إخفاء الغابة لا يعني عدم وجودها: انتهيت في الحلقة الأولى من هذا الموضوع. إلى اعتبار القول بكون الجزائر الرسمية؛ وأنا أعتبرها مغربية القد والهوى والدلال المتعجرف- في انتظار، كما أسلفت، ظهور الجزائر الجزائرية التي ناضل من أجلها القادة التاريخيون لجبهة التحرير، والذين تمت تصفيتهم غِبَّ الاستقلال، وصولا إلى آخرهم، المرحوم بوضياف- هي (الجزائر) التي تقف وراء "البوليساريو"؛ تأسيسا ولوجيستيكيا، وجيوسياسيا. انتهيت إلى اعتبار هذا الكلام المسلَّم به، تصريحا وتلميحا، على جميع المستويات الوطنية والإقليمية والقارية والدولية، مجرد تبسيط للمسألة؛ ولعله تبسيط مُفَكر فيه جيدا- حتى من الجهات الدولية الفاعلة في المنطقة - يحفظ شعرة معاوية بين الدولتين الكبيرتين في شمال إفريقيا. هذا التاج الإفريقي الذي يشكل الحدود الإستراتيجية الجنوبية للاتحاد الأوروبي، المهدد أكثر من أي وقت مضى بمواسم الهجرة الإفريقية نحو الشمال؛ والذي يحتل حيزا مهما ضمن دول حوض البحر الأبيض المتوسط، الباحثة عن الوئام والسلام. إن كان هذا التبسيط يخدم مصالح الجوار الأوروبي، وضمنها طبعا مصالح الدولة الفرنسية، الحاضرة دوما في المنطقة المغاربية؛ فهو يضر بالمملكة المغربية؛ إذ يجعلها، وهي بكل حضورها التاريخي الوازن، في مواجهة شرذمة من الآفاقيين، من كل حدب وصوب؛ نُصبت لهم خيام بمسمى دولة، تستجدي الطاعم والكاسي. لعل ما يُلقيه في القمامة مواطنونا، سكان جنوبنا الصحراوي المسترجع، والذي يرفل في النماء والتحضر، منذ 1975، وهذا ليس تبجحا بل واقعا؛ يكفي لإطعام هؤلاء الآفاقيين؛ فأين تذهب كل المساعدات الدولية؟..لا سِبابَ في هذا النعت، فامتناع الجزائر عن إحصائهم، وتمتيعهم بحقوق اللاجئين السياسيين، والإصرار على إسكانهم في الخيام، وما في حكمها- رغم المساعدات الدولية – دليل قاطع على كونهم، أو أغلبهم، من مهاجري الدول الإفريقية جنوب الصحراء. (لو صُرفت المساعدات في أوجهها، منذ افتتاح خشبة المسرح، لبنت لكل عائلة عمارة) إن دهاء هذا المخرج الدولي – أو المسرحية- لم ينطل على المملكة، لأنها تعرف مع من تدور المواجهة؛ وتعرف أن حرص المجتمع الدولي على تفادي حرب مدمرة في شمال إفريقيا حرص غير قائم على أسس متينة، وهو إلى زوال؛ فمهما أخفت الشجرة الغابة، فهذا لا يعني أن الغابة، بكل ضباعها وذئابها، غير موجودة. حبذا لو كان لهذا الحرص ما يوازيه من جهود في المحافل الدولية؛ وخصوصا هيئة الأممالمتحدة، حتى تطمئن المملكة إلى جريان ملف صحرائها إلى مستقر له، يُثَبت دوليا حقوقها التاريخية والجغرافية كاملة. طائرة بوفاريك: وسقطت ورقة التوت لا توجد غير "الجزاريو الجنرالاتية"، ولا وجود لشعب صحراوي؛ وقد سقطت ورقة التوت مع سقوط الطائرة العسكرية في "بوفاريك". انكشفت العورة كاملة؛ ولا تشفي، ورحم الله كل من مات؛ رغم اليقين أنهم كانوا في مهمة تحضيرية، قتالية، ضدنا؛ تحت علم "الجزاريو". إن حمولة الطائرة – 230 عسكريا جزائريا + 27 من الآفاقيين- عينة قوية، وشاهد إثبات على أن في تيندوف لا توجد غير دولة الجنرالات السرية، التي تلتهم ثروات الشعب الجزائري، وتُقلع في جميع الاتجاهات الدولية، لتتحدث عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها. لو عم هذا النهج الغريب لكان على كل دولة، ذات أطماع ما، أن تتخذ لها دولة في الخفاء؛ تتحرك خارج القوانين الدولية؛ ولربما تَطَورَ الوضعُ لتصبح لدول الخفاء، بدورها، هيئة أممية خفية ترعى مصالحها. ولعل بعضا من هذا واقع فعلا في جهات عدة. شيء ما في هذا الكاريكاتير الدولي يشبه الجنات الضريبية؛ حيث لا سلطة لغير المال الأَبِق. ومن المفارقات أن تأتي فضيحة "الجزاريو" من رئاسة جبهة التحرير – جمال ولد عباس- إذ داس على السر العسكري ليعلن تفاصيل الحادثة في تجمع سياسي عام؛ وكأن أرواح القادة الكبار والتاريخيين للجبهة تقمصته لتفضح هذا الذي يقع: سرقة ثورة ودولة، ضدا على رغبات الشعب الجزائري، وحتى الشعوب المغاربية، وتأسيس دولة الخفاء، أو الباطن؛ هروبا من حرب مباشرة مع المغرب، لإكمال سرقة حدوده وخرائطه المجاورة. لا يا سادة العالم، إن لم تبادروا إلى إيقاف هذه المسرحية السخيفة؛ بكلفة قانونية دولية – فقط- فستضطرون، مستقبلا، إلى صرف ميزانيات عسكرية ضخمة، إضافة إلى الدماء، لوقفها؛ لأن الرهان على "الجزاريو" من طرف جنرالات الجزائر يتضمن الرهان على كل قشور البصل الإرهابية، المتواجدة في الشمال المالي، وباقي دول جنوب الصحراء. نعم هي قشور بصل من حيث تركيبتها؛ فما إن تتوهم أنك أزلت إحداها حتى تظهر الأخرى، وصولا إلى القلب البصلي؛ حيث الكُتلة المغذية، والتي لا تقشر؛ وهي كتلة المخابرات العسكرية الجزائرية. ودولة مالي، وأخيرا فرنسا، أدرى بهذا الأمر؛ وقد التحقت بهما في فهم الباطن المخابراتي الجزائري مجموعة الخمس – موريتانيا، مالي، بوركينافاسو، تشاد، النيجر - وهي الدول التي صممت على تشكيل قوة عسكرية تجتث دابر الإرهاب في منطقة الساحل كلها؛ لولا أن الجزائر امتنعت، متحججة بدستورها الذي يمنع عليها العسكرة خارج حدودها. وهل من حدود في المنطقة أكثر عرضة لاختراق الإرهابيين من الحدود الجزائرية مع جوارها الساحلي؟. يتولد عن هذا السؤال آخر: وهل توجد جماعة إرهابية حمقاء تقطع اليد التي تمدها بالمال والسلاح والدواء والغذاء؟. هذه قناعة الجزائر – قلب البصل- لأنها، إضافة إلى تلغيمها "الجهادي" لحركة الأزواد، وكل مساعي الطوارق، في جنوبها وفي الشمال المالي، لتأسيس دولتهم المستقلة؛ موظفة إحدى قشور البصل – أنصار الدين- والقشرة الأخرى المسماة المرابطين، التي لا توقع إلا بالدم، إضافة إلى طبقات أخرى تحت مسمى تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي. إضافة إلى كل هذا تضع نصب أعينها العمق الإستراتيجي للجزاريو، التي لا تشتغل إلا في الساحة المغربية لتقويض المملكة في الجنوب والشمال، بنخر كل هياكلها الفولاذية الضاربة في عمق التاريخ. فإذا كانت النواة تشكلت من الآفاقيين، كما حددتُ وصفهم ومصدرهم، فإن استمرارية المشروع الاستعماري الجزائري، في الجنوب المغربي- هكذا يجب أن يسمى - يحتاج إلى كل قشور البصل التي ذكرت ولم أذكر؛ وإلى استحداث أخرى، لتتواصل الحروب الباطنية، دون أن تعسكر بجيشها الوطني الشعبي – خارج حدودها- كما يفرض عليها دستورها؛ ودون أن تغامر بتحريك جيش لا قضية له؛ وبالتالي لا شحنة روحية له، تمكنه من الصمود. ما حكاية دولة الحشاشين؟ حتى يرتفع كل لبس بخصوص نعت الحشاشين، وحتى لا أُتَّهم بإساءة الأدب مع دولة جارة شقيقة؛ مهما جارت اليوم فسيؤول أمرها إلى عقلائها، وسينطلق هذا القطار المغاربي الذي شُوِّقنا فيه؛ فإن نعتي يسري على دولة الظل والباطن، التي لا يوجد فيها الشعب الجزائري الذي نحب، الشعب الطافح وطنية، وغيرة على كل قضايا الوطن والأمة. إن الدولة (الجزاريو) التي لا تحتكم إلى دستور، ولا يراقبها شعب، ولا تحفظ الثروة الوطنية لتحقيق النماء لأبنائها الشرعيين – وليس للقطاء - يمكن أن تنعت بكل النعوت، ولا خجل. إن الدولة التي يعد أمراء الدم، وأتباعهم، كل رعاياها؛ وهم كل رهانها لتفكك لحمة دولة جارة، تشترك معها في الدين، التاريخ، الكفاح، والمصير المشترك، لا تشبه في التاريخ الإسلامي كله إلا دولة الحشاشين، التي أسسها حسن الصباح، واتخذت من قلعة "ألَمُوت" المنيعة، ببلاد فارس، مقرا لحكمها الذي دام من 449ه إلى 649ه؛ وكانت نهايتها على يد المغول، بعد أن دوخت ملوك بني العباس. كان الصباح هذا عميلا دمويا، ودعويا، للحركة الشيعية الإسماعيلية، التي أقامت دولا في جسم الدولة العباسية، لتقويض كل أركانها؛ وبالمناسبة فقد اشتغلت بدورها حتى في شمال إفريقيا، ومكنت للفاطميين الذين خربوا – ضمن ما خربوا- ملك الأدارسة. ظلت قلعة "ألَمُوت" عاصمة لدولة تشتغل في الخفاء، ولا توقع بدورها إلا بالدم؛ وكم قتلت من قادة ووزراء، بأساليب مروعة وصاعقة؛ وكادت تتمكن حتى من الناصر صلاح الدين الأيوبي. لم يكن لهذه الدولة بترول، كما هو الشأن بالنسبة للجزاريو، اليوم، بل وظفت الحشيش؛ ترغم أتباعها على إدمانه حتى تضمن ولاءهم؛ بل كان الأب لا يتردد في قتل ابنه إن طُلب منه ذلك. ما أشبه هذه الجزاريو بدولة الحشاشين. وفي الختام على المجتمع الدولي أن يدرك أن مواصلة التحجج- أو التصديق - بحياد الجزائر، في ملف الصحراء، هو ملهاة، لن تفضي إلا إلى مأساة، تصيب كل شعوب الشمال الإفريقي؛ وهي واصلة حتما إلى الجوار الأوروبي، بكيفية أو بأخرى؛ اعتبارا للهجرات الكاسحة التي يحبل بها المستقبل. إن المملكة المغربية، حسب قناعتي المتواضعة، لا تثق في هذه المسرحية الدولية؛ ومن هنا تسلحها الثقيل والذكي، وهو يتجاوز بكثير فزاعات البوليساريو المزعومة. إنني أربأ ببلدي أن يواجه الذبابة بالدبابة؛ ولكن حينما أرى ما وراء الأكمة والشجرة، تظهر الغابة كاملة. وإذا أضفنا إلى كل هذا معركة النماء التي كسبها المغرب في الصحراء، ولو على حساب حاجات كثيرة أجلها. وإذا أضفنا أيضا ما يفعله فرسان الضابط الخيام بالإرهاب الوطني والدولي؛ تنزيلا لنموذج مغربي فصلتُ فيه القول في موضوع "معارك إمارة المؤمنين ابتدأت"، فإني أكاد أصرخ في وجه المنتظم الدولي، بكل محافله: أواه، ماذا تريدون منا؟ لعلكم تعرفون ماذا تريدون؛ لكنكم لا تعرفون ما يعتمل في صدورنا من قوة الوطنية..ومن الإحساس بالظلم الأممي؛ أما أعداؤنا - أعداء الظاهر والباطن - فنحن كفيلون بهم. وعلى الشعب الجزائري الشقيق أن يشعر بنا، تماما كما شعرنا به، وهو يكافح من أجل أرضه وحريته؛ قبل أن تحلق الغربان في السماء، وقبل أن تتحول الثورة إلى مجرد ثروة مختلسة. https://web.facebook.com/groups/orientculture