إن كانت طبيعة عقود العمل المبرمة، بين المقاولة والمأجور، تستأثرُ بحظٍّ مهم من النقاش بفرنسا هذه الأيام، حيثُ يلقِي الليبراليُّون، بالمعنَى الاقتصادي للكلمة، باللائمة على العقود غير محددة الأجل، فإنَّ الأمرَ يبدُو مختلفاً في المغرب، حيثُ تسجلُ العلاقات المهنية غياباً على مستوَى الأوراق، فالأرقام الرسميَّة، على سبيل المثال، والتِي لا يوجدُ غيرها، تبينُ عن اشتغال 63% من المأجورين دون عقود عمل، بينما يعملُ3.7 بالمائة من المأجورين بموجب عقود شفوية، وفقَ ما أوردته المندوبية السامية للتخطيط. أَيْ أنَّ أزيد من ثلثَي من الساكنة النشيطة المأجورة، لا تعملُ بموجب عقد عمل. وإلَى جانب المأجورين العاملين دون عقود مبرمة، ينضافُ مأجورون آخرون يعملون بمقتضَى عقود محدودة الأجل، يمثلون 5.6% من مجموع المأجورين في المغرب، مما يجعلُ عدد من يعملون في ظروف موسومة بعدم الاستقرار تبلغُ 72.3%، أمَّا العاملون بموجبِ عقود عمل غير محدودة الأجل (CDI) فَلا يتخطون نسبةَ 27.1%. وممَّا يبعثُ على القلق بصورة أكبر، غداةَ الوقوف على المعطيات الآنف ذكرها، هوَ أنَّ عدمَ الاستقرار في الشغل يطالُ على وجه الخصوص، الشريحة العمرية ما دونَ ال25 عاماً، بحيث أنَّ إبرام عقود العمل وسطَ هذه الشريحة يبقَى دونَ 12 بالمائة. بمن فيهم حاملو الشهادات، الذين يشتغلُ 16 بالمائة فقط منهم بموجب عقود عمل، بحيث لا يستأثرُ بالنسبة المرتفعة نسبيا من عقود العمل، والتي تصل 68% إلا الموظفون الكبَار. وهنَا تنبغِي الإشارة إلَى أن قاعدة المأجورين، التِي تمثِّلُ 43.3 بالمائة من مجموع الساكنة النشيطة العاملة بالمغرب، تبقَى دون ما هو مسجل في تونس على سبيل المثال، حيث يمثلُ المأجورون زهاءَ 60 بالمائة من بين الساكنة النشيطة، فيمَا يقتربُونَ في فرنسَا من 90%. مما يعني أنَّ المشمولين بالنظام القضائِي، من بين من المأجورين، يبقَى عددهم ضعيفاً. وجديرٌ بالذكر أنَّ تراجع عدد المأجورين في البلدان المتقدمة، لا يعودُ فقط إلى الأزمة التي تفاقمت قبل عدة سنوات، وإنما أيضا إلى توجه المأجورين نحو إنشاء أعمالهم الخاصة، والاشتغال بحرية أكبر. بمنأى عن التراتبيّة الموجودة في العمل المأجور. بما يضحِي معهُ تراجع المأجورين بالدول الغربية، مرتبطاً بمحددات اقتصاديَّة وثقافيَّة. في غضون ذلك، تبرزُ في الحالة المغربيَّة ثلاثُ ملاحظات؛ أولها على مستوَى التكوين والتسهيلات التي يقدمها المحيط في تشجيعه على المشاريع الفرديَّة، بحيثُ لا يزالُ المغرب بعيداً على ما هو الحالُ عليه في الغرب. كما أنَّ من يشتغلون بشكل حر يمثلون عددا مهما يصلُ إلى 29 بالمائة من بين الساكنة النشيطة، الموجودة في حالة عمل. فضلاً عن كون البحث عن عمل مأجور في بلد يعدُّ من البلدان السائرة في طريقِ النمو، ويعانِي نقصاً على شتَّى الاصعدة، أمراً طبيعيًّا.