لم نكن قادرين على تصديق ما رأيناه من تدخل عنيف ضد المحتجين عن قرار العفو عن "الجاسوس" الإسباني المُدان باغتصاب قاصرين مغاربة، ولكن حين رأينا بأعيننا الدماء تسيل، ورأنيا بذات الأعين التي سيأكلها الدود والتراب، كيف يتفنن رجال البوليس في التنكيل بالمواطنين والمواطنات (في إطار المناصفة)، بدأت بوادر الكُفر بوجود أي تغيير في البلاد تتسلل إلى قلوبنا. لم يعد هناك أدنى شك في أن ما جرى أمس الجمعة، إما أنه كابوس مزعج، أو أن هذا الزمن صار يمشي فيه كل شيء بالمقلوب، فكيف يتم منع وقفة سلمية يحتج فيها الناس ضد قرار العفو عن ذئب بشري اغتصب 11 قاصر من بينهم رضيعا في عامه الأول بمدينة القنيطرة، كيف يتم ذلك، في مرحلة يتحدثون فيها عن تفتح أزهار الربيع الديموقراطي، هل هي أزهار طبيعية أم يريدونها بلاستيكية لا يحتج أصحابها سوى على صفحات الفيسبوك، دون النزول إلى الشارع ؟ تقول جدتي، التي تَلْفَنْتُ إليها ذاك المساء، لأسأل عن أحوالها، فاغتنمت، كعادتها الفرصة لتسألني عن بعض الأخبار الجديدة، غير المفهومة كثيرا، ومن ذلك العفو عن دانييل، الذي بمرجد أن أكملت شرحي لها حيثيات الموضوع، سارعت بقولها "هاداك الكافر بالله طلقووه"، فأحاول أن أوضح إليها كيف أن الأمر يتعلق بترحيل، كما شرح وزير الاتصال للصحافيين في ندوته الأسبوعية، وليس بعفو ملكي، غير أن جدتي، تضع أذنا من طين وأخرى من عجين، وتؤكد على ضرورة قضاء مجرمين عتاة أمثال دانييل، عقوبتهم في داخل سجون البلدان التي ارتكبوا فيها جرائمهم، لكي يعود للضحايا بعض الاعتبار، بعدما تسببوا لهم في جروح غائرة يصعب أن تدمل مهما طال الزمن. لا أعرف لماذا أعجبني رأي جدتي، وتساءلت مع نفسي، عن سبب إقصائها من لجنة الحوار الوطني حول إصلاح شامل وعميق لمنظومة العدالة، أظن بأن مُساهمتها، نتيجة تجرتها الطويلة في الحياة، كانت ستشكل إضافة نوعية ؟ فالمُجرم ينبغي يقضي عقوبته قريبا من الضحية، لترى كيف أن العدالة اقتصت من الذي تسبب لها في ألمها، ومعاناة أسرتها المكلومة، متسائلة (جدتي طبعا)، ماذا عن لو قلبنا الآية، وكان الضحايا أطفال الصبلويون، هل كانت اسبانيا ستعفو عن مجرم مغربي ؟ ولهذا السبب خرجت تلك الجموع، بسبب صدمتها عند سماعها نبأ العفو عن ذلك البيدوفيلي، وحرصت على حضور وقفة الكرامة مساء الجمعة الماضي، التي شارك فيها منتسبون لأحزاب ونقابات وجمعيات، وغير منتمين، كما شارك فيها زملاء وزميلات في الصحافة، الذين لم يخرجوا فقط لتغطية الحدث، ولكن للتظاهر أيضا ضد العفو عن المجرم الإسباني الذي أدانه القضاء بثلاثين سنة سجنا نافذة، بتهمة اغتصاب قاصرين. لقد خرج الناس، لأنهم اعتبروا قرار العفو، إهانة لهؤلاء الضحايا ولذويهم، ومحاولة لتخليص مجرم عتيد من العقوبة، هؤلاء الذين خرجوا زرافات ووحدانا، ليقولوا بصوت واحد، لا يُمْكن بأي حال من الأحوال الإفراج عن مُجرم مٌُجاملة لزيارة ملك بلاده للمغرب.