في العام الفائت اقترح نتنياهو أن تعترف أمريكا بسيادة المغرب على صحرائه مقابل علاقات طبيعية بين المغرب وإسرائيل، غير أن سكرتير الأمن القومي الأمريكي آنذاك بولتون المعروف بمساندته للبوليساريو اعترض بشدة. الآن وبعد أن ذهب بولتون أعاد نتنياهو نفس المقترح مع إضافة فتح قنصلية أمريكية بالصحراء المغربية. في هذا المقال سنشرح الأسباب التي تجعل الولاياتالمتحدة ترفض مثل هذا الطلب. إسرائيل على علم بهذا الرفض لكن سيلان لعاب المغرب لمثل هذا المقترح قبل أو دون تحقيقه سيفيدها من حيث إحداث اختراق دبلوماسي على صعيد العلاقة بين البلدين مما يجعل المغرب يبدي ليونة أو دعما منخفضا لصفقة القرن فحسن نية إسرائيل ودعمها لمغربية الصحراء سيجعل المغرب غير قادر على التقاطب المناهض لإسرائيل. 1.أمريكا تعتبر اعترافها بمغربية الصحراء تقاطبا لا يخدم أهدافها الاستراتيجية لم تعترف الإدارة الأمريكية بمغربية الصحراء حتى عندما كانت الحرب بين المغرب والبوليساريو والجزائر حربا بين المعسكر الشرقي والغربي وقد عبر كيسنجر عندما التقي وزير خارجية الجزائر آنذاك السيد بوتفليقة بأنه ليس من مصلحة أمريكا أن تصير طرفا في صراعات المنطقة علما أنها ساندت المغرب عسكريا لكنها لم تتبن يوما مواقفه وأهدافه. وقد كشفت وثائق ويكيلكس إلحاح بوتفليقة على كيسنجر بفرض الاستفتاء على المغرب لكن الأخر رفض وقال انه لا يريد إفساد العلاقة مع المغرب وبنفس المقياس فإن أمريكا لا ترغب في إفساد علاقتها بالجزائر إن هي اعترفت بمغربية الصحراء. السياسة الأمريكية في الموضوع لم تتغير فما زالت تمسك العصا من الوسط فهي لا تريد ان ينتصر المغرب ولا أن تهزم الجزائر تماما كما كان يقول ريغان "لا نريد أن ينتصر العراق ولا أن تهزم إيران". 2.الاعتراف بمغربية الصحراء ضرب لمسلسل المفاوضات داخل مجلس الأمن الاعتراف بمغربية الصحراء ضرب لمسلسل السلام الذي تقوده الأممالمتحدة وضرب لكل قرارات مجلس الأمن الذي يدعو لحل متوافق عليه يقود إلى تقرير المصير وضرب لعمل المينورسو المرابطة هناك تنتظر تنزيل الاستفتاء فاذا علمنا أن كل هذه الأشياء كانت بإشراف أمريكي وتوافق مع باقي الدول فأي تقدير سيبقى لريادة أمريكا الدبلوماسية إن هي انقلبت على كل المشروعية التي أسست لها في مجلس الأمن ولأجل ماذا؟ مساندة محتشمة لصفقة مالها الفشل بسبب الرفض الفلسطيني الصارم. مجلس الأمن يناقش قضية الصحراء كل أبريل وبالتالي فإن أمريكا لن تسقط في هذا التناقض الذي يبين دبلوماسيتها بشكل هاو. 3.الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء يتطلب موافقة الكونغرس الأمريكي فهناك أطراف معارضة لمصالح المغرب في الكونغرس ترى أن من وأجب أمريكا عدم الوقوف ضد تقرير المصير. وهناك من يرى أن الصحراء يجب أن تأخذ مسارها الطبيعي عبر الأممالمتحدة. لا ننسى أن المغرب ليس إسرائيل التي تتمتع بشبه إجماع حولها ومع ذلك لم يتحقق نقل السفارة إلى القدس إلا 2018علما أن نقل السفارة هناك سبقه موافقة الكونغرس الذي طلب سنة 1995 من الحكومة في حدود خمس سنوات ليتأخر إلى 2018.Jerusalem Embassy Act الأمريكية القيام بهذا النقل من خلال قانون القدس 4.الرئيس الأمريكي لا يرى مشكل الصحراء ذا جاذبية: اعتبر كل المتتبعين أن ذهاب مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي بولتون فرصة ضائعة للبوليساريو. فقد كان متحمسا لإجراء الاستفتاء. بولتون الذي كان واضحا فيما يخص المينورسو إذ كان يدعو إما أن تقوم بمهمة الاستفتاء أو يتم حلها كما انه زار مخيمات تندوف عكس التقاليد الأمريكية في المنطقة وكان العامل الأساسي وراء تقليص مدة صلاحية المينورسو من سنة إلى ستة أشهر ليجبر الأطراف المعنية على الخروج بحل عوض الجمود الطويل الذي عرفه الملف لكن ترامب يرى أن مشكل الصحراء غير ذي راهنية أو جالب لمصالح واضحة ولا يزيد في شعبيته بل قد يستفز معارضيه أو حتى مؤيديه مما قد يزيد من متاعبه التي لم تنته بعد. الرئيس الأمريكي لا يرى أموالا تجنى من هذا الملف ولا تأثيرا يضر بالأمن القومي الأمريكي ولا تحد للريادة الأمريكية بل ضرب للصناعة العسكرية الأمريكية التي فقدت زبائن كثر وحل مشكل الصحراء سيضعف سباق التسلح في المنطقة. 5.أمريكا لها مشروعها الخاص في منطقه المغرب الكبير هذا المشروع هو الذي جعل الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز يصرح للصحافي البارز عبد الباري عطوان العام الماضي بأن الدول الكبرى لا تريد دولة جديدة في الصحراء. هذا التصريح خلق ضجة في أوساط البوليساريو والجزائر. المشروع الأمريكي للمنطقة يضع في حساباته مصالح أوروبا الحيوية وأهمية المغرب الكبير لها وحل تقريبي بين الجزائر والمغرب. هذا المشروع وضعت له الخطوط العريضة في مراكز الأبحاث هناك ولم يتم تبنيه بشكل رسمي غير أن عملية إخراجه ستتم بشكل تدريجي عند وصول الديمقراطيين للحكم لأنهم الأكثر اهتماما بالملف. الحقيقة التي يجب أن ندركها كمغاربة هي أن الدبلوماسية الإسرائيلية غير هاوية وتعرف حق المعرفة أن تغيير موقف واشنطن في اتجاه جعله يتبنى الطرح المغربي يحتاج أكثر من إرادة إسرائيلية. ففي نهاية المطاف لن تعد الموافقة المغربية على صفقة القرن اختراقا إضافيا غير كاف لإنجاح المشروع الأمريكي الإسرائيلي. لكن مثل هذه الموافقة سيزيد تقسيما للصف العربي وإضعافا للموقف الفلسطيني. وهذا ما يعتبره الإسرائيليون مكسبا في حد ذاته. المغرب يحتاج إلى صياغة نموذج جديد في تعاطيه مع ملف الصحراء تزيد من تعزيز انتصاراته الأخيرة ولو أن المغرب سار في الماضي كما يسير حاليا في تعاطيه لقضيته الأولي لطي الملف منذ أمد غير قريب.