- يبلغ موسم أصيلة دورته الثلاثين، هل حصل التراكم الكمي والكيفي الذي كنتم تأملونه، أم إن الموسم تحول إلى مجرد اعتياد سنوي؟ < أعتقد أنه في إطار التقييم الموضوعي يمكن أن أقول إنه بالفعل حصل تراكم كمي ونوعي خلال دورات الموسم، الذي انطلق في البداية كفكرة صغيرة وطموحة، سرعان ما وجدت طريقها الصحيح، عقب النجاح الذي حققته من دورة إلى أخرى. لقد استضفنا خلال الدورات السابقة كما هائلا من الأسماء ونظمنا ملتقيات وندوات وتوجهنا إلى الجمهور الواسع وخاطبنا العالم من خلال هذا المهرجان الذي يقام في هذه المدينة البحرية الصغيرة. كل ذلك جعل من المهرجان موعدا سنويا لا يخلف، واكتسب أصدقاء خلص من الجهات الأربع للعالم، ونحن اليوم نجد صعوبة بالغة في الحسم في اللائحة النهائية للمشاركين في فعاليات المهرجان وضيوفه، بسبب الطلبات المتزايدة التي نتلقاها من مفكرين وكتاب وإعلاميين ورجال سياسة يرغبون في المشاركة والحضور في المنتديات الفكرية التي يقيمها الموسم. - قلت سابقا إن أغلب المواقف المناوئة لموسم أصيلة لم تكن مواقف رسمية لأحزاب اليسار بل ردود أفعال شخصية فقط، هل كان الأمر على هذه الصورة حقيقة؟ < هذا في الحقيقة هو اعتقادي منذ سنوات. كنت أعي تماما أن المواقف التي أفرزها المشهد الثقافي في المغرب لم تكن مواقف مؤسسات حزبية، بل كانت تعبيرات أشخاص أو مثقفين بشكل فردي، وإلا دعني أقول لك ما معنى أن يكون في المكتب المسير للجمعية ومنذ التأسيس فعاليات حزبية تابعة للاتحاد الاشتراكي ولحزب الاستقلال.. لقد اشتغلنا جميعا داخل الجمعية التي تحولت فيما بعد إلى مؤسسة منتدى أصيلة، من أجل إرساء قاعدة للحوار، وأن يكون الموسم فرصة لتبادل التجارب بالاعتماد على ثوابت الحرية واحترام الآخر. وبالتالي أقول إن مشروع أصيلة الثقافي كانت له دائما شرعية محلية ودولية، وأن الأصوات المعارضة التي كانت ترتفع كلما اقترب المهرجان ربما كان يحركها نوع من الحذر تجاه فعل ثقافي منفتح ويعطي صورة أخرى للمغرب، في الوقت الذي كان فيه المثقفون في أواخر السبعينات وأحزاب اليسار في المغرب، كلهم يخوضون صراعا قويا مع السلطة. زيادة على ذلك لا يجب أن ننسى أني كنت في تلك الفترة نائبا في البرلمان عن التجمع الوطني للأحرار الذي كان حزبا مشاركا في الحكومة، علاوة على أني كنت «أتناول» لغة معتدلة، وأعمل صادقا من أجل ترسيخ قواعد الديمقراطية. كل هذه المعطيات ربما كانت تثير في نفوس بعض أفراد النخبة الثقافية والسياسية بعض التهيب من التعبير عن موقف إيجابي من موسم أصيلة، ولجؤوا إلى تعبيرات مناوئة هي بالجملة مخاوف أكثر منها مواقف. - خرج الموسم سالما وحقق مشروعيته في الداخل والخارج، هل يعود ذلك إلى جدية المهرجان أم إلى تغير المناخ الثقافي في البلاد؟ < لابد من القول ٍبأنّ تجربة مهرجان من هذا الحجم وفي مدينة صغيرة مثل أصيلة كانت تحديا في حد ذاته فنحن لا نتوفر على منشآت فندقية كبيرة ومرفهة ولا على بنيات تحتية من عيار ثقيل تتيح لنا استقبال ضيوف من عيار ثقيل، ولم يكن لنا من إغراء غير البرنامج الثقافي والفكري الذي نطرحه، مع التأكيد من دورة لأخرى على أن الحرية هي السماد الحقيقي لكل فكر إنساني. لقد قال لي يوما المغفور له الحسن الثاني: «اجعل من أصيلة هايدبارك المغرب». وهذا ما عملت على تحقيقه في إطار الحرية المسؤولة والحفاظ على الثوابت التي أرساها المهرجان والتي لا يمكن التطاول عليها، ومنها التأكيد على أن الموسم ليس منتدى لاحتضان معارضين سياسيين لدولهم، وأن من يريد أن يقوم بدور المعارضة عليه أن يقوم بهذا الدور داخل بلاده وليس في أصيلة. * الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة