قلم المخزن: جزائرياتي التي تقلق الكثيرين، خصوصا من رسميي الدولة الجارة، تمتح من طفولة وجدية، بحي "لازاري" الشعبي، الذي كان من نصيبه العدد الأوفر من الأسر الجزائرية المهاجرة؛ خصوصا من الغرب، عند اندلاع ثورة التحرير، التي امتزجت فيها دماء المغاربة والجزائريين. بكيفية ما، كان لنا نحن أطفال وجدة وضيوفنا، السبق في بذر البذور الأولى للمغرب العربي المعاق، إلى اليوم. نجحنا، نحن الأطفال، بانصهارنا، وبإبداع لعبنا العسكرية والمدنية، حيث فشل ويفشل كبار الساسة. كم مارسنا مغاربيتنا الطفولية على مسمع من المدافع؛ ضاربةً مزلزلة في جبال "بني بوسعيد" الجزائرية، المطلة على واحة سيدي يحي الوجدية. ثم تفرق مغربنا العربي الصغير شذَرَ مذَرَ، بعودة المهاجرين إلى فرح الاستقلال، بمدنهم وقراهم؛ ولم يَفِد بعد هذا أحدٌ ليشكرنا على إنجازنا الكبير، إلى أن بدأت تتناهى إلى أسماعنا إرهاصات حرب الرمال. لم نفهم شيئا ونحن نرى بباب سيدي عبد الوهاب أرتالا من القوات المسلحة الملكية متجهة صوب فكيك لصد العدوان الجزائري. من يهاجمنا؟ الجزائريون الكبار أم الصغار؟ لا لا أصدقاؤنا الصغار لن يهاجموننا أبدا، إلا لاعبين. من هنا قرر هذا القلم أن يظل وفيا لمغاربيته التي ابتدأت مبكرا. ولمن يعتبرني، من رسميي الجزائر وغيرهم، قلما للمخزن أقول: لقد أخطأت، اذ المسألة أخطر: أنا قلم للطفولة المغاربية الموؤودة. تداريب على تأسيس الدولة المدنية: في غياب أزيد من ثلثي الشعب الجزائري، عن حفل أداء اليمين الدستورية، من طرف السيد الرئيس عبد المجيد تِبون (قاتل نعت الفخامة)؛ بدا كما لو أن الأمر يتعلق بتدريب فقط على الحفل الحقيقي القادم، الذي يواصل الحراك الشعبي تحضير جميع توابله. وحتى يبدو المشهد صادقا تماما حضرت كل الوجوه الرسمية، الصارمة في عبوسها؛ ولو ضممنا كل التقاسيم الوجهية إلى بعضها البعض، لتشكلت لنا خريطة الجزائر الحالية، المتحركة والقلقة والمشرئبة. وعلى الرغم من الحضور الوازن، في قلب الركح الدستوري، لجنرالات الصف الأول، يتصدرهم رئيس الأركان الفريق قايد صالح؛ فإنني لمست حضور النهج العسكري، صارما، في مُحيا حتى الحضور المدني، الرسمي وغير الرسمي. ولمست حضوره منبثا، كذلك، في كل الخطب والكلمات التي ألقيت؛ بل حتى القاضي الدستوري بدا في أكمل اضطرابه؛ وكأنه يتلو حكما بالإعدام على بريء، وليس تثبيتا دستوريا لرئيس جديد، تقطعت الأنفاس في انتظاره. على أي هذه انطباعاتي وأنا أتتبع هذا "التدريب الميداني" بالذخيرة الدستورية. أما غياب رؤساء الدول؛ خصوصا الذين يفترض فيهم أن يحضروا في هذا الحدث المفصلي والفارق، فخير ما يقوي اعتباره تدريبا فقط، اقتصر على أهل الدار ليس إلا. ينصرف ذهني إلى قادة الدول المغاربية: المملكة المغربية، تونس، موريتانيا، وليبيا. اكتفت المملكة باعتبار تنصيب الرئيس الجديد من المهام الاعتيادية للسيد السفير حسن عبد الخالق. هل لهذا علاقة بعدم التجاوب مع التهنئة الملكية، التي تضمنت معاودة مد اليد للجار، القادم على صهوة جمهورية يزعمها جديدة؟ لا أعتقد، إذ للتهاني إطارها البروتوكولي المحدود؛ ولكل مقام مقال. تصفية الاستعمار أم تصفية الاستقرار؟ حينما استمعت إلى الخطاب الرئاسي الأول، بعد التنصيب الرسمي، الذي قطع الشك باليقين وهو يؤكد – ربما من باب حق الجار على جاره- أن المملكة المغربية تحتل صحراءها، اتضح لي مدلول الرسالة الديبلوماسية المغربية. نعم السيد الرئيس نحن نحتل صحراءنا، ونَعمُر خلاءها، منذ الأزل؛ كما تحتل الجزائر الجزائرَ ووهران وتزي وزو. وما كان لنا أن نثق ونعتبر أن إفساد المستعمر لخرائطنا، بخصوص صحرائنا الشرقية، لا ينتصب سدا في وجه الأخوة والتاريخ والمصير المشترك بيننا. لقد ذكرت، السيد الرئيس، منطقة الساحل، وعزمك على مد يد العون لجيران الجزائر بها، حتى يستتب الأمن؛ طبعا أنت متيقن، ككل المحللين من تقصير دولة مالي، بالخصوص، في احتلال شمالها وإعماره؛ ولو فعلت – كما فعل المغرب في صحرائه -ما كان ليصبح هذا الساحل، السائب والخلاء، وكرا لكل ضباع الإرهاب والتهريب. وتعرف السيد الرئيس أن حدودك مع ليبيا مصابة بإسهال خطير، وسيتفاقم الوضع أكثر مستقبلا؛ لأن الدولة أصبحت عاجزة عن احتلال كل ترابها وتأمينه؛ وقد هددتَ بكون الجزائر لن تسكت عن إقصائها من الملف الليبي، والكل يتفهم هذا. وحتى جبال الشعانبة على حدود الجزائر مع تونس أصبحت غير محتلة تماما؛ وهذا ما جعلها وكرَ استقطاب لفلول الإرهاب. وما دام الشرط في الأمن والنماء والاستقرار هو احتلال الدول لكل تفاصيل خرائطها، فلماذا لا تعطي المدلول الحقيقي لوجود المغرب في صحرائه؛ وأنت تعرف أن الجزائر بدورها مستفيدة من هذا "الاحتلال"، للظروف المحيطة بها التي ذكرتُ؟ بوسعك الآن، وقد أصبحت رئيسا للجزائر، أن تعرف حجم إنفاق العصابة على تخريب الأمن والنماء في الصحراء المغربية. لقد وعدت وأقسمت على محاربة الفساد، خصوصا ما يصيب منه المال العام؛ فهل ستستثني الإنفاق المباشر وغير المباشر، الذي سال وديانا تحت عنوان: "دعم الشعب الصحراوي"؟ دولة مهابة الجانب، وبجاهزية للقتال: ورد هذا في خطابك الرئاسي الأول، المبشر بجمهورية جديدة؛ وهو يفوح عسكرية، وكأن "العِدا حولك علَتْ صيْحاتهم" على حد عبارة الشاعر أبي ماضي. فما الفائدة من حديثك، بعد هذا عن المغرب العربي وعن الصفاء مع الجيران، بحيث "لا يلقى الواحد منهم ما يسوؤهم منك". إن الشعب الجزائري، ككل الشعوب، تواقٌ إلى الحرية والعدالة والنماء الشامل؛ فكيف يستقيم لك أن تبشره بدولة مهابة الجانب؟ وإذا كنت تجد في جيرانك المغاربيين من يهدد هيبة الدولة الجزائرية؛ فكيف ننعت نحن في المغرب، البومدييني صانعة الوهم الصحراوي، ومحتجزة مواطني الجار منذ عشرات السنين؟ جرب أن تفتح المخيمات، ليوم واحد؛ ولو من باب جديد الجمهورية الجديدة؛ وستقف على الحقيقة. جرب أن تزيل الحواجز العسكرية بمخيمات تندوف، كما أزلت نعت الفخامة من بروتوكولات الرئاسة، ومكن الصحراويين من أقْدامٍ حرة طليقة فقط، وسترى ويرى معك العالم من يحتل من؟ ومن يهدد من؟ السيد الرئيس: لا أعرف إلى أين ستمضي بك الجزائر الشعبية؛ الغائب الكبير عن حفل تنصيبك؛ وإلى أين ستقودك مدنيتك العسكرية المهدِّدة؛ لكني، وبعد أن استمعت إلى خطابك بتمعن المهتم، موقن ألا شيء تغير أو سيتغير؛ وكأن حراك الشهور العشرة يقع في القطب المتجمد. وموقن أيضا أننا في صحرائنا، بنخلها ورمالها ويرابيعها وأفاعيها. فانظر ما ترى، والى أي وجهة تسير؛ ولا تستهن – رجاء -بالمغرب العربي الصغير، الذي أسسه، زمن المحن، أطفال حي "لازاري" بوجدة؛ من الجزائريين والمغاربة.