كيف يقبل الشيخ الذي ألف عقدة الشيخ والمريد بشباب لا يحمل في نفسه ولاء للشيخ وجماعته العنية بالقومة اليوم!؟ لقد حدث تراجع في حرارة الاحتجاجات عشية الخطاب الملكي في 9 من مارس 2011م. كان منطقيا أن يحدث كلّ ذلك، نتيجة الوعود التي جاء بها الخطاب بسقف لم تكن الجماعة تتوقّعه. وحينها أدركت الجماعة أنّ نهايتها قد اقتربت ، فلم يكن لها من خيار سوى أن تدخل على خطّ الحراك بتصعيد احتقان لم يكن منسجما مع توتر الأحداث. فقد كان موقف الجماعة منذ البداية قبل الخطاب وبعده هو نفسه بالمقدار نفسه؛ موقفا رفضويا استباقيا. بينما حصل أن تراجع بعض شباب 20 فبراير بعد أن أطلعوا على الوثيقة المعدّلة للدستور. كان شباب 20 فبراير قد تجندوا لتعبئة أتباعهم للتصويت على الدستور الجديد. وهم أنفسهم يعتبرون أن الطّعنة جاءتهم من العدالة والتنمية التي ساهمت بنفوذها في تغيير بعض من تلك البنود التي تتعلّق خاصة بحرية الاعتقاد. وكان أولى أن تحمّل المسؤولية إذن لهذا الفصيل لا للدستور الذي رضيت عنه الحركة قبل أن يعرض على الأحزاب. لكن ما لم يدركه الكثيرون ، أن العدل والإحسان لا يخالف العدالة والتنمية في هذا المطلب. كما أن نفوذ هؤلاء نابع من التعبوية العدلاوية ضدّ الدستور المعدّل مسبقا بما فيه الدستور الذي كانت حركة 20 فبراير عازمة على القبول به قبل عرضه على الأحزاب. كانت جماعة العدل والإحسان وبخلاف غيرها قد وجدت نفسها أمام خيارين أحلاهما مرّ. ففضّلت الهروب إلى الأمام وفعّلت بندا من بنود أدبيات القومة في اقتحام العقبة ومسايرة دهماء العوام قبيل القومة قبل أن يتحوّلوا إلى جند الله. لذا سلّموا لمطالب عشرين فبراير وأمضوا على بياض في كل مطالبهم بما في ذلك المطالب التي تهزّ المعنى اليوتوبي للقومة والخلافة على نهج السيد ياسين. شباب عشرين فبراير قبلوا بانخراط شباب العدل والإحسان لأنهم يشاركونهم اللّغة السياسية ولا يتقدّمونهم في مطالبهم. وهذا تكتيك عدلاوي لجند الله قبيل القومة. إن شيخ الجماعة لا يعتقد أن القومة يصنعها عامة الناس من المستضعفين. ألم نقرأ في آخر طلاّته:" إننا إن تصوّرنا أن العامة التي يعتمد عليها في الملمات هي الأعداد الضخمة والفوضوية العفوية الهائجة ، فما نظنّ إلاّ غرورا. إنما العامة النافعة في ملمات الزحف ومشاغل البناء هي الأمة المحلّقة حول القيادة والجماعة النصيرة لها المنتظمة معها بنظام الولاية السائرة بأمرها المنتهية بنهيها. عندئذ يكون الكل جند الله ويكون النصر في القومة والبناء والجهاد محققا بإذن الله القوي العزيز. وإذا تصورنا أنّ العامة هم المستضعفون اليوم ، ينتصرون غدا كما تنتصر أي طبقة ثورية فتردي الخاصة من أهل الخبرة والكفاءة والعلم وتطيح بهم وتدوسهم ، فإنما نروم ثبورا"(إمامة الأمة: 35). هل شباب العشرين فبراير اليوم هم من هؤلاء أو من أولئك؟! جند الله عند ياسين يعيش عزلة شعورية كما تحدّث سيد قطب في جيل قرآني فريد من معالم في الطريق. لكن بتعبير ياسين جند الله هم " من هذا الشباب الطاهر الناشيء في محاضن الإيمان المضطهدة منعزل عن الشّعب بواقع الحال"(م ، ن 39). لكنه رسم لهم طريقا للتعاطي مع عموم الشعب والمجتمع على قاعدة الشعور بالتّميز ، متسائلا " كيف يميّزون بين أهل المروءة الصالحين لمزيد من الصلاح وبين الدهماء الذين يرضى منهم بالموافقة"(م ، ن 40). بل إن " تملّق العامة ليس من شأننا. لكن الرفق حتى يعرف الناس لم نقوم وما نريد وتأليف الناس على الحق المرّ بالمخالقة الحلوة فنّ لا غنى عنه لنا عن إتقانه"(م ، ن 40). فلا " يمكن أن يتبعنا الشعب في مسيرة القومة الإسلامية المحفوفة بالأخطار الجسام ولا أن يشاركنا في معارك البناء ، وهي تريد بذل الجهود ولا أن يصمد أمام الأزمات الداخلية والهجمات الخارجية إن لم يحصل بيننا وبين العامة تلاحم"(م ، ن 41). هي إذن مصانعة ومجاملة إلى حين استحكام القبضة وتمكّن أمة العدل والإحسان المتحلّقة حول الشيخ لا سواه. فلا يرجى من حراك العامة والدهماء أي خير. لقد أدركت الجماعة أنّه لو لم يطلق سراح هؤلاء الشّباب في هذه اللحظة التاريخية ، فكانوا سيخسرونهم. ومن هنا كان لا بد من التأكيد على أن العدل والإحسان قبل 20 فبراير لن تكون هي نفسها بعد 20 فبراير. قسم كبير من شبيبتها لن يعود ليدخل قفص الإنتظارية بعد أن تضع الحرب أوزارها. لن نسمع بعد الآن أي لغة سوبراسياسية من هذه الجماعة. لكننا قد نواجه الكثير من الاستغلال للأزمات لتسديد ضربات تحت الحزام، لأنّ الحرب الحقيقية بين الجماعة والنظام باتت مكشوفة؛ هي حرب كيدية وتاريخية وشخصية بين الروكي والملك، موضوعها القديم والحديث: السلطة والتّسلط. في موضوع التعديل الدستوري بدا تدليس الجماعة العدلاوية واضحا ومستهينا بذكاء الرأي العام. ذلك لأنه لم يحدث أن كانت مطالب الشباب هي مطالب الجماعة في كل أدبياتها التقليدية. اليوم وقد رفضوا الدستور حتى قبل أن تجتمع اللجنة وقبل أن يخرج إلى النور بله أن يتم الاستفتاء عليه ، يحتفظون باحتقان لا يمتّ بصلة لمطالب هؤلاء الشباب الذين يعتبرون في الثقافة الحركية للجماعة من دهماء العوام وليس بالتأكيد من جند الله ثقافة وأخلاقا وزحفا. قبل الأحداث الأخيرة بقليل لفت انتباهي ذلك التناقض في مواقف العدل والإحسان ما تطرقت إليه في التقرير السنوي عن حالة المغرب حول الرّغبة الدّفينة في تأسيس حزب لكن بشروط سوبراسياسية. لنتذكّر أنه رغم وجود هذه الرغبة في التحول إلى حزب سياسي، يبدو أن الجماعة في انتظار ذلك اليوم الذي علّقته على شروط غير واقعية، استحسنت ممارسة السياسة بأسلوب آخر من خارج المؤسسات. وذلك حسب توضيح نادية ياسين : "لإيماننا القوي بأن الممارسة السياسية ليست مرتبطة بالضرورة بالممارسة الانتخابية، بل قد تكون أكثر جدوى إن مورست خارج المؤسسات الصورية[1]. تندّر الجماعة من العمل السياسي داخل المؤسسات هو ما فجّر تراشقا بالألفاظ بين نائبة من العدالة والتنمية وابنة شيخ العدل والإحسان. فلقد عقّبت نادية ياسين على حديث المراقبين الأجانب باحتفالية عن وجود 35 نائبة في البرلمان المغربي بقولها : يجب تصحيح ذلك من خلال الحديث عن 35 امرأة نائمة في البرلمان[2]. وجاء ردّ النائبة بسيمة حقاوي عن العدالة والتنمية في تصريح لصحيفة (مغرب اليوم) الناطقة بالفرنسية يحمل نقدا لموقف الجماعة وفكرها ، معتبرة تصريح نادية ياسين الذي رأته باعثا على الضحك و مجرد فقاعات إعلامية تهدف إلى تحقيق نوع من الشهرة ولو عبر توجيه خطاب عدمي"، كما يعكس موقف جماعة إسلامية تعودت على متابعة الأوضاع من بعد مثل المتفرج، وهذا موقف سلبي[3]. ومع أن الشيخ ياسين يقرّ ابنته على كل تصرفاتها واصفا إيّاها بالحكيمة حتى في مسألة تخريجتها الفقهية التي أثارت تندر الكثير من الأطراف الإسلامية بخصوص مشاركة نجلة شيخ العدل والإحسان في جلسة تواصلية حول طاولة وضعت عليها قناني الويسكي والبيرة ، إلاّ أن بعض خرجاتها التي تثير إشكالات فقهية وسياسية بدأت تجد بعض الحذر والتحفظ من قبل أعضاء الحركة[4]. وكانت نادية ياسين قد صرّحت قبل ذلك لنشرة الإصلاح العربي الصادرة عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي[5]، بأننا "نحن نطرح البديل للدستور الحالي وهو الميثاق الإسلامي، وعلى أساسه سيقوم المجتمع المدني الحقيقي بدلا من الوهمي الذي أنشأه النظام". وحيث لم يكن مألوفا أن تواجه خرجات نجلة زعيم العدل والإحسان بردود نقدية من داخل الجماعة ، إلاّ أن تصريحا كهذا من شأنه أن يثير حساسية الكثير من القوى السياسية. فهي تؤكد على أن الجماعة لا تعترف بالدستور وفي الوقت نفسه تحمل بديلا عنه هو ميثاق الجماعة نفسها. وقد جاء الاستدراك متأخرا أيضا بسنوات من قبل عبد العالي مجذوب أحد قياديي الجماعة وعضو سابق في مجلس الإرشاد في مقالة تحت عنوان :"الدستور والإصلاحات الدستورية في خطاب جماعة العدل والإحسان"، يعتبر أن استعمال عبارة نحن في تصريح السيدة نادية لا يعبر عن رأي الجماعة. ودفعا لهذا الالتباس فهو يحيل إلى عبد الواحد متوكل أمين عام الدائرة السياسية والأمينُ العام لدائرتها السياسية الذي " قد تكلم في هذا الموضوع في استجواب معه نشره موقعُ الجماعة على الإنترنيت بتاريخ 16/12/2005، واستعمل هو أيضا ضمير "نحن"، لكن ليُبيّن أن الميثاقَ في فكر الجماعة شيءٌ والدستورَ شيء آخر"[6]. وإذا اتضح جليّا أن الدائرة السياسية لم تعد تطمئن إلى تلك الخرجات غير المحسوبة سياسيا لابنة شيخ الجماعة ، فإن الرسالة واضحة من أن الجماعة سعت قبل 20 فبراير وضمن الدستور السّابق لتهيئة مزاجها للقبول بالانخراط في المشهد الحزبي. ويضعنا مقال عبد العالي مجذوب أمام هذا الشكل من التعبير الحذر عن إمكانية لمشاركة الجماعة في إطار من الإصلاح الدستوري على أن هذه المشاركة لا تحجب الإعداد للقومة المنتظرة والتي لا يغني عنها تداول السلطة. إن هذا المبدأ الأخير لا يمثل غاية الجماعة بل هو إن حدث سيسمع للجماعة بالانخراط في لعبة جديدة للسياسة تمهيدا للقومة. هنا تصبح المشاركةَ في الانتخابات "اختيارا "تكتيكيا" لخدمة الاختيار الاستراتيجي، وهو اختيار "القومة" الذي يسمح بتأسيس نظام سياسي جديد". وهو الاختيار الممكن في حال حدوث إصلاحات دستورية هي في نظر عضو العدل والإحسان كما عند سائر قياداتهم غير مجدية . يعني هذا أن الجماعة لا تؤمن حتى بالإصلاح الدستوري إلا باعتباره يتيح وضعا تكتيكيا للجماعة باتجاه تحقيق القومة. ولا يجد الكاتب المذكور وهو يعبّر عن رأي الجماعة طريقا غير طريق تطبيق الخيار التكتيكي المذكور لأن لا يوجد فيه ما يخالف مقتضى ما جاء في كتاب " المنهاج النبوي" لمرشد الجماعة. إذ ينبغي التذكير حسب الكاتب " بأن كتاب "المنهاج النبوي" للأستاذ عبد السلام ياسين، المرشدِ العام للجماعة، ما يزال يشكل المُرتكَزَ الأساس في اختيارات الجماعة التربوية والسياسية". هذا الخيار التكتيكي يمكّن الجماعة من أن المشاركة " وهي مؤمنة بأن اختيارها المشاركةَ هو اختيار استراتيجيّ، وأنّ أقصى ما يمكنُ أن تصل إليه عند الفوز هو المشاركةُ في الحكم مع غيرها من "الفاعلين" المُنافسين، من الإسلاميين وغير الإسلاميين. وهذا يقتضي أن تكونَ الجماعةُ قد ألغت واحدةً من الدعامات التي يقوم عليها منهاجُها السياسي، أي أن تكون قد تخلّت عن فكرة "القومة" وتأسيس حكم إسلامي قُطري تمهيدا لبناء الخلافة الثانية على منهاج النبوة". وأما الخيار الآخر ، فهو يتوقف على افتراض مراجعة الجماعة لمنهاجها وتعديل آرائها ، غيّر أنه وحسب الكاتب : "المشكلَ أنْ ليس عندنا من مصادر الجماعة "القطعية" ما يصرّح بوقوع مثل هذه المراجعات. فهل نقطع بأن الأمر الأول المفترضَ ما يزال هو اختيار الجماعة الأساس، أم ماذا؟"[7]. مجرد نقاش كهذا لا يخلوا من رسائل مضمرة مهما بدا من مباشر في نقذ النظام ، يعتبر مؤشرا على أن الجماعة وبقيادة دائرتها السياسية ، تهيئ نفسها بشكل جدّي في اللعبة السياسية ، غير أن للفطام عن العزلة والأفكار الطوباوية استحقاق آخر يلعب فيه الزمن لعبته الخارقة، ليتحوّل ما كان في مقام الافتراض واقعا يمشي في الأسواق. ونفهم من هذا أنّ المطلب الدستوري العدلاوي الحقيقي هو غير هذا. فلئن كان ما يطلبون هو ما يقولون ، وجبت عليهم المراجعة المعلنة والتّخلّي عن كل مقومات الخطاب العدلاوي. وإن كان ما يقولونه ليس ما يضمرونه فهو تدليس. وفي نظري كانت هذه اللحظة فرصتهم الأخيرة لفكّ الأسر عن انتظاريتهم الطّولى. لكنهم يريدون الدخول في دورة جديدة من الانتظارية القاتلة. وليست انتظارية ما قبل 20 فبراير كانتظارية ما بعده. وتلك هو المصير المجهول الذي هو قدر الجماعة. ولله في خلقه شؤون. ويتساءل كثيرون لماذا لا تمتلك جماعة العدل والإحسان الجرأة والشجاعة لتقول أننا نريد القومة الآن وليس غدا وبأننا أدمنا القعود والانتظار ، وساعة نهض شباب الفايسبوك رأينا في الأمر فرصة تاريخية كي يذهب هؤلاء الشباب ويريقوا دماءهم وجند الله العدلاوي هاهنا قاعدون. ------------- [1] في لقاء مع نادية ياسين عن الحوار نت [2] مرايا برس : 10 - 07 – 2010 [3] مرايا برس : 10 - 07 - 2010 [4] http://www.youtube.com/watch?v=-Zqy2a4Dsks [5] ، المجلد 4، العدد 6 ، يوليوز 2006. [6] عبد العالي مجذوب: الدستور والإصلاحات الدستورية في خطاب جماعة العدل والإحسان، هسبريس: Wednesday, December 29, 2010 [7] المصدر نفسه