تأرجحت العلاقات السياسية المغربية الجزائرية بين الدعم المغربي للثورة الجزائرية الناهضة من أجل حصول الجزائر على استقلالها (1) وبين استنكار الجارة لحقوق المغرب المشروعة في الصحراء (2)، وهكذا بقي طابع التوتر الحذر يسم العلاقات الثنائية كحالة لا حرب ولا سلم (3). 1. الدعم المغربي لاستقلال الجزائر إذا كان المغرب قد حصل على استقلاله منذ سنة 1956، فإن الجزائر كانت لا تزال حتى ذلك الحين تخوض حربها التحريرية ضد الاحتلال الفرنسي. ولاعتبارات الجوار والسلم والأمن في المنطقة، لم يكن باستطاعة المغرب تجاهل الحرب الدائرة رحاها على حدوده الشرقية، ولا التنكر لمبادئ التضامن والتنسيق المغاربي، حيث صرح محمد الخامس في هذا الإطار بأن "تحرير الجزائر هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لنا، إنها الضمانة لاستقلالنا وللوحدة المغاربية...". إن انشغال المغرب بالأوضاع الجزائرية دفعه إلى جعلها قضية من قضاياه التي قد تدارستها أحزابه الوطنية. ولكن ما إن استقلت الشقيقة الجزائر حتى اتضح تباعد وجهات نظرها مع المغرب من حيث التوجهات السياسية والاقتصادية، وهو الخلاف الذي انفجر على الحدود المغربية الجزائرية حين طالب المغرب بحقوقه الترابية في الصحراء. 2. الاستنكار الجزائري لحقوق المغرب في الصحراء لم تمض إلا سنة واحدة على برقية التهنئة التي بع ث بها الحسن الثاني إلى أعضاء المكتب السياسي بالجزائر بمناسبة انتخاب المجلس التأسيسي سنة 1962، حتى ردت الجزائر عن التهنئة الملكية عبر فوهات المدافع على الحدود المغربية الجزائرية لمجرد مطالبة المغرب بحقوقه المشروعة في الصحراء. وعلى إثر هذه الأحداث، ألقى الملك خطابا من مراكش سنة 1963 صرح فيه بأن "الوطن عرف أحداثا مؤلمة جرت على حدوده وفوق ترابه، أحداثا لم تصدر عنا ولا كانت لنا فيها رغبة، أحداثا أظهرت مرة أخرى... ذلك الاندفاع الحماسي الرائع لفداء الوطن من كل اعتداء..."، ليستطرد الملك، رغم ذلك، قائلا: "إن المغرب الذي التزم في سياسته الخارجية حل جميع مشاكله عن طريق المفاوضة لحريص على أن يدخل مع الجزائر في حوار مباشر لتصفية مشكلة الحدود التي خلفها الاستعمار على حساب المغرب ووحدة ترابه الوطني". ولكن ما إن دخل المغرب في مفاوضات مع الجزائر إثر أحداث "حاسي بيضاء" و"حاسي تينجوب" السابقة، حتى فوجئ في اليوم الموالي للمفاوضات بهجوم جزائري على "مركز الريش" بإقليم وجدة. وإثر هذا الحدث، وجه الحسن الثاني برقية شديدة اللهجة إلى الرئيس الجزائري قائلا فيها: "إننا نبعث باحتجاجنا الصارخ على هذه التصرفات، ونلفت نظركم إلى العواقب الوخيمة التي سوف تترتب على هذه التصرفات لا محالة، والتي ينبغي أن تحسبوا لها حسابها". وأمام استنكاف حكام الجزائر للإصغاء لخطابات المغرب وحججه الدامغة وإحالته على الاتفاقية المغربية الجزائرية بشأن الحدود بتاريخ 06 يوليوز 1961، وأمام المطالب المشروعة للمغرب في الصحراء، وجد الحسن الثاني نفسه مدفوعا للدخول في حالة من التوتر لا مندوحة عنها مع الجزائر، ولكنه توتر لا هو بحالة حرب ولا بحالة سلم. 3. التوتر المغربي الجزائري: حالة اللاحرب واللاسلم بالرغم من "اتفاق باماكو" المنعقد بمالي لتسوية الخلاف المغربي الجزائري بتاريخ 30 أكتوبر 1963، القاضي بالإيقاف الفعلي للمعارك على الحدود بين البلدين والتخلي عن الوسائل الدعائية من حملات إذاعية وصحافية، فإن التوتر بقي سيد الميدان بين البلدين. ففي سنة 1967 بعث الحسن الثاني ببرقية إلى الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة أعرب فيها عن قلق المغرب من سباق التسلح بشمال إفريقيا بين الجزائر والمغرب، معتبرا أن "هذه الوضعية تنطوي على حقائق لا يمكن إخفاء خطورتها وهي لهذا تقلق بال بلادنا إلى حد بعيد؛ ونظرا لأهمية هذا المشكل، ارتأينا أن نعرضه على سعادتكم... إننا نشاهد أسلحة تتدفق على الجزائر... الأمر الذي يجعلنا نشعر بالقلق على أمن هذه المنطقة وسلامتها... ولأجل هذه الاعتبارات... نود أن يكون مبدأ نزع السلاح معمولا به في المنطقة...". وعلى إثر هذه المبادرة الملكية ستشن الجزائر على المغرب "حربا كلامية" سيرد عليها الحسن الثاني قائلا: "إذا كانت بعض العواصم تنشغل بنا ونحن لا ننشغل بها، وتتدخل في مشاكلنا ونحن لا نتدخل في مشاكلها، وإذا كانت أهداف بعض الدول هي التخريب... فالمغرب سائر في طريقه، طريق الجهاد الحقيقي، لا نجند الناس ولا نشغلهم بالأمور الفارغة، بل إننا نجعل المواطنين أمام المشاكل الحقيقية، ونقول لهم هلموا واعملوا حتى يمكن أن يأتي عملكم بالنتيجة المتوخاة". لكن هذه "الحرب الكلامية" تحولت إلى حرب دامية إثر توتر أعصاب الجارة الجزائر، وبالخصوص أن الحسن الثاني واستنادا إلى الشرعية الدولية والتاريخية حسم قضية الصحراء بالمسيرة الخضراء سنة 1975، وهو ما أثار غضب المسؤولين الجزائريين، حيث قاموا بعمليات عسكرية سنة 1976 قادها الجيش الوطني الشعبي الجزائري في "مغالة" تسببت في عشرات الضحايا، وهو ما أثار حفيظة الملك؛ حيث وجه رسالة عنف فيها الرئيس الجزائري "الكولونيل الهواري بومدين" عن تنكره لالتزاماته التي تربطه بالمغرب بعدم التدخل في الصحراء المغربية؛ إذ قال الملك: "لا يسرني أن أوجه إليكم هذا الخطاب؛ ذلك لأنه لا يرضيني أن أكون كاتب نصه، ولأنه لا محالة لن يبعث في نفسكم الرضا والارتياح. لقد سبق لفخامتكم أن أنبأتموني رسميا ثلاث مرات، خلال صيف 1975 بقولكم الذي أعيده عليكم بالحرف الواحد: "قولوا لملك المغرب، ثم قولوا له بالتأكيد، إنه مهما كانت خلافاتنا حول مشكل الصحراء، وكيفما كانت نهاية النزاع بينه وبين إسبانيا، فإنني أتعهد له بأن لا يرى أبدا جنديا جزائريا أو عتادا عسكريا جزائريا فوق تراب الصحراء لمحاربة الشقيق المغربي"... إلا أنه حدث ما يدعو حقا إلى الدهشة والاستغراب. والواقع أن كلام الرئيس الجزائري يجب أن يؤخذ بمنطق المخالفة الذي يقضي بأن التعهد بأن لا يبقى فوق تراب الصحراء المغربية أبدا جندي جزائري أو عتاد عسكري جزائري هو كلام صحيح من هذه الوجهة، لأن الجزائر ستتبنى "جمهورية وهمية" في الصحراء تقود "حربا بالوكالة" نيابة عنها لا يظهر فيها الجندي النظامي الجزائري ولا السلاح الجزائري، ولكن حربا يقودها "المرتزق" بسلاح دولي مهرب أو مدعم من حركات تحرر وطنية أو عبر – وطنية ليست على اضطلاع بحقائق القضية. وهو ما أعلن عنه الحسن الثاني في رسالة إلى القوات المسلحة الملكية حول إنشاء الجزائر لحكومة وهمية في الصحراء تدعى: "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" بتاريخ 27 فبراير 1976؛ أي في السنة نفسها التي تم فيها شجب تصرفات الجيش الجزائري بالصحراء. وأمام إعلان "الجمهورية الصحراوية"، فإن الملك عبر على أن "المغرب سيبقى في الصحراء كلف ما كلف بقاؤه من ثمن وتضحيات"، وأن الصحراء تحت السيادة المغربية وهذا لا نقاش فيه، بل رفع المسألة إلى مستوى "قضية وطنية" وجعلها ثابتا من الثوابت. *أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق – جامعة الحسن الأول بسطات