1) ماذا يعني أن يشيّد حميد شباط في مدينة فاس، التي يدير شؤونها باعتباره عمدة للمدينة، "برجا" حديديا مستوحى شكله من برج إيفل المنتصب وسط العاصمة الفرنسية باريس؟ هذا معناه بكل بساطة، أن المسؤولين عن الشأن المحلي عندنا في المغرب يفتقدون حتى إلى مجرّد حسّ إبداعي، يجعلهم قادرين على إبداع أشياء خاصة بنا، لذلك "ينقلون" كل شيء من مدن وعواصم بلدان العالم، رغم أن المقارنة بين المدن المغربية والأعاجيب التي يصنعها عمداؤها ورؤساء بلدياتها، بما هو موجود في عواصم ومدن العالم لا تجوز، ولكن هذا على كل حال ليس مشكلا، المشكل، أو السؤال هو: هل تحتاج المدن المغربية إلى بنية تحتية وفوقية قوية أولا، أم تحتاج إلى "الزواق"؟ 2) فمدينة فاس مثلا، التي شيّد بها شباط برجه السخيف (إذا ما قارنّاه ببرج إيفل)، توجد بها أحياء شعبية تنهار فيها المنازل على رؤوس المواطنين بسبب قِدمها، وعندما تهطل الأمطار في فصل الشتاء تتحول كثير من شوارعها إلى وديان حقيقية تقتحم بيوت الناس وتهلك أثاثهم وأمتعتهم، كما حصل خلال السنة الماضية، وما على السيد شباط سوى أن يعود إلى مقاطع الفيديو التي توثق بالصوت والصورة لذلك في موقع يوتوب. فهل تحتاج فاس يا سيّد شباط إلى "برج" حديدي بلا معنى، أم إلى إعادة هيكلة الأحياء الشعبية المهددة بيوتها بالانهيار في أي لحظة، وتزويد شوارع وأزقة المدينة بقنوات قادرة على صرف مياه الأمطار حتى لا تغرق المدينة في كل موسم شتاء؟ 3) "برج شباط"، وعلى الرغم من كون تشييده لا يستحق متابعة إعلامية، إلا أنّ القناة الثانية خصصت له ربورتاجا قدمته في إحدى نشراتها الإخبارية، ولا شك أن العمدة شباط أُعجب بالربورتاج كثيرا، خصوصا وأن معدّيه استقوا آراء لمواطنين تمدح كلها هذا "المشروع" الفريد، وتشيد بالساحات التي يلعب فيها الشباب، والنافورات وغيرها من الأشياء الثانوية التي خصص لها المجلس البلدي للمدينة 200 مليار سنتيم، لكنّ الذي يجب على السيد شباط أن يفعله إذا أراد أن يسمع الحقيقة كما هي، ويقف على الاحتياجات الحقيقية لأهل فاس، هو أن يترك هذه التصريحات التي يبثها التلفزيون الرسمي (الذي يعلم الجميع أنه لا يردد شيئا آخر غير أغنية قولو العام زين) جانبا، ويذهب إلى الأحياء الهامشية المهددة بالانهيار، وتلك التي تغمرها الفيضانات في الصيف والشتاء، ويسأل الناس، وسيكتشف بلا شك أنهم سيطلبون أشياء أهمّ بكثير من برجه الحديدي. 4) نحن لسنا ضدّ تجميل واجهات مدننا، لكننا نطالب بالأولويات أولا، قبل الكماليات، ففي باريس، التي "نقل" منها شباط برجه السخيف، لا توجد أحياء مهددة بالانهيار، ولا توجد أحياء تغرق في الفيضانات، رغم أن كميات الأمطار التي تسقط هناك لا يسقط عُشر عُشرها في فاس، ولا يوجد بها مختلّون عقليا يهيمون في الشوارع في مشاهد قبيحة، كما هو الحال في فاس، حيث سقط سائح إسرائيلي مغمى عليه قبل أيام، (حسب ما نقلته جريدة "أخبار اليوم المغربية")، بعدما لمح مختلا عقليا يسير نحوه. فهل تحتاج فاس إلى مآوى لجمع مشردي المدينة، و"حمّاقها"، حفاظا على كرامتهم، وحفاظا على جمال المدينة (السياحية)، أم تحتاج إلى برج حديدي بلا منفعة؟ إنّ أهمّ مشكلة يعاني منها مسيّرو الشأن العام عندنا، هي أنهم يتركون الأشياء المهمة جانبا، ويهتمون بالقشور، لذلك فكلّ هذه "التحسينات" التي تعرفها مدن المملكة لا فرق بينها وبين "الحكْر فوق الخنونة"! [email protected]