صاحب المهمات القذرة، هكذا ينعته الرأي العام الجزائري. وهكذا أكد في غير ما مرة بأنه أهل لهذا اللقب .تارة بالحال و تارة بالمقال .كما أن له نعوتا و أوصافا أخرى من قبيل "الابن المدلل للسلطة" . ويظهر هذا الدلال في أنه يخرج من الحكومة بعدما تأتي إنجازاته الكارثية على الأخضر و اليابس و تفوح روائح الفساد المنتنة حتى أن رائحتها لتشم على بعد مئات الكلومترات من قصر الحكومة . و مع ذلك لا يجد غضاضة في العودة إلى منصب رئاسة الحكومة .مما يجعلنا نتأكد بالملموس من أن الوصول إلى السلطة في الدول العربية رهين بالغناء و كثرة السوابق السوداء .ربما لأنه لا يعرف الفضل إلا أولو الفضل .كما أن من مناقب السيد أحمد أويحي ،أنه ابن النظام و حامي عهود الوفاء و الصفاء و الود اللا مشروط لكل من يسكن أو يحتل فالكلمتان سيان قصر المرادية ، و هو القصر الرئاسي الجزائري . "" رأى أحمد أويحي (الصورة) النور في 02 يوليوز 1952 بمدينة بوعدنان في منطقة القبائل الصغرى. وفي 1976 نخرج من الكلية الوطنية للإدارة في الجزائر .ليعين 1978 -1981 في قسم العلاقات الإفريقية في وزارة الخارجية ، و مابين 1984 1988 شغل منصب مستشار العلاقات الخارجية لرئيس البعثة الجزائرية الدائمة في مقر الأممالمتحدة في نيويورك ، ثم مستشار وزير الخارجية .بعد ذلك سيعين مدير عام الإدارة الإفريقية في وزارة الخارجية.و في 1992- 1993 سيشغل منصب سفير الجزائر لدى مالي.و مع اندلاع الأزمة الجزائرية، و مقتل محمد بوضياف و وصول اليمين زروال إلى سدة الرئاسة الجزائرية ، سوف يجد نفسه يشغل مدير ديوان الرئيس الجديد .بعدما تمكن من جلب أنظار المسؤولين إليه خصوصا في أوساط الأممالمتحدة حينما شارك في معالجة ملف الصحراء .كما تم تعيينه وزيرا مكلفا بالتعاون بين الدول المغاربية وذلك لأول مرة في حكومة سيد أحمد غزالي. وساهم بشكل فعال في توقيع اتفاق سياسي بين حركة الطوارق المسلحة والسلطات النيجرية. كما تم تكليفه بمهام سرية ومعقدة من قبل وزارة الخارجية الجزائرية ،ولكن بتعاون مع الأمن العسكري الذي سانده في ارتقائه الوظيفي. وعلى ذكر المؤسسة العسكرية الجزائرية. فمن الصفات و النعوت التي ينعم بها أويحي كذلك صفة " عراب الاستئصاليين ".لأن عددا من المصادر تؤكد أن المخابرات الجزائرية قد جندته في صفوفها منذ كان طالبا سنة 1974، وأن الذي جنده هو نور الدين زرهوني عندما كان مساعدا لقاصدي مرباح علي رأس الجهاز في السبعينيات . بعد كل هذا المسار الحافل و الناعم ، صاحب المهمات القذرة لن يرضى عن الوزارة بديلا . و سيلج منصب رئاسة الحكومة ما بين 1995 -1998. ثم اضطر للاستقالة بعد أن ارتبط اسمه بملفات مزعجة أدت إلى إغلاق المصانع والمؤسسات الكبيرة قصد تمكين الشركات الأجنبية من دخول السوق الجزائرية بحجة كسر العزلة المفروضة على الجزائر بسبب الأحداث الدامية .و تحت شعار اقتصاد السوق، تم تسريح آلاف من العمال الجزائريين مم عجل برحيله.و لأنه يتمتع بحاسة شم قوية لموازين رياح السلطة. فقد انضم بسرعة فائقة في عام 1999 إلى التحالف المساند للرئيس الجديد عبد العزيز بوتفليقة. وبعد عزل الأمين العام السابق للتجمع الوطني الديمقراطي الطاهر بن يعيش،تولى أويحيى بقدرة قادر وضربة لازب منصب الأمين العام للحزب الداعم للحكومات المتعاقبة كيفما كان لونها و جنسها .الرئيس الجزائري الجديد سيكافئه بتعيينه وزيرا للعدل ما بين 2000 -2002 .و لكن سوء تدبيره للقطاع وضغط فضائح حرق السجون وسجن الكوادر العسكرية المتوسطة عجل برحيله . و لكنه ما فتئ أن عاد إلى المجلس الوزاري هذه المرة حاملا صفة وزير دولة .ثم رئيسا للحكومة بعد انتخاب بوتفليقة لفترة رئاسية ثانية "2003".ثلاث سنوات على اعتلائه منصب رئاسة الحكومة كانت كافية لاستشراء الفساد العام، وتدهور الأداء الحكومي المتدهور أصلا.ليجد أويحي نفسه مستغنى عنه. و لكن لبعض الوقت لا غير. إذ سيطل يوم الإثنين 24 يونيو2008برأسه مرة أخرى على رئاسة الحكومة على الرغم من ان حزبه لا يتوفر على الأغلبية في البرلمان الجزائري الكسيح ، إذ يحتل الرتبة الثانية ب 62 مقعدا. بعد حزب جبهة التحرير الوطني الذي يتوفر على136 من المقاعد . مما يؤدي بالفروق إلى أن تتلاشى بين الحزبين المستحوذين على الإتلاف الحاكم الجاثم . فلا يهم عدد المقاعد بقدرما يهم القرب من الرئيس بوتفليقة ؟ بين المشهد السياسي الجزائري ونظيره المغربي اختلاف الإطار العام وتشابه الفاعلين إن أهم ما يميز المشهد الجزائري هو تقاربه إلى حد كبير مع جاره المغربي. خصوصا على مستوى الفاعلين السياسيين.ففي كلا المشهدين لا يوجد شيء اسمه المفاجئة الانتخابية .بل الأمور تسير على قدر و بعناية فائقة.كما أن صناعة و رعاية النخب المرضي عنها شيء مشترك .و إذا كان أويحي رجل الدولة المدلل الذي يفرش مساره بالبساط الأحمر إلى الحكومة و البرلمان، فإننا في المغرب لا يمكن أن نصف حزب التراكتور للوزير المنتدب القوي السابق في الداخلية بأنه الرجل العادي و بكون حركته الحزبية بالعادية كذلك .ففي الوقت الذي يوجد في الجزائر ظاهرة حزب التجمع الوطني الديمقراطي . نجد في المغرب ظاهرة حركة التراكتور . وهما تجربتان متماثلتان.على اعتبار أنهما شخصيتان مدعومتان من طرف أعلى هرم السلطة القائمة و لا علاقة لهم بالعمل السياسي الحزبي الذي هو القناة الأصلية لإنتاج النخب .فأويحي عمل ضمن دواليب أجهزة الدولة و في مناصب حساسة و قريبة من مراكز صنع القرار.ثم صنع له حزبا و ركب عليه واستحوذ على مقاليده، لدرجة أن مؤتمره الحالي المنعقد مباشرة بعد تعيينه في منصبه الجديد، لا يوجد من قريب أو من بعيد من يجرؤ و يقدم ترشيحا لمنافسته على رئاسة الحزب و لو من باب المزاح . مما يضمن له و بأريحية كبيرة ولاية ثالثة على رأس الحزب تمتد إلى غاية 2013 .الأمر نفسه عند حركة الهمة التي ولدت كبيرة .فالسيد الوزير السابق المنتدب في الداخلية كان يعد و بدون مبالغة أقوى شخصية مخزنية . جمع بين سبره أغوار أم الوزارات، و بين قربه الكبير من الملك محمد السادس.و هو قبيل 07 شتنبر2007 بدأ في حياكة ملابس سياسية جديد.فاستهل مشواره الجديد القديم باكتساحه لدائرته الانتخابية بالرحامنة وحمل معه خاله و السيد العيادي إلى البرلمان،و لو كانت القدرة الاستيعابية لدائرة تحتمل المزيد، لحمل معه إلى البرلمان ثلة من الانتهازيين الموزعين بين الرياضيين و الموسيقيين و الصحفيين .. ثم كون له فريقا برلمانيا من الرحال من صنف قبيلة الطوارق السياسية .وهو الآن يترأس أهم لجنة في البرلمان و هي لجنة الدفاع .ثم ولى وجهته إلى المعترك الحزبي الجمعوي بتأسيسه لحركة لكل الديمقراطيين . التي لن تكون إلا حزبا سياسيا من طينة أحزاب الولادة القيصرية ،أو الحزب الذي ولد "بشنبات "و هو الوصف الذي ينعت به حزب أويحي في الجزائر . كما يلاحظ التقارب الكبير بين فكر الرجلين وتوجهاتهما.فنجد في الخطاب السياسي لأويحيى الهجوم المتواصل على الأحزاب ذات التوجه الإسلامي إذ يعتبر أن الخطر الحقيقي الذي يواجه الجزائر حاليا هو عودة الإسلاميين إلى الساحة السياسية، وأن قانون الوئام المدني هو أقصى ما يمكن تقديمه لهم وبخاصة لنشطاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ . وفي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية يتخذ أويحيى مواقف صريحة تقوم على المطالبة بإعادة النظر في الأسس التي تقوم عليها المنظومة التربوية وتبني مناهج تعليمية أكثر انفتاحا، ويؤكد على التمسك بالقيم الليبرالية في العملية التنموية.الأمر نفسه نجده عند السيد فؤاد علي الهمة الذي لا يمكن أن نصفه بأنه يذوب حبا في الإسلاميين . و إن لم يعلن عداؤه الواضح الصريح لهم. فهذا لا يمنع من وجود بعض الإشارات هنا وهناك. و لعل الجميع يعلم أن حركة أو مشروع حزب الهمة الهدف منها ملء الفراغ السياسي المزمن، و مزاحمة البقية المتبقية من الأحزاب . و الأهم من ذلك قطع الطريق على حزب العدالة و التنمية .و إذا كان أويحي وجد لخدمة مؤسسة الرئاسة .و تقديم خدمات دستورية تحت الطلب .كما هو الشأن في الحالة الأخيرة . حيث لا يخفى على أحد الصفقة المبرمة بين الرئيس بوتفليقة المتوجه بخطى ثابتة نحو ولاية ثالثة .بعد أن يتكلف أويحي بتعبيد الطريق نحو قصر المرادية .و قد أعلن ذلك مباشرة بعد تسليمه رئاسة الحكومة . و في أول ظهور له رسمي في مؤتمر حزب التجمع الوطني الديمقراطي الثالث المنعقد مباشرة بعد حصول أويحي على الهبة الرئاسية الثمينة المتمثلة في رئاسة الحكومة . فإن الحالة نفسها تقريبا يعيشها الحقل السياسي المغربي المهترئ بعد تآكل الأحزاب السياسية .و إن كان دور الهمة هو ملء الفراغات السياسية القاتلة .و تأثيث المشهد الحزبي .كل ذلك من أجل خدمة دار المخزن.لأنه ليس من مصلحة الدار بقاء حالة الشلل العام الذي تتخبط فيه الأحزاب السياسية المغربية ،و لا شك أن انتكاسة 07 شتنبر2007 خير معبر على ذلك . . من المفارقات العجيبة أيضا ، أن كلتا الجارتين أي المغرب و الجزائر تمر بأزمة اقتصادية خانقة .فإذا كان ارتفاع أسعار المحروقات مشجبا يمكن أن تعلق عليه الحكومات المغربية تدهور القدرة المعيشية .فإن الوضعية في الجارة الجزائر تختلف كثيرا. فالدولة نفطية تسبح فوق خزانات من الذهب الأسود و الغاز الطبيعي . و قد حققت منذ أزيد من سنة حين لم يكن سعر النفط يتعدى 80 دولار ، أزيد من 70 مليار دولار حصلتها الخزينة الجزائرية كواردات نفطية .و مع ذلك بقيت أوضاع المواطن الجزائري تراوح مكانها رغم امتلاء خزينة الدولة بالدولار و الدينار و الأورو.؟و لذر الرماد في الأعين، سعت الدولة الجزائرية إلى التخفيف من عبء الدين الخارجي في خطوة أولى .ثم اقتناء الطائرات من " خوردة " روسيا، و عقد صفقات بمليارات الدولارات من أجل شراء أسلحة و معدات حربية .و كأن البلد تعيش حربا طاحنة ضروس ...... ثمة هناك مفارقة من المفارقات العجيبة و المشتركة أيضا .و هي أنه مباشرة بعد إقالة الرئيس السابق للحكومة عبد العزيز بلخادم من مهامه .طار هذا الأخير على وجه السرعة إلى الديار المقدسة لتأدية نسك العمرة .و تجديد التوبة على ما اقترفته حكومته في حق الشعب الجزائري المسكين . الشيء الذي يذكرني بما حدث لوزير الدولة الحالي الأستاذ محمد اليازغي الذي " بدل ساعة بساعة " عندما أرفق ضمن بعثة الحج الرسمية . مما يؤكد التقارب الكبير بين الحقلين السياسيين المغربي و الجزائري ؟! أويحي أهون الشرين حسب تقديرات الرباط بتنصيب أحمد أويحي رئيسا للحكومة الجزائريةالجديدة القديمة لن تتغير الخارطة السياسية الجزائرية كثيرا عما كانت عليه سلفا .سيما العلاقات المتوترة بين الرباط و الجزائر.و لكن هذا لا يمنع بعض الرتوشات الخفيفة نتيجة الاختلاف البين بين أحمد أويحي و رئيس الحكومة السابق عبد العزيز بلخادم .فأولا أويحي محسوب على التيار الليبرالي الفرونكفوني الاستئصالي.أو كما يوصف به في الجزائر . بينما بلخادم رجل قومي أقل عداوة للإسلاميين من الأول . ثم أن أويحي لا يعرف كلمة لا أو مصطلح معارضة .فهو كائن وزاري لا يمكنه أن يعيش خارج الوزارة والحكومة .و ربما لهذه الأسباب أقيل بلخادم الذي لم يخف تحفظه من التعديلات الدستورية، و بالتالي الولاية الثالثة للرئيس بوتفليقة .ومن جهة أخرى بلخادم هو أحد مريدي مدرسة الهواري بومدين ، أو مدرسة الأنفة الجزائرية .و بالتالي موقفه من المغرب أشد تشددا من أحمد أويحي . كما أن موقف بلخادم المرتاب من الاتحاد المتوسطي ، يقابله انفتاح و تحمس كبيرين من لدن أويحي.مع العلم أن الرئيس بوتفليقة هو في أشد الحاجة لرضى الإليزيه لتمديد ولايته إلى عهدة ثالثة ،و تلميع صورة الديمقراطية في الجزائر . و إن كان الرجلان يتقاسمان الحنكة السياسية و الدربة الدبلوماسية.باعتبار أنها تقلبا في وزارة الشؤون الخارجية مند وطئت أقدامهم العمل الحكومي .هذه الوزارة التي تعد أم الوزارات و القوة الضاربة في السياسة الجزائرية .الوزارة التي لا تكتفي بتخريج السفراء و الدبلوماسيين ،بل تمتد إلى تخريج الرؤساء كعبد العزيز بوتفليقة ورؤساء الحكومات كبلخادم و أويحي........ فإذا كان صاحب المهمات القذرة في الجزائر قد ضمن العودة إلى رئاسة الحكومة . وبدأ مشروع تعبيد الطريق أمام صاحب المنة و ولي النعمة و الأفضال المتهاطلة عليه ، الرئيس بوتفليقة إلى ولاية ثالثة .و إن رغم أنف الدستور و واضعيه و المصوتين عليه .فهل سيوفق تيار التراكتور في المغرب للوصول إلى منصب الوزير الأول، و إحداث "صحوة ديمقراطية " على حد تعبير الحزب ، بعد هذه السبات الديمقراطي .هذا ما ستجيبنا عنه الحلقات القادمة من مسلسل القول الفصيح في مستقبل المسلسل الديمقراطي المغاربي الكسيح . . [email protected]