"تمخّض الجبل فولد فأرا". هذه هي العبارة التي يمكن أن يعلق بها المرء عن الضجة التي خلفها الحديث عن "تدمير" آثار تاريخية في إقليمالحوز بالأطلس المتوسط من طرف سلفيين قبل أيام. "هسبريس" زارت المنطقة وعاينت النقش الذي قيل بأنه تعرض للتدمير، في رحلة نظمتها وزارة الثقافة إلى عين المكان، وإليكم التفاصيل... رحلة نحو المجهول لكي تصل إلى الموقع الأثري الذي توجد به النقوش التي قيل إن سلفيين طمسوا معالمها، يجب عليك أن تقضي، إذا انطلقت من الرباط، حوالي ثماني ساعات على الطريق. الرحلة انطلقت عبر الحافلة من الرباط في حدود الخامسة والنصف في اتجاه مراكش، ومن مراكش إلى "قيادة مسفيوة" بإقليمالحوز، هنا، ستتوقف الحافلة، وسنكمل الطريق على متن سيارات الدفع الرباعي، التي تستطيع لوحدها الوصول إلى المكان المقصود، عبر طريق غير معبدة ووعرة جدا، تمتدّ لعشرين كيلومترا، قطعناها، بسبب وعورتها الشديدة، في ما يقرب ساعتين من الزمان. رحلة لم يجد زميل من توصيف لها سوى: رحلة نحو المجهول. السكان لا علم لهم بقصّة الآثار بعد هذه الكيلومترات العشرين، التي رأينا فيها كل معاني البؤس والفقر، سواء على وجوه الصبية والشيوخ الذين كانوا يقفون على جنبات الطريق، أو من الأبنية الحجرية التي يقطن فيها أولائك السكان، ستتوقف سيارات الدفع الرباعي بدورها، ما دام أن الطريق غير سالكة إلى موقع الآثار، وسنكمل الرحلة هذه المرة على ظهور البغال التي أحضرها سكان المنطقة لهذا الغرض. "هسبريس" سألت أحدهم حول ما إن كانوا قد تلقوا مقابلا ماليا، فكان الجواب لا. "الشيخ هو الذي طلب منا إحضار الدوابّ إلى هنا، وهادشي درناها غير بليزير". يقول المواطن بنوع من الفخر. المفارقة الغريبة هي أن هذه الضجة التي وصلت أصداؤها إلى خارج المغرب، وتناولتها عدد من وسائل الإعلام الدولية، لا علم لأهل المنطقة بها. عدد من الذين سألتهم "هسبريس" أجابوا بأنهم لا يعلمون أصلا سبب زيارتنا لتلك المنطقة. بعد الوصول إلى عين المكان، وجدنا أن الأثر التاريخي الذي أثار كل هذا اللغط والضجيج، والذي جعل وزير الاتصال يحط الرحال بعين المكان قبل أيام على متن طائرة مروحية، لا يتعدى صخرة صغيرة في مرتفع جبلي، عليها نقش قديم، عبارة عن دائرة تتوسطها رسوم. الرسم يسمى "قرص الشمس" أو Disque Solaire بالفرنسية، غير أن مجيدي عبد الخالق، الإطار بالمركز الوطني للنقوش الصخرية، التابع لوزارة الثقافة، والذي قدم شروحات حول النقش لوسائل الإعلام، قال بأن الاسم الأصلي للنقش هو "الدرع" بالأمازيغية، ويعتبر أقدم نقش في شمال إفريقيا، "ويوضح انفتاح المغرب على حوض البحر الأبيض المتوسط منذ عهد "البرونز"، حوالي 1700 سنة قبل الميلاد". يقول الإطار بالمركز الوطني للنقوش الصخرية. هل تعرض "قرص الشمس" للتخريب؟ النقش، وحسب ما عاينته "هسبريس"، توجد عليه فعلا حفر عديدة، لكن هل يتعلق الأمر بمحاولة طمس للنقش؟ عبد الخالق مجيدي يجيب بالنفي، ويشرح بأنهم يتوفرون في المركز الوطني للنقوش الصخرية على صور قديمة للنقش، تعود إلى ما بين سنتي 1986/1987، وعليها آثار الحفر التي تبدو عليها اليوم، "ما يؤكّد أن هذه الحفر كانت موجودة قبل سنوات طويلة، وليست حديثة العهد كما تحدثت عن ذلك الصحافة"، يقول مجيدي، مضيفا، أن الحالة الوحيدة التي وقع فيها تدمير مآثر تاريخية في المغرب بسبب معتقدات دينية وإديولوجية تعود إلى ما قبل 1000 سنة من الآن، ووقعت في أوكيمدن، ما عدا ذلك، يشرح مجيدي، ليست هناك أي عملية تخريب، إلا في الحالات التي قد يلجأ فيها السكان إلى تحويل الصخور التي تتشكل منها تلك المآثر إلى مواد للبناء عن غير قصد. من يقف وراء تسريب الإشاعة؟ السؤال الأهم الذي كان الجميع يودّ الحصول على إجابة شافية عنه، هو: من يقف وراء خبر تسريب إشاعة تدمير نقش "قرص الشمس"؟ لكن السؤال ظل تقريبا بدون إجابة، أو أجيب عنه بطريقة مبهمة نوعا ما، ما دام أن كل الذين قدموا شروحات لوسائل الإعلام كانت إجاباتهم تقنية، فيما لم نسمع رأي السلطات المحلية. عبد الرحيم البرطيع، المدير الجهوي لوزارة الثقافة بمراكش قال إن هذه الإشاعة لا أساس لها من الصحة، وعندما سألته "هسبريس" حول الجهة التي سربت هذه الإشاعة أجاب قائلا: "هناك نوايا مبيتة وراء تسريب هذه الإشاعة، لكننا لا نستطيع اتهام أحد"، وعن الإجراءات التي تمّ اتخاذها بعد انتشار الإشاعة، أضاف بأن السلطات المحلية حلت بعين المكان، من أجل التأكد من الخبر، وحول ما إن كان هناك ضغط خارجي، بعدما وصلت الإشاعة إلى خارج المغرب، خصوصا وأنها تزامنت مع تخريب لمآثر في تونس، وتحدثت عنها وسائل إعلام غربية، أضاف المدير الجهوي للثقافة بمراكش ب"أنه لم يكن هناك أي ضغط، وأن الهدف الأساسي من تفنيد هذه الإشاعة هو أننا نريد تبليغ الرأي العام الوطني بالحقيقة حتى لا تكون هناك أي بلبلة". "قرص الشمس" بحاجة إلى حماية ومع كل هذه التطمينات التي صدرت عن مسؤولي وزارة الثقافة، إلا أن سؤال حماية هذه الآثار التاريخية طرح أكثر من مرة، ويكون الجواب في الغالب هو أن الوزارة لا تستطيع أن توفر حراسة لكل هذه الآثار، نظرا لكون عدد النقوش الصخرية التي توجد في المنطقة يصل إلى 3400 نقش، وتمتدّ على مسافة كيلومترات، "لذلك يبقى الحل هو تحسيس سكان المنطقة بقيمة هذه الآثار، وأهمية المحافظة عليها"، يقول المدير الجهوي للثقافة بمراكش. هذه الفكرة يتفق معها أحد أبناء المنطقة، لكن كيف يجب أن يكون التحسيس؟ "لا بدّ من تدريس هذه الأمور للأطفال الصغار، حتى يكونوا على وعي بأهمية هذه المآثر، فإذا كنا نحن قد كبرنا دون أن نعرف قيمتها، يضيف المواطن الذي غزا الشيب رأسه، فعلى الدولة أن تدرس للأطفال قيمة هذه الآثار، حتى لا ينفتحوا على الأفكار المتشددة". السكان أيضا بحاجة إلى حماية بعد انتهاء الزيارة إلى موقع "قرص الشمس"، كان علينا أن نستقلّ البغال من جديد، كي نعود إلى المكان الذي تركنا في سيارات الدفع الرباعي. "الطريق" وعرة جدا، سواء بالنسبة للبغال أو السيارات، لذلك سرعان ما يتحول السؤال الذي كان يشغل البال قبل الوصول إلى المنطقة حول ضرورة حماية تلك الآثار التاريخية، إلى التساؤل حول ما إن كانت الدولة تفكر في توفير حياة كريمة للمواطنين الذين يقطنون في تلك المناطق المنسية، ما دام أن الحفاظ على كرامة الإنسان والحفاظ على سلامته أوْلى وأهمّ من صيانة الأحجار. أحد سكان المنطقة قال ل"هسبريس" بأن الطريق التي جئنا منها لم يمرّ على شقها وقت طويل، وكان ذلك بجهد السكان فقط، "أما قبل ذلك، يضيف المواطن بحسرة، فقد كنا نعاني ويلات أكثر، حيث نضطر يوم السوق مثلا، إلى المبيت في "أربعاء تغدوين"، الذي يبعد عن المنطقة بعشرين كيلومترا، أي أننا نحتاج إلى يومين كاملين من أجل زيارة السوق الأسبوعي والعودة إلى بيوتنا، وعندما يمرض أحد نحمله على ظهر بغل إلى المستوصف ب"أربعاء تغدوين" دائما، ونفس الشيء بالنسبة للحوامل. شهادة مؤثرة تخلف غصة في القلب. وصلنا إلى المكان الذي تركنا فيه السيارات، لتنطلق رحلة العودة، عبر منعرجات ضيقة وخطرة، عندما يسلكها المرء ويتأمل قاع الوادي من فوق تلك الجبال الشاهقة لا يتمنى سوى شيء واحد، وهو العودة من حيث أتى بسلام!