألم أن يخلق إبداعا؟ كيف يمكن للخوف أن يجعل الشخوص ذواتا تتحرك ضدا على الموت؟ كيف يمكن للموت أن يخلق الحياة؟.
كثيرة هي الكتابات الإبداعية التي حاكت الأوبئة، بل كثير من الكتاب اشتهروا بقدرتهم على خلق صور جمالية من خلال البؤس والألم، منها "الطاعون" لألبير كامو و"الكوليرا في البندقية" لتوماس مان، و"الحب في زمن الكوليرا" لغبريال غارسيا ماركيز...فكان الوباء إما تخييليا أو واقعيا، وفي كلتا الحالتين خلق لنا إبداعا جماليا، ومنه إظهار قوة الإنسان في مواجهة الضعف، وتشبثه بالحياة كرها، وبالحب ضدا على الفناء والهلاك...
تجعل لطيفة لبصير من وباء كورونا تيمة أساسية لمجموعتها، وهي بذلك تؤرخ لمرحلة جد عصيبة من تاريخ الإنسانية في القرن 21...لذلك جاءت شخوص المجموعة القصصية رغم اختلاف وضعياتهم العائلية والنفسية والاجتماعية حاملة الوجه نفسه؛ إنهم أفراد مرتبكون تقودهم حياة تقترب من الموت.. إن الوباء ينخر أجسادهم وفي الوقت نفسه يلقي بظلاله على أرواحهم.
بهذا الكم الهائل من الأوصاف والصور والأحاسيس التي تعيشها الشخوص تفتح لنا الكاتبة أبوابا نطل منها على عوالم صادفناها في مواجهتنا هذا الوباء....
كرست الكاتبة لطيفة لبصير من خلال هذه المجموعة القصصية سبلا جديدة لرؤية الواقع، فكان لها حس لرؤية المزيد من الآلام التي لا نستطيع إدراكها في حالة الخوف، حيث يصبح الشك سيد المكان..استطاعت بذلك قراءة الواقع الذي نعيشه بحس ونظرة ثاقبة وبصورة جديدة في قدرتها على التعاطف مع الشخوص. ولعل هذه المقدرة على التعاطف هي التي جعلت الدكتور زكريا إبراهيم يؤكد في معرض حديثه عن الفن على أنه "لو لم تكن لدينا تلك المقدرة على التعاطف مع الآخرين عن طريق الفن لبقينا متوحشين منعزلين يحيا كل منا بمنأى عن الباقين" (مشكلة الفن، ص14). إن الدخول في حياة الآخرين يفك عنا عزلتنا وفردانيتنا ليجعل منا ذواتا تعيش من أجل الآخرين.
فالحياة والصحة من المفاهيم التي ألقت بظلالها على العالم، وجعلتنا من جديد نطرح السؤال الأبدي: هل يمكن للاجتماع البشري أن يقوم دون الحق في الصحة والحياة؟ وهل من مكان للحديث اليوم عن قيم إنسانية لضمان حق الإنسان في الحياة؟.
من قصة إلى أخرى ومن ألم إلى آخر، تعانقنا كورونا، هذا الوباء الذي أصبح "واقعا بعد أن كان شبحا" (كوفيد الصغير، ص126) يغرس جذوره في كل جسم؛ فالوباء لا يميز بين الجنس والسن، الكل سواسية أمامه..فلا مكان لأهواء الجسد، ولا مكان للرغبة الجارفة، ولا مكان للحرية، ولا مكان للتلاقي والعناق والقبلات...لذا استحضرت الكاتبة ضمن خمس عشرة قصة العديد من الشخصيات الأسطورية والأدبية والفنية والفلسفية (مي زيادة، للاميمونة، جاك برييل، أبو حيان التوحيدي، لودفيغدوتيش...)؛ وهي شخصيات جمع بينها الألم والغربة والمرض...وكأنها بذلك تعيد بناء حياة أخرى. ومن أقوى هذه الشخصيات شخصية فيلسوف القرن الرابع الهجري "أبو حيان التوحيدي" الذي خبر الغربة فعاش غريبا في غربته، وكانت تجربته الأليمة مع الحياة مقياسا لإعطاء أهمية للنفس على الجسد...
ولعل الانزواء الذي فرضه وباء كورونا على مجموعة من الناس حولهم إلى أجساد بدون نفس. وفي هذا ميز التوحيدي بين النفس والروح وأعطى أهمية للنفس لأنها هي التي تحيي الإنسان وتحركه، أليست هي الجوهر وما عداها أعراض ومتغيرات زائلة وقابلة للفناء؟.
إن انزواء الكثيرين داخل عوالمهم الداخلية جعل الكاتبة تستحضر شخصية التوحيدي، بل تستحضر الفكر الفلسفي القادر على التأمل والنظر وطرح الأسئلة على العلم، فتم ربط البؤس والألم بالنفس لا الجسد، واعتبر الوباء أزليا.. "إن الوباء الذي داهمكم أصله قديم، وإن النفس إذا اعتلت يعتل البدن أيضا، ألا ترى أنهما لا ينفصلان؟" (كوفيد الصغير، ص 126). إن البدن والنفس وجهان يتأملان بنفس القوة، ففي بحث النفس على السكينة وفي سعيها ذاك يرغب الجسد في الانعتاق من القيد....فأي سعادة للجسد إذا تعبت النفس وكلت؟ أليست سعادة الجسد من سعادة النفس؟.
إحراق التوحيدي لكتبه يبين أن وباء النفس لا ينفصل عن وباء الجسد، فالنفس إذا اعتلت اعتل الجسد أيضا...
يصبح موتا بدون ملابس بيضاء، ولا بخور عود لقماري، ولا قراءة للقران، فحتى الموت يمر بدون طقوس، "على عكس ما اعتاد عليه المغاربة" (كوفيد الصغير، ص 60) فتقهر النفس وينحل ويموت الجسد....
فكم يلزمنا لكي تبعث النفس من جديد؟.
(*) أستاذة وباحثة سوسيولوجية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.