لم أكن يوما مع المنع والرقابة، لكن حاليا تأكدت أننا أخطأنا التقدير حين تركنا كل معتوه ومعتوهة ينشران بكامل الحرية مقاطع فيديو على المباشر. يتكلم أو تتكلم بكل الثقة الممكنة عن جوانب تقنية ولوجيستيكية، بل وطبية أحيانا، تخص الفيروس اللعين. مهما حاول الإعلام الجاد أن يجتهد، ومهما حاولت الجهات المختصة أن تخط وتبعث برسائل الاطمئنان، يأتي تافهون وتافهات لينفثوا الجهل. بكل وقاحة وصلافة يتوجهون للناس، وينطلقون في نشر الإشاعات ومنح جرعات قوة للمعلومات الخاطئة، حبا في الظهور في زمن صارت فيه صحتنا جميعا في خطر. جهلة منحوا للأسف صفة المؤثرين في الأعوام الماضية، وها نحن نجني ويلات ترك هاته الفئة الحقيرة تتوجه للجمهور الواسع لتضربنا جميعا بلا هوادة. لم أكن يوما مع المنع والرقابة، لكني كنت دوما متوجسا من هاته الكائنات الفارغة التي نشرت الفراغ، وتفننت في نشره حتى على بعض من وسائل إعلامنا الجادة، وها هي الآن تواصل التكفل بعملية البث في عز الأزمة. صنعهم البعض ليواجهنا، وأسهمنا في جعلهم يكبرون بصمتنا للأسف الشديد. حين كنا في كل المناسبات نحاول توجيه فئة من الناس إلى الحذر في التعامل مع الصورة، ومطالبة الفاعلين في المجال بالتريث والانتباه أثناء إنتاج الأعمال المصورة، بالنظر إلى خطورة حمولتها وتأثيرها على سلوكيات المتلقي، كان كثيرون يستكثرون علينا هذا الدور. منهم من اعتبرنا أعداء لنجاح لم يتحقق إلا في مخيلات نتنة، بل هناك من انبرى للدفاع عن جاهلات وجاهلين يصورون وجوههم التي لا تخجل، وألسنتهم التي تبث السموم، ويستقبل الخطاب الفظيع بالقهقهات والتشجيع وعرض أرقام المتابعة. تعثر عليهم فيما بعد، ضيوفا ينظرون، ويتزينون بعباءة محللين اجتماعيين واقتصاديين وسياسيين، يتكلمون بكل الثقة التي لا تتوفر لكبار العلماء. لكل من ساند هؤلاء أتوجه اليوم، وأدعوهم أن يشرحوا لنا اليوم إحساسهم. هل استوعبتم معنى دعم الجهل؟ لم أكن يوما مع المنع والرقابة، لكني أحسست في الأيام الماضية بظلم يطال أطقمنا الطبية والأمنية والإعلامية. تلك الكفاءات الجادة، وكل أولئك الأشخاص الذين لا يتباهون بمناصبهم ويشتغلون بما أوتوا من إمكانات وبكل الحب لهذا الوطن الجميل الذي يجمعنا. أحسست بوخزات متتالية حين يلجأ جاهل أو جاهلة ليصور نفسه على الانستغرام وفيسبوك وغيرهما، موجها اللوم إلى طبيب يحاول أن يقدم أفضل ما لديه لبني جلدته. شعرت بألم فظيع حين تابعت كثيرا ممن أسموهم مؤثرين لعنة الله عليهم إلى يوم الدين، وهو ينتقدون تصرفات رجال أمن يحاولون أن يقنعوا الناس بالبقاء في بيوتهم. حقد دفين تجاه فئة تشتغل من أجل الوطن والمواطن، وصحة المواطن. لم أكن يوما مع المنع والرقابة، لكني كنت دائما أتوقع السيء والقبيح والخبيث من فئة سلطت علينا، وعبرت لتنشر الإشاعة والجهل والرداءة. معتوهون ومعتوهات منحوا فرصة الظهور، وصاروا الآن يشكلون خطرا علينا جميعا. صاروا الآن يتباهون بعدد متابعيهم ولو كانت المرحلة حرجة، ويوجهون الناس بطرق خاطئة إلى كيفية التعامل مع الفيروس اللعين. نواجه حاليا أيها السادة فيروس كورونا، ونتحمل أيضا أخطاء فيروسات بثت وتبث الإشاعة والجهل. أنحني احتراما للطبيب الشريف، ولرجل الأمن والسلطة، وأرفع قبعتي لعامل النظافة، ولرجل الوقاية، وللمعلم الذي يتواصل مع أبناء وطنه، وللمشتغل في القطاع البنكي، ولرجل الاتصالات. أوجه تحيتي للتاجر البسيط الذي لم يغلق بقالته في وقت الشدة ويحترم شروط السلامة، وللفلاح الذي صار يشتغل بشكل انفرادي تفاديا لانتشار الفيروس. احترمتهم دوما، وزاد احترامي لهم. أما فئة المؤثرين والمؤثرات من أهل التفاهة وناشري الإشاعة.. هؤلاء، احذروا من خبثهم وإشاعاتهم. مجرد كائنات خلقها الجهل، وتبث الجهل. لعنة الله عليك أيها الجهل. *إذاعة ميدي1