شكلت عودة “جون بولتون” المحافظ المتشدد إلى الإدارة الأميركية، بعد عشرة أعوام من الغياب عنها، تحديا مباشرا للمغرب باعتباره يحمل رؤية متحيزة للحل في الصحراء وهو الأمر الذي جعل مراقبين يتوجسون من تعيين بولتون مستشارا للأمن القومي للبيت الأبيض في هذا التوقيت الذي يمر فيه ملف الصحراء المغربية بمنعطفات كثيرة. وعين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بولتون، وهو أحد القادة الصقور والمحافظ المتشدد، ليصبح ثالث مستشار للأمن القومي خلال 15 شهرا منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض. محمد الشرقاوي، أستاذ النزاعات الدولية في جامعة جورج ميسن وعضو لجنة الخبراء في الأممالمتحدة سابقا، قال في تصريح لصحيفة "العرب"، أن "تعيين بولتون نقمة ونعمة على الدبلوماسية المغربية في آن واحد". وأوضح أن الرجل نصب نفسه مدافعا تاريخيا عن مستقبل الصحراء بحسب الرؤية الاستراتيجية للبوليساريو والجزائر منذ تسعينات القرن الماضي، عندما عمل في إحدى مجموعات الضغط لصالحهما في واشنطن. وكان بولتون، وفق الشرقاوي، همزة الوصل في دعوة الأمين العام السابق لجبهة البوليساريو آنذاك محمد عبد العزيز إلى إلقاء خطاب في مقر الكونغرس. لكن الشرقاوي يرى أن أولويات الرئيس ترامب حاليا تتمثل في التركيز على التصعيد ضد إيران بعد الامتناع عن تمديد التوقيع على الاتفاق النووي، بالإضافة إلى تحضيره للقائه مع الزعيم الكوري الشمالي، والحاجة لتسويق ما يعرف بصفقة القرن، ومسعاه للتنصّل من عضوية الولاياتالمتحدة في عدة اتفاقيات اقتصادية ومنظمات تجارية دولية. ويرتب ترامب بيت السياسة الخارجية للولايات المتحدة مستندا إلى شعار "أميركا أولا" وفي هذا الشأن، يقول الشرقاوي إن تعيين بولتون مستشارا للأمن القومي "يجسد تخلي الرئيس عن وصاية دعاة الحوار والدبلوماسية على السياسة الخارجية الأميركية، والاستعانة بأكثر الصقور شراسة وتحمسا لاستخدام القوة الخشنة والبراغماتية العلنية وتطبيق إرادة ترامب حرفيا". متابعون يصنفون رؤية بولتون وعلاقاته بخصوم المغرب في خانة المواقف الشخصية التي لن تؤثر على سياسة البيت الأبيض تجاه الرباط. ويقول الشرقاوي إن أولويات ترامب قد تهيمن على جدول أعمال بولتون وتثنيه عن الدفع جديا بملف الصحراء إلى أعلى الأولويات في البيت الأبيض باتجاه سياسة تتعارض مع مصلحة المغرب. ويتفق سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا بأبوظبي، مع طرح الشرقاوي حيث أكد أنه "مهما كان موقف مستشار الأمن القومي الجديد من قضية الصحراء، فلا أرى أن يكون لذلك أي تأثير يذكر على القضية طيلة ولاية الرئيس الحالي". ويرجع الصديقي ذلك إلى كون تعيين بولتون لم تمله متطلبات السياسة الخارجية الأميركية، بل أملته الأزمة الخانقة التي يتخبط فيها محيط ترامب بسبب تشديد الخناق عليه من خلال التحقيقات الجارية حول احتمال تدخل روسيا في الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية. وكان الكونغرس الأميركي قد صادق ضمن قانون المالية للعام الحالي 2018، على بند يتيح تقديم مساعدات مالية لدعم مخطط المغرب التنموي في الأقاليم الجنوبية دون فصل الصحراء عن سيادة الرباط واعتبر مراقبون أن هذا الأمر يخدم جهود المغرب القاضية بتسهيل إيجاد حل دائم وعادل من منطلق مقترح الحكم الذاتي بالصحراء. وكان البيت الأبيض، في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، قد وصف مقترح الرباط لحل أزمة إقليم الصحراء ب"الواقعي وذي المصداقية". ويصنف متابعون رؤية بولتون وعلاقاته بخصوم المغرب في خانة المواقف الشخصية التي لن تؤثر على سياسة البيت الأبيض تجاه الرباط وأفاد الشرقاوي ، بأن بولتون أكثر الجمهوريين سلبية من موقف المغرب إزاء قضية الصحراء لاعتبارات شخصية وأيديولوجية وسياسية، حيث دافع لأكثر من عقدين عن قناعته بحق الصحراويين في تقرير مصيرهم. وعمل بولتون ضمن فريق جيمس بيكر عندما كان مبعوثا للأمم المتحدة إلى الصحراء وساهم في صياغة ما يعرف ب"خطة بيكر الثانية" التي رفضها المغرب بعد نسخة أولى من نفس الخطة التي قبلها المغرب ورفضتها البوليساريو. وعندما كان بولتون مندوب بلاده لدى الأممالمتحدة، بين عامي 2005 و2006، دعا إلى إدراج مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء ضمن صلاحيات بعثة المينورسو وبعد سنوات قليلة، كان مرشحا لخلافة كريستوفر روس على رأس بعثة الأممالمتحدة إلى الصحراء. وأشادت جبهة البوليساريو الانفصالية بقرار تعيين جون بولتون في إدارة الرئيس ترامب، رغم أنها لم تستفد طيلة مدة خدمته على الملف في السنوات السابقة ويرى مراقبون أن موقف بولتون الشخصي من ملف الصحراء لن يشكل أي فرق على المدى القريب. ولكون جون بولتون من أبرز منظري الحروب الوقائية في إدارة جورج بوش الابن ومن المحرضين على الحرب في العراق، يظل هذا الشخص المحافظ حسب محمد الشرقاوي ميكيافيليا متحررا من أخلاقيات السياسة في سبيل خدمة قناعاته بمدرسة الواقعية السياسية الهجومية. وشدّد الصديقي على أن قضية الصحراء لا تشكل أي أهمية ضمن أجندة دونالد ترامب خلال وجوده في الرئاسة، خاصة وأن إدارته تواجه تحديات خارجية كبيرة في مناطق لا سيما في الشرق الأوسط وكوريا الشمالية، إلى جانب علاقاته المتوترة مع كل من روسيا والصين. وهذه الأزمات، باعتبار وجودها في مناطق جيوستراتيجية كبرى بالنسبة للولايات المتحدة، تجعلها تحتل أهمية كبرى ستشغل واشنطن عن باقي المناطق التي لا تشكل أي تهديد لأمنها القومي أو مصالحها الجيوستراتيجية. لكن محمد الشرقاوي يعتبر أن "بولتون الآن في أعلى منصب سياسي وقريب من ترامب، مما قد يجعله يحاول بلورة منعرجات جديدة للموقف الأميركي أو على الأقل صياغة مقترحات جديدة في مجلس الأمن الدولي”. ويقول إنه من الممكن أن ينسق بولتون لتغيير موقف بلاده مع المندوبة الأميركية لدى الأممالمتحدة نيكي هيلي بشأن قرار مجلس الأمن في أبريل من العام القادم لتمديد مهمة المينورسو، مما قد يثير أرق المسؤولين في الرباط لأكثر من عام".