نجيم مزيان / باحث في الدراسات الدستورية والسياسية يمكن اعتبار الخطاب السياسي لجماعة العدل والإحسان ذلك الخطاب المستقى من تصريحات ومقولات مرشدها العام الشيخ عبد السلام ياسين، أو تلك الصادرة عن الناطق الرسمي باسم الجماعة السيد فتح الله أرسلان، أو عن إحدى الشخصيات البارزة في تنظيم الجماعة، أو حتى من بعض الشخصيات المقربة من الشيخ، مثل ابنته نادية ياسين. كما تشكل كتابات هذا الأخير: المنهاج النبوي (التصور)، الإحسان (التربية والسلوك)، العدل (الحكم) وأخرى، والمواقف التي تتخذها الجماعة من قبيل النزول إلى الشارع، والوقفات والمسيرات الاحتجاجية (في إطار حركة 20 فبراير)، بالإضافة إلى إنجازات هذه الجماعة ، كل هذه الأشياء يمكن اعتبارها أوجها للخطاب السياسي لجماعة العدل والإحسان. سنحاول في هذه الورقة، ومن خلال بعض العناوين، أن نتناول بالنقد البناء بعض جوانب الخطاب السياسي للجماعة، مبرزين في ذلك أوجه الخلاف معها. جماعة العدل والإحسان كحركة إسلامية. نبدأ تحليلنا بالرجوع إلى الأصل الذي استمدت الجماعة منه قوتها ولا زالت وهو الإسلام. فبالقدر الذي أثر كونها حركة إسلامية في اكتسابها شعبية واسعة، خاصة في بلد يدين كله تقريبا بالإسلام، وكونها أيضا جماعة تسلك أسلوب النهج الطرقي في إعداد ما يطلق عليه مرشد الجماعة:”جند الله” (الطريقة الشاذلية) في الجانب الروحي والدعوي، بالقدر الذي شكل ذلك أيضا مدخلا لنقدها بشدة عند اقتحامها مجال السياسة (في نهاية التسعينات)، على اعتبار أنها قامت بتوظيف تعاطف الناس معها كحركة إسلامية في أمور السياسة. بالإضافة إلى مرجعية الجماعة المتمثلة في الكتاب والسنة، يتميز خطابها السياسي باستفحال ما يسمى “خطاب الدرويش”، والذي يتجلى في ظاهرة الرؤى المشهورة التي يراها الشيخ المرشد، والتي تشكل غذاء روحيا للمريدين من شيخهم، تبقيهم على العهد، وتشحذ ذممهم، وصولا بهم في الأخير إلى مرتبة السمع والطاعة. يتضح إذا بخصوص المرشد العام للجماعة، أن هذا الأخير يتوفر على مرتبة غير عادية في أذهان أعضاء الجماعة ومن يتعاطف معها، ولعل هذا يكون مدخلا لنقد الخطاب الصادر منه، ليس فقط لما قد يحتويه خطابه من مواطن للنقد، ولكن لأن متلقي هذا الخطاب قد يكون في حالة من الخشوع والانصياع الدائمين، تجعلانه يقبل كل ما يلقى عليه بدون أي نقاش أو اعتراض. الأسلوب اللغوي للخطاب السياسي. يلاحظ من بعض كتابات المرشد العام لجماعة العدل والإحسان أن الأسلوب الذي صيغت به هذه الكتابات ليس سهلا وبسيطا في متناول العامة، إذ يتعين على المرء بذل جهد لفهم مقتضياته، فهو يقول في كتاب المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا لعبد السلام ياسين “…نستعمل كلمة قومة تفاديا لاستعمال كلمة ثورة. لأن “ثورة” فيها العنف ونحن نريد القوة. والقوة وضع يد التنفيذ في مواضعها الشرعية بينما العنف وضعها بميزان الهوى والغضب…” يبدو هنا جليا أن عبارة “وضع يد التنفيذ في مواضعها الشرعية” لها مدلول شرعي قد يفهمه جيدا أصحاب العلوم الشرعية، بعكس المواطن البسيط العادي. ومن هنا نتساءل لماذا لا يتم استعمال أسلوب بسيط عادي في متناول الجميع؟ أم أن شؤون الحكم والعباد لا يمكن تناولها إلا بأسلوب البلاغة؟ أم أن هذا الأسلوب مقصود! دائما في إطار الأسلوب اللغوي يلاحظ استعمال الجماعة لتعابير فضة، حيث جاء في بيانها حول مقاطعة الانتخابات التشريعية ل25 نوفمبر 2011 عبارات من قبيل : “قطيع” أي تصف مجموعة من الناس بأنهم كالحيوانات، ثم “المفسدين والمغفلين” وهي عبارات فيها سب وقذف، ونظن أن الأخلاق الإسلامية تنأى بصاحبها عن استعمال مثل هذه العبارات، لأنها تحط من شأن قائلها أكثر مما تحط من شأن من قيلت في حقه، خاصة إذا كان قائلها من أهل المروءة والأدب. اللاءات الثلاث لجماعة العدل والإحسان. تؤمن الجماعة بثلاث لاءات هي : لا للعنف، لا للسرية، ولا للتعامل مع الخارج. أما العنف فتعتبره الجماعة منبوذا كلية. وقد نهجت دائما في صراعها مع السلطة أسلوب سلميا، حتى مع تعرضها للقمع والتضييق، والاعتقالات والاغتيالات. وقد نجحت الجماعة في أسلوبها هذا، إذ أن سلوكها أسلوب العنف كان سيجعل منها جماعة إرهابية، خاصة أمام الرأي العام الدولي. وأما بخصوص السرية، فرغم أن الجماعة تصرح برفضها، إلا أن طبيعة تنظيمها المحضور من طرف الدولة، وعدم تعدد مصادر المعلومات، وقلة الدراسات الأكاديمية التي تساهم في فهم واقعها ومستقبلها، كلها إشارات تفيد وجود جزء من تنظيم ونشاط الجماعة على الأقل طي الكتمان والسرية. أما رفض التعامل مع الخارج، فإن الجماعة تقصد به عدم العمالة للخارج، أي ألا تدخل في الشأن السياسي الداخلي للوطن قوى خارجية، بأي حال من الأحوال. لكن الممارسة تدل على أن الجماعة، وتحت وطأة التضييق، لجأت إلى منظمات دولية حقوقية لتفضح أساليب النظام ضدها. كما أن خبرا تداولته جريدة الحوار المتمدن الإلكترونية عدد 3225 بتاريخ 24/12/2010، حول تداول بعض الصحف المغربية لمضمون الوثيقة السرية التي نشرها موقع ويكيليكس، والتي تعود ل 18 دجنبر 2008، والتي تناولت مضمون اللقاء الذي جمع بين السفير الأمريكي السابق بالرباط- توماس رايلي- بأعضاء من جماعة العدل والإحسان، وعلى رأسهم الناطق الرسمي باسم الجماعة فتح الله أرسلان، والذي أكد للسفير الأمريكي أن الجماعة ترغب في تأسيس حزب سياسي، وأنها على استعداد للمشاركة في الانتخابات إذا سمحت لها الدولة بتأسيس حزب! من هنا، إن صدق خبر ويكيليكس، فسيكون خطاب الجماعة متسما بالازدواجية والتمويه، فمن جهة، تسوق لنفسها دور الضحية المغلوب على أمره أمام الرأي العام الأوربي والأمريكي، وذلك على أساس حرمانها من ممارسة أحد أهم الحقوق المتمثل في المشاركة السياسية، ومن جهة أخرى يظهر في كتاباتها جليا أن هدفها الأساس هو إقامة دولة الخلافة على أنقاض دولة الملك العضوض والجبري. الجماعة والملكية بالمغرب. من خلال الرسالتين اللتين تم توجيههما لملك المغرب، “إلى من يهمه الأمر” و”الإسلام أو الطوفان”، يتبين أن الجماعة أقرت بالملكية، ومستعدة للانخراط في العمل السياسي إذا امتثل الملك للدعوة إلى التوبة التي وجهها له الشيخ. للإشارة فإن جرأة المرشد في توجيه هاتين الرسالتين لملك المغرب أكسبته شعبية واسعة، لكن أسلوبيهما لم يخرجا عن مضمون التقويم والسداد لولي الأمر، دون أن ينجر الشيخ فيهما إلى إعلان العصيان على الملك. لكن تصريحا لنادية ياسين، ابنة المرشد العام للجماعة، أثار زوبعة إعلامية حين أقرت بأفضلية النظام الجمهوري على النظام الملكي، وأن هذا الأخير كنظام حكم، يجعل المجتمع المغربي يرزح تحت وطأة الملكية المطلقة ورزايا البؤس الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وقد عوقبت ابنة الشيخ على تصريحها لتشكيكها في أحد الثوابت الدستورية بالمغرب (الملكية الدستورية). الجماعة والديمقراطية. في كتاب “الملكية والسلطة السياسية بالمغرب” أشار الكاتب محمد الطوزي إلى أن الجماعة ترى أن القبول بمبدأ الديمقراطية يكون وفق تأويل خاص ترى فيه أقل الحلول ضررا، فضلا عن تسهيلها مرحليا المسلسل المؤدي إلى قيام الدولة الإسلامية. وفي هذا إشارة تدفع أنصار الديمقراطية إلى الخوف من مستقبل الحكم في يد هذه الجماعة. قطرية التنظيم والجهوية في الدعوة. إن هذه الفكرة مفادها أن نشاط الجماعة ينحصر في القطر المغربي ولا يتعداه إلى ما سواه من الدول المجاورة. وفي هذا نوع من الطمأنة لدول الجوار. لكن اللبيب بالإشارة يفهم، فإذا قالت الجماعة بدولة الخلافة على منهاج النبوة، فالكل يعلم أنه لن تكون هناك سوى خلافة واحدة موعودة على هذا المنوال، وبالتالي فدول الجوار واعية بطموحات الجماعة جيدا، وإن أكدت على جهوية دعوتها. مقاطعة الجماعة للاستفتاء والانتخابات التشريعية لسنة 2011. إن الاختيار الذي سلكته الجماعة في معارضتها للنظام من الخارج من خلال مقاطعة كل عملية سياسية أو دستورية يبادر بها هذا الأخير، طرحت بعض التساؤلات حول جدوى هذه الممارسات، وهل تساهم فعلا في إيجاد حل لمشاكل الملايين من المقهورين وجيوش المعطلين كما تسميهم الجماعة ذاتها، بمنطق المقاطعة؟؟!!!. نحن نرى أن عجلة الحياة تدور، وتدور معها دواليب السياسة والاقتصاد. ولن يتوقف أمر النظام بمقاطعة الجماعة ومن تدعوهم له، لسبب بسيط أن هذا النظام له أيضا أنصاره! وبالتالي فنحن نرى أن المقاطعة في هذه الظروف تلعب لفائدة النظام أكثر مما يمكن أن تحرجه ليس إلا. ثم إن هناك تفسيرا آخر يمكن إعطاؤه يتجلى ربما في خشية الجماعة من دخول غمار أي مجازفة انتخابية قد تفقدها شعبيتها، وهي تعلل عزوفها بالتزوير الذي يشوب الانتخابات (الاستفتاء والتشريعيات)، خاصة إذا علمنا أن الساحة السياسية بالمغرب حاليا تعرف اكتساحا لحزب مرجعيته إسلامية، ولكن خطابه واقعي، هو “العدالة والتنمية”. كما نرى أيضا أن جماعة العدل والإحسان بدعوتها الآلاف أو الملايين (بحسب حجم أنصارها) هي تعطل قدرات هائلة من الطاقات البشرية عن مشاركتها في مسلسل الإصلاح الديمقراطي في البلاد. وأن عملية تزوير الانتخابات، وإن كانت موجودة فإن المشاركة المكثفة بالآلاف والملايين من شأنها أن تبطل كل محاولات لها. أما بخصوص مقاطعة الدستور لأنه وضع بطريقة غير ديمقراطية، وأنه لا يزال يتضمن صلاحيات جد واسعة للمؤسسة الملكية، بحسب تعبير الجماعة في موقعها الإلكتروني، فنحن نرى أن هذه الأخيرة ما كان عليها سوى أن تنزل بكل ثقلها لتدلي بصوتها إما بنعم أو بلا!!، وأما إن كان هناك تزوير في الاستفتاء، كما تقول الجماعة، فستكون هي من تسبب في ذلك، بتركها ساحات مكاتب الاقتراع فارغة لمن يريد أن يعبث بنتائج الاستفتاء!! الحوار عند الجماعة. يقول الشيخ عبد السلام ياسين في كتابه الإسلام والقومية العلمانية: “لا يفيد أن نرفض الحوار مع من يطلب الحوار، ولا أن نستعلي بالإيمان عن الجلوس إلى المناقشة، ولا أن نغتر بالحق الذي ندعو إليه إن عجزنا عن تبليغ حكمة الحق والبرهنة عليها”. يستفاد من هذه المقولة أن الجماعة تلتزم بأن تستجيب للحوار مع كل من يطلب ذلك، فهل ستستجيب هنا للدعوة المفتوحة للسيد رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، و إلى حركة 20 فبراير للحوار، بصفتها عضوا سابقا في هذه الحركة؟ ثم إن كانت الجماعة تخشى على سمعتها من الحوار مع النظام خشية أن يقال عنها تنازلت عن مبادئها، أو تواطأت معه ضد مصالح الشعب، أفلا يشكل نزولها الشارع في إطار حركة 20 فبراير المكونة من أقصى اليسار، الشيء الذي يقتضي منها التنسيق مع هذه الحركات، ألا تخشى على سمعتها من التعامل مع الحركات اليسارية باعتبارها حركة دينية؟ في نهاية هذه الورقة، وبعد أن عرضنا لبعض أوجه الخطاب السياسي لجماعة العدل والإحسان، يمكننا أن نخلص إلى أن خطاب هذه الجماعة يغلب عليه الطابع الديني، وإن هدف الجماعة الساعي إلى إحلال دولة الخلافة على منهاج النبوة مكان دولة الملك العضوض والجبري، والذي يقتضي منها سلوك منهاج تربوي ودعوي، وصولا إلى ما يسمى بالقومة العارمة (نوع من العصيان المدني الشامل الذي يشل حركة النظام كلية)، يعد هدفا ليس قريب المنال وهذا باعتراف الجماعة نفسها، إذ أنها تقول في أكثر من تصريح أنها لا تستعجل وعد الله، المهم أن لها اليقين في بلوغ مرادها!!!!!!!!!!!!!!!!!!