بسؤال عن الوُجهة، ومَا إذَا كَانت تستهدِف "لْمْدِينَة"، يُستقبل الحَالُّون بمحطّة قطار أصيلَة التي انزوت عن الحاضرة.. فيمَا لهؤلاء إمكانيّة الاختيار بالتنقّل إلى المدينة عبر وسائل ثلاث؛ سيارات الأجرة القليلة القاصدة ل "لاَكَارْ"، والتي لا يفوق عددها مجموع أصابع اليد الواحدة، أو عربات "الفَارْكُونْ" المجاهر سائقها بتسعيرة ال5 دراهم عن كلّ فرد، زيادة على "الخطّافة" المتلقّين ل20 درهماً عن كلّ رحلة من محطّة القطار إلى وسط أصيلة. بابتسامة عريضة ردّ محَمّد، وهو ينقلنا صوب المدينة القديمَة، حين سألنَاه عن رأيه في موسم أصيلة الذي دأبت المدينة على احتضانه كلّ صيف خلال السنوات ال34 الماضيّة.. هذا قبل أنّ يورد ذات "الخطّاف"، بعينين تختطفان النظر إلى جنبات الطريق وفم لا يتوقّف عن البصق عبر النافذة المجاورة له، بقوله: "كلّ مَا أعرفه عن هذا الموسم هو أنّ الشهر الموالي لانتهائه يأتي بفواتير كهرباء بمستحقات آداء عاليّة عن المعدّل المألوف". "موسم أصيلة يتفاعل دوما مع المتغيّرات الوطنيّة والإقليميّة والعالميّة، وهذه السنة كانت الندوة الافتتاحيّة لدورته ال34 عن الأزمة الاقتصادية بدول الشمال وما يرافقها من حراك ديمقراطيّ بنظيرتها للجنوب.. ولهذا الموعد قيمة مضافة متمثّلة في إسهامه ضمن تطوّر أصيلة تدريجيّا وبشكل طبيعيّ بعيد عن الاصطناع.. حتّى أضحت تتوفر على بنية تحتيّة جيّدة ومراكز ثقافيّة معتبرة، زيادة على لعبه لدور في إعادة تأهيل المدينة، عبر استدعاء اهتمام الدولة والمساعدات الخارجيّة، بوضوح لا ينكره إلاّ جاحد" يورد حاتم البطيوي لهسبريس باسم المنظّمين، وهو عضو بمؤسّسة منتدى أصيلة مكلّف بالإعلام والتواصل. ربيع، وهو شاب في العشرينيّات من العمر، يرى بأنّ توفّر أيّ مدينة على بنية تحتيّة جيّدة، وفي مختلف المجالات الحياتيّة، يعدّ "حقّا ينبغي أن تعمل على توفيره المؤسسات التدبيريّة المنتخبة بالأساس".. وأردف ذات الشاب لهسبريس، وهو المشتغل موسميّا ببيع تذكارات جوار مدخل "القَصْبَة"، أنّ "أيّ ترويج سيّاحيّ وتجاريّ لا ينبغي أن يتمّ بخلط بين أدوار المجالس التدبيريّة المحليّة والإقليميّة والجهويّة، سواء كانت منتخبة أو مُعيّنَة، وبين أدوار جمعيّات تتحرّك لتحقيق أهدَافِ خلقت من أجلها". أمّا مصطفى بخّات، وهو الفنّان التشكيليّ العارض بأزقّة "لمْدِينَة"، وبشكل دائم منذ 7 سنوات، فيرى بأنّ "موسم أصيلة يعدّ مدرسة تساعد على التأطير كمَا تقي من الانحراف".. وقال مصطفى لهسبريس: "تجربتي مع هذا الموعد السنوي جعلتني أطوّر ممارستي الإبداعيّة وأستجمع علاقات مع فنّانين عالميّين.. أتمنّى أن يفهم بعض النّاس جماليّة فكرة الموسم السنوي لأصيلة، فجمالها جعلني أتجنّب الانحرافات، وأكيد أنّ المستقبل سيكون أفضل". وبالنسبة لحاتم البطيوي فإنّ خدمة الثقافة للتنميّة قد كان محطّ رهان منذ الدورة الأولى لموسم أصيلة عام 1978، عبر شعار الموعد حينها.. "غَالبيّة الساكنة تعرف قيمة هذا الموعد، ومؤسسة منتدى أصيلة، المنظّمة له، مثلها مثل باقي الجمعيات المشتغلة وسط بلاد الحرّيّة والديمقراطيّة، وكل من أراد العمل على مشروعه فليفعل ليُوريَنَا حْنّْة يْدِّيهْ.." يقول حاتم قبل أن يزيد: "هناك رواج تجَاريّ يوازي انعقاد كلّ موسم من مواسم أصيلة الثقافيّة الدوليّة، وكمثال، هنَاك أناس يؤجّرون بيوتهم للقادمين إلى المدينة للاستمتاع بالموعد السنويّ وجمال الطبيعة.. هناك عائلات تعيش بهذا المدخول لسنة كاملة، فهذه حركيّة بسيطة حاملة لمدلول كبير تجده عند من تُلامسهم". أمّا أشرف، وهو العامل موسميّا كمساعد تاجر بالمدينة القديمة، فإنّه يرى الحدِيث عن الرواج بأصيلة "مَاشِي شِي رَوَاج كِيمَا كَتْسْمْعْ"، ويضيف: "غالبيّة القادمين إلى المدينة يكتفون بالتجوّل والسؤال عن الأسعار قبل الذهاب لحال سبلهم".. أمّا عن موسم أصيلة الثقافيّ فيورد عنه أشرف: "كي تلج إلى فضاءات الموعد ينبغي أن تتوفر على وَاسِطَة، وطريقة التعاطي مع برنامج التظاهرة من طرف المنظّمين تجعلنا غير معنيّين به.. حتّى دعوات الترحيب بحضورنا لا يتمّ تعميمها علينَا، والحاجُّون إلى الموسم من خارج أصيلة هم العارفُون بقيمته التي لا أراهَا تعنِي المستقرّين بهذه الحاضرة الساحليّة".. ويسترسل: "أدعُو الساهرين على موسم أصيلة إلى تشغيل اليد العاملة المحليّة خلال كافّة مراحل الحدث، من الإعداد إلى التفعيل وصولا إلى الختم، وهذا عوضا عن استقدام اليد العاملة من خارج المنطقة..". حسن بنعيساتِي، وهو من سكّان المدينة، أورد لهسبريس بأنّ الحركيّة الثقافيّة والفنّيّة لأصيلة تمتدّ لفترة مجاوزة لعمر الموسم الدولي البالغ ربيعه ال34، مثيرا احتفاظ الذاكرة الجماعيّة للمنطقة بشباب، معظمهم حينها لم يبلغ عامه ال20، يحيون حفلاتهم تحت مسمّى مجموعات ذاع صيتها فيما بعد.. ومن بينها ناس الغيوان وجيل جيلالة ولمشاهب وتكَادّة. ويرى حسن بأنّ الموسم السنوي لأصيلة استمراريّة للعطاء الإبداعيّ "دون تطوير لملامسة الجانب المعيشي الذي يبقى لدى النّاس مرتبطا بالفلاحة والصناعة التقليديّة والتجارة والصيد البحريّ". "صيف أصيلة وموسمها لا يعدّان في نظري إلاّ مرحلة ضجيج تمرّ على المدينة التي تفقد هدُوءها الجميل، وموسمها لا ينتفع منه سكّان المدينة بقدر ما هو موعد يراعي حاجيّات الضيوف" يقول لهسبريس منير، المشتغل صيّادا ساحليّا، ويزيد: "لا مردود لنَا من هذا النشاط أو غيره، ولولا مراكبنا وشباكنا التي وفرنا ها من عرق جبيننا لمتنا وأسرنا جوعا". البطيوي يرى بأنّ رهان الموسم الثقافي الدولي لمؤسسة منتدى أصيلة "دأب على المراهنة على الفنّ من أجل التنشئة السليمة للأجيال الصاعدة".. وذكّر حاتم بأنّ انطلاقة الموعد "تمّت بالرهان على الفنّ الذي لم يوضع ضمن الفضاءات المغلقة وتقرّر إخراجه إلى الشوارع والأزقّة حتّى يفتح الأطفال أعينهم على الألوان ويعوا أهمّية الثقافة في سنّ مبكّرة".