شرّح صحافيون وصنّاع محتوى متابعون لتطوّرات تدبير جائحة "كورونا" بالمغرب تواصل أصحاب القرار بالمغرب والفاعلين الحكوميّين حول الأزمة، وأجمعوا على عدم الحاجة إلى تمديد الحَجر وضرورة بسط معالم أيّ تصوُّر مسؤول يرى عكس ذلك ليفهم المتابعون سبب القرار، خلال مشاركة لهم في ندوة رقمية استقبلتها صفحة معهد بروموثيوس للديمقراطية وحقوق الإنسان على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". وقال رضوان الرمضاني، صحافي مقدّم برامج إذاعية، إنّ سبب عدم "قدرة رجال ونساء السياسة في المغرب على فتح أفواههم، واكتفائهم بقول هذا قادم من الفوق، في غياب الضّوء الأخضر"، هو ما يحدث منذ عقود "عندما يكون الملفّ ليس بيد الحكومة، بل الملك والمحيط الملكي"؛ وبالتالي "عندما لا تكون مصدر المعلومة تتخوف عن الكشف عنها، أو تكشف عنها دون اجتهاد، في الحدود المسموح بها". ويزيد الرمضاني أنّ في الشهر الرابع لتدبير الجائحة كان من المفترض أن نصل إلى مستوى في السلاسة في التواصل، وهو ما لا يوجد اليوم، علما أنّه "كانت توجد في البداية سيولة في التواصل وتدفق في الأسئلة التقنية، لأن تواصل الجهات الرسمية لم يكن بالمستوى الذي يشفي غليل المعلومة"، وهو ما تمنّى "أن يكون اختيارا"، وإلا "سيعني أن المسؤول لا يتحدّث إذا لم يطلب منه الحديث". ويحرص الرمضاني على استعمال مفهوم "التواصل الرسمي"، لا "التواصل الحكومي"؛ موضّحا أن "الحكومة لا تدبر لوحدها كورونا، كما هو الأمر بالنسبة للعديد من الملفات في البلاد"، ثمّ سجّل أنّ "مشكل التواصل دائم، وأنّ ما هو رسمي سيء التواصل فيه إلا فيما ندر"، وقابَل، في وقت لاحق، بين مثالين، هما: الأمن الذي يعرف كيف يتواصل ونادرا ما يكون له ردّ الفعل، فيما لا يعرف رئيس الحكومة كيف يتواصل، وخرج يوما بعد التواصل الرسمي بشأن إجبارية ارتداء الكمّامات بنصف كمامة في البرلمان. وأضاف: "مهما كان التبرير، في هذا عدم قدرة على إقناع الرأي العام". ويرى المذيع المغربي أنّ "الندوة الصحافية" التي تنظّمها وزارة الصحة كان لا يجب أن تقتصر عليها؛ بل كان يجب أن تضُمَّ وزارات المالية والتعليم والتشغيل، وكل القطاعات المعنية بتدبير المعركة؛ لأنّ المواطن لا ينتظر فقط عدد الحالات المرتبطة ب"كورونا"، علما أنّ هذا الأمر لم يكن يتطلب تصريحا صحافيا يوميا، بل ما ينتظره المواطن هو: أسئلة نظام المساعدة الطبية "راميد"، والتضامن الصحي، وفتح المطارات. ويزيد الرمضاني: عندما لا يجد النّاس المعلومة يبحثون عن منافذ أخرى، وفي ملفّات مثل فقدان الشغل لم يكن المخاطَب واحدا، وكان من المفترض أن يكون للجنة اليقظة متحدّث رسمي؛ وأرجع الصحافي "عدم بلورة إستراتيجية تواصلية إلى مشكل نفسي ومشكل كفاءة". كما تفاعل مع بعض الآراء الواردة في النقاش بقول إنّه لا يظنّ أنّ عدم تفاعل بعض الوزراء مرتبط بعدم اهتمامهم بالمحاسبة الشعبية، لأنهم غير منتخبين، بل الأمر متعلّق ب"هل تعرف ما تتحدّث عنه"؛ لأن "التكنوقراط من يتواصلون في الحكومة لا السياسيون". وساءل رشيد البلغيتي، صحافي مخرج وثائقي، السّبب الذي جعل ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، لا يخرج إلى الناس ليتحدّث عن أكبر مشكل الآن وهو المغاربة العالقون بالخارج علما أنّ منهم من يعيشون في الأزقة بأوروبا؟ وما الذي يجعله لا يجد حلا؟. وزاد مجيبا: "لأنه لا يحكمه موعد انتخابي مع المغاربة"، ثم استرسل قائلا: وكذلك وزير المالية بنشعبون الذي لم يخرج ليتحدث مع الفقراء المحتاجين الذين لم يتوصّلوا بالدعم، ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت الذي يقول إنّ هذه المساعدات الموزّعة ليست مساعدات للفقراء، ووزير الصحة الذي يترك مدير مديرية علم الأوبئة ومكافحة ليتحدث للنّاس؛ لأن "شرعيتهم ليست قادمة من الأسفل"، ويعرفون "ألا موعد لهم مع محاسبة الناس". ويسجّل المتحدّث أنّ إشكالية التواصل مردّه إلى "عطب المشاركة السياسية بالمغرب"؛ ف"لا فعالية والفاعل لا يربطه بك شيء"، كما يسجّل في السياق نفسه غياب آلية شفافة لتتبّع أوجه صرف أموال صندوق كورونا، مع ضعف الصحافة الاستقصائية بفعل التضييق والتّأديب عبر الإشهار؛ مع ما يعكسه حديث وزير المالية حول عدم واجب إدلائه بتفاصيل صرف موارد الصندوق أمام مجلس النواب، ممّا رأى فيه عقلية تعتبر الصندوق المتعلق بتدبير الجائحة "صندوقا سياديا". ويرى البلغيتي أنّ ما ظهر خلال التواصل الحكومي خلال الجائحة أنّ "هناك سياسة تواصلية قطاعية، ويُحِسُّ المتابعون بأنّ كلّ قطاع يدبر سياسته التواصلية بما قدره عليه الله، في غياب سياسة تواصلية موحَّدة أو انسجام تواصلي"، وزاد موضّحا: المستجدّات جعلت الحكومات، لا الحكومة المغربية فقط، في ارتباك تواصلي. وسجّل الصحافي وجود ارتباك في التواصل الداخلي بين الوزراء ومديري الدواوين ورؤساء الأقسام، وهو ما انعكس على تواصل وزارة الصحة مع المواطنين؛ ممّا يظهر في النّدوة المسمّاة صحافية فيما هي "لقاء لإعطاء الأرقام"، التي كان تعدّد وجوهِها "دليلا على وجود ارتباك داخلي، مع اختزال اللقاء اليومي في تقديم مجموعة أرقام وتوزيعها على جهات، وهي أرقام ليست دسمة ولا غنية بالمعطيات". ويشرّح صلاح الدين المعيزي، صحافي استقصائي، المشهد التواصلي انطلاقا من مكوّناته السياسية لا التقنية، قائلا: "من عندهم القرار الحقيقي في المغرب، وفي البلدان ذات الطبيعة السلطوية، ليسوا من يتكلّمون بالضرورة، ومن يتحدّث ليست هو من عنده سلطة القرار الحقيقية، حتى ولو كانت عنده المعلومة ليست له قدرة قول شيء، وهو ما حدث مع سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة"؛ لأنّ "الفاعل الأساسي المتحكم في القرار لا يتكلّم، أو يمرّر رسائل عبر الإعلام القريب منه، وبالونات تجريب، تُجَرِّب الرأي العامّ". كما سجّل المتحدّث أنّ "العملية التواصلية للدولة، لا تعطينا صورة حقيقية عن التنوّع داخلها"؛ وقدّم مثالا في هذا السياق باحتكار التواصل الحكومي للمسؤولين الحكوميين من طرف الرجال، مع استعمال فجّ للنساء قدِّمنَ فيه بشكل غرائبي مثل القايدات، بينما تقييم سلطتِهِنَّ يكون باحترام القانون من عدمه. وحول الاعتبارات التقنية للتّواصل، يسجّل الصحافي أنّها كانت غير صائبة في البداية عندما تمّ تركيز التواصل على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أن ظهر في الأخير أنّنا عدنا إلى التلفزة العمومية التي لعبت دورا كبيرا في توعية الناس، على الرغم من الدور الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي. واستشهد المتحدث في هذا السياق بأرقام للمندوبية السامية للتّخطيط تقول إنّ أزيد من ثمانين في المائة من قاطني المدن قالوا إنّهم يحصلون على المعلومات من التلفزيون العمومي، فيما يحصل أزيد من ثلاثة وتسعين في المائة من ساكنة القرى على معلوماتهم منه. وتحدّث المعيزي عن الحاجة إلى إعلام عمومي ديمقراطي ذي جودة"، بدل ما يجري به العمل الآن من ترقيع. ثم زاد متحدّثا عن المتابعة الاستقصائية لتدبير الجائحة: "المسألة ليست أنّ ليس لدينا صحافيون جيدون، بل إنّ المساحات تضيق أكثر فأكثر"، كما سجّل المتحدّث وجود "مجهود تواصلي لوزارة الداخلية، التي ليس لها موقع إلكتروني، وقامت بمجهود وتواصلت مع الصّحافيّين حول تطبيق التتبع". من جهته، تحدّث مصطفى الفكاك، صانع محتوى معروف ب"سوينكة"، عن عدم إيمان الكثير من الوزراء بالتواصل، أو اعتبارهم أنّه بلاغ، أو نفي لخبر رائج، دون وعي بأنّ المعلومة الصحيحة سدّ منيع للمشاكل. وزاد: "التواصل العشوائي لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة". كما سجّل وجود مشكل تواصلي؛ فحسن عبيابة، الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة، لم يتحدّث طيلة الأزمة إلى أن جاءت استقالته، وعندما تحدّث سمّى "كورونا" ب"كورونيا". وتحدثّ كاشف تفاصيل مشروع القانون 22.20، المتعلّق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البثّ المفتوح والشّبكات المماثلة، عن انتباهه إلى هذا القانون الذي يعنيه نظرا لعمله في وسائل التواصل الاجتماعي، في بلاغ لمجلس الحكومة، وبحثه عنه دون أن يجد مشروعه منشورا كباقي القوانين؛ فظلّ ينتظره، علما أنّه قرأ في "هسبريس" أنّ هناك تسريعا لإصدار القانون، وهو ما تخوّف من أن يكون معناه بنودا فضفاضة من قبيل "كلّ ما من شأنه". وكشف المتحدّث أنّ مشروع القانون الذي اتُّهِمَ بتسريبه "وثيقة عمومية، لا يمكن الحديث عن تسريبها"، وأنّه بكل بساطة طلب على صفحته أن يرسله إليه من يتوفّر على نسخة منه، فأرسله أشخاص عبر صفحته، وقرأه بعد مدّة من توصّله به، ليتفاجأ ببعض بنوده، ويحدّدها، وينشُرَها. ثم تساءل: "المشكل هو لِمَ لَمْ يُطرح المشروع بالطرق العادية؟ ولِمَ بُرمِجَ هكذا؟".