المصادقة على الجزء الأول من "مالية 2025"    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر يناهز 101 عام    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    10 قتلى جراء حريق بدار مسنين في إسبانيا    الحكومة المغربية تعزز قطاع الدفاع الوطني بإعفاءات ضريبية جديدة    غسل الأموال وتمويل الإرهاب… وزارة الداخلية تضع الكازينوهات تحت المجهر    "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    الركراكي: المباراة أمام الغابون ستكون "مفتوحة وهجومية"        مصرع 10 أشخاص بحريق في دار مسنين بإسبانيا    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة    معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قانون 110.14 وآثار فيروس كورونا
نشر في هسبريس يوم 06 - 04 - 2020

قانون 110.14 المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية: هل من دور في تغطية آثار فيروس كورونا كوفيد 19؟
لا مناص من أن منع الحوادث أو ردها قد يكون صعبا بل أحيانا مستحيلا ، لكن إمكانية التقليل من تأثيراتها والأضرار الناجمة عنها أمر أصبحت تفرضه الظروف التي أصبح يعيشها العالم ومعه المغرب بسبب كثرة الكوارث الطبيعية الناجمة عن التغيرات المناخية والأوبئة المختلفة. لذلك كان التفكير في اعتماد خطط وإستراتيجيات مناسبة لتدبير مثل هذه المخاطر ومحاولة التخفيف من آثارها ضرورة يفرضها الواقع. وهذا ما جعل المغرب يفكر بدوره في تبني نظام قادر على مواجهة مثل هذه الكوارث والحد من آثارها والتخفيف من عواقبها؛ يتعلق الأمر بنظام تغطية عواقب الوقائع الكارثية المحدث بموجب الظهير الشريف رقم 1.16.152 الصادر في 21 ذي القعدة 1437 الموافق 25 غشت 2016 بتنفيذ القانون رقم 110.14 بتغيير وتتميم القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات. والذي يعتبر إصداره تكريسا لمبدأ التضامن الوطني المقرر دستورا بموجب نص الفصل 40 الذي جاء فيه:
" على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد".
وتجسيدا لهذا النظام تم إصدار مرسوم وزاري رقم 2-18-785 عن رئيس الحكومة بتاريخ يوم 29 أبريل 2019، يرمي إلى تفعيل مقتضيات القانون أعلاه، تلاه قرار وزاري آخر رقم 900-19، الصادر عن وزير الداخلية بتاريخ 30 أبريل 2019 تم من خلاله تحديد نموذج سجل لإحصاء ضحايا الوقائع الكارثية وكيفية تسجيل الضحايا في هذا السجل. وعليه، أصبح هذا النظام إطارا تشريعيا جديدا يرمي إلى تغطية كل العواقب والآثار الناتجة عن الوقائع الكارثية بسن إجبارية التأمين ضد الأخطار الكارثية، والعمل من خلال ذلك على تعويض الضحايا من طرف الصندوق المحدث بموجب القانون أعلاه ( المادة 15 ) والمسمى ب " صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية". والذي تم تمويله جزئيا من خلال توقيع اتفاق بين المغرب والبنك الدولي بقيمة 275 مليون دولار بتاريخ 16 يناير 2020، إضافة إلى مساهمة الدولة ( بمبلغة 800 مليون درهم)، من أجل دعم كل السياسات والاستراتيجيات الممكنة لتدبير مخاطر الوقائع الكارثية ، وفي هذا الصدد نطرح الأسئلة التالية:
ما هو النظام القانوني لصندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية؟ وما مدى إمكانية إعمال مقتضياته للحد من آثار الأحداث التي يعيشها المغرب بسبب فيروس كورونا كوفيد 19؟
في محاولة للإجابة على الأسئلة أعلاه نتوقف في نقطة أولى عند الأحكام العامة لصندوق تغطية عواقب الوقائع الكارثية، من خلال تحديد مجاله والفئات الممكن أن تستفيد منه وذلك بالرجوع إلى مقتضيات القانون 110.14، وفي نقطة ثانية نتعرف على مدى إمكانية اعتبار فيروس كورونا حدثا كارثيا بمفهوم القانون أعلاه يعطي الحق للمؤمن وغير المؤمن في الحصول على التعويض المناسب لما حدث من ضرر بسبب هذا الوباء؟.
الفقرة الأولى: النظام القانوني لصندوق تغطية عواقب الوقائع الكارثية
قد يبدو من خلال قراءة مقتضيات قانون 110.14 أنه نظام يهدف إلى توفير التمويل وكدا التأمين ضد الكوارث، من خلال دوره الحيوي في تحقيق نوع من التغطية التأمينية الكافية التي ستقلل العبء المالي على الحكومة وعلى الأشخاص المعنيين، خصوصا وأن المسؤول عن الضرر في مثل هذه الحالات لا يكون محددا كما هو الأمر في الحالات العادية. لذلك سنحاول التعرف على نطاق تطبيق هذا القانون والشروط اللازم توفرها للاستفادة من مقتضياته .
أولا : نطاق تطبيق نظام تغطية عواقب الوقائع الكارثية
رجوعا إلى مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 3 والتي جاء فيها :
" مع مراعاة أحكام المادة 6 أدناه، يعتبر واقعة كارثية كل حادث تنجم عنه أضرار مباشرة في المغرب، يرجع السبب الحاسم فيه إلى فعل القوة غير العادية لعامل طبيعي أو إلى الفعل العنيف للإنسان".
والمادة 15 بقولها: يحدث تحت تسمية " صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية" شخص اعتباري خاضع للقانون العام يتمتع بالاستقلال المالي ، ويشار إليه بعده ب" صندوق التضامن".
والمادة 17 التي تقول:
" يهدف صندوق التضامن إلى:
أ) تعويض ضحايا الوقائع الكارثية وفق الشروط المنصوص عليها وفق الفرع الرابع من هذا الباب؛
ب) منح قروض لمقاولات التأمين وإعادة التأمين في إطار اتفاقيات يمكن أن تبرم معها لهذا الغرض، وذلك برسم:
عمليت التأمين المتعلقة بالضمان ضد عواقب الوقائع الكارثية المشار إليها في المادة 1 64 من القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات السالف الذكر
عمليات القبول في إعادة تأمين الأخطار التي يغطيها الضمان ضد عواقب للوقائع الكارثية السالف الذكر
ج) المساهمة وفق الشروط المنصوص عليها في المادة229.1 من القانون 17.99 السالف الذكر، في الضمان الممنوح من طرف الدولة طبقا لنفس المقتضيات"
الملاحظ من خلال قراءة النصوص أعلاه :
أولا،أن المشرع ضمانا منه للاستفادة من التعويض عن الأضرار التي قد تتسبب فيها الكوارث، طبيعية كانت أو بفعل الإنسان ، وسع من نطاق الكارثة التي يمكن أن تعتبر موضوعا أومحلا لتطبيق مقتضيات هذا القانون لتشمل كل الوقائع الطبيعية التي تكون لها قوة غير عادية ويمكن وصفها على هذا الأساس بالخطيرة، ومن بينها مثلا الفيضانات والزلازل والأمواج العاتية والحرائق وغيرها متى اتصفت بنفس مواصفات الواقعة الكارثية حسب الفصل القانوني أدناه، كما يدخل في إطاره الأفعال العنيفة للإنسان كالفتن وكالإرهاب.
ثانيا، أن التعويض عن الوقائع الكارثية يشمل جميع عقود التأمين بشكل إجباري وأوتوماتيكي ، والتي يدخل في إطارها حسب نص المادة 1.64 من قانون 17.99 عقود التأمين التي تغطي الأضرار اللاحقة بالأموال؛
وعقود التأمين التي تغطي المسؤولية المدنية التي يمكن أن تثار بسبب الأضرار البدنية أو المادية اللاحقة بالأغيار والتي تسببت فيها عربة برية ذات محرك، المنصوص عليها في المادة 120 من نفس القانون. (ويتعلق الأمر هنا بالمسؤولية المدنية للسيارات)؛
وعقود التأمين، غير تلك المنصوص عليها في البند السابق، والتي تغطي المسؤولية المدنية التي يمكن أن تثار بسبب الأضرار البدنية اللاحقة بالأغيار، غير مأموري المؤمن له، الموجودين بالأماكن المنصوص عليها في العقود المذكورة".
إذا ، فجميع أنواع عقود التأمين السالفة الذكر ستخضع لنسب إضافية للأقساط المتفق عليها عادة بسبب التامين الإجباري لتغطية عواقب الوقائع الكارثية كما هو محدد قانونا.
ثالثا، أنه نظام يتصف بالازدواجية من حيث تعويض ضحايا الوقائع الكارثية، بحيث يستفيد منه الأشخاص الذاتيين والاعتباريين المتوفرين على عقد تأمين مع الشركات المعنية، كما يمكن أن يستفيد من مقتضياته الأشخاص الذين لا يتوفرون على أية تغطية وليست لهم عقود تأمين تغطي الأضرار الممكن أن تلحق بهم.
رابعا، أنه نظام شامل من حيث تمكين جميع الأفراد الموجودين فوق التراب الوطني من حد معين في التعويض عن الأضرار اللاحقة بهم من جراء حدوث الوقائع الكارثية والتي قد تؤدي إلى حصول إصابات جسدية ،أو مادية قد تلحق بإقاماتهم السكنية بالمغرب.
خامسا، أنه نظام يشمل إضافة إلى المغاربة المقيمين بالمغرب،كل من لحقه ضرر أثناء وجوده بالمغرب، بتعبير آخر، يشمل هذا النظام الأضرار التي لحقت بالإقامة الرئيسية والإصابات الجسدية للأشخاص الذين كانوا في المغرب وقت حصول الحادثة الكارثية.
سادسا، أن مهمة تعويض ضحايا الوقائع الكارثية يتولاه "الصندوق الوطني للتضامن ضد الوقائع الكارثية " باعتباره شخصا معنويا له ذمة مالية مستقلة يعمل تحت وصاية الدولة. بحيث لا مجال لأن يقوم مقامه أية جهة متى توفرت الشروط التي استلزمها القانون والتي سيأتي ذكرها فيما بعد.
ثانيا: شروط الاستفادة من نظام تغطية عواقب الواقعة الكارثية
اشتراط المشرع من خلال نص المادة 3 أعلاه ضرروة أن يتعلق الأمر بواقعة كارثية للاستفادة من مقتضيات هذا النظام، تجعلنا نتساءل عن ما هو المقصود بالواقعة الكارثية؟ وما هي مواصفاتها وشروطها لاعتبارها كذلك؟، وماذا عن الإجراءات الواجب اتباعها للاستفادة من التعويض عن الأضرار الناتجة عنها؟.
جوابا على هذه الاسئلة، يمكن اعتبار الواقعة كارثية كلما تعلق الأمر بحادث نتج عنه ضرر مباشر للضحية ،بسبب فعل قوة غير عادية، طبيعية كانت أو راجعة لعمل عنيف صادر عن الإنسان.
واعتبار الواقعة كارثية أمر حددته الفقرة الثانية من المادة 3 من قانون 110.14 التي جاء فيها:
" يشكل عامل القوة غير العادية لعامل طبيعي واقعة كارثية إذا تبين توفره على المواصفات التالية:
أن تتوفر في وقوع الحادث المسبب له شرط الفجائية أو عدم إمكانية التوقع. وفي حالة إمكانية توقع الحادث يشترط أن لا تمكن التدابير الاعتيادية المتخذة من تفادي هذا الحادث أو تعذر اتخاذ هذه التدابير؛
أن تشكل أثاره المدمرة خطورة شديدة بالنسبة للعموم..."
إذا، لكي تكون الواقعة كارثية يجب :
أن تكون مفاجئة بحيث لا يمكن توقعها،وعدم التوقع هنا يقاس بوقت إبرام العقد أو وقت وقوع الحدث بحسب نوع المسؤولية كانت تعاقدية أو تقصيرية، على اعتبار أن التعويض عن هذه الوقائع يختلف باختلاف نوع المسؤولية.
أن تكون مما يصعب رده باعتماد الوسائل والإمكانيات العادية المتاحة لذلك، أو بسبب تعذر اتخاذ هذه التدابير بوجود ما يمنع من ذلك.والاستحالة المقصودة هنا هي الاستحالة المادية التي تتحقق بوجود مانع مادي يستحيل تفاديه أو رده من قبيل الزلازل والفيضانات والفتنة كما أشار إلى ذلك القانون.
إضافة إلى ضرورة أن تكون الآثار الناجمة عن هذه الواقعة عامة من حيث خطورتها، فلا مجال لوصف الواقعة بالكارثية ما لم تشكل آثارها المدمرة حسب النص القانوني خطورة بالنسبة للكل وهو أمر منطقي مادام أن عنصر الخطر يعد من عناصر عقد التأمين التي يتوقف عليها وجوده. معنى هذا أن حصول واقعة أدت إلى تحقق أضرار غير عامة من حيث خطورتها تستثنى من اعتبارها كارثة.
الفقرة الثانية: حدود الاستفادة من صندوق الدعم بسبب جائحة كورونا
وقوفا عند المواصفات أعلاه ، والتي تختص بها الكارثة الطبيعية أو الواقعة الكارثية حسب تعبير نص المادة 3 نطرح السؤال التالي: هل الكارثة الصحية تدخل في نطاق هذا القانون، أي هل الكارثة الصحية يمكن اعتبارها كارثة طبيعية؟ ومتى كانت كذلك ، ما حدود إمكانية الاستفادة من هذا الصندوق بالنسبة لجائحة كورونا باعتبارها كارثة صحية تتصف بنفس مواصفات الكارثة حسب نص المادة 3 من قانون 110.14؟.
أولا : معنى الواقعة الكارثية الطبيعية
يمكن تعريف الكارثة الطبيعية بأنها كل حدث مفاجئ يسبب إما تعطيل أو وقف السير العادي للحياة داخل كل مجتمع . تنتج عنه خسائر بشرية، أو مادية، أو بيئية، أو اقتصادية؛ بغض النظر عن طبيعتها كانت جيوفيزيائية: كالزلازل، والتسونامي؛ أومناخية : كالحرائق، والجفاف، والأعاصير؛ أو بيولوجية: كالأمراض، والأوبئة.
فهل يمكن أن نعتبر فيروس كورونا المستجد كوفيد 19 كارثة طبيعية؟ .
جاء في تصريح لمنظمة الصحة العالمية أن هذا الوباء يعد جائحة، والجائحة أشد من الكارثة، وفي هذا الصدد يقول ابن عاصم في تحفته:
وكُلُّ مَا لاَ يُسْتَطَاعُ الدَّفْعُ لَهْ ** جَائِحَةٌ مِثْلُ الرِّياح المُرْسَلَة
"والجائحة هي الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها، وكل مصيبة عظيمة، وفتنة مبيرة؛ جائحة"
الزمخشري، الفائق في غريب الحديث والأثر ج1 ،ص:242
ولعل حديثنا عن الجائحة يبدو أمرا لازما نبرر من خلاله مدى إمكانية الاستفادة من صندوق الدعم الخاص بالوقائع الكارثية أو عدم الاستفادة منه، وعليه،فقولنا أن الوباء الناجم عن تفشي فيروس كورونا ككارثة طبيعية، جائحة صحية باعتراف منظمة الصحة العالمية في تصريحها الصادر يوم 11 مارس 2020 والتي أكدت من خلاله أن هذا الوباء يصل إلى معظم دول العالم بوتيرة متسارعة دفع بها على اتخاذ إجراءات استثنائية؛ مما يعني أنها كارثة ناجمة عن ظاهرة طبيعية ،متى استبعدنا فكرة استعمال الفيروس من قبل الغير في التجارب العلمية وأن السبب في ظهوره هو انتقاله من الحيوان إلى الإنسان. أضف إلى ذلك أن عواقبها وآثارها الصحية والاجتماعية وكذلك الاقتصادية كانت بالغة الشدة. وأخيرا، وأنه لا مجال لردها أو محاولة مقاومتها نظرا لانعدام أية وسيلة يمكنها التخفيف من خطورتها ووطئتها.
هذه الخصائص والمواصفات هي التي اشترطها المشرع من خلال المادة 3 لاعتبار الواقعة كارثية، ولأن الجائحة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا تتصف بنفس المواصفات من حيث أنها لم تكن متوقعة وإن كان ذلك بشكل نسبي بالنسبة لبعض الدول التي علمت بوجود المرض لكن لم تكن تتوقع لا انتشاره ولا تأثيره الصحي الخطير على الفرد بهذا الشكل والسرعة ؛ أنها أمر لا يمكن رده، ولاعلاقة للمتضررين بها؛ فيمكن القول بأنها تشكل واقعة كارثية بحسب مفهوم قانون 110.14، وعلى أساسه تدخل ضمن الوقائع الكارية ولأحداث الخطيرة التي تفتح المجال أمام طلب الحصول على تعويض من صندوق التضامن بسببها.
هذا من جهة، من جهة أخرى،فجائحة كورونا حسب ما تمت الإشارة إليه سلفا لا تدخل ضمن الحالات والصور المستثناة من طرف المشرع والتي لا مجال للتعويض عنها. وهي التي حددتها المادة 5 بقولها :
" تستثنى من نطاق تطبيق النظام،الأضرار أو الخسائر المترتبة عن:
استعمال المواد أو الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية أو الجرثومية أو الإشعاعية أو النووية؛
الحرب الأهلية أو الحرب الخارجية أو أعمال العدوان المشابهة وذلك سواء أكانت الحرب معلنة أو أم لا؛
جريمة إلكترونية".
وعليه، ففيروس كوفيد 19 باعتباره جائحة ، ومن تم واقعة كارثية حسب المادذة 3 من القانون 110.14، لا يدخل ضمن الصور أعلاه، وإن تعلق الأمر بجرثومة لأن المشرع يشترط استعمال هذه الجرثومة ، والاستعمال معناه استخدام الشيء بحق أو بدون حق من طرف الإنسان، مثلا في إطار التجارب المختبرية أو الأسلحة الجرثومية أو البيولوجية.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الإعلان عن كارثة طبيعية ليست مسألة متاحة، فالدولة وحدها من يملك سلطة الإعلان عن ذلك بموجب قرار إداري بعد استطلاع رأي لجنة تتبع الوقائع الكارثية المحدثة بنص المادة 6 من قانون 110.14، ونشر هذا القرار بالجريدة الرسمية داخل أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر من تاريخ وقوع الواقعة الكارثية مع إمكانية تقليص هذه المدة بموجب نص تنظيمي.
ثانيا: هل الإعلان عن الكارثة الطبيعية ضمان للحصول على التعويض؟
منذ ما يقارب الشهر ونحن على لقاء يومي مع تصريحات وزارية صادرة عن مؤسسات حكومية كانت أولاها تصريح رئيس الحكومة الذي دعا المواطنين إلى الالتزام بالحجر الصحي للحد من تفشي وباء كورونا كوفيد 19، تلته العديد من اللقاءات الصحفية مع مسؤولين ووزراء أكدوا وجهة نظر رئيس الحكومة وأكدوا طبيعة الوباء الكارثة الذي أصبح متفشيا بشكل كبير. السؤال: هل يمكن اعتبار هذه التصريحات واللقاءات الصحفية إعلانا عن الواقعة الكارثية المتعلقة بجائحة كورونا، أم أن الأمر لا يتعدى مجرد التنبيه بخطورة هذا الوباء ويجب لاعتبار الإعلان قانونيا أن يأتي في شكل معين وطبيعة خاصة؟.
بالرجوع إلى النص القانوني نلاحظ أن المشرع لم يحدد طبيعة خاصة أو معيارا معينا وشكليا للإعلان عن الواقعة الكارثية، بحيث يمكن على أساسه الشروع في المسطرة الخاصة بمطالبة الصندوق بالتعويض عن الضرر المحقق نتيجة هذه الواقعة الكارثية "كورونا كوفيد 19" من طرف ذوي الحقوق. وكل ما اشترطه هو صدور الإعلان بموجب قرار إداري ونشره بالجريدة الرسمية. وعليه، وأخذا بعين الاعتبار القرارات المتعددة الصادرة عن جهات رسمية ،والتي أكدت أن فيروس كورونا يعتبر جائحة وبالتالي واقعة كارثية، إضافة إلى عدة نصوص قانونية وصفت بالاستعجالية من أجل مواجهة تداعيات فيروس كورونا كوفيد 19، من بينها:
مرسوم رقم 269.20.2 صادر في 21 من رجب 1441 الموافق ل16 مارس 2020 بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم (الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد – 19) .
و مرسوم رقم 270.20.2 صادر في 21 من رجب1441( 16 مارس2020 ) يتعلق بمساطر تنفيذ النفقات المنجزة من لدن وزارة الصحة. و قرار لوزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة رقم 20.986 صادر في 21 رجب 1441 الموافق ل 16 مارس 2020 باتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أسعار المطهرات الكحولية، والذي تولى تحديد الأسعار القصوى للمنتجات المذكورة في المادة الأولى من هذا المرسوم طبقا للائحة ملحقة بهذا القرار بسبب اعتمادها في الاستعمالات الطبية واليومية تفاديا لانتشار الفيروس.
مرسوم رقم 270.20.2 صادر في 21 من رجب1441 الموافق ل 16 مارس 2020 يتعلق بمساطر تنفيذ النفقات المنجزة من لدن وزارة الصحة، والذي يمكن بموجبه إبرام صفقات تفاوضية دون إشهار مسبق ودون إجراء منافسة مسبقة ودون تقديم شهادة إدارية.مع عدم خضوع تنفيذ النفقات المنجزة تطبيقا لهذا المرسوم لمراقبة مشروعية الالتزام بالنفقات ( بسبب الظروف الاستثنائية التي يعيشها المغرب).
منشورة بالجريدة الرسمية عدد 6865 مكرر، بتاريخ 22 رجب 1441، الموافق 17 مارس 2020، ص:1539.
المراسيم والقرارات أعلاه اعتبرت فيروس كورونا جائحة بحسب نص المرسوم ونشرت بالجريدة الرسمية الشهر الماضي بمجرد ظهور عدد من الحالات المؤكدة التي أصيبت بهذا الوباء،أي قبل انصرام أجل الثلاثة أشهر عن حدوث الكارثة المنصوص عليها في المادة 6 من قانون 110.14.
ما يمكن استنتاجه مما سبق، أن جائحة كورونا المستجد كوفيد 19 تعتبر واقعة كارثية بحسب نص المادة 3 من قانون 110.14 لاستجماعها الخصائص التي تطلبها القانون، وتم الإعلان عنها بموجب قرارت إدارية وتصريحات وزارية ، كما تم تأكيد الأمر من خلال المراسيم القانونية أعلاه التي نشرت بالجريدة الرسمية ووصفت بدورها الواقعة الكارثية بالجائحة . كل هذا في نظرنا المتواضع، يجعلنا نصل إلى نتيجة معينة مفادها أن صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية معني بما يعرفه البلد من أوضاع وقد يكون ملزما تبعا لذلك بالمساهمة في تعويض ضحايا هذا الوباء.
هذا التعويض الذي يتم باحترام مسطرة مقررة قانونا تقتضي قيام لجنة تتبع الوقائع الكارثية والتي تناط بها مهمة تتبع تنفيذ النظام من خلال جمع كل المعلومات المتعلقة بظروف وحجم وآثار الواقعة مع إبداء الرأي للحكومة بخصوص مدى توفر الطبيعة الكارثية للواقعة المعروضة عليها. ومساعدة صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية في تقييم الأضرار اللاحقة بضحايا هذه الوقائع.
وختاما، تجدر الإشارة إلى أن هذا الصندوق تم إنشاؤه حديثا مع بداية السنة الجارية، وهو أمر قد يطرح صعوبة أمام تفعيل مقتضيات القانون المنظم له.إلا أن الملاحظ أن المغاربة على اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية عبروا عن تضامنهم الفعلي من خلال الإسراع للمساهمة في الصندوق الذي أمر بإحداثه صاحب الجلالة الملك محمد السادس.والذي يمكن أن يكون بديلا بصفة استثنائية لأجل مواجهة ما يمكن أن يحدث من آثار وأضرار بسبب الجائحة كورونا كوفيد 19.
*جامعة محمد الخامس الرباط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.