حينَ تتَهاطل الأمطار على مراكش، عاصمة السياحة في المغرب وإحدى أشهر الوجهات السياحية في العالم، يخرج أفراد الوقاية المدنية، في مهمة مستعجلة، لشفط المياه التي تغمر عدداً من المناطق «السوداء» بالمدينة «الحمراء» التي يلقبها البعض بالمدينة «الخضراء». وقبل أيام، وجد أفراد الوقاية المدينة أنفسهم مدعوين إلى إخماد حريق مهول، اندلع بأحد المستودعات بالطابق السفلي لإحدى العمارات. وحيث إن اندلاع النيران، في تلك العمارة، تزامن مع الأجواء الماطرة التي عاشتها المدينة في تلك الأيام، فقد وجدها أحد المراكشيين فرصة للتفكه من علاقة الضعف التي تربط مراكش بالأمطار، حيث قال: «إن الماء الذي استخدم في إخماد النيران، التي التهمت معظم طوابق العمارة، هو، ربما، نفس الماء الذي تم شفطه من بعض أحياء المدينة التي «هزها» ماء المطر»! هكذا، يتذكر المراكشيون طبيعتهم المرحة، في غير أوقات الفرح، متفكهين من واقع مدينة كبيرة لا تصمد طويلا أمام تساقطات مطرية قليلة، تعيق حركة السير والجولان، وتفجر قنوات الوادي الحار، وتغرق بعض البيوت بالحلو والحار من المياه، كما تتسبب في تهاوي بعض دور المدينة القديمة فوق رؤوس سكانها. وتُعرف مراكش بشمسها، كما تُعرف بمرح أهلها. ولعل من التفسيرات الطريفة لروح البهجة والنكتة، التي ظلت تميز مراكش والمراكشيين، ما أورده ابن الموقت، في «الرحلة المراكشية»، من أن مؤسسها، يوسف بن تاشفين، «تحرى بوساطة منجميه وضع أول حجر من تأسيس بنائها على برج العقرب الذي هو برج الغبطة والسرور، لتبقى دائماً دار سرور وحبور. وذاك السر في كون السلو والنشاط يغلب على سكانها ويفيض من بين أركانها». بعض المتتبعين لتاريخ المدينة الحمراء وتحولاتها يرون أن مراكش لم تعد، كما كانت، «دار سرور وحبور»، وأنها في طريقها إلى التخلي عن «البهجة»، أحد أجمل ألقابها. في مراكش .. السياح يعشقون الشمس، والشمس تعشق مراكش، ولذلك تفضل أن تقضي معظم العام متسمرة فوق سطح المدينة. وهكذا، ففيما يتجول السائح فرحاً بنعيم الشمس وزرقة السماء، كما لو أنه اكتشف كنزاً، يقتل المغربي نهاره في حديث لا ينتهي عن أحوال الطقس والتذمر من ارتفاع درجات الحرارة. في فصل الصيف، حين يشتد الحر، يمكن أن ينتابك شعور بأن الشمس، ربما، نزلت من سمائها وسارت تتمشى بين المراكشيين، عبر الأزقة والشوارع. في فصل الشتاء، حين تهطل الأمطار، يتعكّر مزاج السائح، فيما تتأهب عناصر الوقاية المدنية لشفط المياه ويضع المراكشيون أيديهم على قلوبهم، خوفاً على بيوت المدينة القديمة من الانهيار وأحياء المدينةالجديدة من الفيضان! وفي مراكش، كلما سكنت الشمس في سماء المدينة أكثر، حلّ السياح بأعداد أكبر واستمتعوا أكثر: شمس مراكش هي مطر مراكش، مع الشمس يأتي الخير وتنشط السياحة. أن يتكهرب الجو وتهطل الأمطار وتختفي الشمس من السماء، يبقى ذلك أسوأ ما يمكن أن يعكر مزاج السائح في مراكش. وليست الأمطار، وحدها، ما يعكر مزاج السائح في مراكش. وقبل أيام، «نزل» ادريس بنهيمة، من طائرات الخطوط الملكية المغربية، لينتقد سائقي سيارات الأجرة ممن يطلبون من السائح مبالغ غير معقولة، مقابل نقلهم من باب المطار إلى وجهاتهم بالمدينة. وقتها، اكتفى المسؤولون والمنتخبون والمهنيون، المشاركون في أشغال الدورة الثانية للمؤتمر الوطني لمهن السياحة الذي احتضنته مراكش، بابتسامة تلخص اتفاقا مع مضمون انتقادات بنهيمة، من دون أن نسمع اقتراحاً لتجاوز جشع من يبدو أمامهم السائح مثل وكالة بنكية متحركة، حيث تبقى تصرفات بعض سائقي سيارات الأجرة مجرد حلقة ضمن مسلسل طويل من الممارسات التي تسيء إلى مراكش، بشكل خاص، وإلى المغرب، بشكل عام. في مراكش، المشهورة بفنادقها الباذخة، يبقى من المؤسف، مثلا، أن المتجول، في ساحاتها وشوارعها وأسواقها، لا يكاد يصادف ولو مرحاضاً عمومياً واحداً!!