«يُتحكَّم في الشعوب بسهولةٍ كُبرى عن طريق استثارة أهوائها أكثر من الاشتغال بتلبية مَصالحها.» ("غوستاف لُوبون") «[...] النّاطق باسم الجماعة، مُزوَّدًا بكل القُدرة/السلطة على الكلام والتصرُّف باسم الجماعة، وابتداءً بالتأثير في الجماعة [نفسها] بسحر الكلمة الآمرة، إنما هو البديل عن الجماعة التي تُوجد فقط بواسطة هذا "التّفويض". فهو، كجماعة صارت شخصا، يُعيِّن شخصا مُتخيَّلا، يَنتزعه من حالِ مُجرَّدِ شتاتٍ من الأفراد المُنفصلين، فيُتيح له أن يَتصرّف ويَتكلّم من خلاله "كأنّه شخص واحد". وفي المُقابل، يَحصُل الناطق باسم الجماعة على حقِّ أن يَتحدّث ويَتصرّف باسم الجماعة، حقّ "أن يتّخذ نفسَه بصفةِ" الجماعة التي يُجسِّدُها، أن يَتماهى مع الوظيفة التي "يَنذُر لها جسدَه ونفسَه" مُعطيًا بذلك جسمًا حيّا إلى جسم مَبْنيّ: "أنا الشّعب/أنا الدّولة" أو، بالمعنى نفسه، العالَمُ عينُ تمثيلِي له.» ("پيير بُورديو") من اللّافت للنّظر أنّ مُعظمَ المُتدخِّلين في المجال العموميّ يَحْرِصون، بوعي أو من دونه، على الظهور بصفةِ من يَتكلّم ويَتصرّف «بِٱسم الشّعب»، وفقط «بِٱسم الشّعب» (أيْ بدافعِ حفظ مصلحته وحدها!). ذلك بأنّ ادِّعاءَ تمثيل "الشّعب" قد صار، في السياسة وفي غيرها، يُعدّ حُجّةً بالغةً وذريعةً قويّةً يَلجأ إليها كل من يَبحث عن سندٍ ظاهر ومُشتَرك لتبرير شيء من أفعاله أو تفضيلاته أو مَصالحه. لكنّ ما يَجدُر إدراكه هو أنّ "الشّعب"، في الواقع الفعليّ، كُتلةٌ بشريّةٌ يَصعُب حصرُها عدديّا وموضوعيّا بدّقةٍ تامّةٍ (في كل حين هُناك أحياء يُولَدون وموتى يُدفَنون، وآخرون يُفقَدون أو يُهاجرون!) ؛ كما أنه، في التصوُّر الذهنيّ، كُتلةٌ سَديميّة يَعزّ تحديدُها مفهوميّا بعيدا عن أيِّ لَبْس (إشكالات «التّمييز/التميُّز» كتعبير عن التّقسيم الطبقيّ للشُّغل الاجتماعيّ وتعدُّد أشكال "السيطرة" اقتصاديّا وثقافيّا وسياسيّا). ف"الشّعب" وِعاءٌ مُجرَّدٌ وفضفاضٌ يَتّسع لكل الأشياء ويُمكن حشوُه بأيِّ شيء: إنّه «كُلٌّ غير مُتميِّز ولا يَحضُر أبدا في مكان بعينه» ("پول ڤاليري")، ثُمّ إنه – بما هو حُشودٌ كثيرةُ الأعداد ومُتنوِّعةُ الأوصاف- يُمثِّل شتّى التوجُّهات والتشعُّبات ويَشمل من التناقُضات والتفاوُتات ما لا يكاد يُحيط به وصفٌ أو يأتي عليه عدّ. وعموما، فإنّ "الشّعب" – إذَا أُخذ بكل مُكوِّناته وطبقاته وتوجُّهاته- يَتجلّى بصفته جِماعَ حاجاتٍ مُلِحّة وآمالٍ عريضة تجعله، من ثَمّ، رغباتٍ مُتناقضة جدّا وإرادات مُتنازِعة دَوْما على النحو الذي يُؤكِّد أنّ "الشّعب" موضوعٌ لمُختلف الاستعمالات والرِّهاناتٍ النظريّة و/أو العمليّة ذات القيمة في هذا المُستوى أو ذاك من الحياة الاجتماعيّة. ولأنّ "الشّعب" كثرةٌ لا تنتهي وتعدُّدٌ لا يَنْحصر، فهو قُوًى مُتحرِّكة باستمرار وتيّارات لا تستقرّ على حال. إنّه، في الواقع الحيّ، عُيونٌ عمياء لا ترى إلّا ظِلال الظُّلم والشرّ، وآذانٌ صمّاء لا تَسمع إلّا الأصوات المُلَبِّية للحاجة والحرمان، وأيْدٍ مبسوطة من وراء أنفاس لاهثة ونُفوس مُجهَدة، وألسُنٌ مُنطلقةٌ بالقيل والقال تحدِّيا للرَّتابة القاتلة. وبكل صفاته هذه، لا يَعُود "الشّعب" إلّا موضوعا لأشكال "الاستغلال" و/أو "التّسخير" و/أو "التّضليل" من قِبَل زُمَرٍ لا يَعنيها من مَصائب هذا العالَم إلّا جمع المال وحفظ الجاه كيفما اتّفق، فضلا عن كونها هيئات ومُنظّمات مُحترفة في استثمار أدنى التحرُّكات بما يُناسب أغراضَها إنْ ترغيبا أو ترهيبا. وهكذا، فإنّ "الشّعب" – من جهة دلالته على «مجموع "المُواطنين" في إطار مُجتمع مُعيّن»- يُعبِّر، خصوصا في ظلّ الأنظمة الدِّمُقراطيّة، عن «الإرادة العامّة» التي لا تُتبيَّن حقيقتُها إلّا بواسطة «الاقتراع العامّ» استفتاءً حُرّا أو انتخابا نزيهًا. إذْ لا سبيل لتجاوُز «الأكثريّة المُطلَقة»، كمَطلب مُتوهَّم وغير مُحدَّد، إلّا بإعمال تلك «الآليّة الموضوعيّة» لإفراز نوع من "الأغلبيّة" التي تبقى نسبيّةً ومُؤقّتةً، وهي "الأغلبيّة" التي لا قيام من دُونها لأيِّ شرعيّة (كمبادئ وقواعد) أو مشروعيّة (كإرادة وسلطة)، شرعيّة ومشروعيّة لا يُمكن الفصل بينهما بالشكل الذي يَصحّ معه – كما يَظنُّ بعض «أنصاف الدُّهاة»- الاستخفاف ب"الأغلبيّة" الناتجة عن صناديق الاقتراع كما لو كانت مجرد «أكثريّة عدديّة» غير ذات أهميّة بالمُقارَنة مع «المَثل الأعلى» الأخلاقيّ والقانونيّ (الذي يُتصوّر، من ثَمّ، كُليّا وفَوقيّا كأنّه يَتنزّل طبيعيّا أو آليّا ولا يُصنَع تاريخيّا وتعاقُديّا على أساس ميزان القُوى بين مُختلف "الأقليّات" في بحثها عن "الأغلبيّة" ضمن كل مجتمع على حِدَةٍ!). وينبغي ألّا يَخفى أنّ تصوُّر "الشّعب" باعتباره حصرا «مجموع المُواطنين» لا يخلو من التّضليل، لأنّه تصوُّر يُغيِّب واقع "التبعيّة" و"التفاوُت" و"الاستغلال" الذي يُعانيه مُعظم الناس على الرغم من أنّهم يُعَدُّون، من الناحية المبدئيّة والقانونيّة، "مُواطنين". ذلك بأنّ "المُواطنين" لا يَتحدّدون، في الواقع العمليّ، بصفتهم أشخاصا أحرارا ومُتساوين في الحقوق والواجبات إلّا على نحو شكليّ ومُجرَّد. إذْ أنّهم، حتّى في الدِّمُقراطيّات العريقة، يَظلُّون خاضعين (أو، بالأحرى، مُخْضَعين) لشُروط بنيويّة تُفْقدُهم صفةَ «الذّات الحُرّة» صاحبة الحقوق الكاملة وغير القابلة للتصرُّف. ولذا، فإنّ "السيادة" المُعطاة دُستوريّا (أيْ نظريّا) ل"الشّعب" تُعدّ غير قابلة للتّفعيل في خضمّ واقع يجعل الناس عُرضةً ل"الاستغلال" و"الاستلاب" و"التّسخير" على كل المُستويات (وبالخصوص اقتصاديّا وثقافيّا وإعلاميّا). ومن ثَمّ، فإنّ "التَّسْييد" المطلوب لا يُمكن أن يَتّخذ معناه إلّا في إطار سيرورة حقيقيّة ل"التّنْوير" و"التّحرير"، وهو ما يُؤكِّد أنّ «سيادة الشّعب» لا تتعيَّن بالفعل إلّا على أساس التحقُّق الموضوعيّ والعموميّ ل"الرُّشْد" كحال يتمّ فيها الانفكاك عن قُيود "الوصاية" على النّحو الذي يُتيح، بالتالي، لكل شخص أن يقوم بمُقتضيات "الاستقلال" تقريرا وإنجازا. ولا سبيل إلى ذلك من دون إعمال آليّات "التّرْشيد" تأسيسا شرعيّا وموضوعيّا ل"المعقوليّة" و"المسؤوليّة" في صورةِ توزيع مُنْصف لإمكانات القُدرة على مُمارَسة "الرُّشد" بين كل أعضاء المُجتمع بالشكل الذي يَجعلُهم فعليّا مُتساوين وأحرارا. ومن هنا يَأتي ارتباطُ قيام "الشّعْب" (كمجتمع مدنيّ) بإقامة «الدّولة الرّاشدة» (كمجال تنظيميّ وسياسيّ). ليس "الشّعبُ"، إذًا، مُجرَّد "جماهير" يُنظَر إليها من عَلْياءِ "النُّخبة" المُنطوية على نفسها أثَرةً والمُنتفخة على الملإ صَلَفًا، ولا هو ذلك «الرأي العامّ» المُفترَض مُشترَكًا بين "أكثريّة" (عليمةٍ بمصلحتها وحريصةٍ عليها) والقابل – من ثَمّ- للاستطلاع بواسطة "استبارات" (جاهلة بوضعها المنهجيّ-المعرفيّ ومجهولة للمعنيِّين بالأمر) ؛ وإنّما هو هذا "الواقع" الدُّنيويّ المَعيش ذاتيّا والمُتمثل موضوعيّا في صيرورة "التّراكُم" الاجتماعيّ والتاريخيّ المُتجسِّدة في أنماط "التّفاوُت" و"التّنازُع" التي تُعبِّر لا فقط عن حُدود «الوضع البشريّ» (كوُجود مُحدَّد بالنِّسبة إلى الشروط الضروريّة المُتعلِّقة بهذا العالَم)، بل أيضا عن إكراهاتِ فاعليّةٍ تبقى - حتّى في تَوَثُّبها وتعالِيها- خاضعةً لتَبِعات «بُؤس العالَم» الذي ازداد توسُّعا بعد عولمةِ شُروطه الاقتصاديّة والتقنيّة وتحرير حركته من القيود القانونيّة والخُلقيّة، ممّا جعله يَتحوّل إلى «أزْمَةٍ عَوْمَحَليّة» خاصيّتُها الجوهريّة أنّها أزمةٌ مُزْمِنةٌ تُولِّد، في آن واحد، الإيمان ب«حتميّةِ الهشاشة» (وُجودا وعملا) وب«افتراضيّة الحُريّة» (أملا ومَآلا). ومن أجل ذلك، فلا عجب أن تَجد كل أصحاب الأطماع قد صارُوا يَميلون، بكل قُوّة وعبر العالَم، إلى ادِّعاء تمثيل "الشّعب" ؛ لأنّ هذا الأخير يَعْجِز حقيقةً عن "المُثُول" بنفسه فاعلا مُتشخِّصا باستمرار على مسرح الخطاب والعمل السياسيِّيْن، ولأنه لو أمكنه القيام بذلك لما تَرك فُسحةً أمام من تُسوِّل له نفسُه اغتصاب حقّ "التّمثيل" منه (ينبغي، هنا، أن يُفهَم "التّمثيل" بمعناه المُزدوِج: «التّمثيل/النِّيابة» و«التّمثيل/التّشخيص» والانتقال، من ثَمّ، إلى معنى ثالث يُشير إلى «التّمثيل/التّنْكيل» في عصر الإعلام الجماهيريّ المُهيمن الذي تُصفّى عبره الحسابات بتبادُل "التَّشْهير" تداوُلا عُموميّا يَجمع بين مُتعة "التَّسْلية" وخدمة "التَّلْهية"!). وبِما أنّ "الشّعب" لا يَستطيع - من جرّاء تعدُّده الطبيعيّ وتفرُّقه الدّائم- أن يَمْثُل بنفسه في كل مرّة يُطلَب منه ذلك (على غرار ما يَفعله الشخص العَيْنيّ)، فليس هُناك تمثيلٌ حقيقيٌّ ل"الشّعب" من دون تفويض مُباشر ومشهود من لَدُنه. وهيهات أن يَتأتّى لأيِّ فرد أو جماعة امتلاك ذلك "التّمْثيل" في دلالته، من جهة، على الاستقصاء الشامل لكل إمكانات الإرادة لدى "الشّعب" و، من جهة أُخرى، على مشروطيّة التّفويض في عَلاقتها بمَقاصد صاحب الأمر ومَصالحه. ولكَ أن تتعجّب، أيّما تعجُّب، كيف أنّ اللّه (سبحانه وتعالى) لا يَحظى من بني آدم بإجماعهم على أُلوهيّته ووحدانيّته في هذا العالَم (رغم سَبْق إقرارهم بها في عالم الغيب: «وإذْ أخذ ربُّك من بني آدم، من ظُهورهم، ذُريَّتَهم وأشهدهم على أنفسهم: ألستُ بربِّكم؟ قالوا: "بَلى، شهدنا!"، أنْ تقولوا يوم القيامة: "إنّا كُنّا عن هذا غافلين!"، أو تقولوا: "إنّما أشركَ آباؤُنا من قَبلُ، وكُنّا ذُريّةً من بَعدهم ؛ أفَتُهلِكُنا بِما فَعل المُبْطلون؟!» [الأعراف: 172-173]) وأنّه لا نبيّ من أنبيائه صدَّقه كلُّ قومه أو اتّبعُوه بأجمعهم («إنْ كلٌّ إلّا كذَّب الرُّسل، فحقَّ عقاب!» [صَ: 14]؛ «كُلٌّ كذَّب الرُّسُل، فحقَّ وعيد!» [قَ: 14]) ؛ في حين أنّ أُناسا كثيرين كانوا ولا يزالون يدّعون تمثيل "الشّعب" ولا يَستحُون عن الحديث في كل مرّة «بِٱسم الشّعب» في تجاهُلٍ تامٍّ لحقيقةِ أنّ «أكثر النّاس لا يَعلمون» وأنّ «أكثرهم لا يُؤمنون» وأنّ «أكثرهم للحقّ كارهون» وأنّ «أكثرهم لا يَشكُرون» وأنّ «أكثرهم لا يَعقلون» وأنّ «أكثرهم كاذبون» وأنّ «أكثرهم فاسقون»! أفلا يَتجلّى، بالتالي، كيف أنّ الميل إلى ادِّعاء تمثيل "الشّعب" يُعدّ، في واقع الأمر، تضليلا بيِّنًا أو تهريجا مُتوقِّحا؟! وإلّا، فإنّ «الإرادة العامّة» نفسَها تبقى دائما نسبيّةً ولا تكون أبدًا استقصاءً حسابيّا وحصريّا. ألَا قُتل الخَرّاصون ما أكثر كذبَهم وأشدّ تضليلَهم في حرصهم على عَرْض (وفَرْض) أنفسهم بصفتهم لا يَتكلّمون أو يَتصرّفون إلّا «بِٱسم الشّعب» حتّى حينما تَراهُم يُنْكرون الحقّ إنكارا ويُظهرون الباطل جِهارا! وعلى الرغم من كل التّضليل المُمارَس «بٱسم الشّعب» على "الشَّعب" في إطار مُختلف مجتمعات العالَم، فإنّ المُؤكَّد أنه لا شيء ازداد الإيقانُ به أكثر من أنّ تحرُّر الشعوب من نُظُم "الاستعباد" و"الاستبداد" يبقى رهينا بما تَبذُله من جُهود الزّحف المُنظَّم والمُتبصِّر، خصوصا أنّه قد ثَبَت أخيرا أنَّ سِلْميّةَ «الحَراك الشعبيّ» اعتراضا واحتجاجا لا تستطيع وحدها أن تقود إلى عُبور فترة «الانتقال الدِّمُقراطيّ» نحو تأسيس مَسارٍ حقيقيّ يَصير مُمكنا فيه أن يَحكُم "الشّعبُ" نفسَه بنفسه تشاوُرا تعاقُديّا وتشارُكا تضامُنيّا: ذلك بأنّ "الشّعب" يُواجه، أوّلا، القُوى التي كانت ولا تزال مُستفيدةً من نُظم "الاستبداد" و"الفساد" والتي لن تتردّد عن تحويل أيِّ «حَراك سِلْميّ» إلى فوضى عارمة، ولا عن الذهاب إلى أَتُون الحرب الأهليّة المفتوحة على التدخُّل الإقليميّ و/أو الدُّوليّ (حالة سوريّا، بعد ليبيا، نموذجيّة بهذا الخصوص) ؛ ولأنّه يَصطدم، ثانيا، بتخاذُل النُّخب و/أو تنازُع القُوى الحزبيّة (حالة مصر وتونس والمغرب) ؛ ولأنّ تحرُّره يُهدِّد، ثالثا، مُخطَّطات القُوى الإقليميّة والعالميّة التي لن تسمح بقيام دِمُقراطيّات قويّة ومُستقلّة في كل البلدان حيث لها مَصالح حيويّة وسَتْرجيّة (تقريبا كل البلدان المُستضعَفة التي في مقدمتها البلدان الإسلاميّة والعربيّة) ؛ ولأنّه، أخيرًا، يَفتقد بنيويّا الأسلحة الثقافيّة الكفيلة بتمكينه من مُقاوَمة «العنف الرمزيّ» المُمارَس عليه حتّى من قِبَل النُّخَب التي تدّعي العمل على "التّنوير" و"التّحرير" والتي لا تفعل، في الغالب، شيئا آخر غير تعاطي «خطاب اللَّغْوَى» سجالا فِكْرويّا وتنازُعا فئويّا. ومن تَبيَّن حقيقةَ "الشّعب" كما تَتجلّى في واقع تشعُّباته المُتكاثرة وتناقُضاته الدّائمة، فلن يَسعه إلّا أن يقف عند تفاحُش "التّضليل" الشائع في الواقع «بِٱسم الشّعب» من قِبَل كل الذين لا يَفتأون يدّعون تمثيلَه فيما يقولون ويفعلون. ولن يكون المرءُ – من ثَمّ- صادقا أبدا مع نفسه، ولا مع غيره، ما لم يَعترفْ على الملإ بأنّه – في كل ما يَأتيه من أعمال- لا يُمثِّل "الشّعب" برُمّته، وإنّما يُمثِّل نفسَه ومن شاكلَها لأنّه لا يَنتمي بالتّأْكيد إلّا إلى فئةٍ مُعيَّنةٍ تبقى دائما خاضعةً إلى شُروطها "الخاصّة" ومُرتهنة لمَصالحها "الخاصة" ومُدافعة عن امتيازاتها "الخاصّة". فلا أحد، إذًا، يَمْلِك «حقيقةَ الشّعب» حصريّا وكُليّا بالشكل الذي يُعطيه حقّ النّاطق الوحيد «بِٱسم الشّعب». ولعلّ تعدُّد وتناقُض من يدّعون الحديث «بِٱسم الشّعب» يُعَدّ، بهذا الصدد، خيرَ شاهد على أنّ الأمر يَتعلّق بتمثيلاتٍ نسبيّة ومُتحيِّزة لا تستغرق إطلاقا كل الأفراد والفئات والمُستويات التي يَتعيّن فيها "الشّعب" والتي يَستمرّ من خلالها لا فقط تشعُّبُه، بل أيضا مُشكل تدبير أنواع تعدُّده ودرجات تفاوُته.