غالبية الشباب لا يتوفرون على عمل قار والمغرب بعيد عن مجتمع المعرفة والإعلام خلال السنوات الأخيرة عرفت وضعية الشباب بالمغرب تحسنا ملحوظا، ومع ذلك لازال العديد منهم يعاني من معضلات تتعلق بانشغالاتهم واستعدادهم للانخراط في الحياة العملية والاجتماعية، فضلا على أن غالبيتهم لا يتوفرون على عمل قار، أو لا تتوفر لهم فرص متابعة الدراسة. وبالرغم من هذه المشاكل فإن التحولات الأخيرة التي شهدها المغرب تكشف عن الإرادة والجهود المبذولة لمواجهة التحديات التي تواجهها هذه الفئة العمرية. وفي الآونة الأخيرة صدرت العديد من التقارير الوطنية والدولية حول وضعية الشباب المغربي، والإكراهات التي يواجهونها، ويفتقدون إلى كثير من الفرص من أجل مشاركتهم وانخراطهم في الحياة السياسية والاجتماعية والتنموية بالبلاد. هذه التقارير تتفاوت من حيث نتائجها وتوصياتها. وتجمع التقارير الوطنية والدولية المختلفة على أن الشباب يمثلون مستقبل المغرب، وأن التغلب على ما يعانونه من إقصاء، وتجاوز الغياب المنتشر في أوساطهم لأي نشاط مهني أو دراسي يمكن أن يكون له أثر هام على تقدم البلاد وازدهارها. وتفيد مجمل التقارير أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة يمثلون ما يقرب من خمس سكان المغرب، حيث قدر عددهم سنة 2011 بحوالي 6,3 مليون شخص، 50.6 في المائة منهم ذكور و49.4 من الإناث. ويعيش حوالي 55.7 في المائة منهم في الوسط الحضري، ويمثلون 18.3 في المائة من مجموع سكان المدن، بينما يمثل الشباب 21.2 في المائة من مجموع سكان الوسط القروي. وتسجل هذه التقارير أن حوالي 97.4 بالمائة من الشباب المغربي الذكور يعيشون حالة العزوبة، فيما سبق ل22.6 في المائة من الفتيات الزواج. وتتوزع هذه النسبة إلى 28.6 في المائة في الوسط القروي، و 16.9 من الفتيات بالمدن. وحسب ذات التقارير فإن أكثر من ثلثي الشباب الذين يعيشون بالوسط الحضري، حوالي 36.4 في المائة، يتوفرون على مستوى التعليم الثانوي التأهيلي، مقابل 10.9 في المائة فقط في الوسط القروي. وتشير التقارير إلى أن وتيرة تزايد هذه النسبة تبقى أسرع بالمناطق القروية مقارنة مع الوسط الحضري، حيث تضاعفت هذه النسبة ب 2.8 مرة مقابل 1.5 مرة فقط بالوسط الحضري. ورغم التحسن في مستوى تعليم وتكوين الشباب بالمغرب، إلا أنه يلاحظ تراجع نشاطهم بشكل ملموس خلال السنوات الأخيرة. فقد انخفض معدل نشاط هذه الفئة من السكان من 45.8 في المائة سنة 2000 إلى 35 في المائة سنة 2011، وهو ما يمثل تراجعا قدره 10.8 نقطة (14.5 في أوساط الذكور و7.4 نقط في أوساط الفتيات). وحسب نفس المعطيات فإن الفلاحة والغابات والصيد يشغلان حوالي نصف الشباب المشتغلين، حيث يشكلون حوالي خمس المشتغلين البالغين 15 سنة فأكثر بهذا القطاع. أما حسب الوضعية في الشغل، إذا كان أكثر من ثلثي شباب المدن يشتغلون كمأجورين، فإن الشباب المشتغل المأجور بالوسط القروي، حيث يسود نظام المساعدين العائليين، لا يتعدى الخمس. وتوصي العديد من هذه التقارير بضرورة النظر إلى الشباب، باعتبارهم «هبة» ديمغرافية لكل بلد يتوفر على اقتصاد مطرد النمو، قادر على خلق فرص شغل، كمشاركين نشطين في تهيئة وتقييم البرامج التي تهدف إلى إرضاء احتياجاتهم. الشباب من منظور البنك الدولي يسجل تقرير البنك الدولي إلى أن ما يعادل ثلث الشباب بالمغرب، الذين تتراوح أعمارهم ما بين سن 15 و29 سنة، يفتقرون إما لعمل أو لمقعد دراسي وهو ما يشكل 30 في المائة من مجموع الساكنة، ونسبة 40 في المائة من الساكنة البالغة سن العمل المتراوح ما بين 15 و 64 سنة. ويسجل التقرير المعنون «النهوض بالفرص المتاحة للشباب ومشاركتهم بالمغرب» أن الشباب المغربي يعانون بشدة من البطالة الكلية والمقنعة، إذ أنهم في أغلب الأحيان ينتظرون سنوات للحصول على مسكن، والزواج، وإنجاب أطفال. ونتيجة لذلك، فإن معدلات الزواج بين الشبان في الشريحة العمرية ما بين 25 و29 عاما تعد من أقل المعدلات في العالم النامي، حيث لا تزيد على 50 في المائة. ويقوم هذا التقرير على تحليل أسباب الغياب المنتشر لنشاط مهني أو دراسي لدى الشباب المغربي، كما يطرح سلسلة من الاقتراحات لدعم إدماج أكبر لفائدة الشباب في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمملكة. كما اعتمد التقرير على وجهات النظر الشخصية للشباب، من أجل بتسجيل تطلعات شريحة متنوعة المشارب منهم الشباب عبر البلاد، وتحديد العوائق التي تحول دون إدماجهم. بغية جعل هذه الشريحة من الساكنة محركاً للنمو، ومحفّزا اقتصادي ومنبعاً لطلب إجمالي أكبر. وباعتماده على بحث يعتمد التجديد والابتكار ويركز بشكل مباشر على وجهات النظر الشخصية للشباب، فإن هذا التقرير يمثل إحدى التحليلات الأكثر شمولية لقضايا الشباب بالمغرب، كما يُلقي الضوء على ظاهرة الخمول، وليس فقط البطالة، بين أوساط الشباب المغربي، بهدف تسجيل تطلعات شريحة متنوعة المشارب من الشباب عبر البلد، وتحديد العوائق التي تحول دون إدماجهم. وتندرج جهود التقارير الدولية، خصوصا تقرير البنك الدولي حول وضعية الشباب في العالم العربي عموما، في إطار خطة للاستفادة من المعارف وأفضل الممارسات العالمية والإقليمية وتفعيلها في أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتحقيق عدة أهداف، منها تمكين الشباب، وتشجيع خلق فرص العمل، ومساعدة الشباب، الذين لم تسنح لهم فرصة الدراسة أو العمل لأن يصبحوا أعضاء منتجين في مجتمعاتهم. ويشير البنك الدولي إلى أن معدل البطالة في صفوف الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم يبلغ في المتوسط نحو 25 في المائة، وتذهب بعض التقارير إلى أنه يصل إلى 40 في المائة في بعض البلدان، فإن المشكلة قد تزداد سوءا لأن ملايين الشباب سينضمون إلى سوق العمل في المنطقة في العقد القادم. وتشير التقديرات إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سوف تحتاج إلى خلق 50 مليون فرصة عمل بحلول عام 2020 لمواكبة هذه الزيادة، وهناك الآن بالفعل 100 مليون نسمة في الشريحة العمرية بين 15 عاما و29 عاما، وهم يؤلفون ثلث السكان تقريبا. الشباب المغربي والمعرفة كشف تقرير المعرفة أن حوالي 73 في المائة من التلاميذ المغاربة يوجدون في بداية جاهزية لولوج عالم المعرفة، وأن 15 في المائة منهم غير مؤهلين إطلاقا لهذا الغرض، وبين عن ضعف كبير لدى المتعلمين المغاربة الذي لا يرقى إلى متوسط المطلوب في المهارات المعرفية، وهو ما يتطلب من المغرب بلورة رؤية جديدة لتشجيع الشباب على المعرفة. وكشفت خلاصات تقرير المعرفة للعام 2010 – 20110حول «إعداد الأجيال الناشئة لمجتمع المعرفة» الذي قدم أمس الأول بالرباط، أن مستوى المهارات المعرفية لدى المتعلمين المغاربة ما يزال ضعيفا، ولم يبلغ الحدود الدنيا لولوج مجتمع المعرفة، حيث لم يتجاوز متوسط الحساب الإجمالي لدرجات العينة المشمولة بالبحث 36.33 درجة، وهو ما يعني ابتعاد متوسط درجات المستجوبين عن الحد الأدنى لامتلاك المهارة المحدد في 50 درجة. وسجل التقرير الذي تم إعداده بدعم ورعاية مشتركة بين مؤسسة محمد بن راشد المكتوم وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، أن التلاميذ المغاربة يعانون من ضعف كبير في المهارات المعرفية المتعلقة بالبحث عن المعلومات، ومهارة حل المشكلات، ومهارة التواصل الكتابي ومهارة استخدام التكنولوجيا، حيث بين التقرير عن ضعف كبير لدى التلاميذ المغاربة في المهارات الأربع. وأشار التقرير إلى أنه بالرغم من الدينامية الجديدة التي عرفها المغرب، خلال العشر سنوات الأخيرة، والتي تتوخى في جهودها خلق مناخ صالح لتحقيق مقومات التنمية الإنسانية، من خلال تحديد مفهوم جديد للسلطة وللوطنية والمواطنة وتحرير الاقتصاد الوطني وإصلاح منظومة التربية والتكوين وغيرها من الأوراش المفتوحة على عدة مستويات، وهي كلها أساسية لتحقيق التنمية الإنسانية، والولوج إلى مجتمع المعرفة والديمقراطية، إلا أن النظام التعليمي ما زال يعاني مشاكل واختلالات عديدة. واعتبر التقرير أن التحكم في مهارة التواصل الكتابي يعتبر الأضعف من بين جميع المهارات المعرفية حيث يقل المتوسط الإجمالي الفعلي عن الحد الأدنى المفترض لامتلاك تلك المهارة بمقدار 7.21 درجة، بينما لا يتجاوز مستوى العينة المشمولة بقياس التقرير بخصوص مهارة حل المشكلات 4.25 درجة. أما المتوسط الإجمالي الفعلي لمهارة البحث عن المعلومات فإنها تقل بدرجتين عن المتوسط المطلوب، وسجلت لدى التلاميذ المغاربة 10.5 درجة، مقارنة مع المتوسط المحدد في 12.5، ومع ذلك جاءت متصدرة للمهارات التي سجل فيها التلاميذ المغاربة نسبة عالية. وخلص تقرير إعداد الأجيال الناشئة لمجتمع المعرفة، عن حالة المغرب إلى أن حوالي 12 في المائة فقط من التلاميذ المغاربة متقدمين في مستوى جاهزيتهم لولوج عالم المعرفة، بينما يوجد 73 في المائة من هؤلاء التلاميذ في بداية جاهزيتهم لولوج عالم المعرفة، في حين أن أزيد من 15 في المائة من التلاميذ المغاربة لا يمتلكون الحد الأدنى الذي يؤهلهم لولوج عالم المعرفة. وأكد التقرير على إن انخراط المغرب في مجتمع المعرفة يقتضي بذل المزيد من الجهود للتغلب على نواحي العجز وردم الفجوة المعرفية وطرح رؤية شاملة للعمل والحركة، وأيضا اتخاذ القرار السياسي الشجاع، خصوصا أنه يتوفر على الرغبة في التحرك، التي تجسدت من خلال مباشرة مشاريع كبرى في العقد الخير، في مجالات الاقتصاد والإصلاح التربوي والانتقال الديمقراطي وغيرها من المشاريع الكفيلة بالقضاء على بؤر الفقر والتهميش. إلا أنه رغم كل هذه المكتسبات فمازالت أمام المغرب تحديات أخرى ينبغي التغلب عليها، من قبيل الأمية وبطالة الشباب والفساد الإداري وتحقيق المزيد من المساواة والعدالة الاجتماعية. وأوصى التقرير المغرب بضرورة مراجعة وتحيين الميثاق الوطني للتربية والتكوين على ضوء المستجدات الوطنية والعالمية، وتطوير المنظومة التربوية والتعليمية، والعناية باللغة العربية لأنها أداة الحفاظ على الهوية ووسيلة من وسائل تطوير المعرفة مع الانفتاح على اللغات العلمية، وتشجيع التلاميذ على القراءة الحرة لتنمية مداركهم وتوسيع أفاقهم الفكرية، وصياغة رؤية وخطة لبناء مجتمع المعرفة مع تحديد مقوماتها والياتها الراهنة و المستقبلية. التحديات التي تواجه الشباب وأتثبت التقارير أن التحدي الأكبر الذي يواجهه المغرب يكمن في توفير البيئة الملائمة التي من شأنها مساعدة الشباب، باعتباره موردا بشريا حيويا، على تفجير كافة طاقاته. فالشباب يواجهون العديد من العوائق يتجلى أولها في الولوج المحدود للكفاءات، وما ينتج عن ذلك من حرمان فئة عريضة من هؤلاء الشباب من الفرص الاقتصادية المتاحة في القطاع الخاص حيث الإلمام بتقنيات التحدث والتواصل باللغة الفرنسية ضرورية. كما تظهر التقارير أن الشباب حرموا من كثير من الفرص التي استفادت منها بعض القطاعات الاقتصادية في البلاد. والتجاهل الذي يعانون منه بشكل خاص كجيل كامل. بالمقابل تعاني البرامج الهادفة لمحاربة البطالة بين أوساط الشباب من نفس التبايُنات، حيث أن غالبية تلك البرامج موجَّهة لخريجي التعليم العالي الذين يُمثلون 5 في المائة فقط من فئة الشباب العاطل، مما يترك ما تبقى من العاطلين بدون برامج خاصة لإدماجهم في عالم الشغل. ومع تداعيات وانعكاسات ما بات يعرف ب «الربيع العربي»، وفي ذروة الطفرة الشبابية بالمغرب من الناحية السكانية. وأظهرت التقارير الأخيرة أن العدد الهائل من الشباب العاطل عن العمل على مستوى العالم وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ربما يفاقم مخاطر الصراع وعدم الاستقرار، خاصة وسط نقص عام للفرص الاقتصادية وقنوات المشاركة. خلاصات وتوصيات اعتبارا بأن التحدي الرئيسي الذي يواجه المغرب يتمثل في كيفية مواجهة آثار البطالة في أوساط الشباب، والتي تصل نسبتها إلى حوالي 10 في المائة، على مدى السنوات الأخيرة، انطلاقا من أن النمو الاقتصادي يؤثر على معدلات البطالة. وحسب الخبراء الذين أعدوا تلك التقارير، ارتباطا بتداعيات الربيع العربي، فإن معظم دول منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، لم تنجح في اغتنام الفرص التقنية الناشئة. في إشارة إلى أن التفاوت بين المعروض من المهارات والطلب عليها، بالإضافة إلى ضعف نوعية التعليم له أثر أيضا وذلك رغم الإنجازات الرائعة في معدلات الالتحاق بالتعليم الابتدائي والثانوي. وتُعاني كذلك البرامج الهادفة لمحاربة البطالة بين أوساط الشباب من نفس التبايُنات حيث أن غالبية تلك البرامج موجَّهة لخريجي التعليم العالي الذين يُمثلون 5 في المائة فقط من فئة الشباب العاطل، مما يترك ما تبقى من العاطلين بدون برامج خاصة لإدماجهم في عالم الشغل. أما النساء ضمن هذه الفئة فَتُعانين من عوائق ثقافية إضافية مِمَّا يَنْتُج عنه تفاوت صارخ بين الجنسين في الأوساط العاملة. ويتضح ذلك بجلاء في كون البطالة المؤنثة تصل إلى ضعف النسبة المُسَجلة بين الرجال وأغلبية ساحقة من الشابات غير الممدرسات، لسن ناشطات في عالم الشغل. وتنطلق التقارير من كون التكلفة الاجتماعية للإقصاء الاقتصادي للشباب جد مرتفعة، وهو ما يولد لديه درجات عليا من الإحباط. وتشير هذه التقارير كذلك إلى أن التحولات الأخيرة التي شهدها المغرب تكشف عن الإرادة والجهود المبذولة لمواجهة تلك التحديات. منها على سبيل المثال إحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الاجتماعي، بالإضافة إلى الإستراتيجية الوطنية المتكاملة للشباب والشراكات الناشئة بين القطاعين العام والخاص والنسيج الجمعوي، وكل هذه الجهود تعد بالكثير ولا سيما ما يتعلق بمنح الشباب دوراً أكثر بروزا على الساحتين الاقتصادية والاجتماعية. ويمكن لنماذج للاندماج الاجتماعي والاقتصادي أن يتم توسيعها. كما يُمكن تعضيد المشاركة المباشرة للشباب في تطوير وتفعيل الإستراتيجية الوطنية للشباب الراهنة. وبموازاة مع الإستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب فإن الحاجة تبدو قائمة لتحسين الخدمات المُتاحة حالياً وتقديم أخرى تُعَزِّز إمكانية الولوج إلى المهارات الملائِمة وفرص التشغيل بالإضافة للمشاركة النشطة للشباب في كافة المرافق المجتمعية.