إيلي، امرأة عمرها 64 عاما من جنوبإنجلترا، وقربها تسكن صديقتها بيتام، وعمرها 57 عاما، إنهما معا تستمتعان بقضاء عطلتهما على بعد آلاف الكيلومترات من مدينتهما في الشواطئ البيضاء الواسعة في كينيا على المحيط الهندي. "" إيلي تمضي أغلب الوقت في كينيا متوسدة كتف صديقها الكيني الذي لم يتجاوز العشرين من العمر، لكن طوله يزيد عن مترين، ويرتدي نظارات شمسية سوداء قدمتها له إيلي هدية. أما بيتام فإنها لا تبعد ناظرها عن شاب يرتدي حذاء جديدا ويلعب البلياردو. يفهم هذا الشاب، الذي لم يتجاوز العشرين من عمره، نظرات بيتام، لذلك يقترب منها من دون تردد ويطبع على وجهها قبلة. ذلك ما كانت تريده بالضبط. هذه قصص واقعية تتكرر في كينيا عشرات المرات، كما تتكرر في مناطق أخرى في إفريقيا جنوب الصحراء. وفي دراسة أنجزتها جمعيات غير حكومية حول السياحة في شواطئ كينيا، فإن كل امرأة من بين خمس نساء من البلدان الغنية، تأتي إلى هذه المناطق من أجل السياحة الجنسية، وهذا ما ينطبق تماما على إيلي وبيتام اللتين تقضيان في السواحل الكينية أكثر من شهر كل عام وتعرفان جيدا ما تريدان. وتقول إيلي بكثير من الصراحة: "هنا نستطيع تحقيق كل ما نرغب فيه، لا شيء سيئ في ما نقوم به". وتضيف: "أنا لا أعيش قصة حب هنا، ولم آت إلى كينيا بحثا عن زوج". أما بيتام فتقول إنها اشترت لصديقها قميصا جديدا وذهبت معه لتناول وجبة العشاء. إنه يعرف جيدا أنه مادام إلى جانبي فإنه لن يصرف فلسا واحدا، وأنا أعرف أنني سأقضي أوقات جيدة. صديق إيلي، واسمه جوزيف، يشبه لاعبا من الدوري الأمريكي لكرة السلة. طوله فارع ولا يلتوي لسانه وهو يعترف بأنه رافق أزيد من مائة امرأة بيضاء، وأغلبهن يفقنه سنا بأكثر من 30 عاما. "عندما أصل إلى مرقص، فإني أبحث فقط عن النساء"، قال جوزيف، ويضيف: بهذه الطريقة يمكنني أن أعيش مثل الناس الأغنياء، وأقضي أغلب الوقت في فنادق فاخرة. الطريقة التي يعيش بها جوزيف يفعلها آلاف الشباب الكينيين، وآخرون ينتظرون دورهم من أجل أن يكون حظهم مثل حظه. السلطات ومصالح السياحة الكينية لها رأي في الموضوع، لكنه رأي صادم للبعض. ويقول جاك غريفس كوك، رئيس مكتب السياحة في كينيا، إن ما يجري لا يعتبر خطيئة، لكنها ظاهرة توجد تحت مراقبة السلطات الكينية. وفي رأي كوك، فإن الطريقة التي تعيش بها إيلي وبيتام على السواحل الكينية ظاهرة منتشرة بكثرة في البلاد. ويشير المسؤول السياحي الكيني إلى أن هناك إجراءات من أجل عدم ترك هذه الظاهرة تستفحل، ومن بين هذه الإجراءات أن تراقب الفنادق الكينية الكثير من الحالات التي تحاول فيها السائحات الغربيات تغيير غرفهن من غرفة بفراش لشخص واحد إلى غرفة بفراشين مزدوجين أو فراش لشخصين، إننا ضد سياحة دعارة الأطفال»، يضيف كوك. حديث كوك عن دعارة الأطفال يفسره أن الكثير من الكينيين الذين يترصدون السائحات غالبا ما يدلون بأعمار هي أكثر من سنهم الحقيقي. فجوزيف مثلا يقول إن عمره 20 عاما، بينما يبدو أصغر من ذلك. وحسب دراسة أنجزتها منظمة «اليونيسيف»، ونشرتها في ديسمبر من عام 2006، فإن أزيد من 15 ألف فتاة كينية، تتراوح أعمارهن بين 12 و18 سنة، سبق أن أعارت جسدها مقابل المال. وتشير الدراسة إلى أن أزيد من 3000 فتاة وولد يشتغلون في أنشطة جنسية غير شرعية، وفي كثير من الأحيان يقومون بتنفيذ مهمات جنسية فظيعة وغير طبيعية، وأن 10 في المائة من هؤلاء دخلوا هذا المجال قبل أن يبلغوا 12 عاما. الزبائن الأوائل الرجال في كينيا يأتون على رأس الذين يقدمون خدمات جنسية للسياح داخل بلادهم، إنهم يشكلون أزيد من 38 في المائة في هذا المجال. أما الزبناء فهم من السياح، من النساء والرجال، وعلى رأسهم الإيطاليون والألمان والسويسريون. كما يوجد أشخاص يأتون من أوغندا وتنزانيا المجاورتين لكينيا، إضافة إلى البريطانيين والسعوديين، وكل هؤلاء يؤثثون خريطة السياحة الجنسية العالمية في إفريقيا. غير أن دراسة اليونيسيف تظهر فيها بطبيعة الحال جنسيات كثيرة أخرى. ويبدو أن هذه الظاهرة لا تقلق كثيرا المسؤولين الكينيين، خصوصا وأنها في ارتفاع متواصل ومحموم، ولا تقلقهم أيضا تلك الأرقام التي تقول إن 7 في المائة من سكان البلاد مصابون بمرض فقدان المناعة المكتسبة (السيدا)، غير أنه رقم ظل أقل فظاعة من نسبة مرضى السيدا في مملكة لوسوتو، الموجودة في قلب جنوب إفريقيا، حيث تشير التقديرات إلى أن أزيد من 56 في المائة من النساء ما بين 25 و29 سنة مصابات بالسيدا. الاستغلال الجنسي للأطفال في كينيا يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، غير أن المسؤولين الكينيين لا يبدون أدنى اكتراث بهذه الظاهرة المخيفة التي تستشري في البلاد بإيقاع رهيب وتحمل معها مخاطر كبيرة، خصوصا في المناطق الساحلية التي أصبحت معقلا لهذا النوع من السياحة. قصة إيليس نموذج، ليس في كينيا فقط بل في إفريقيا كلها، لطفلة وجدت نفسها فجأة في قلب السياحة الجنسية؟ بدأت قصة هذه الفتاة عندما مر يوما جنود ومحاربون من قريتها، وأخذوها رفقة فتيات أخريات عندما كان عمرها لا يزيد عن عشر سنوات. وعلى مقربة من حدود السودان قتلوا بضع فتيات من أجل تخويف الأخريات. كانت إيليس في البداية تغسل ملابس الجنود وتعد لهم الطعام وتنظف منازلهم. مرت الأيام ووجدت نفسها حبلى من محارب قبل أن يزوجوها بالقوة لضابط متزوج من سبع نساء وأنجبت منه طفلا آخر. وفي أحد الأيام حملت طفليها وهربت، ثم وجدت نفسها تؤثث مشهد السياحة الجنسية في البلاد. فردوس جنسي ليست كينيا وحدها المعنية بالسياحة الجنسية في إفريقيا، فعلى طول هذه القارة البئيسة توجد بلدان كثيرة تقتات من هذه السياحة، التي أصبحت تشكل، مع مرور السنوات، صناعة قائمة يصعب التخلص منها. ومن السنغال وغامبيا وغينيا في غرب إفريقيا على المحيط الأطلسي، وحتى شرق القارة على المحيط الهندي، وامتدادا حتى أقصى الجنوب، مرورا بنيجيريا والكامرون ورواندا والغابون والكونغو وجنوب إفريقيا، فالسياحة الجنسية صارت اليوم دخلا للكثير من الشباب والشابات في إفريقيا، وأيضا مرتعا للكثير من الأوروبيين والأوروبيات الذين يبحثون عن فردوس جنسي فلا يجدونه إلا في بلدان يعاني شبابها من البطالة والفقر ويحلمون كل يوم بالهجرة إلى أوروبا. في غامبيا، هذا البلد الصغير الموجود في قلب السنغال، يعيش المئات من الشباب على أجساد عجائز أوروبيات يأتين من هولندا وفرنسا وإسبانيا وإنجلترا وألمانيا ومن بلدان أخرى. الكثير من هؤلاء النسوة يستسلمن بسهولة بالغة لأول محاولة تحرش من أولئك الشباب الذين يقضون أغلب الوقت يتمشون على الشواطئ باحثين عن فرائس سهلة. من الطبيعي أن يجدوا ما يريدون بسهولة لأن سائحة أوروبية في السبعين من عمرها لن تتمنع طويلا أمام شاب في العشرين من العمر. السائحات، اللواتي يتراوح عمرهن بين 40 و70 سنة لا يلتوي لسانهن وهن يعترفن بأن غامبيا صارت حلمهن الكبير. وتقول بريجيت، وهو اسم تستخدمه بين الفينة والأخرى، إنها تترك أطفالها الثلاثة في هولندا سبعة أشهر في السنة لكي تأتي إلى غامبيا. «هنا أكتشف نفسي قليلا. الناس هنا لا تهمهم الأعمار حتى لو كنت في السبعين. إنهم طيبون بالفعل». لكن الطيبوبة هنا لها معنى واحد، وهو أن الخدمات الجنسية التي يقدمها بعض شباب غامبيا على الشواطئ تعتبر منجم ذهب للكثير من السائحات اللواتي لا يجدن في بلدانهم الأصلية سوى نظرات الشفقة. في غامبيا يعدن 30 سنة إلى الوراء، ويكتشفن أنهن لازلن مراهقات، ويستمعن إلى كلمات معسولة ومعاملة فيها الكثير من الدلال، فيما كان من الممكن أن يكن نزيلات بئيسات في إحدى دور العجزة في أوروبا. لكنهن في خضم كل ذلك ينسين أو يتناسين شيئا واحدا على قدر كبير من الأهمية، وهو أن هؤلاء الشباب الذين يحطنهن بكل الخدمات المطلوبة، يفعلون ذلك من أجل المال فقط، أو من أجل وعود بالهجرة نحو أوروبا. أنقر هنا لمعرفة الكثير حول أسراروألاعيب السياحة الجنسية بمناسبة اليوم العالمي للسياحة المسؤولة