أولا: التهييء النفسي والروحي لتأسيس مجتمع المدينة "" سيكون من الغلط أن نتصور بأن مجتمع المدينة قد تكون بين عشية أو ضحاها و أذعن لمجرد الإذعان والتسليم المكره أو التقليد المحض،وذلك لأن لكل بناء أساسا ولكل نتيجة مقدمة ومن أشرقت بدايته أشرقت نهايته كما يقول أهل العرفان،وبحسب قوة الأساس والمقدمة قد يكون مستوى البنيان والنتيجة. فالإجراءات النبوية من أجل بناء مجتمع جديد في المدينةالمنورة قد كانت لها مقدمات وتمهيدات تنبني بالدرجة الأولى على تهييء القلوب قبل الأبدان وإصلاح الباطن قبل الظاهر. فكما مهد النبي صلى الله عليه وسلم للهجرة الكبرى بالهجرة الصغرى إلى الحبشة التي كانت ذات أبعاد دعوية عالمية وإقليمية حركت معها كل مسيحي الجزيرة وغيرهم إلى البحث عن هذا النبي الجديد،فكذلك سيكون الأمر مع تهييء الإقامة والاستقرار بالمدينةالمنورة التي كانت تسمى حينئذ بيثرب. هذا التمهيد سيتميز بمحطتين منفصلتين وحاسمتين في اتخاذ القرار بالهجرة إلى يثرب من حيث الظاهر،وذلك بما سيعرف بالعقبة الأولى والعقبة الثانية،بحيث أن العقبة الأولى قد كانت مقدمة لبيعة العقبة الثانية والتي دارت أحداثها -كما يروي أصحاب السير باختصار- بعدما تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لنفر من الخزرج في الموسم يدعوهم إلى الإسلام فوعدوه المقابلة في الموسم المقبل،وهذا هو بدء الإسلام لعرب يثرب. "فلما كان العام المقبل قدم اثنا عشر رجلا،منهم عشرة من الخزرج واثنان من الأوس وهم :اسعد بن زرارة وعوف بن معاذ بن الحارث ورافع بن مالك وذكوان بن قيس وعبادة بن الصامت ويزيد بن ثعلبة والعباس بن عبادة وعقبة بن عامر وقطبة بن عامر،وهؤلاء من الخزرج وأبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة وهما من الأوس،فاجتمعوا به عند العقبة وأسلموا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض الحرب على ألا يشركوا بالله شيئا ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ولا يعصونه في معروف،فإن وفوا فلهم الجنة وإن غشوا من ذلك شيئا فأمرهم إلى الله عز وجل،إن شاء غفر وإن شاء عذب ،وهذه هي العقبة الأولى"1. فكانت هذه البيعة أول إجراء تمهيدي لتوحيد الصفوف على قاعدة وعقد ديني ذي صورة اجتماعية متكاملة بين الطوائف المتعارضة وبين الرجال والنساء على أساس المساواة في الحقوق والواجبات. بحيث أن الأوس والخزرج قد كانا حيين أساسيين في يثرب لكنهما مع ذلك متنافسين ومتحاربين كأشد ما تكون المنافسة في عدة جولات وصولات،قد كان آخر صراع بينها هو يوم بعاث. وهو اليوم الذي كان ممهدا في الغيب لتحقيق الهجرة النبوية وتوحيد الصفوف كما قالت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها في تفسير ذوقي راقي جدا للواقع والأحداث:"كان يوم بعاث يوما قدّمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فقدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملؤهم وقتلت سرواتهم وجرحوا فقدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم في الإسلام!"2. لكنهم حينما سيدخلون تحت عقد واحد وسيلتزمون عقيدة واحدة فستتلاشى كل مظاهر التسلح والصراع فيما بينهم،وذلك لأنهم سيدخلون طواعية وعن حب واقتناع تحت غمرة رجل متميز عنهم بشريعته وإيمانه وأخلاقه التي قد كان من أعظمها عناصر: العدل والحلم والرحمة... إضافة إلى هذا فقد كانت هذه البيعة التي سينزل بها الوحي فيما بعد وتسمى ببيعة النساء،دليلا قويا على تكريم المرأة وإعطائها حظها في المساواة والمنافسة الشريفة في باب الفضل والخير والمحبة،وبالتالي ستكون ذات مساهمة فعالة وقوية في بناء المجتمع المدني ،قد كان من أجمل ما عبرت به ذلك الاستقبال الذي خصصته للنبي صلى الله عليه وسلم عند الهجرة وقدومه بطلعته البهية والسعيدة على مشارف المدينة بالنشيد المشهور: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع فيما ستقوم النسوة الخزرجيات والأوسيات بإكرام النبي صلى الله عليه وسلم وإحسان وفادته من تهييء للطعام واستضافة له ولأهله كتعبير عن حب روحي وطاهر إيماني له ولدعوته صلى الله عليه وسلم . بحيث لما بركت ناقته،احتمل أبو أيوب رحله ووضعه في منزله،وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام ناقته فكانت عنده وخرجت ولائد بني النجار يقلن: نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمدا من جار فخرج إليهن رسول الله صلى عليه وسلم فقال:أتحببنني؟فقلن:نعم،فقال:الله يعلم أن قلبي يحبكن"3 إذ كان أول إجراء ومبدأ لتأسيس مجتمع المدينة ينبني على عقد المحبة والطاعة والمساواة ،وهذه كلها أدوات للتأليف بين القلوب وتواصل الأرواح والأشباح. ثانيا:بيعة العقبة ومبدأ الثقة الاجتماعية في المدينةالمنورة تأتي الخطوة الثانية من مقدمات بناء المجتمع المدني الجديد وهي التي تسمى ببيعة العقبة الثانية بعدما كثر عدد المستجيبين للدعوة الإسلامية بيثرب وأصبح الوعي قائما لدى كثير من عقلائها بأن لحظة الفلاح قد أشرقت عليهم وأطلت ،وبالتالي سيتحول التنافس بين الأوس والخزرج من صورته السلبية إلى توجه إيجابي مبني على المحبة والتعاون وتقديم الخدمات للرسول صلى الله عليه وسلم. هذه البيعة ستكون ذات بعد أكثر عمقا من حيث بناء الثقة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المؤمنين به من الأوس والخزرج،لأنها ستصبح أكثر تقدما و أوسع اشتراطا لبناء مجتمع متكامل يجمع بين العقيدة والشريعة على قاعدة حكم نافذ ومؤثر في الحياة العامة بالالتزام الجماعي تحت إمرة الرسول وحكمه في كل مجالات الحياة الروحية والاجتماعية والسياسية. وعند البيعة المذكورة أقتطف هذه الفقرة من مجرياتها والمؤكدة على قوة العقد الاجتماعي في بعض أوجهه والذي قد تم بين النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته. بحيث قد قالوا لرسول صلى الله عليه وسلم :خذ لنفسك ولربك ما أحببت فقال:أشترط لربي أن تعبدوه وحده ولا تشركوا شيئا،ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم متى قدمت عليكم،فقال له أبو الهيثم بن التيهان:يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال عهودا وإنا قاطعوها،فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال:بل الدم الدم والهدم الهدم ،أي إن طالبتم بدم طالبت به وإن أهدرتموه أهدرته. وحينئذ ابتدأت المبايعة وهي العقبة الثانية ". ونظرا لأهمية هذه البيعة سواء منها الأولى أو الثانية وأبعادها الدعوية في نصرة الإسلام وتحقيق شرف المدينةالمنورة فإن احد الصحابة وهو ابن بكير سيعتبرها أكثر أهمية من غزوة بدر الكبرى لأنها قد كانت الأساس الرئيسي في تحقيقها كما يقول:"ولقد شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها !"4. إذن فتأسيس مجتمع متماسك ومتآلف ينبغي أن يرتكز بالدرجة الأولى على مبدأ الثقة التي تجمع بين الحاكم والمحكوم والتي قد أسس لها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر إلى المدينة. إضافة إلى هذا فقد سعى صلى الله عليه وسلم إلى توزيع المهام بين زعماء الأوس والخزرج في شكل تقسيم إداري لتسيير الأمور على وثيرة منتظمة وخاضعة لمرجعية موثوق بها وصادقة في القيام بمهامها،وذلك لما اختار اثني عشر نقيبا لكل عشيرة منهم واحد... ثم قال لهم:أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم ،وأنا كفيل على قومي"5 وكما يروي البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قوله:"إني من النقباء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقال:بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرف ولا نزني ولا نقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا ننتهب ولا نعصي بالجنة إن فعلنا ذلك فإن غشينا من ذلك كان قضاء ذلك على الله"6. فكان هؤلاء النقباء يمثلون دعامة أساسية في تنظيم المجتمع المدني وتهيئته عقديا ونفسيا لاستقبال الرسول صلى الله عليه وسلم بالصورة التي خلدها التاريخ عند هجرته صلى الله عليه وسلم. بحيث لا يمكن لمجتمع أن يبقى هملا من غير إمارة وتسيير موحد وعلى صورة تخصصية وإلا تشتت الجمع واختلفت القرارات وتضاربت،ومن بعدها فشل كل مشروع اجتماعي كيفما كان مصدره ونوعه. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بمجرد تعيين هؤلاء النقباء على قومهم لتوجيههم وحماية بيضتهم وقوة شكيمتهم وشوكتهم،وإنما أرسل إليهم سفراء من المهاجرين كان على رأسهم مصعب بن عمير رضي الله عنه،الذي قد ساهم بحنكته وحسن أخلاقه وقوة حجته في إقناع الأوس والخزرج معا. عند هذا فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت أرضية المدينة مهيأة عقديا ونفسيا واجتماعيا لإعطاء الانطلاقة العارمة نحو تأسيس مجتمع فاضل ومتكامل ،ينبني على المحبة والعدل والمساواة والمؤاخاة كما حدث للمهاجرين والأنصار بعدما قد مهد له بين الأوس والخزرج،وهذا ما رواه البخاري في باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار7. في حين سيبقى مشكل اليهود الذين كانوا يوجدون بكثرة في يثرب والذين قد بقوا دائمي العداء بتعاون مع المنافقين ضد المسلمين "لكن الرسول قبل من هؤلاء –أي المنافقين-ظواهرهم وعقد مع أولئك عهدا مقتضاه ترك الحرب والأذى ،فلا يحاربهم ولا يؤذيهم،ولا يعينون عليه أحدا،وإن دهمه بالمدينة عدو ينصرونه وأقرهم على دينهم"8. ثالثا:الحكمة في حماية الوحدة الوطنية لأهل المدينة فالإجراءات هاته قد كانت كمقدمات وتدرجات نبوية من أجل بناء مجتمع المدينة على أسس المحبة والرحمة والعدل واحترام المواثيق والمساواة والمؤاخاة،ومن دون ترك الفرصة لمزاعم وأوهام فكرة السكان الأصليين وغير الأصليين كمهد للعنصرية ودعاوي الجاهلية المقيتة،والتي قد كان اليهود بتواطؤ مع المنافقين يسعون جاهدين لتكريسها من أجل الشقاق والفتنة وفك عرى الوحدة وكسر بيضتها،حتى قد فاحت مؤشراتها بشكل مفضوح وسافر مستنكر. فكما يروي أهل السير أن"أجيرا لعمر بن الخطاب اختصم مع حليف للخزرج،فضرب الأجير الحليف حتى سال دمه،فاستصرخ بقومه الخزرج واستصرخ الأجير بالمهاجرين،فأقبل الذعر من الفريقين ،وكادوا يقتتلون ،لولا أن خرج عليهم رسول الله فقال:ما بدعوى الجاهلية ؟ (وهي ما يقال في الاستغاثة يا فلان)فاخبر الخبر ،فقال:"دعوا هذه الكلمة فإنها منتنة ) ثم كلم المضروب حتى أسقط حقه وبذلك سكنت الفتنة ،فلما بلغ عبد الله بن أبي هذا الخصام غضب،وكان عنده رهط من الخزرج فقال :ما رأيت كاليوم مذلة أوقد فعلوها ؟نافرونا في ديارنا...أما والله:"لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل "ثم التفت إلى من معه،وقال :هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم،أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم،ثم لم ترضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم غرضا للمنايا دون محمد فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا نفلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من عنده ،وكان في المجلس شاب حديث السن قوي الإسلام اسمه: زيد بن الأرقم،فأخبر رسول الله الخبر فتغير وجهه ،وقال يا غلام لعلك غضبت عليه فقلت ما قلت ؟فقال:والله يا رسول الله لقد سمعته.قال:لعله أخطأ سمعك..."9.وفي رواية جابر بن عبد الله :كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري :يا للأنصار! وقال المهاجري :يا للمهاجرين،فسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ما بال دعوى الجاهلية؟ قالوا يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار .فقال: دعوها فإنها منتنة"فسمع بذلك عبد الله بن أبي فقال:وقد فعلوها،والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل! فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ،فقام عمر فقال:يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق.فقال النبي صلى الله عليه وسلم:دعه،لا يتحدث الناس أن محمدا كان يقتل أصحابه!"10. قال جابر في معرض الحديث عن التوازنات الاجتماعية وطبيعة النمو السكاني(الديموغرافي) وتوزيعه بين السكان الأصليين والوافدين:وقد كان الأنصار بالمدينة أكثر من المهاجرين حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ثم كثر المهاجرون بعد ذلك11.ومع هذا فلم يكن ليؤثر هذا التغير الاجتماعي والإحصاء السكاني ومسألة الأسبقية أو التالية على نوع العلاقة والتعامل بين الفريقين من مستوى الحقوق ووحدة الفرص في طلب المعاش والمساهمة في تسيير دفة المجتمع إداريا وسياسيا واقتصاديا وسلوكيا،بل إن الأنصار سيتنازلون عن المطالبة بالحكم لصالح المهاجرين مراعاة لأفضليتهم وسبقهم الروحي والمعنوي لا الزمني والاستيطاني كنتيجة حتمية للأسس التي بنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم مجتمع المدينة في المرحلة التمهيدية الأولى،وبالمقابل فقد أوشح صدور الأنصار إلى الأبد بوشاح الإيمان وشرط كماله بحبهم حينما قال صلى الله عليه وسلم:"الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق فمن أحبهم أحبه الله ومن ابغضهم أبغضه الله"12...وقوله إنشادا في غزوة الخندق: اللهم إن الخير خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة13 فكل هذه الإجراءات التأليفية والتجنيسية-إن صح التعبير- وتلك المبررات والأعذار التي كان يلتمسها الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي بن سلول قد كان الغرض منها هو حماية المجتمع المدني من الفتنة أو العودة إلى الوراء حيث كان يسود التحارب والتقاتل على أشده بين الأوس والخزرج ،ولكن هذه المرة قد يريده المنافقون بين المهاجرين والأنصار من أجل تكسير بيضة الإسلام في مهدها المدني،ولكن هيهات هيهات!... بحيث ،كنتيجة لهذه الحكمة و التربية النبوية والمؤاخاة الروحية، أن المهاجرين سيشعرون بأنهم في بلدهم طالما هم يحملون لواء الدعوة وراية الإنقاذ والإصلاح،فكان التزاوج والمصاهرة وتبادل الأدوار في تسيير دفة حكم المدينة وما جاورها ،من غير عقدة نقص أو تفوق سواء بمبرر السبق في الدخول إلى الإسلام أو فضل الاستضافة واستقبال الوافدين،لأن الإسلام وطن،وحيث وجد المسلم بين إخوانه المسلمين فهو في وطنه وبين عشيرته وقومه. بل قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتح المجال للمهاجرين ومعهم الأنصار بأوسهم وخزرجيهم للاستشارة في أدق القضايا المصيرية لحفظ وحدة المدينة ومعها الأمة جمعاء ،كما يوليهم على الأحياء التي يتجاوبون معها ويتواصلون بها. في حين أنه قد كان لا يثق بالمنافقين لعظم خطرهم والذين كان يرأسهم عبد الله بن أبي بن سلول الخزرجي الذي كان مرشحا لرئاسة أهل المدينة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم . فكما يقول محمد الخضري بك:"الأساس الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبل ما ظهر ويترك ما بطن،ولكنه عليه الصلاة والسلام مع ذلك كان لا يأمنهم في عمل ما . فكثيرا ما كان يتغيب عن المدينة ويولي عليها بعض الأنصار،ولكن لم يعهد أنه ولى رجلا ممن عهد عليه النفاق،لأنه عليه الصلاة والسلام يعلم ما يكون منهم لو ولوا عملا،فإنهم بلا شك يتخذون ذلك فرصة لإضرار المسلمين ،وهذا درس لرؤساء الإسلام-المسلمين-يعلمهم ألا يثقوا في الأعمال المهمة إلا بمن لم تظهر عليهم شبهة النفاق أو إظهار ما يخالف ما في الفؤاد"14. هذا، إضافة إلى الحرص على توزيع المهام والتزام النظام الشوري والطاعة الإيجابية لبناء مجتمع فاضل ومستنير بنور الهداية المؤدي إلى سعادة الدنيا والآخرة ،والتي قد كانت تتم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كمؤسسة ثابتة وقارة تتواصل فيها الأرواح وتتوحد عندها المواقف وتصفو النوايا وتصلح القلوب،يقول الله تعالى:"يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم"صدق الله العظيم وهو مؤلف القلوب. الدكتور محمد بنيعيش كلية أصول الدين جامعة القرويين المغرب [email protected]