تحكم الشركات الكبرى العالم، وهي التي تقرر مصير الانتخابات الأمريكية، فالمال يحدد هوية الرئيس القادم للبيت الأبيض، والمال يحدد من يدخل مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكيين. بالمقابل يضمن المرشح الفائز لهذه الشركات مصالحها، ويكون ممثلا لها على رأس الدولة أو في مجلس الشيوخ أو النواب. وقد ينسى أي مرشح فائز وعوده للناخبين الذين صوتوا عليه، لكنه لن ينسى أبدا وعوده لأصحاب المال والشركات الكبرى، حتى لو تطلب الأمر تحريك الجيش الأمريكي إلى بلدان أخرى، لأن الشركات الكبرى تدفع ولا تحب أن تخيب آمالها أو تتضرر مصالحها، لأن ذلك إن حصل يعني نهاية مساره السياسي في الانتخابات، ونهاية مشواره بفضيحة تبصم صورته في ذاكرة الأمريكيين. يجري المال في سياسات البيت الأبيض كما يجري الدم في الجسم، وهو ما سبق لصحيفة «كريستيان ساينس مونتير» أن تطرقت إليه بالتفصيل. ولعل أهم دور للشركات الكبرى واللوبيات من أصحاب المشاريع الهامة هو تمويلها للحملات الانتخابية للمرشحين لرئاسة البيت الأبيض، فكل مرشح يحتاج إلى مبالغ كبيرة جدا من أجل الحملة الانتخابية، وتمويل تنقلاته بين الولايات، وطبع المنشورات التي توزع على المواطنين الناخبين، وتمويل ظهوره في عدد من البرامج التلفزية…، كل ذلك تموله الشركات الكبرى في حال تعهد المرشح بالاصطفاف في صف مصالحها. وبدون أموال لن يتجرأ أي مرشح على ترشيح نفسه للانتخابات، سواء كانت انتخابات الكونغرس أو الانتخابات الرئاسية. لذلك تعد الشركات الكبرى أهم وأبرز مصادر تمويل الحملات الانتخابية، لكنها مصادر للتمويل تفرض شروطها على أي مرشح. لذلك يلعب المال دورا كبيرا في تحديد برنامج أي مرشح للرئاسة الأمريكية، أو حتى مرشح للكونغرس أو مجلس الشيوخ الأمريكيين. في سنة 2000 كشفت انتخابات مجلس الشيوخ عن نتائج مثيرة، حين فاز بمقاعد المجلس أكثر من 80 ممن أنفقوا أموالا كثيرا، أي أن الأكثر إنفاقا كانوا الأكثر حظا للفوز بالمقاعد. أما في الانتخابات التي تلت سنة 2000 فقد شهدت انتخابات الكونغرس ارتفاعا كبيرا في نسبة الناجحين من أصحاب الأموال الكثيرة، حيث أشارت الأرقام، التي تناولتها وسائل الإعلام الأمريكية، إلى أن أكثر من 90 في المائة ممن كانوا أكثر إنفاقا هم من تمكنوا من الفوز بمقاعد في الكونغرس. وتشير الأرقام إلى أن كلفة مقعد في الكونغرس تصل إلى أكثر من 800 ألف دولار أمريكي، وهو مبلغ يصعب أن يصرفه نائب أمريكي من ماله الخاص. لذلك يستعين بالشركات الكبرى والممولين والأثرياء. أما كلفة مقعد في مجلس الشيوخ فتبلغ حوالي 5 ملايين دولار. والمال لا يمول فقط الحملة الانتخابية، من منشورات وتنقلات للمرشح ومهرجانات خطابية، بل يشمل أيضا حملات تشويه سمعة المنافسين، حيث تشن وسائل الإعلام حملات ضارية على بعض المرشحين لصالح مرشحين آخرين، علما أن حملات وسائل الإعلام تكون لها أهميتها في ترجيح نتائج الحملات الانتخابية. وبالرغم من أن القانون الأمريكي لا يحدد سقف الإنفاق لكل مرشح على حملته الانتخابية فهو بالمقابل يحدد سقف التبرعات التي يمكن أن يقدمها كل فرد لمرشح أو حزب. ويهدف القانون الأمريكي عبر تحديد سقف التبرعات إلى ضمان نزاهة الانتخابات، إلا أن ذلك لا يمنع من تدفق الأموال الكثيرة على المرشحين، إذ أن الشركات الكبرى تتحايل على الأمر. وتبقى أبرز طرق التحايل على القانون بخصوص التبرعات، هي تنويع مصادر تقديم الدعم، حيت تقوم الشركات الكبرى واتحادات العمال بتوجيه تبرعاتها غير المحدودة إلى حسابات منفصلة عبر فيدرالية للأحزاب السياسية. بوش أكثر من استفاد من المال وفتح العراق للشركات الكبرى ويعد جورج بوش الابن من أكثر الذين استفادوا من تبرعات الشركات الكبرى خلال حملته الانتخابية. لذلك عمل خلال ولايته على ضمان مصالح هذه الشركات، وعمل على فتح أبواب الفرص لها في كل بلدان العالم، فبلغت التبرعات التي قدمتها شركات النفط والغاز لحملة بوش الرئاسية أكثر من مليون دولار. كما تلقى بوش تبرعات كبيرة من الشركات والمصارف، مما دفعه إلى العمل على الوفاء بوعوده لها عندما دخل البيت الأبيض. وعرض جورج بوش الابن مشروع قانون على مجلس الشيوخ، يعفي شركات النفط والغاز من ضرائب تصل إلى أكثر من 20 مليون دولار، وهي نفس الشركات التي تبرعت له بأموال كبيرة خلال حملته الانتخابية التي قادته إلى البيض الأبيض. وبعد احتلال العراق فتح جورج بوش للشركات الأمريكية الكبرى المختصة في النفط أبواب العراق، ومكنها من فرض استثمارية كبيرة. «إيباك» القوة الضاربة لإسرائيل في أمريكا تعد لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة اختصارا ب«إيباك» أحد أقوى التنظيمات الداعمة لإسرائيل في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويستحيل أن يصل مرشح أمريكي إلى البيت الأبيض في حال ما كانت «إيباك» لا تنظر إليه بعين الرضي. لذلك يكون أول عمل يقوم به أي مرشح للرئاسة الأمريكية هو إبداء فروض الطاعة للمنظمة عبر تقديم تطمينات علنية ووعود بالعمل على الحفاظ على أمن إسرائيل ومصالحها. تأسست «إيباك» في عهد الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور. ولا تقتصر عضويتها على اليهود، بل يوجد بها أعضاء ديمقراطيون وجمهوريون. وأهداف المنظمة البارزة هي تقوية العلاقات بين واشنطن وإسرائيل من خلال التعاون بين أجهزة مخابرات البلدين والمساعدات العسكرية والاقتصادية، ودفع الإدارة الأمريكية إلى الضغط على الحكومة الفلسطينية، ومنع إيران من الحصول على الأسلحة النووية، ودفع أمريكا إلى اتخاذ إجراءات إضافية على الدول والمجموعات المعادية لإسرائيل. وتتمتع هذه المنظمة بنفوذ قوي في الكونغرس الأمريكي وفي تشريعاته. كما تتمتع بنفوذ قوي على مرشحي الرئاسة الأمريكية. وتعتمد المنظمة على مساومة المرشحين للرئاسة والمشرعين، فهي تدعم المرشح للرئاسة وتقدم له المال لدعم حملته الانتخابية، وتساعده بعد نجاحه في تمرير برامجه في الكونغرس باستخدام نفوذها. لكنه بالمقابل يتعهد لها برد الجميل على شكل دعم قوي للقضايا التي تهم إسرائيل. وتعد هذه المنظمة صانعا أساسيا في السياسة الأمريكية، وتأثيرها القوي يجعل أي رئيس يصل إلى البيت الأبيض محكوما بمصالحها. لوبي السلاح يمول من يضمن استمرار الحروب في العالم وتعد المنظمة الأمريكية للسلاح منظمة شرسة يصعب على السياسيين الأمريكيين الوقوف في وجهها، ويعد لها السياسي ألف حساب بسبب قوتها في الساحة السياسية في أمريكا، ونجحت المنظمة التي تضم في صفوفها أربعة ملايين عضو في مواجهة كل المساعي الرامية لفرض قيود على السلاح، وتقدم شركات السلاح مبالغ هائلة للأحزاب السياسية المتنافسة على قيادة البيت الأبيض وكل شركة تدفع بمرشحها الذي يفترض فيه أن يفتح الأسواق أمامها ويسهل تصريف منتجاتها العسكرية. ولعل المرة الوحيدة التي انهزمت المنظمة في مساعيها للحفاظ على تدفق السلاح إلى السوق، كانت في سنة 1994 عندما نجح الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في تمرير قانون يمنع تداول البنادق الهجومية، غير أنه بعد عشر سنوات نجحت المنظمة في إلغاء القانون. ولم يتردد جوش شوغرمان، وهو الذي شغل منصب المدير التنفيذي لمركز سياسات العنف، في القول إن قادة لوبي السلاح ينجحون دائما في تمرير ما يريدونه من قرارات وقوانين، مشيرا إلى أنه «عندما يريد لوبي السلاح تمرير تشريعات لمصلحته يبدأ بإرسال الرسائل وإجراء المكالمات الهاتفية مع النواب في الكونغرس أو في مجلس الشيوخ، مضيفا أن النواب ينتابهم الخوف من أن يخسروا مقاعدهم، لذلك لا يترددون في أن يعملوا على إبداء موافقتهم على التشريعات ويصوتون عليها بنعم أو لا، حسب رغبة قادة اللوبي. السلم الداخلي أو السلام العالمي هو عدو الشركات الكبرى المصنعة للأسلحة، إذ تنتعش مداخيل هذه الشركات من الحروب في عدد من المناطق في العالم. كما تنتعش من تزايد جرائم القتل في المجتمع الأمريكي. هذا فقط ما يضمن لها استمرارها في المبيعات. ومنذ سنوات طويلة يخوض مناهضو انتشار الأسلحة في الولاياتالمتحدةالأمريكية حربا شرسة من أجل دفع الكونغرس إلى سن قوانين تمنع انتشار الأسلحة وتوفرها في يد المواطنين الأمريكيين، لكن دون جدوى، بسبب ثقل الشركات الكبرى المصنعة لأسلحة. وكلما وقعت جريمة قتل بالسلاح في الولاياتالمتحدةالأمريكية وتصاعدت الدعوات لقوانين للحد من انتشار الأسلحة، كشر لوبي السلاح في أمريكا عن أنيابه. وفي شهر أبريل من سنة 2013 رفض مجلس الشيوخ مشروع قانون بشأن توسيع التحريات على مشتري الأسلحة، بعدما اعترض على مشروع القانون 46 عضوا من المجلس، وهو ما اعتبر ضربة لخطط الداعين إلى تشديد شروط اقتناء الأسلحة في الولاياتالمتحدة الذي يضمنه الدستور الأمريكي. وكان مشروع القانون يشترط صحيفة سوابق بالنسبة إلى كل من يرغب في شراء قطعة سلاح عبر الإنترنت أو عبر المعارض المخصصة لذلك. وانتصر اللوبي المؤيد لحمل السلاح، التي يقول إن فرض تحريات على مشتري الأسلحة ينتهك الحق في حمل السلاح. فيما يعود السبب الحقيقي إلى خشية هؤلاء النواب من تضرر شركات بيع السلاح. كما تعرضت خطط سابقة بشأن حظر اقتناء الأسلحة الهجومية ومخازن البنادق ذات القدرات العالية لنفس المصير، إذ حذفت من مشروع قانون حيازة الأسلحة بسبب افتقارها للدعم السياسي. وتعد المقترحات التي تدعو إلى الحد من امتلاك الأسلحة من الأسباب التي تفقد الأصوات في الانتخابات، وإن تجرأ مرشح على تقديم وعود بالعمل على تأييد مقترحات قوانين تحد من انتشار الأسلحة فإن مصيره الفشل، حيث إن امتلاك السلاح متجذر في الثقافة الأمريكية، بالرغم من الآلاف الذين يسقطون قتلى في الولايات المختلفة بسبب تهور حاملي السلاح. كما بينت السنوات الماضية تورط عديد من المراهقين في جرائم قتل جماعي، دون أن يدفع ذلك النواب الأمريكيين إلى الوقوف في وجه جشع الشركات الكبرى ولوبي السلاح. أما فيما يخص شركات السلاح وصفقاتها خارج الولاياتالمتحدةالأمريكية فالأمر مشابه لما يدور في الداخل الأمريكي، حيث يمتلك لوبي السلاح كتيبة سياسية مهمة في العاصمة وغيرها من الولايات، تقوم بالتأثير في صناع القرار من المنتخبين وحكام الولاياتالمتحدة، من أجل استمرار تدفق الأسلحة إلى الخارج وإلى مناطق النزاعات بالخصوص . وتبقى الأرقام الصادرة بهذا الخصوص أكبر دليل على توغل لوبي السلاح في المشهد السياسي الأمريكي، وتحكمه في السياسة الخارجية للبيت الأبيض. وقد أظهرت أرقام سابقة أن لوبي السلاح أنفق على حملات المرشحين أكثر من 35 مليون دولار في الفترة الممتدة بين سنتي 1997 و2003، وهي مبالغ لا تستطيع المنظمات التي تعارض انتشار الأسلحة توفيرها أو صرفها، وهو ما يرجح دائما كفة لوبي السلاح في المعارك الانتخابية، وحجم التأثير الذي يتمتع به في السياسة الأمريكية الخارجية وكذا الداخلية.