النوع الأول هو لجان العمل السياسية التي تمثل مصالح رجال الأعمال، وينتمي لهذه الفئة نسبة كبيرة من لجان العمل السياسية، كما تتميز أيضا بثرائها وخاصة عند مقارنتها بالنوع الثاني من لجان العمل السياسية وهو اللجان التي تمثل مصالح الاتحادات العمالية، والتي تمثل المنافس التاريخي للجان العمل السياسية الممثلة لرجال الأعمال. فعلى سبيل المثال وفي دورة عامي 1996-1995 أنفقت لجان رجال الأعمال , 782مليون دولار على الانتخابات الوطنية، مقارنة ب 48مليون دولار أنفقتها لجان اتحادات العمال، وهذا بالطبع لا يقلل من مكانة أو ثراء لجان العمل السياسية التابعة لاتحادات العمال والتي ضمت في عام 1997- على سبيل المثال - 9من أكثر 20لجنة عمل سياسية إسهاما ماليا في الانتخابات. أما النوع الثالث من لجان العمل السياسية فهو اللجان التي تمثل مصالح جماعات المصالح المهنية مثل المحامين والأطباء وتضمن هذه الفئة مجموعة من أكثر لجان العمل السياسية ثراء. أما النوع الرابع فهو لجان العمل السياسية الأيدلوجية وهي تمثل مصالح جماعات تدافع عن قضايا معينة، وتنتمي لجان العمل السياسي المسلمة والعربية الأمريكية لهذه الفئة. النوع الخامس هو لجان العمل السياسية التي ينشئها بعض كبار السياسيين الأمريكيين بغرض دعم حملاتهم الانتخابية ودعم الحملات الانتخابية الخاصة بالسياسيين القريبين منهم أو المنتمين إلى أحزابهم، ومن أمثلة السياسيين الذين أسسوا لجان عمل سياسية خاصة بهم السيناتور الأمريكي المعروف إدوارد كيندي. ولتنظيم عمل لجان العمل السياسية والحد من سطوتها على السياسة الأمريكية، وضع القانون الأمريكي حدودا عليا على حجم الأموال التي يمكن أن تجمعها أو تتبرع بها لجان العمل السياسية.فوفقا للقانون لا يجب أن تقبل لجان العمل السياسية أكثر من 5آلاف دولار أمريكي من كل متبرع في العام، ولا يجب على أي فرد التبرع بأكثر من 25ألف دولار أمريكي للجان العمل السياسية أو لمنظمات حزبية أو مرشحين سياسيين لمكاتب فيدرالية في العام.ولا يجب على أية لجنة عمل سياسي التبرع بأكثر من 5آلاف دولار أمريكي لمرشح سياسي معين في الانتخابات الأولية على مقعد الحزب أو في الانتخابات العامة النهائية، وهو ما يعادل 10آلاف دولار أمريكي بحد أقصى في العام. أما بالنسبة لتبرعات الأفراد المباشرة إلى المرشحين السياسيين فلا يجب أن تتعدى أكثر من ألف دولار أمريكي في كل دورة انتخابية. وعلى الرغم من أن القانون الأمريكي يضع حدا على حجم الأموال التي يمكن أن تتبرع بها لجان العمل السياسية مباشرة إلى أحد المرشحين السياسيين إلا إنه لا يضع سقفا على حجم المساعدات المالية غير المباشرة التي يمكن أن تقدمها لجان العمل السياسية للمرشحين السياسيين، وذلك عن طريق وسائل عدة مثل القيام بحملات دعاية بالنيابة عنه، وطالما لم تقم لجان العمل السياسية بالتنسيق المباشر مع المرشح أو مع اللجنة المسؤولة عن حملته الانتخابية. ويرى بعض المهتمين أن السماح للجان العمل السياسية بالإنفاق غير المباشر وغير المحدود بحد أعلى معين لصالح المرشحين السياسيين المساندين لها يقلل من قدرة القانون من الحد من سطوة المال ولجان العمل السياسية، الأمر الذي دفع قانون الحملات الانتخابية الفيدرالية إلى تحريم نفقات لجان العمل السياسية المستقلة أو غير المباشرة، ولكن المحكمة العليا الأمريكية ألغت التحريم في عام 1976 معتبرة إياه انتهاكا لحرية التعبير. وقد حددت لجنة الانتخابات الفيدرالية الأمريكية لانتخابات الرئاسة في 2012 سقفا للإنفاق يبلغ 91.2 مليون دولار خلال حملة الانتخابات العامة بعد الفوز بترشيح الحزب، كما حددت سقف الإنفاق في الانتخابات التمهيدية ب 45.6 مليون دولار، ولا يدخل ضمن سقف الإنفاق 50 ألف دولار ينفقها المرشح من ماله الخاص لتمويل حملاته. ووفقا للقانون تعطى اللجنة الانتخابية الأولوية لدفع 18.2 مليون لكل حزب كبير لتمويل مؤتمراته الحزبية، ثم تدفع ال 91.2 مليون المخصصة للمرشح في الحملة العامة، وأخيرا مخصصات الانتخابات التمهيدية البالغة 45.6 مليون دولار، وفى حالة نقص الأموال تقسم اللجنة المبالغ على المرشحين، فيما يعادل 250 دولارا لكل متبرع لحملة المرشح. ويتعين على المرشح أن ينجح في جمع 100 ألف دولار تبرعات على الأقل، بمعدل خمسة آلاف دولار لكل ولاية من إجمالي 20 ولاية على الأقل، وهى العتبة اللازمة للحصول على التمويل الحكومي الذي يخضع لمراقبة وتدقيق لجنة الانتخابات. ورغم استحواذ الحزبين الجمهوري والديمقراطي على التمويل الحكومي للانتخابات الرئاسية، فإن القانون يسمح لأي حزب أو مرشح ثالث فاز بنسبة 5% من الأصوات في الانتخابات السابقة بأن يتلقى تمويلا حكوميا. ويتم تجميع التمويل الحكومي من نسبة 3% من ضرائب الأمريكيين الراغبين في المساهمة في تمويل الحملات الانتخابية، وقد انخفضت نسبة مشاركة دافعي الضرائب الأمريكيين من 28.7% في عام 1980 إلى 7.3% في عام 2010 وفقا لأرقام مكتب العائدات الداخلية رغم رفع نسبة الإسهام من 1% إلى 3% في عام 1994. وتحدد اللجنة الانتخابية أقصى حجم للتبرعات التي يتلقاها المرشح بنحو 50% من سقف الإنفاق، وشددت على أن أقصى مبلغ يتبرع به الشخص لمرشح في الانتخابات التمهيدية ب 2500 دولار، ونفس المبلغ في جولة الانتخابات العامة، مع ضرورة إثبات هذا المبلغ، بينما يمكن للشخص أن يتبرع ب 250 دولارا فقط دون إثبات ذلك. وخلال عامين، يبلغ سقف ما يمكن أن يتبرع به الشخص لمرشح أو حزب في انتخابات الرئاسة نحو 117 ألف دولار، منها 61 ألفا و600 دولار حدا أقصى للتبرع إلى اللجان الوطنية للأحزاب و20 ألف دولار حدا أقصى للجان الولايات والمناطق والمحليات، و2500 دولار للجنة المرشح في الانتخابات التمهيدية ونفس المبلغ في الانتخابات العامة، والباقي يمكن التبرع به إلى لجان العمل السياسي (باكس) المختلفة لدعم المرشح، بما لا يتجاوز خمسة آلاف دولار سنويا للجنة الواحدة. ويعتبر تجاوز الشخص لسقف التبرع خلال عامين انتهاكا للقانون الفيدرالي، مما يعرضه لعقوبة الغرامة التي تماثل حجم التبرع المخالف أو ضعفه، حسب عدم معرفة المتبرع بالمخالفة أو معرفته. ورغم أن القانون الأمريكي يحظر على الأجانب تقديم تبرعات لتمويل الحملات الانتخابية ويفرض على المنتهكين غرامة مالية وعقوبة جنائية تصل إلى الحبس، فإنه يسمح للمرشحين بتقبل تبرعات من شركات أجنبية، شريطة أن يكون لها فرع في أمريكا، وعندها يحق للشركة الفرع أن تشكل لجنة عمل سياسي، ويكون بإمكان هذه اللجنة تقديم تبرعات للمرشحين في الانتخابات سواء المحلية أو الفيدرالية. ويمكن أن تنفق لجان العمل السياسي أموالا غير محدودة على إعلانات مستقلة، مما يعنى أنه لا يمكنها استخدام مواد الحملة الانتخابية للمرشح، أو مناقشة الإعلانات مع مسئولى حملته. وتوجد نحو 527 لجنة عمل سياسي تقدم تقاريرها المالية إلى مكتب الإيرادات الداخلية، وليس لجنة الانتخابات الفيدرالية، ولديها قيود مخففة في تسجيل التبرعات. تشير التقارير إلى أن الحملة الانتخابية في هذه الانتخابات قد تستهلك ما يقارب ستة مليارات دولار، وهو رقم قياسي ولأول مرة في تاريخ الولاياتالمتحدة يتم صرف مثل هذا المبلغ على الدعاية. ويحق للمرشح في الانتخابات الرئاسية جلب الأموال من المتبرعين للحملة حيث تستقبل مكاتب الحملات الأموال من المتبرعين الفرديين. ويحظر القانون في الولاياتالمتحدة التمويلات الأجنبية للحملات الانتخابية، ولكن يحق للمواطنين الأمريكيين وحاملي البطاقات الخضراء المساهمة في ذلك بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه، بشرط ألاّ تتجاوز تلك المساهمة 2500 دولار لكلّ شخص، وينطبق ذلك أيضا على المقيمين في الولاياتالمتحدة. كما يحق للأفراد كذلك تقديم مساهمة إضافية إلى لجنة أحد الأحزاب الوطنية في حدود 30.800 دولار. ثالثا: الرئيس وصلاحياته الدستورية في مجال السياسة الخارجية رغم تعدد المشاركة في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية وأدارتها ألا أنه يمكن القول أن الرئاسة هي أهم تلك المؤسسات على الإطلاق في هذا المجال إلى الحد الذي يجعل الفكر الأمريكي يعتبر السياسات الخارجية الأمريكية سياسات رئاسية أساساً ، حيث منح الدستور الأمريكي صلاحيات واسعة في مجال السياسة الخارجية . ورغم عدم وجود نص دستوري مباشر بخصوص مسؤولية الشؤون الخارجية ، ألا أن الرئيس الأمريكي يتولى الشؤون الخارجية استناداً إلى المادة الثانية ، الفصل الأول من الدستور الأمريكي والتي تنص "تفوض السلطة التنفيذية لرئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية" ، وبما أن الشؤون الخارجية هي جزء من السلطة التنفيذية لذا يتولاها الرئيس الأمريكي . حيث يعتمر الرئيس على الأقل ثلاث قبعات* مختلفة في مجال السياسة الدولية فهو الرئيس التنفيذي ، والقائد العام للقوات المسلحة إضافة إلى كونه كبير الدبلوماسيين . ويتجلى أتساع الصلاحيات الدستورية للرئيس في الشؤون الخارجية بما يلي : 1-خضوع الوزراء لأوامر الرئيس ورغباته وعدم استقلال أحدهم بسياسة الآخر منفصلة عن سياسة رئيس الدولة في المجال التنفيذي ، وفي حالة استشارة الرئيس للوزراء فأن أثار الاستشارة تنحصر في مجرد المناقشة وتبادل الرأي أما القرار النهائي فيتخذه رئيس الدولة بمحض اختياره وإرادته . 2-يتولى الرئيس تعيين الوزراء وإعفائهم من مناصبهم ويعتبر كل وزير رئيساً أدارياً في وزارته يخضع لأوامر الرئيس وينفذ توجيهاته . 3-يملك الرئيس سلطة تعيين السفراء والقناصل بموافقة مجلس الشيوخ واستقبال السفراء وسواهم من ممثلي الدول الأجنبية ، إضافة إلى سلطاته في عقد المعاهدات شريطة موافقة ثلثا أعضاء عدد الشيوخ الحاضرين . 4-سلطاته في مجال إعلان الحرب ، فالفقرة الثانية من المادة الثانية من الدستور تنص على كون الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة . وبينما يقوم الجدل من الناحية النظرية حول من يملك سلطة إعلان الحرب يتأكد عملياً اليد العليا للرئيس في هذا المجال . 5-لا مسؤولية للرئيس أمام الكونغرس باستثناء المسؤولية الجنائية حيث يمكن للكونغرس عزل الرئيس أو نائبه في إطار ما يطلق عليه بالمحكمة البرلمانية عند ثبوت أدانته بارتكاب جريمة أو خيانة أو رشوة أو أي من الجرائم أو الجنح الأخرى وإضافة إلى السلطات الممنوحة للرئيس دستورياً في مجالات السياسة الخارجية والداخلية فأن هناك معطيات تاريخية وسياسية تضافرت في العقود الأخيرة لتعطي الرئيس صلاحيات إضافية وخصوصاً في حالات قرارات الحرب مما جعل الرئيس الأمريكي محور عملية صنع القرار . فضلاً على كون الرؤساء أنفسهم بدأو يؤكدون على حقهم المباشر ودون منازع في مباشرة السياسة الخارجية حيث يؤكد الرئيس نيكسون "أن الرئاسة هي التي تصنع السياسة الخارجية" ويأتي أقرار المحكمة العليا بكون المبدأ الدستوري بشأن الفصل بين السلطات غير قابل للتطبيق في مجال العلاقات الدولية ليؤكد منح الرئيس سلطات تقديرية واسعة في الشؤون الخارجية على حساب الكونغرس . خلاصة : يعزو الفقهاء والمفكرون أسباب نجاح النظام الرئاسي في الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى ماتمتاز به تلك البلاد من وجود أحزاب سياسية متماسكة ومنظمة، ووجود رأي عام قوي وفعال، وجمهور من المواطنين بلغ من الثقافة السياسية درجة عليا، بالإضافة إلى مجموعة القوانين السليمة. إن كل هذه الأمور تتحد وتتفاعل وتعتبر الأساس المتين الذي تقوم عليه الأوضاع الدستورية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهذا الأساس كفيل باستمرار الديمقراطية وتدعيم بنيانها. ومع ذلك فقد ذكر بعض الفقهاء إن هذا النظام الرئاسي ذاته بخصائصه وأركانه عندما انتقل إلى دول أمريكا الجنوبية أسفر تطبيقه هناك عن نتائج عكسية، وأتضح في العمل أنه أداة تمهد لتغليب السلطة الشخصية الفردية وهي سلطة الرئيس على غيرها *باحث في العلاقات الدولية-مركز الدراسات والبحوث الإنسانية بوجدة