تمكنت مصالح الدرك الوطني بولاية عين تموشنت الجزائرية مؤخرا من اعتقال جندي مغربي من أفراد القوات المسلحة الملكية فر نحو التراب الجزائري. وأفادت مصادر متطابقة، استنادا إلى قائد المجموعة الولائية للدرك، أن الجندي المغربي الهارب تم توقيفه رفقة 48 مهاجرا مغربيا غير شرعي، حيث تبين بعد التحقيق معه أنه فر من صفوف الجيش المغربي في الفترة الأخيرة، إذ من المفروض أنه لا يزال في صفوف الخدمة، ليتم إيداعه السجن رفقة المغاربة الآخرين بعد تقديمهم إلى العدالة بولاية عين تموشنت. وأصدرت المحكمة في حق الجندي المغربي ومرافقيه عقوبة حبسية تتراوح بين 15 يوما وشهرا نافذا قبل طردهم وتسليمهم إلى المغرب. وحسب ما يبدو فإن أولى حلقات مسلسل فرار الجنود المغاربة، المتمركزين بالصحراء أو على طول الجدار الأمني، من سلك الجندية إلى جبهة البوليزاريو أو الجزائر ستكون لها انعكاسات وخيمة على المؤسسة العسكرية المغربية وعلى وطريقة تعامل قادة القوات المسلحة الملكية مع الجنود المغاربة. ففي أواخر الشهر الماضي علمت إدارة الدفاع الوطني بعملية فرار الجندي المغربي أحمد باعلي ولد السالك، عبر الحزام الأمني، إذ عبر المنطقة العازلة ونقل بواسطة سيارة من تيفاريتي إلى مخيمات الحمادة، مقر قيادة جبهة البوليزاريو، وبحوزته رشاش من نوع كلاشنيكوف معبأ ب19 خرطوشة. وكان الجندي المغربي برتبة عريف، أحمد باعلي ولد السالك، يقيم مع والدته في مدينة السمارة، حيث التحق بالجيش قبل تسع سنوات. عمليات فرار الجنود المغاربة من سلك الجندية تربك جهاز المخابرات العسكرية المغربية (لادجيد)، التي يرأسها ياسين المنصوري، حيث أجرت اجتماعا طارئا لدراسة الملف، والبحث عن ملابسات الحادث، فيما أشارت مصادر أخرى ل»المساء» إلى أن عددا من الجنود المغاربة بالصحراء يحسون بغبن كبير جراء عدم استفادتهم من الترقيات العسكرية. الجزائر من جهتها تلقت عملية اعتقال الجندي المغربي والذي أوردت خبر اعتقاله يومية «الشروق» الجزائرية، بكثير من النشوة والغبطة، باعتباره الحادث الثاني من نوعه في ظرف شهر واحد، ما يطرح تساؤلات عديدة حول تدني معنويات الجنود المغاربة، حيث لم يتردد أحدهم في الهرب إلى جبهة البوليزاريو التي كان في السابق يرفع زناد رشاشه ضدها، فيما فضل الثاني اختيار الهرب كمهاجر غير شرعي عبر التسلل إلى الجزائر. وتستغل الجزائر جيدا عمليات فرار الجنديين المغربيين لصالحها، وبالتالي فإنه من المؤكد أن التوتر السائد في العلاقات المغربية الجزائرية سوف لن يعرف حلا في القريب العاجل، رغم برقيات التهنئة المتبادلة بين الملك محمد السادس والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. علينا «عمل كل ما من شأنه أن يزيد في قوة ومتانة وشائج الإخاء والقربى، التي تجمع شعبينا، وبذل كل جهد ممكن لتحقيق تطلعاتهما المشتركة» يقول بوتفليقة في برقية تهنئة موجهة إلى محمد السادس بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال. ويجدد للملك محمد السادس في برقية أخرى بمناسبة إحياء الذكرى السابعة عشر لقيام اتحاد المغرب العربي «حرص الجزائر الدائم وعزمها الوطيد على العمل معه من أجل الحفاظ على هذا المكسب الثمين بما يحقق تطلعات شعوبنا المغاربية إلى التكامل والاندماج»، مشددا فيها على حرصه على «الارتقاء بالعلاقات الجزائرية المغربية إلى آفاق أرحب تخدم المصالح المشتركة لشعبينا الشقيقين ترسيخا لما يجمعهما من تضامن وتآزر إخاء منذ أقدم العصور». لكن رغم ذلك، يبقى مضمون برقيات التهنئة والعبارات الدبلوماسية الأنيقة المتبادلة بين الطرفين مجرد شكليات بروتوكولية لم تسفر عن أية نتيجة تذكر، بل عكس ذلك استنفرت الجزائر في السنوات الأخيرة، بسبب طفرة سعر سوق النفط، كل اقتصادها في السباق نحو التسلح عن طريق التزود بالسلاح من روسيا وفرنسا وإسبانيا على حساب المغرب، كما رفضت في مناسبات عديدة اقتراحات ومطالب المغرب بفتح الحدود بين الدولتين الجارتين. حيث استبعد وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي يوم 8 ابريل الماضي إعادة فتح الحدود المغربية الجزائرية ما لم تتهيأ أوضاع أفضل لانفتاح عام في إطار «التطورات التي يرغب فيها الطرفان»، مؤكدا من جهته في تصريح للقناة الإذاعية الجزائرية الثالثة، أن قضية الصحراء ما تزال «عائقا حقيقيا لبناء وحدة المغرب العربي، ومستدركا بالإشارة إلى أنها مع ذلك «لا تلقي بظلالها» على العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر، التي شدد على «أنها هادئة وبناءة ينبغي تطويرها أفضل من السابق»، أما الملك محمد السادس فإن برقيات تهنئته الموجهة إلى بوتفليقة لا تخلو بدورا من عبارات دبلوماسية مختارة بعناية فائقة كما عليه الأمر في برقية التهنئة مناسبة تخليد ذكرى الثورة الجزائرية حيث استحضر الملك «بكل اعتزاز، ما ميز مرحلة الكفاح المشترك من أجل الحرية والاستقلال من تضامن وتعاون، بين الشعبين الشقيقين، من أجل الوحدة والوئام»، مجددا حرصه الأكيد على مواصلة العمل سويا مع الرئيس الجزائري «من أجل تحقيق المزيد من التقارب والتعاون والتكامل بين البلدين الشقيقين لما فيه خيرهما، وبما يسهم في تدعيم صرح الفضاء المغاربي على أسس قوية، وفقا لروح ومنطوق معاهدة مراكش التأسيسية»، قبل أن يدعو الملك محمد السادس مرة أخرى، خلال خطابه الأخير في ذكرى عيد العرش إلى تطبيع العلاقات مع الجزائر، معتبرا «استمرار إغلاق الحدود بين البلدين غير مبرر وعقوبة جماعية للشعبين»، ومشيرا في نفس الخطاب إلى أن ذلك هو «الهدف الأسمى للتجاوب مع طموحات الأجيال الصاعدة لتسخير طاقات الشعبين الشقيقين»، ولرفع التحديات الحقيقية للتنمية الكاملة بدل «هدرها في متاهات نزاع موروث من عهد متجاوز يعود إلى القرن الماضي» وهو المطلب الملكي الذي ما زالت ترفضه الجزائر لحدود اليوم.