ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كبرياء الشيخ و زقاقية المريد(2/4)
نشر في هسبريس يوم 12 - 03 - 2012

(لكلّ داء دواء يستطيب به ***إلاّ الحماقة أعيت من يداويها)
نقول ابتداء أنّ ما تحدّثنا عنه سابقا لم نجد له جوابا،فلا قيمة لمضغ الكلام. فما ذكرناه في فقه الرّوكي وسلوك الحلاّج يكفي لمن تجرّد وبارح العناد. وما تبقّى هو دردشة وإشارات ونظرات لاختبار قدرة المريد على التفكير السليم بمعنى السّويّ لا هذيان السّليم بمعنى اللّذيغ.ونقول ابتداء أنّنا لا نقصد بالمريد هنا خصوص زيد أو عمرو وإن ضربنا أمثلة تطبيقية بمكرور أقوال آحادهم، بل نقصد حال المريدية عموما، إذ لا يوجد ما به الامتياز في المريدية. فما دامت تشابهت قلوبهم وكانوا مثالا مشتركا ورأيا سواء، قصدنا مجمل من نطّ خارج المعقول ونظر إلى النقد كقهر وغلب واستئصال، ولم ير للنصح شرعية إلاّ بشرط الانتماء للطريقة التي وجدوا فيها بديلا عن الإسلام، مع اعتبار الاستثناء في المقام.
فالنقد هنا أن تقول ما تراه حقّا وتمضي وليس أن تقتلع الشّر من شرار النفوس.لقولة لحذيفة بن اليمان رضوان الله عليه: "أتحبّ أن تغلب شرّ النّاس؟ فقال نعم، فقال:إنّك لن تغلبه حتّى تكون شرّا منه". ولا شرّ ممن كان لسانه تسبيح وقلبه "ذبّيح".وهاهنا يكمن الفارق بين تربيتين وأسلوبين. فالمريد صرّف حقده وفق كاراكتر المساميم، فما ذنبي إن كنت لا أحسن أسلوب المساميم؟ دروس الأخلاقوية الكاذبة المخاتلة هنا لا تنفع. فنحن أهل للآداب مع أهلها.فداخل هذه الجماعة ككلّ جماعة يوجد طيبون ويوجد حرامية. أقول في كلّ جماعة وحزب لا أستثني أحدا. لذا فمن استيقنتها نفسه يعرف ما أقول وأما الطّيبون فليسوا موضوعا لهذا الكلام.فكلامي هنا موجّه للمريد من حيث هو مريد متنطّع.وأمّا فركة الأذن التي وعدنا بها المريد فهي من باب المثال، إنقاذا له من تقليد خاطئ سلك عليه وأدمنه معتقدا به طريقا منتجا للعلم وأسلوبا ناجعا في التّحقيق.لكنّه والحالة هذه فعل وما فعل.
ولن يملك المريد مهما دلّس أن يجيب عن تساؤلات حول خطاب، لست فيها بدعا، بل هي تساؤلات تحيط بالجماعة من كلّ حدب وصوب دون جواب شافي ورأي مقنع من شيخ أو مريد.وتحتاج الجماعة أن تلوذ بالبروباغوندا لكي تقدّم خطابها للبعيد بعد أن انفضحت حيلتها مع القريب؛ ومثالي على ذلك محاولة بعض مريديها التنسيق مع دراويش اسطنبول لإقامة مؤتمر عن الشيخ وخطابه.ومن بين الحضور من لم يسمع عن الشيخ إلا قبل أيام من الدعوة للمؤتمر. لكنني نحن الذين عايشنا الشيخ وخطابه منذ ثلاثين سنة لا نكاد نفقه منه شيئا في نظر المريد.لقد قلنا رأينا بصريح القول لكنّ المريد الذي حجبت عنه صنمية الشيخ رؤية الحقائق، اهتم بالجدل والعناد بتطاول خفي أبينا إلاّ أن نفضحه بما يليق بمستواه لا اكتراثا بما قال؛ لأنّنا لم ننظر له بالثّقل الذي تنظر إليه الجماعة، وتلك هي طريقتي في ردّ الشّر المتلبّس لا أجاري المساميم أسلوبهم بل أخضعهم لطريقتي. إذ لا حاجة لتبرير جوّانية فلان أو حسن نواياه وآدابه بل يكفيني حدسي وخبرتي بهذه النفوس لكي أختار لعللها دواء مناسبا. فلقد جنّ المريد حتى أنّه لم يعترف لنا ولو بكلمة واحدة صادقة كما لو أنّنا نجهل كلّ هذا الجهل في حقّ شيخ لا يحتمل منه الخطأ في صغيرة ولا كبيرة، أي أنه معصوم بغير دليل ولا حقّ سوى أهواء ما أنزل الله بها من سلطان وأضغاث أحلام نصّبته خليفة الله في الأرض كما ذكرنا بعد أن تعذّر إسناد هذا الدّجل الرّوحي من كتاب مبين أو سنّة شريفة. فمن يا ترى مدعو للخوف من عاقبة الأمور، أو يتّقي الله في خلقه. فاصبر معي قليلا قبل أن أخوض في عرشية أخرى تتعلّق بحال الشيخ في الولاية وأي قرين أوحى له بذاك. فالاعتقاد هنا ليس هوى بل دين له تعاليمه وأدلّته التي هي مدار الحجّية.فانظر تجد أنّ من رحم هذا الغيتو العدلاوي ومن قلب أضغاث أحلام خرج قبل أيّام شذوذ في الاعتقاد، لأحد سليلي الجماعة الذي ألقي عليه القبض مدّعيا أنه المهديّ المنتظر، ودائما قالوا أن هذا المهدي يتربّى داخل الجماعة الياسينية، وها هو خرج أخيرا بمواصفات كرتونية لطالما كانت لها نظائر مستنبتة من ضلالات المنطقة وأهوائها، ومن ثقافة المهداويات الصوفيولوجية الشعبوية التدجيلية التي لا وجود لما يسندها سوى الرؤى التي أصبحت منهاج الجماعة: منهاج النبوءة لا منهاج النبوّة. وهي لعمري كذلك مهدويّات محلّية الصّنع لا دخل فيها لمشرق أو مغرب، ولا لتكتيك أعمش ولا لاستراتيجيا غبراء كما جاء في تحليل أبله لخبراء آخر زمان وأغرب مكان مع وقف التنفيذ، لا زالوا لا يميّزون بين خصّ ونّص،حسب ما أتحفنا به قبل أيّام تحليل خبري أشعبي يتيم مرّ مثل سنّور طريد ، يسابق التحقيق كبهلوان، لطيّان صحافة سوق لاربعا النّاسي حظّه العاثر: "هيكل الغرباوي"!فهذه إشارات لها فحوى ومفهوم للمريد إن اعتبر وغالب شيطانه، تهدف إلى تفكيك منطق المريد وتحليل نفسانيته للوقوف عند سفه أخلاقه وهشاشة فكره ومأزق خطابه.
مفارقات الأسلوب
لا ينتمي أسلوب المريد الشّقيّ إلى الصّناعة العلمية والإبداعية، مهما أخفى عواره واستعار له اصطلاحا غريبا على محتواه، بل هو أسلوب غارق في صناعة الجدل والتقليد. فحينما يكون المحتوى ظلاميّا رجعيّا ونقدّمه بمفاهيم مستنبتة في حقول معرفية متقدّمة ، يأتي الخطاب مشوّها نشازا. فلا توجد عبارة أو فكرة أو رؤية تستطيع أن تنسبها للمريد، فهي إما للشيخ أو لسواه. فهو إذن يحاجج ببضاعة مستعارة ويجادل بعقل المقلّد لا عقل المجتهد. والتقليد في الفكر والاعتقاد مذموم عند أهل النّظر. بل المرء وإن جهل هو مكلّف ببدل أقصى الجهد لتحصيل أفكاره وقناعاته العقلية في باب الاعتقادات. وكان المريد قد أخطأ التقدير وهو يقيس وضع كاتب السّطور بوضعه في التقليد، فيبارزني بين الفينة والأخرى بعالم يفترض ظنّا وتخمينا أنّني أعامله معاملة المريد لشيخه.وهذا يؤكّد جهله بالتراث الآخر الذي طالما أوحى لقومه أنه على شيء من معرفته بمجرد أن يحثوا النّصوص حثوا. فما يجهله المريد أن كاتب السطور لا يخضع في التفكير للمريدية بل يجتهد رأيه في تحصيل قناعاته واعتقاداته. فهذا تكليفه العقلي والشّرعي.ولا ينفع أن يمضي المريد على ما جاد به نباح الخصم التكفيري الذي لا زال ينعتنا بما يستحيل في حقّنا، كما لو كنّا مساكين نجتر مثلما يجترّون. وحسبك أن تأتي هذه المذمّة من جهلة. فهل يا ترى عرفت للكلب نذيرا؟ اسأل بهلول التّقي حينما يسأل عن هل للكلاب نذير قال: نعم، فألقم سائله حجرا. فلمّا لم يصبه به ، قال له: أخطأك النذير.إنّه لا أهمية لرأي المقلّد في ميزان أهل النّظر. ولا يردّ النظر إلاّ النظر. ولا يواجه التفكير بالتقليد. كانت غايتي الدّفاع عمّا أراه حقّا. بينما كانت غاية المريد أن يدافع عن شيخه وطريقته. لذا فهو لا يتوقّف عن اتهامي بأنّي أدافع عن طريقة أو مذهب أو طائفة ليخلط الأوراق ويهرب من الموقف ويضرب أخماس بأسداس. ثبّت يا بنيّ العرش ثم انقش. وحقّق الموضوع قبل أن تحكم. فثبوت شيء لشيء هو فرع لثبوت المثبث له. فأنّى ظفرت بثبوتك المظنون حتى قادك شيطانك لأحكامك الكيدية رجما بالغيب: يا أهل العدل والإحسان! ويخفي المريد الشّقيّ عوار هذا التّقليد بتحشيد العناوين في غير سياقاتها. يكفي أن يأتي على فكرة أو عنوان يقدح حافظته لكي يفيض عليك بمحفوظات عناوينية كي يوحي للقارئ غير الخبير بسعة اطلاع على تراث المخالف. ومثل حكاية " سقط في الحديقة" ملأ المريد علينا دنيا ردوده بشريط طويل من إسهال محفوظاته البيبليوغرافية ما قرأ منها وما سطا عليه من هوامش الغير ومما لم يقرؤه لأننا خبرنا أنّ بعضا مما يسرده يعزّ أن يؤخذ مطالعة وليس درسا وتدريسا. وبالتّأكيد كان المريد الشّقي يماري بذلك زملاءه في الطريقة، لأنّ لا قيمة لذلك التحشيد عند من أدرك نصيبا من ذاك التراث قبل أن يفيق سنافير الجماعةّ، وكان محلّه منها محلّ الصناعة لا الاستعارة، والدراية لا الرواية فحسب.
في نقد المزايدة بالعلم بالآخر وتجهيله
من ينتقد الشيخ ياسين هو جاهل بالضرورة عند الجماعة. بل مهما كان وضعه وشأنيته فهو متّهم بأنّه لم يقرأ كنانيش الجماعة وأدبياتها. وقد يصبح أي مريد وإن كان من غير أهل الاختصاص ولو من عوام المريدين، أعلم بمقالة الشيخ من أعلم المختلفين. وهذا في حدّ ذاته عوار تواصلي بامتياز. فالفارق هنا ليس الفهم ولكن الموقف والاقتناع. يبدو أنّ المريد هاهنا غير المميز بين ضروب الأدلة المعتبرة وغيرها يخلط بين شرائط البرهان وحقيقة الاقتناع. تقدّم الجماعة نفسها طريقة أكثر مما تقدم نفسها تنظيما. فلا كلام يعلو على كلام الشيخ ولا خطاب يطفو فوق خطابه. ومهما كبر المريد فهو في فناء الشيخ يحبو. فالمريد لا يكبر أبدا. وحتى سنوات قليلة ، لم يكن من الممكن أن تجد من بيت أسرة الجماعة من يملك فكرا أو يكتب سطرا، فلقد كانت مجلة "الجماعة" من أوّلها إلى آخرها ميدانا تسرح وتمرح فيه مقالات الشيخ ياسين لا يشاركه فيها أحد كما لو كان شيخا على أميّين لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ. وكان الفكر يتلقى من مريدين ساكنين عاكفين ساذجين لا يكاد أحدهم يرى العالم إلاّ من خلال ما يسطره يراع شيخ مثقّف على رأس فرقة من الدراويش، هم سمعوا مقالته فاكتفوا بها، وهو ألف خضوعهم فتمادى واستكبر.لقد فتنهم في عقولهم بقدر ما فتنوه في دينه. باختصار كان المريد في حكم العوام والأميّين.وسوف تنتظر الجماعة عشرات السنين لكي يستفيد بعض مريديها من التعليم المخزني لكي يتعلّموا الرّد عن الشّيخ وللشيخ ومن فكر الشّيخ ضدّ من يخالف الشيخ: من الشّيخ إلى الشّيخ، وضاع المريد!
منطق لجاجي لا منطق حجاجي
يقول علي بن أبي طالب الذي وصفه الشيخ ياسين فيما بلغني، بالغباء السياسي في إحدى تسجيلاته قبل أن يبادروا ليمحوها من نص المحاضرة، لأنه لم يسلك مسلك ابنه الحسن في الصّلح: الظّفر لمن احتجّ لا لمن لجّ.ليس للمريد منهج برهاني مهما ادعى من إتيان الأدلة. وسوف نقف على أمثلة تؤكّد على أنّ استعراض العناوين لا يعني بالضرورة الظّفر بالاستدلال الصحيح. ففي غياب الدّراية يصبح إيراد العناوين رواية وجدلا وليس استدلالا واحتجاجا. والمريد هنا يراهن على غير المطّلعين والمتخصّصين ليتسامح في نقوله وتعقّل منقوله، لأنّ المتلقّي من جماعته لا يطلب منه تحقيقا بل يطلب منه تحشيدا. ولأنّه يدرك مقدار هذا العوار ، فهو يعوّض نقائض الدّليل بجنوح متكرّر للاستعطاف واستعمال ما ليس طرفا في الموضوع.وحينما قلت لم يقف ناقد على جوهر خطاب ياسين ، فلا ينفع المريد أن يقدّم درسا في منطق لا عهد له به، لأنّ من أشوه ضروب القياس مع الفارق أن يقارن هذا القول بمن يقول كلّ النّاس بخلاء. ذلك لأنّ القول الثاني حكم كلّي يستبعد الإمكان ناهيك عن مخالفته الصريحة للواقع. بينما ما قلته لا ينفي الإمكان بل يؤكّد واقعا مستقرأ أمامنا، إذ حتى الذين انتقدوا الجماعة لم ينتقدوا جوهر خطابها بل انتقدوا أفكارها. وكما قلنا لا ينفع النّط والاستشهاد بكتب البرمجة اللغوية العصبية والأستاذ بجامعة كمبردج الدكتور"روبرت ثولس" في كتابه المشهور"التفكير المستقيم والتفكير الأعوج"، من منشورات عالم المعرفة،لأنّنا لم نعمم تعميما منطقيا بل ولا حتى استقرائيا ناقصا بل استنباطيا من حالات معدودة في واقعنا. فالخلط هنا فاحش والجهل بالمطلوب واضح واللعب بالألفاظ خادع، لكنه لا ينفع.ذلك لأن المريد هو الذي عمّم في الخطأ حينما لم يعترف لنا بكلمة حقّ واحدة كأنّ مفهوم الكلام: كل ما قلت في شيخنا خطأ. فهل هذا تفكير مستقيم؟وكنت أعتقد أن كتابا يدرّب على الفرق بين التفكير المستقيم والتفكير المعوجّ الذي اطلعنا عليه قبل أن يفيق المريد من سبات الدّروشة، هو هديّتي للمريد وشيخه عساهم أن يكتشفوا فيه ما يفرق بين الطريقين؛ أليس هذا الكتاب أدعى أن يخرجكم من ضيق المريدية في التفكير إلى سعة الإنسانية في النظر؟هل التفكير المستقيم أن لا تعترف ولو بكلمة صادقة واحدة قلتها في حق شيخ الطريقة العدلاوية؟ هل التفكير المستقيم أن تعمم أنّ كل ما قلناه يكشف عن سوء فهم لفكرة الشيخ؟ وهل التفكير المستقيم أن نحكم بالخطأ على استدلال بنص واحد أو كتاب واحد للشيخ؟ هل يستقيم محتوى كتاب روبيرت ثولس مع هذا النّط التحشيدي والهذيان العناويني والتفكير الخرافي والمثول كمريدين أمام الشيخ مثول الميت بين يدي مغسّله؟ لم تقولون ما لا تفعلون؟ أم هي تربية المنهاج اللاّنبوي؟ذلك بعد أن لم يعد يكفيهم كتاب " المنهاج النّبوي" للتدرّب على التفكير المستقيم، فوجدوا موضتهم في البرمجة اللغوية العصبية كما هو ديدن بعض "الإشلاميين" الأعراب الذين يخفون تخلّفهم الفكري وهشاشة عقلانيتهم في كتب البرمجة اللغوية العصبية التبسيطية الخادعة بعقلانيتها المهنية تلك.وكما قلنا : ما أن تظهر موضة من موضات "الإشلام" الأعرابي حتى يتلقّفها ببغاوات "الإشلاميين" في بلادنا. بل لو طبّق المريد كلّ معاني هذا الكتاب، لأدرك أنّ الأفكار المعتدلة والواضحة لا تحتاج إلى كلّ هذا التحشيد النصوصي الكبير. فقد يكون المريد بحكم طبعه أو تطبّعه قليل الانفعال في تقديم بضاعته، لكن هذا لا يكفي للحكم على طريقته بالمنهجية والموضوعية. فالانفعال مسألة تخص الطبائع لا المنهج. ويمكن للمنفعل أن يقدّم علما كما يمكن لغير المنفعل أن يقدّم جهلا. بل يمكن لغير المنفعل أن يكون مبيّتا ومدلّسا ومتلصّصا يحسب خطواته جيدا.لكن ثمّة ما هو أخطر من الانفعال. هناك الافتعال والتفعيل. افتعال الأدلة بناء على تشخيص خاطئ. وتفعيل المتلقي بإثارة عواطفه الطائفية أو أي نزعة من النزعات التي تستعمل في الموضوع من خارج الموضوع. فكثيرا ما يعمد المريد لأن يقرأ النوايا ويشخّص الموضوع من دون استقراء تام، ثم ينطّ نطّا لاستصدار الأحكام. ومع أن المريد ينتمي لجماعة أثبتت فشلها في تحقيق الرؤى والأحلام، فهو يعيد الأمر نفسه بحيث يستند إلى تكهّن موضوعه وحدسه وتوقّعه. مع أن شيخ الجماعة ألّف في المنهاج النّبوي إلاّ أن المريد كان أبعد النّاس عن المنهاج النّبوي في الإيضاح والتحقيق والبرهان وعدم التدليس واجتناب الإطناب والجدل. لقد حكم المريد عليّ من خلال هواجسه والصورة النمطية التي يسعى عبثا أن يخلعها على كاتب السطور. يعتقد كما اعتقد سرب من أشباهه أنّني من طينتهم التربوية وخلجاتهم النفسية وهواجسهم وأطماعهم وتجاربهم. وليسوا هم بدعا في ذلك ، فهو ظنّ من اكتفى بالإسقاط والتخييل من شرذمة النّواصب وجمهور التكفيريين ومن فضح الله بنا سرّ ظلاميته ونفاق علانيته بخصوص التّسامح واحترام الآخر وتبنّي قيم الحداثة في استقباح الاستئصال .ويتنكر المريد إلى كل ما قدمه كاتب السطور منذ سنوات في قضايا لم يبلغها ركب نظرائه في الحركة إلا في الآونة الأخيرة ملتبسة غير واضحة.ومع أنّنا نعلم يقينا أن مكتبة المريد تفيض بنماذج من كتبنا في المعرفة والإصلاح إلاّ أن يد الشقاوة لا تكاد ترى سوى ما تريد به الفتنة بينما يقدّمون أنفسهم دعاة غيرها. هل ينسى المريد من هو الدّاعي إلى التبني الحضاري والتجديد الجذري؟ اقرأ بين السطور ستجد أن المراد هو الخروج من التلفيقية والالتباس في التجديد.فاتهام واختزال كاتب السطور في مستصحب للجدل القديم بلغة حديثة هذه عبارتي نفسها استعملتها في مواجهة تدليس الجماعات الظلامية. لكن المريد ومن شدة التحشيد والسرقات الأدبية لم يعد يميز بين مسروقاته الفكرية. فهو يواجهني بأفكاري وعباراتي مثل البهلوان. ولم يكن هو وحده من يفعل ذلك من بين زقازيق الجماعة ومهرّجيها.ولذا مرة يتهمني بالخلفية المذهبية وتارة بالعلمانية تارة بالعلم وتارة بالجهل، تارة بالتطرف وأخرى بالمخزنية. تارة بالأطروحة وتارة بنقيضها. المريد لا يملك عقله حتى يختار، ولا حرّيته الرّوحية حتى يرى. لذا فضل العبث داخل مفارقات جدلية خاوية المضمون كثيرة التحشيد.غواية التحشيد وخلط الأوراق تضعنا هنا أمام حالة من الهلوسة المريدية لملك الشّيخ العضوض. فهو يشير إلى أن كاتب السطور تهجّم على العدالة والتنمية وها هو يتهجّم على العدل والإحسان وربما غدا تهجّم على الإسلام. وهو شعور طفولي وشقاوة مولدنة، كأنّ لسان حالهم استنجادا بالقريب والبعيد: أوسوكور! وهي تذكّرنا ب "هوسة الحارات" الملهمة لهذه المشاعر واللغة الزّقاقيتين. وهذا لا ينفع في البرهان. فتحشيد الحميّة هنا للأنصار وإقحام نوايا الشخّص، يجعل المريد يقارع بلسان عدلاوي وقلب عدالتي، لا عدل فيهما. فسأنتقدكم وأنتقد العدالة والتنمية وأيّ فصيل، الواحد تلو الآخر أم معا في آن متى ظهر لي ما يستدعي ذلك. فالمريدون كانوا معجبين بنقدي للعدالة والتنمية ويثمّنونه بالأمس، لكنهم اليوم عادوا ليقحموا العدالة والتنمية في سياق مختلف. إنه تلبيس إبليس. لقد دخل المريد الحجاج بلسان تحشيدي طويل وعقل قصير في ركام من الاستحضار والاسترجاع. ولو كان مدركا لهذه الهشاشة لعذرناه بعد أن نصنّفه في دراويش الجهل البسيط، لكنه أبى وعاند وتفرعن بلبوس الشّيخ، فحقّ أن نصنّفه في أشقياء الجهل المركّب؛ أولئك الذين(يحسبون أنهم يحسنون صنعا). فالمريد يخفي أنّ لجاجه يقوم على استحضار آراء الشيخ لا نتائج الفكر والبرهان. لذا غالبا ما يتمترس خلف لغة برهانية قوامها الاستنتاج والاستقراء وما شابه. ويا ما كان من المنتظر من هؤلاء بمن فيهم الشيخ ياسين أن يقارع محمد عابد الجابري الذي أخرج صوفيتهم من دائرة البرهان وأقعدها مقاعد اللاّمعقول ثم سرعان ما أقعدها مقعد ثقافة الطّاعة والفناء. وإن كنّا خطّأناه رحمه الله فيما قاربه يومها ، فلم نسمع من شيخ الطريقة ولا مريديه أنهم رفعوا رأسهم قليلا للدفاع عن قناعاتهم أوتجاسروا للخروج من بؤسهم المعرفي: جبن سياسي وجبن معرفي.لكن ها هو النهار وقد طلع على المريد ، فبدأت ديكة المزابل تقلّد زقزقة العصافير و"بتنده كو كو". وكلّ ما فيها يقطر سمّا، محيّاهم وكلماتهم. لكن الشّاهد هنا أنّ البرهان لم يكن شأنا للطريقة العدلاوية القائمة على عقيدة الخضوع الفكري والمعرفي للشيخ وتقليده في علمه وجهله وطلب الرؤيا لا البرهان المنطقي، حيث وإن لاذ بالبرهان المنطقي فمن باب اتباع ظاهر من الحياة الدّنيا واستعمال أقبح الطرق وليس اعتقادا في البرهان الذي هو هادم اللّذّات في علاقة الشيخ والمريد. لكن المريد ما يزال يزايد علينا بصناعة ليست شأنا للجماعة إن لم نقل هي عدوّتها لأنها تدرّب المريد على العصيان، بينما المطلوب عدلاويّا أنّ لا برهان غير"برهان ربّك": شيخ الجماعة !؟ فالسّؤال الذي لم ولن يجيبني عنه المريد: ما رأيك في الحسن والقبح العقليين؟ فإن قلت هما عقليان، خالفت الأشعري. وإن قلت ليسا عقليين، فالزم حدودك واعرف قدرك ولا تفاخر بالبرهان.ولا يغرّنك ولع الغزالي بالمعيار ولا ابن حزم ولا نظائره. ذلك لأنّ محلّ جريان المنطق عندهم في ما عدا الاعتقاد والأحكام، بينما سؤالي يخصّهما، لأنّ موضوع الحسن والقبح العقليين هنا هو الدّين نفسه.فإن لم يتمّ الحسم في هذه المسألة الكلامية المزمنة فلستم على شيء. لأنّ الذي يقوّض وظيفة العقل في المعرفة الكلامية لا يمكنه أن يجاري في معقول البتة. وتلك هي أكبر خدعة تاريخية أنتجت مع مرور الزّمن وضعا شكيزوفيرنيا أمام استحقاق العقل والمعقول، لعب فيها النسيان والخداع الذّاتي لعبته الخطرة.بمثل هذا التساؤل وزد عليه أخر ليس هاهنا مقامها، تخرج جماعة العدل والإحسان عنوة عن عقد الأشعري وفقه مالك والجنيد السالك، التي تسعى تدليسا إلى الانتساب إليها شأن التكفيريين الذين ليسوا عليها ويزايدون بها على الأغيار.
من جهالات المريد
لم يفهم المريد قصدي من وصف شيخه بفقه الروكي وسلوك الحلاّج. وبينما كنت أتحدّث عن الثّمرة، تاه المريد في شقوة الحديث عمن هو الروكي وبالأسلوب التحشيدي نفسه دخل بنا من دون استئذان إلى التعريف القصصي وضرب من الرسوم المتحركة عمن يكون الروكي، وكثير من حيص بيص. وليس يقابل إطنابه ذاك سوى رأي جاهل مجهول عالق في التعليقات بين سماء الجهل البسيط والجهل المركب، لما تأستذ طويلا بعد أن اعتبر أنّ مقصودنا هو الشيخ الروكي أستاذ الدراسات الإسلامية،ليشرع في الحديث عن مشروع الشيخ بينما حديثي كان عن بوحمارة.وقد بارزني المريد بنقد يقوم على فهم ساذج لبرهان التمثيل. فهو يعتقد أن التشبيه هنا برهاني وليس جدليا. لأنه يخلط بين عموم المنطق وخصوص البرهان. حيث الجدل لا يقابل المنطق، بل هو من المنطق لكنه من ضروب الدليل غير البرهاني منطقيا وإن بدا برهانيّا من جهة اللّغة. والجدل هنا بمعناه المنطقي المشروع لا بمعناه الشرعي المحتمل للحسن والقبح. تختلط على المريد هذه الحقائق، حتى أنه اعتبر تشبيهنا للشيخ ياسين بالروكي أو الحلاّج هو تشبيه من كلّ الجهات. وهذا من الممتنعات التي لا يقول بها المناطقة في المماثلة. فلو كان المثل والممثول على كمال التّشابه من تمام الوجوه لأفاد ذلك معنى تكرار الوجود المحال. لذا،وعلى طريقة: (علّم مناطق الاختلاف بين رسمين متشابهين)، أتعب المريد نفسه وهو يعدّ لي ببلادة الفروق بين الشيخ ياسين والروكي بوحمارة، ويهيم في أبجديات التعريف ليؤكّد على ما كان في حكم المانعية لا الجامعية في تعريف الروكي، بينما يتعلّق الأمر في جهة التشبيه التي كان أحرى أن يستنبطها من سياق الكلام وقرينته لا أن يسرح ويمرح في براري التحشيد من دون طائل. وجهة التشبيه كما أشرنا إليها ولم يفهمها المريد، أن الروكي يلتقي مع الشّيخ في أنه طالب رئاسة بعنوان روحي، وبأنّ الروكي دائما كان مغلوبا. وكنت تحدّثت في مناسبة أخرى عن أن ياسين نظر في تجارب المتمرّدين فاختار في الأوقات الصّعبة طريقة اليوسي. لكن في اللحظات التي يتوهّم أنه قادر على الخروج يسلك طريقة الروكي بذكاء، لكن هذه المرّة بتدليس قوامه: نريد ولا نريد. يصبح فيها المريد لا مريد. والسياسة لا سياسة. ولا أدري ما سبب هذا العناد ولقد كتبت مقالي في فترة الزواج المؤقّت بين الجماعة وحركة 20 فبراير، وتساءلت يومها عن سرّ هذه العلاقة وبأنها مجرّد ركوب موجة واستغلال ستنقشع قريبا حقيقته. وكان هذا ما ذكرته، إذ سرعان ما انسحبت الجماعة وتخلّت عن الحركة وبرّرت ذلك برطانة والتباس. وكنت كتبت ذلك في مقال سبق الانتخابات والحكومة الجديدة وإن تأخّر نشره لأسباب لا داعي لشرحها.ولا علاقة لنقدي بخرجاتهم الكئيبة والبابغائية نصرة لكتيبة برهان غريون وكتيبة حمد وكتيبة أبو أولمرت والعرعور... هم من خرج من الربيع الأعرابي مفلسين كيديين بلا حب ولا تبن.وحينما يواصل المريد هذا الحكم بعناد، ندرك أنه لا وجود في ذهن المريد لقيمة العدل في الحكم والإحسان في التّجرّي.إنني تحدّثت عن فقه الروكي في الجهاد. فلقد أضعفت حركته الجيش المغربي وأدخلته في فتنة عمياء عرّته أمام فرنسا مما عجّل بالاستعمار. فالروكي عادة ما يمدّ يده للاستعمار ويستسهل بأسه ويستعين به على السّلطان. وهذا تاريخ موثّق لا تاريخ موثّق. فلقد دشّن الروكي وأمثاله ثقافة سياسية في المغرب إبّان التّحرش الاستعماري، قوامها: ظاهرة المحميين. وحظّ المغاربة من معرفة ذلك هو ما جعلهم أكثر صبرا على السلطان من صبرهم على المحتل. بينما الروكي يصبر على الاستعمار ولا يصبر على السلطان.وهذا سرّ خسران الجماعة المبين في الربيع الذي حاولت أن تجعله ربيعا أعرابيا تقدّم فيه المغرب مطيّة للأغراب. وهذا ديدننا في التمذهب الوطني. ولن يزايد علينا الروكي في هذا ولا المريد. ولقد ضحّى من ذوينا في مقارعة الاستعمار ما يتعدّى عدده وعديده جماعة الشيخ ياسين من دون أن نفاخر به ونزايد به على سلالة الخونة. شبّهت ياسين بابن تومرت الموحّدي مع الفارق في المقام والشّجاعة، في جنبة ما شاع من أنهما على شيء أو كثير من التشيع. ومكمن الشبهة أنّهما حقّا تحدّثا عن نفسيهما كما يتحدث الشيعة عن أئمتهم ونزلوا منزلة ألائمة في اعتقاد شيعتهم. وهذا لا يقرّبهم من التّشيع بل يبعدهم منه بعد المشرقين. فالنّاصب والمدّعي لمقامات أئمتهم سواء. وقد جاءت دعوة الشيعة في حصر الإمامة الروحية في أئمة محدودين بحجج لا زالوا يستقوون بها في حجاجهم التاريخي ، لتحارب كل أنواع الإدعاء والمزاعم والغصب وانتحال شخصية الإمام. لقد جعلوا الإمامة الروحية من الصعوبة بحيث يصعب على المافيوزية الروحية قرصنتها أو تبنّيها على حين غفلة من وعي الجمهور. وكذلك هو حال بن تومرت السنّي الأشعري تلميذ أبي حامد الغزّالي وداعية دولة الموحّدين بالمغرب. فلقد نسب لنفسه مقام الإمام المنتظر وإن كان يسلك على عقد الأشعري وفقه مالك مع اجتهاد مجتزئ لا يقطع مع التّقليد، تعكسه المرشدة وأعزّ ما يطلب لمن أوتي ذائقة الفقه والكلام. وعلى النهج ذاته سلك ياسين الذي نسب مقام الأئمة الشيعة لنفسه وقد عدّه مريدوه كذلك فقط بناء على الهاشمية لا الاستحقاق والاختصاص القائم على الدليل. فلقد خلطوا خلطا معتسفا بين مطلق الهاشميين وخصوص أئمة أهل البيت. وقد يقال إن ياسين لم يدّع أنه الإمام المنتظر، فما وجه المقارنة؟ ونقول: إنّ ياسين طغى في الميزان واستكبر لمّا أوحى لجماعته بأنّ المهدي المنتظر سيخرج من داخل جماعته. أي أنه يتربّى اليوم في الجماعة. ولهذا الكلام معنى غاية في السّخف. وهو أنّ المهدي المنتظر مريد من مريدي ياسين. وأنّه إن خرج والحالة هذه فسيحكمنا وفق كتاب المنهاج النبوي لمؤلّفه عبد السلام ياسين. وبأنه سيخاطب العالم باسم الشيخ ياسين: مهزلة. فياسين ليس هو المهدي المنتظر بل هو شيخ المهدي المنتظر ومعلّمه.لكن لم يطل بنا الزّمان طويلا حتى رأينا هذا المهدي الذي تربّى في كنف الجماعة: تمخّضت مجالس النّصيحة فولدت مهداوي تاوريرت.
أما سلوك الحلاّج فكان قصدنا منه أن الشيخ ياسين يقحم التّصوف في السياسة من الجهة الخطأ وقد وضحنا ذلك في محلّه. أمّا من النّاحية الأخرى، فقد اعتبرنا الحلاّج غير واصل، بل لم يستكمل السفرات الروحية المقرّرة كما يدركها أهل الذّوق. ولقد سقط المريد في الامتحان، واتّضح أنّه لا هو ولا شيخه،من أهل الذّوق. وقصدي من شطح الحلاّج أنّه ليس فقط تحدّث حيث لا ينبغي، بل لأنّ ما باح به لا يعكس حقيقة الوصول وحاقّ السّلوك. وهذا درس لأهل السلوك الواهمين وهو لدى المريدين أفحش مظهرا. فالمقصود من ذلك أنّ المعرفة لا تتحقّق مع بقاء حبّ النّفس. وهذا في نظر العارفين حاجب يفتح باب الحيرة. فقد شاء الحلاّج أن يظهر من حقائق ما رآه من عرفان بما لا تحتمله لغة. فقد تظاهر بنفي الإثنينية لكنّه لم يتخلّص منها وشائبتها. وقد استدلّوا على ذلك بقوله:
وحّد واحدي بتوحيد صدق ما إليه من السّالك طرق
فأنا الحقّ حقّ للحقّ لابس ذاته فما ثمّ فرق
ولمّا جهل المريد الشّقي هذه الحقيقة استدلّ ببيت للخميني يمجّد فيه الحلاّج بينما هو بيت يشير إلى الحقيقة التي ذكرناها في ذمّ طريقة الحلاّج. ففضح الله المريد وجهالاته لأنه طرق بابا لا يحتمل شقوة المريد وجهالاته حتى ما عاد يميّز بين المدح والذّم لأنّه يتعامل بسطحية وحشوية مع النصوص رواية لا دراية كما قلنا. والبيت المنسوب إلى الإمام الخميني الذي استدلّ به المريد "مزقزقا" و" مقزقزا"، هو:
مادمت ابن منصور تطوف حول"أنا الحقّ"
تثير الضجيج والهياج دون أن ترى جمال الحبيب.
فالخميني يا أهبل يريد أن يقول أن الحلاّج لم يخرج عن أنانيته التي لا يتحقق مع بقائها عرفان. وهو يصف حال الفناء التي يجب أن يستغرق فيها المطلق النّسبي. وهذا مشروط باندكاك الأنا اندكاكا كاملا. فلو أنّك وقفت على رباعيته كاملة لعرفت ذلك من قوله:
دكّ كموسى جبل أنانيتك حتى يتجلّى جماله من دون "أرني".
فتجلّي الحقّ يجعل السالك صعقا لا يرى أناه بقدر ما هو مستغرق في جمال الحبيب.وفي ذلك يزيد توضيحا قوله:
إنّ هذا" الأنا والنّحن" هو من العقل ، وهو عقال...ففي حلوه السكارى لا يوجد أنا ونحن.
ومثله يقول أيضا:
"فهو ظاهر وكلّ ظهور هو ظهور له سبحانه وتعالى، ونحن بذاتنا حجب، فأنانيتنا هي التي تحجبنا".
وليس ذلك هو الجهل الوحيد الذي بارزنا به المريد الشّقي.فالمريد أقحم بيتا للخميني ظنّ أنّه يمدح في الحلاّج ليحتجّ ضدّ ذمّي للحلاّج، وقد فاته أنّه هو الرأي نفسه. وكان المريد قد أظهر جهلا فوق جهل إن أخرجت يد الصواب لا تكاد تراها، وهو يصبّ تحشيداته العناوينية ليخرجنا من سياق الكلام. وذلك حينما ردّ على نقدي للشيخ ياسين، حينما قلت بأنّ الإمام الخميني وهو رائد العرفان لم يفرض على أتباعه سوى مواقفه الفقهية. فقد تاه المريد وراء"طاش ما طاش"، مرّة يرى أن الفقه أمر صناعي لا يفهمه عامة النّاس بينما قاد الإمام الناس بالعرفان. ثم سرعان ما نطّ قبل الأوان بعيدا عن الموضوع، لما رأى أن هذا الكلام عن الفقه يحيلنا إلى ولاية الفقيه وهي خاصّة ثم وعلى طريقة "سقط في الحديقة" بدأ يستعرض من عموميات المطلب ما ظنّ أنه على إلمام بمطلب ليس مطلبنا. ويبدو أن المريد هو نفسه لا يميّز بين الصناعة وغيرها. فلما أقول ساسهم بالفقه لا أعني أنه خاطبهم بالفقه الاستدلالي وبكيفية استنباط الأحكام من مواردها المقرّرة. بل الفقه هنا أعني الأحكام الظاهرة من الشريعة بعد أن يتمّ استنباطها وتنزيلها على الواقع. أي ساسهم بالقانون والتربية في مداركها الواقعية التي يؤطّرها الفقه نفسه. ولم تكن علاقة الخميني بأصحابه إلاّ علاقة فقاهة ودليل وأخلاق ولم تكن علاقة شيخ ومريد بالمعنى الياسيني للعبارة، أي التّحكّم في النفوس والأرواح والدّولة خارج منطق القانون والشريعة.حتى خصوم الخميني لن ترضيهم هذه المقايسة الهوجاء. فالخميني وضع نفسه قائدا لثورة وولي فقيه بالمعنى الفقهي ولم ينصّب نفسه خليفة خليفة رسول الله بالأحرى خليفة الله كما تفعل جماعة ياسين بشيخها ويقرّها عليه.أما العرفان الذي نقصده فهو مقام أعلى من الفقه والأخلاق. وهو خاص في لغته ومقاماته. بتعبير آخر لم يقل أحد للخميني أنت خليفة الله في الأرض بل قيل له أنت الولي الفقيه العادل غير المعصوم لتوفرك على الاجتهاد بمعناه الفقهي وليس السفر فوق بساط الريح وبأن ثمة مجلس خبراء يراقب سلوك الفقيه ويملك أن يعزله إن سقطت واحدة من تلك الشرائط التي بها يتم اختياره. وياسين ليس فقيها مجتهدا، بل داعية. لذا فهو يراهن على ضرب من الحقائق الغامضة التي بها يقال له عبر الحلم وليس أهل الخبرة أنك أنت خليفة الله في الأرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.