كشفت تقارير أمريكية أن قيمة مجموع ما صرف وسيصرف في الانتخابات الأمريكية يتجاوز الناتج الداخلي الخام في عدد من الدول الأفريقية، في إطار نظام سياسي مفتوح لا يحدد سقفا لما يمكن للمترشحين صرفه خلال هذه الانتخابات. بتجميع معطيات نشرها "مركز التجاوب السياسي" حول الإنفاق في الانتخابات خلال السنوات الأخيرة، يتبين أن ما صرف في الانتخابات الأمريكية خلال عشرين سنة الأخيرة (ما بين سنتي 1998 و2018) تجاوز 45 مليار دولار، وهذا الرقم يمثل حوالي نسبة 36 في المائة من الناتج الداخلي للمغرب للعام الماضي الذي وصل إلى 125 مليار دولار. قبيل أقل من 5 أشهر على الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نونبر المقبل، يصرف الحزبان الديمقراطي والجمهوري بسخاء على الحملة الانتخابية من أجل جذب أصوات الناخبين خلال هذه الاستحقاقات. انتخابات نونبر لن تكون بمثابة استفتاء على شعبية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فقط، وإنما تضع الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ على المحك، على اعتبار أن هذه الانتخابات ستشمل أيضا انتخاب جزء من هذا المجلس إلى جانب مجلس النواب ذي الأغلبية الديمقراطية. وبدأت "تسخينات" انتخابات 2020 مع الانتخابات التمهيدية الرئاسية وعلى مستوى الكونغرس، وحطمت جميع الأرقام القياسية السابقة فيما يتعلق بالإنفاق على الحملة الانتخابية، وهذا ما يؤشر على أن الأشهر القليلة الفاصلة عن نونبر ستشهد إنفاقا غير مسبوق، خصوصا مع احتدام المنافسة بين الحزبين الرئيسيين في "الولايات المتأرجحة". والولايات المتأرجحة هي تلك الولايات التي يتأرجح التصويت فيها بين الجمهوريين والديمقراطيين حسب كل انتخابات، وتشهد منافسة حادة بين الحزبين، كما هو الحال بالنسبة لولايات فلوريدا وبنسلفانيا وويسكونسن وميشيغان وغيرها. إنفاق غير مسبوق كشفت "اللجنة الفيدرالية للانتخابات"، وهي جهاز حكومي لتتبع ما يصرف خلال الانتخابات الأمريكية، أنه خلال الدورة الانتخابية لسنة 2018 أفاد المرشحون في مجلس النواب والشيوخ بأنهم أنفقوا أكثر من 1.1 مليار دولار ما بين فاتح يناير 2017 و30 يونيو 2018. هذه الأرقام ليست إلا "قمة جبل الجليد"؛ إذ إنها تشمل فقط ما صرفه المرشحون وليس مجموع ما صرف على الحملة الانتخابية، ذلك أنها تصبح مضاعفة إذا ما تم احتساب ما صرفته جماعات الضغط عبر حملات إعلانية في مختلف وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي. تبعا لذلك، أشار "مركز التجاوب السياسي" الأمريكي إلى أن قيمة الإنفاق في الانتخابات الجزئية الأمريكية لسنة 2018 تجاوزت 5 ملايير و725 مليون دولار، وهو رقم قياسي بالنسبة لانتخابات الكونغرس فقط، في عام لم يشهد انتخابات رئاسية، خصوصا وأن قيمة الاستحقاقات الانتخابية لعام 2016 بلغت 6 ملايير و511 مليون دولار، بما في ذلك السباق الرئاسي نحو البيت الأبيض. وينذر السباق الرئاسي الحالي برفع سقف ما صرف خلال الانتخابات الأمريكية؛ فحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن "اللجنة الفيدرالية للانتخابات"، فقد تجاوز مجموع ما صرفه المرشحون للانتخابات الرئاسية من فاتح يناير سنة 2017 إلى حدود يوليوز الجاري مليارين و240 مليار دولار، أغلبها صرف على الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي. بلومبورغ.. مليار لحملة فاشلة شكل الملياردير الأمريكي مايك بلومبرغ حالة نادرة في تاريخ الانتخابات الأمريكية التمهيدية، بعد ترشحه وإنفاقه الكبير في هذه الانتخابات دون أن يتمكن من تعبيد الطريق لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وحسب "اللجنة الديمقراطية" للانتخابات، فقد أنفق بلومبورغ أكثر من مليار و108 ملايين دولار في مدة لم تتجاوز 6 أشهر ضمن الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، قبل أن يعلن انسحابه من هذه الانتخابات ويصطف خلف نائب الرئيس السابق، جو بايدن، ما جعله محطة سخرية من قبل الرئيس الحالي دونالد ترامب. ولم يختلف مسار رجل الأعمال توم ستاير عن منافسه بلومبورغ؛ إذ صرف هو الآخر أكثر من 351 مليون دولار دون أن يفوز بأي ولاية في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين، قبل أن يقرر الانسحاب هو كذلك، في حين إن جو بايدن، الذي لم ينفق سوى 133 مليون دولار، يعد المرشح المحتمل للحزب. وضع حد للإنفاق غير المحدود يرجع الخبير في الحملات الانتخابية جون هالبين، في حديث لهسبريس، الارتفاع المستمر في الانفاق على هذه الحملات إلى عدم فرض المحكمة العليا لأي قيود على دور المال في السياسة، مشيرا إلى أن ذلك فتح الباب أمام المرشحين والأحزاب والكيانات الخارجية لجمع وإنفاق مبالغ ضخمة في حملات متعددة على مستوى الإعلام الرقمي والتقليدي. ويبدي هالبين معارضته لهذا السقف غير المحدود للإنفاق، معتبرا أنه "يهدد الديمقراطية الأمريكية، ويشوه الخطاب السياسي من خلال حجب مطالب ومصالح أغلب الناخبين غير الأغنياء"، وهذا ما يمنع الأمريكيين من ذوي الدخل المتوسط والمحدود من الترشح لمناصب عامة، حسب الباحث الأمريكي ذاته. ويشدد المتحدث على ضرورة تقليص فترات الحملات الانتخابية مع زيادة التمويل العمومي والبث التلفزيوني المجاني، "فلا يجب أن تكون المؤسسات والشركات قادرة على التأثير الجماعي على الانتخابات واستخدام قوة الضغط لتشويه عملية صنع السياسة العامة"، وفق تعبيره. وكانت انتخابات سنة 2016 قد شهدت هي الأخرى تحطيم أرقام قياسية بالنسبة لقيمة الإنفاق خلالها؛ إذ تجاوزت 6 مليارات و511 مليون دولار، 4 مليارات و124 مليون منها صرفت في انتخابات الكونغرس.