أول ما يقرع ذهن السامع والقارئ والمتلقي عامة وهو يطالع هذا العنوان، هو طرح المقصود من صيغة الاستفهام التي صيغ بها هذا العنوان، وجزء من جوابنا سنقتبسه من العلامة سماحة الأستاذ الإمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، من تفسيره لسورة "الماعون" في الحزب الستين من القرآن الكريم( المجلد 12- الأجزاء 29-30 من الصفحات 563 إلى 568 ) وما نقتبسه من تفسير العلامة بنعاشور قوله: بأن الاستفهام في سورة الماعون مستعمل في التعجيب بالأساس، وقد صيغ هذا التعجيب في نظم مشوق، لأن الاستفهام عن رؤية من ثبتت له صلة الموصول، يذهب بذهن السامع مذاهب شتى من تعرف المقصد بهذا الاستفهام، وهذا ما نريده نحن أيضا وبحذافيره في عنواننا هذا ، ويتعزز أيضا بتوضيح توظيف اسم الإشارة ، بقوله : وفي إقحام اسم الإشارة واسم الموصول بعد الفاء زيادة تشويق حتى تقرع الصلة سمع السامع فتتمكن منه كمال تمكن، والإشارة إلى الذي يكذب بالدين باسم الإشارة لتمييزه أكمل تمييز حتى يتبصر السمع فيه وفي صفته، أو لتنزيله منزلة الظاهر الواضح بحيث يشار إليه...."، وما دفعني إلى طرق هذا الموضوع ليس رغبة مني في إدخال شخص أو جماعة في الدين ولا إخراجهم منه، لأننا نعتبر أن الاعتقاد شأن قلبي، والله عز وجل هو الذي يطلع على الأفئدة، لكن ما دفعني هو حضوري خطبة الجمعة الماضية(10/05/2013 ) في مسجد عمر بن عبد العزيز (مسجد البلدية سابقا ) بوجدة، وأنا أستمع لخطيب الجمعة، بحيث وجدته يحشد ويحشر الكذب بالجملة ، ومن أعلى منبر الجمعة ، بأسلوب يستبلد به المصلين، وذلك ليؤكد فتوى المجلس العلمي الأعلى حول قتل المرتد، وليرد –من خلال قوله- على الداعين للحرية، حتى" يجرمهم، ويحرمهم، ويكفرهم بعبارات صارخة وصارمة ومدعومة بألفاظ السباب والشتائم والشواذ والزنادقة والمجرمين، وكل عبارات القدح والسقط...."، ولا أخفيكم أن استفزازه هذا واستبلاده وسبابه وشتائمه، التي تتعارض مع واجب الجمعة في حد ذاته قبل المرور لاعتبارات أخرى، كان يدفعني لمقاطعته، وهو يلقي سبابه، وخبائث ألفاظه التي هي أبعد وأبرأ من أن تنسب لله ولرسوله ولقرآنه ولإسلامه، ولهذا الوطن ولحضارته وهويته، لكني تشجعت أكثر فأكثر على شد أزري، لأني وجدته ينطق بغير لسانه، ووجدته "مجوف نخب هواء" ينطق بلسان من أملأه، ومن أملى عليه، بل يكرر جمله وعباراته وتراكيبه ومصطلحاته حرفيا، إنه لسان سيده رئيس المجلس العلمي بوجدة، وعضو المجلس العلمي الأعلى "مصطفى بنحمزة"، ولهذا الاعتبار رأيت أنه من اللازم توجيه الخطاب لصاحبه مباشرة – بنحمزة- أما الخطيب فما هو إلا أداة مملوءة تكرر كلام صاحبها ، بحرارة وحماس، ومملاة عليها، ولا دخل له فيها، كما أني رأيت بأن مقاطعتي للخطيب منهي عنها شرعا: " إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت، ومن لغا فلا جمعة له."، إضافة إلى اعتبار آخر مهم، وهو أن ذلك قد يؤدي إلى الفتنة داخل المسجد، وإبان الخطبة والصلاة، وذلك ما يحقق الأهداف الأصولية التي تريد زرعها في الحقل الديني، وذلك ما يحقق أغراض السيد بنحمزة وسياساته التي يتبعها في تدبير الشأن الديني في الجهة الشرقية بخاصة، وذلك بدفعه لأجساد ولأسماء وجماعات بالتحرك، ولألسنة بالنطق، وسلوكات بالفعل، وكل ذلك يتم من وراء حجاب، وحينما تتم مساءلته عن هذه الأجساد والألسنة والسلوكات المدفوعة، والظواهر الصوتية المملوءة يجيب باستبلاد الآخرين وبتذاكيه العاري : " أنا خاطيني، وما عندي خبار، وما نعرفش داك الشي..."، هيهات، هيهات أن تستبلد المغاربة في كل مرة، ف " ما كان الله ليذر المومنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء." ( 179 آل عمران). ومن الأمور المدهشة في عوالم الكذب التي ساقها الخطيب لتسويق وترويج مواقف شيخه في إدانة الداعين إلى الحرية ، قوله في الخطبة، وهو يرد على الداعين إلى الحرية:" ... حتى قائد الطائرة في السماء وليس له حرية التصرف وفق ما يشاء، وليس لربان السفينة وهو وسط البحار الحرية أن يفعل ما يشاء..."، فللمستمعين إذن أن يلاحظوا العجب العجاب في هذه المقارنة التي يقدمها الخطيب، ولا شك أنها مقارنة قائمة على استبلاد واستغفال عقول السامعين، وربما لسنا في حاجة للتذكير بقاعدة: " لا قياس مع وجود الفارق "، التي لست في حاجة لتقديمها لشدة وضوحه وذيوعه وشيوعها، وأي مقارنة هنا بين دعوة إلى حرية في التفكير، وحرية للعقل، وبين قائد الطائرة أو ربان السفينة اللذان يقومان بمهام القيادة وفق برنامج وقواعد مضبوطة، إذا ما خرقاهما يكونان بذلك قد دخلا في خضم الفوضى والعبثية، وهل يمكن مقارنة الدعوة إلى الحرية بالدعوة إلى الفوضى وخرق القوانين والعبثية والانتحار؟؟ فماذا تعني إذن مقارنة هذا الخطيب وموكله بنحمزة ، ووطئهما هذه المقدمات الواضحات؟ هل هما يجهلانها ؟ أم أنهما يستبلدان أذهان المصلين والناس لتمرير وخدمة مشروع جماعة إخوانية وهابية، وحزب سياسي يريدان قبر مشروع الديمقراطية والدعوة لحرية التفكير وحرية العقل؟ ومن الأمور الكاذبة والمكذوبة والمستفزة في خطبة الخطيب تهجمه على الغرب عامة وعلى البرلمان الفرنسي، خاصة لأنه قنن الشذوذ حسب قوله، ويكون بذلك الغرب في مهاجمته الدين وبهذه السلوكات يسير نحو الفناء وقبر كل شيء، ومن خلال هذا الخطاب يتبين أن هذا الخطاب يعكس بحق الوجه الحقيقي لبنحمزة ولكل الأصوليين تجاه الغرب، وأن ما يروجونه من منافقات في خطابات الصالونات، لا أساس له من الصحة، والأخطر أن ينطلق هذا الخطاب باسم" وزارة الأوقاف"، وباسم " أمير المؤمنين" ، كما أن هذا الكلام يعبر عن الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء، التي يعانيها مؤلف هذا الكلام، وليس الناطق به صوتا وخطابة وجسدا، تجاه تشخيص الفكر الغربي وواقعه، حينما يخبط هؤلاء الخابطين خبط عشواء بالقول أن الدين قد انتهى من الغرب، وهو ما يظهر الدكتور" حميد لشهب" المتخصص في تعريب ودراسة الفكر الألماني المعاصر خرافته وضلالته، وذلك ما عبر عنه في تقديمه وتعريبه لمناظرة " جدلية العلمنة: العقل والدين" بين "يورغان هابرماس" ، و"جوزف راتسنغر" (البابا بندكتس 16)، يقول الدكتور لشهب: "من المسلمات الخاطئة التي ورثناها نحن العرب عن العقود السابقة، وزمان الإيديولوجيات والنظريات الفضفاضة، هي كون الفكر الديني، وخاصة المسيحي منه، قد عرف تقهقرا واضحا، وقضي عليه إلى غير رجعة على يد الفكر النقدي، واستعمال العقل، ليس فقط لتحليل الواقع، بل وأيضا للتنظير له....، والخطأ الكبير الذي سقطنا فيه هو أننا فهمنا بأن الفكر التنويري والحديث الأوربيين لم يحاولا محاورة الفكر الكلاسيكي واللاهوتي، بل أعلنا بكل جدية وبكل اعتزاز بأنهما قد تجاوزاه، وبأن الحاجة لم تعد قائمة للاهتمام به. والحقيقة أن كبار الفلاسفة الغربيين في عصر الأنوار، والخصوص الجرمانيين منهم، اهتموا بجدية بموروثهم المسيحي ودرسوه بعناية فائقة، قبل أن يأخذوا منه موقفا مناوئا أو مناصرا. وينطبق هذا على كانط مثلا وعلى هيغل وديكارت وغيرهم كثير. وإذا كانت الكنيسة قد فقدت سيطرتها على السلطة السياسية، فإنها لم تفقد دورها الروحي والفكري، وما حصل هو ليس القضاء على الأخلاق الدينية اللاهوتية، بل اكتشاف أخلاق علمانية مصدرها العلم، وهي أخلاق لا تهتم أساسا بمصير الإنسان بعد الموت، على اعتبار أنه مصير لا يمكن التحقق منه علميا، ولا يمكن التعبير عنه بفرضيات علمية دقيقة يمكن التحقق منها، بل يبقى في مجال الممكن الذي يمكن ألا يحصل. إن الأخلاق العلمانية هي أخلاق وضعية، تتأسس على مبادئ مثل حقوق الإنسان والتضامن والتفاهم. وهي مبادئ نجدها كذلك في المنظومات الأخلاقية الدينية، على الرغم من أن أهداف هذه الأخلاق هي أهداف لاهوتية، وليست أهدافا اجتماعية في المقام الأول. فهذا يعكس إذن بحق جهل وتجاهل "الإنتلجنسيا الأصولية" - والسيد بنحمزة منها- لمسار الغرب، كواقع وتجربة، ومجتمع وفكر وسياسة وحداثة وحضارة ودين آخر، وكفرها بالحوار مع هذا الغرب، وأننا حينما نستمع اجترار هؤلاء – بنحمزة منهم- لأسماء المفكرين الغربيين وللحوار والتجربة الغربية، يبقى ذلك أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، لكن الإشكال ليس في فكر وجماعة وحزب مؤسسين على إيديولوجية " جاهلية القرن العشرين" ولكن الإشكال منبعث من أن هذا الخطاب والتفكير والسلوك منبعث من على منبر الدولة المغربية التي تتأسس سياستها على علاقات دولية تحترم الآخرين، وتجدد بناءها وفق الحداثة، وليس بالتحريض على الآخرين وبث خطابات الكراهية والتكفير من خطب الجمعة التي تنطق باسم أمير المؤمنين، فهؤلاء الأصوليين عودونا على أساليب الغدر السياسي معنا ومع الغرب، ولذلك أقول لهذا الخطيب المدفوع ولدافعيه : إن هذا البرلمان الفرنسي، وهذا الغرب الذي تتهجم عليه: هو الذي يحمي حرية إخوانك وأخواتك من الوهابيين، وحزب الإخوان المسلمين في المهجر الفرنسي، وهم يمارسون وهابيتهم، وحريتهم هناك، في الوقت الذي لم يجدوا فيه هذه الحرية حتى في دولة السعودية التي تطبق الحدود، وهناك في فرنسا يسوق أخواتك المسلمات السيارات بحرية لنشر وهابيتهن، في الوقت الذي تمنعهن دولتك الإسلامية، وتحرم عليهم قيادة السيارة.ظلما وجورا وبدون أي دليل شرعي عادل. ومن الأمور الكاذبة التي ساقها خطيب الجمعة من منبر المسجد للتهجم على الداعين إلى الحرية، تهجمه على مدير مدرسة طنجة بحجة أنه منع التلميذتين من الدراسة بحجة ارتدائهما الحجاب، وذهابه إلى القول: " إن هذا المدير من الداعين إلى العري والتفسخ، ومنع التحجب..."، وللجميع أن يلاحظوا منهج الكذب الفاضح الذي يركبه هذا الخطيب، ومالئيه، والمملين عليه، باستغلال منابر الجمعة، وبالتعبير القرآني:" يحرفون الكلم عن مواضعه"، فالجميع يعلم بأن مدير مدرسة طنجة لم يمنع التلميذتين من ارتداء الحجاب، وإنما أمرهما بارتداء الوزرة كباقي التلاميذ والتلميذات، ولم يمنعهما من ارتداء الحجاب، إنما منعهما من ارتداء "الفولار" الذي أدخلته الحركات الأصولية الوهابية مكان لباس المرأة المغربية ، وبذلك فقد استبدلوا الذي أدنى بالذي هو خير، وذلك حينما نزلت الحركات الأصولية في محاربة الأزياء المغربية المعبرة عن الهوية المغربية، بما فيها "الفولار" المغربي الجميل والجليل والمتعدد والمتنوع والمتفنن بألوانه وطروزه ورسومه، بما فيه " الفولار الريفي" و" الفولار الجبلي" و" الفولار الأطلسي" و"الفولارالسوسي" و" الفولار الصحراوي" و " فولار الشرق وفكيك"، ولما حاربوا هذه الأزياء المغربية الأصيلة قاموا بإلباس الفتاة المغربية "الفولار الإخواني الشرقاني المؤدلج" و البالغ طوله مترين تقريبا؟ فهل هناك فولار بمترين ؟ إلا إذا كانت الرغبة هي التمييز السياسوي الحزبي المضاد للهوية المغربية ، بحيث عليه أن يغطيها من رأسها إلى حزامها. فلماذا الكذب إذن؟ فهل نهى المدير التلميذتين عن ارتداء لباس المغاربة العادي وفولارهما و وزرتهما العاديتين؟ وهل أمرهما بالتعري كما تدعي من فوق المنبر؟ ألا تستحيي بأن تفتري على الله الكذب ومن على المنبر لخدمة تيار وحزب معينين؟وأين أنتم من الرقيب العتيد؟ الذي حذر منه الله تعالى في كتابه العزيز بأنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد؟ ومن الأمور الأخرى الكاذبة التي قصفنا بها ذلك الخطيب و من فوق المنبر، وهي موثقة ومسجلة : إن هؤلاء الداعين للحرية هم الذين أرادوا نزع الدين من الدستور، وانقسم حينها الشارع إلى قسمين، ولولا مقاومة هؤلاء لنزعوا الدين من الدستور، ولتم إغلاق هذا المسجد، ولتم منعنا من الخطبة؟ وبالله عليكم وعليك يا "مصطفى بنحمزة" أليس هذا كذب صراخ لتضليل الناس واستبلادهم؟ لخدمات انتخابية مجانية لحزب " العدالة والتنمية"؟ وباستغلال منبر مسجد الله عز وجل؟؟ ألم يكن موضوع الخلاف هو التدخل لإنقاذ " إمارة المؤمنين" وتدبير الشأن الديني على المستوى الدستوري من قرصنة الحزب الأصولي؟ ولماذا تدخل أمير المؤمنين نفسه ونصب لجنة لتدبير الخلاف، ومن أعضائها العلامة سيدي أحمد الخمليشي الذي جمع بين الدراسات القرآنية والفقهية والقانونية، كما هو تخصص الدكتور القدوري وهو التخصص الذي تفتقدونه أنتم وكل أصولييكم،بل إنكم تفتقدون فقهاء جهابذة في الفقه الأصيل فبالأحرى أن تجمعوا بين الدراسات الفقهية والقانونية؟ وهل الرد على الداعين إلى الحرية يقوم على أساليب السباب والشتائم والخوض في أعراض الناس؟ وهذا النهج ليس جديدا لديكم يا سيد بنحمزة حينما قلتم في حق الأستاذ "مولود معمري" إبان قدومه لكلية الآداب بوجدة( من أتى بهذا الخنزير؟) أو حينما قلتم في جوابكم عن سؤال التدريس باللغة الأمازيغية ومن داخل بيت الله: " واش نقريو بلغة الشيخات؟". ومن الأمور المثيرة للاستغراب والتي ساقها خطيب الجمعة نقلا عن شيخه، هو التهجم على القنوات الإعلامية الوطنية " الأولى" و"الثانية"و التي هي نفسها تبث برنامج بنحمزة وأفكاره وصوته وصورته باستمرار، على الرغم من أنها برامج تعد مخجلة من الناحية العلمية والفقهية، ومحشوة ومملوءة بحمولات مؤدلجة و بأفكار " جاهلية القرن العشرين" لسيد قطب، وهو ما نسجله عن تتبع وتوثيق وليس قولا عشوائيا، ذلك أن الملاحظ تحويله كل سؤال أو ملاحظة ترتبط بالزمن المعاصر، أو تقع في الغرب، عمله إلى رده هذه الظاهرة إلى أنها كانت تقع لدى شعوب الجاهلية، وهذا تصريف منه لإنزال إيديولوجية " جاهلية القرن العشرين" لسيد قطب، على منابر الإعلام الوطني،وفي الوقت نفسه تنظيم الهجوم والسباب عليها، لكن النقد هنا ليس موجها لدوزيم التي تعمل على نهج الموازنة في برامجها و بدون خلفية، وليس موجها لبنحمزة أيضا ، لأنه يستغل المنبر الإعلامي لترويج بضاعته الخاوية من الفقه ومن العلم، وبدون أن يخفي إخوانيته وقطبيته وأصوليته المضادة للهوية وللمدرسة الفقهية المغربية المتأصلة، إنما النقد موجه هنا لاسم خاص، وهو معد البرنامج والصاحب الفكرة والمشرف على البرنامج، وهو الأستاذ " الطاهر الطويل" الذي نعرفه كعامل في الإعلام الأكاديمي "للرابطة المحمدية للعلماء"، وبنحمزة لا يخفي ضربه واستهدافه للخط الفكري والثقافي والتراثي والحداثي للرابطة في شخص أمينها الدكتور السيد " أحمد العبادي" الذي لا نخفي اعترافنا بخطه المتنور والمبتعد عن النهج الأصولي، إلى درجة هدد فيه السيد بنحمزة، والسيد يسف بالانسحاب من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إذا لم يتم سحب عضوية الدكتور "أحمد العبادي" باسم "الرابطة المحمدية للعلماء"،حينما تم تشكيل المجلس للمرة الأولى، فهل يظن هؤلاء بأننا بدون ذاكرة؟ أو أنهم أذكى شعب الله المختار؟ وما هذا إلا مشهد من مشاهد الضرب والاستهداف التي يخوضها بنحمزة، فكيف للأستاذ "الطاهر الطويل" المشرف على برنامج بنحمزة وصاحب الفكرة على" دوزيم"، وأسئلته المفبركة، بأن يجيب عن هذا الضرب هنا وهناك، والجمع بين الشيء ونقيضه في اتجاه يخرب ويضرب الهوية الدينية للإسلام المغربي؟ لخدمة تيار سياسي إسلاموي وشرقاني معين؟ كما يتم في الآن نفسه من وراء حجاب خوض الصراع ضد الأستاذ "فيصل العرايشي"، وضد الأستاذة "سيطايل" ولعل هذا ما يعبر بوضوح وبصوت عال عن العمل الدءوب والمستمر والمتعدد الرؤوس والوسائل والإمكانيات، والذي يتم باسم إمارة المؤمنين لقرصنتها وقبرها، في اتجاه مشروع يمكن أن نسميه بأنه:" بيريسترويكا أصولية من داخل أجهزة الدولة" باسم الدين وباسم إمارة المؤمنين، وباستغلال قداسة الدين وحرماته، وتوظيف كل آليات الكذب والمراوغة عبر النوافذ السياسوية الحزبية، أي العمل على إعادة بناء المؤسسات الرسمية للدولة، وبماليتها، في اتجاه أصولي لضرب كل مقومات الهوية السياسية والدينية والثقافية والتاريخية للمغرب، وهذا ما يعتبر في كينونته وعمقه اعتداء على الدين وتكذيب بالدين أيضا، وفق المنطق القرآني، ذلك أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل المكذبين بالدين فقط أولئك الذين ينكرون أصول الدين، وأركانه، بل إن المنخرطين في شبكات الفساد من الذين يستولون على الملك العام، ومن أرباب العقار، والسيد بنحمزة منذ أن طلق الجامعة، وعانق سوق الإسمنت والآجور والعقار والتجزئات وهو يضع يديه في أيديهم، يدعمهم ويدعمونه، ولعل علاقاته الحميمية مع أحد رموز الفساد الذي تمت إقالته، وتطالب هيئات المجتمع المدني بمحاكمته، وهو الوالي السابق الإبراهيمي، الذي هدم المدارس والثانويات وتم تحويلها إلى قيساريات يبين ذلك، وآخر تخريجة من تلك التخريجات التي مازالت ساخنة، ومتكتم عنها، هي قضية تفويت المساحة العقارية 6000 متر مربع لمدرسة "مولاي الحسن"، التي هدمها الوالي السابق الإبراهيمي، وحولها إلى سوق طنجة المؤقت، ولما تم هدم سوق طنجة المؤقت تم تفويت مساحتها من أسفل الطاولة لجمعية بنحمزة ورفاقه من أرباب العقار الذين يتحركون بعناوين الإحسان، بثمن بخس وهو 350 درهم، ضدا على كل القوانين، وضدا على قيم النزاهة والشفافية والوضوح، ولعل هذه السلوكات إذا ما عرضناها على سورة" الماعون" السالفة الذكر سنجدها تتطابق مع سلوكات هؤلاء، إذ يقول تعالى:" أرايت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون"، وإذا ما عاد القارئ للتفسير التفصيلي للسورة، سواء من لدن القدماء كما هو الحال في تفسير "الكشاف" للزمخشري، أو في تفسير المعاصرين كما هو الحال في " التحرير والتنوير" للعلامة بن عاشور، إذ من الأمور التي تجمع عليها هذه التفاسير في إيرادها لأسباب النزول" أن أبا سفيان بن حرب كان ينحر كل أسبوع جزورين،فأتاه يتيم فسأله شيئا، فقرعه بعصاه"، ونحن نسائل الدكتور بنحمزة عن الوضعية الاجتماعية والمالية للذين يرتادون موائد الشواء التي يطلب من أرباب العقار إقامتها عبر الهاتف؟ فهل أولئك من اليتامى والمساكين؟ وإذا ما جاء لتلك المجالس يتيم أو مسكين ألا تدعونه دعا؟ والدع لغة هو الدفع بقوة، ثم أليس لكم سيدي مخزونا هائلا في دع اليتامى وفي عدم الحض على إطعام المساكين؟وليس خافيا منهج تعاملكم في موائد الشواء للعشاء، ولا في طبيعة وهوية وصفات مرتاديها، فأما من استغنى فأنت له تصدى، وما عليك ألا يزكى، وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى، إنها تذكره يا سيد بنحمزه ، فما زالت تذكرة حارس المراحيض في مسجد " عمر بن عبد العزيز" ذلك المسكين الذي كنت عن حقه تلهى، ودععته دعا، عملت على طرده ومطاردته بالمحامين حتى من داخل المحكمة؟ هكذا علمتنا عظمة القرآن على يد الفقهاء التقليديين المغاربة العظماء الذين كان يمنعهم عرفانهم، وعلمهم وبساطتهم، وهويتهم، من النفور من المحرومين ومصاحبة أرباب العقار، والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المومنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا، وهكذا علمنا القرآن الكريم أن إنكار الدين ليس إنكارا لأصوله ولأركانه فحسب، بل إن دع اليتيم، وعدم الحث على إطعام المسكين، ووضع اليد في يد المفسدين، الذين يقتنون الأراضي بثمن بخس، ثم ينكحون أرباحها مثنى وثلاث ورباع، ويتسترون خلف عناوين بناء المساجد والمحسنين، والله من ورائهم محيط، وكذا الاعتداء على ميزانية المواطنين، هو أيضا يعد من صميم الممارسات المنكرة للدين، والمستخفة بقدسية المسلمين، والمعتدية على مقدسات الله ورسوله الكريم، وصدق الله العظيم في قوله من سورة آل عمران: " لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم". ( الآية 188 )