الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    أخبار الساحة    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة        تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حنكة الملك الحسن الثاني في تدبير مسألة الحدود.. حرب الرمال 1963 أنموذجا

جاءت فكرة الحدود، أول ما جاءت على يد الأتراك رغم رفض السلاطين السعديين والعلويين الفكرة من أساسها، بيد أن الأتراك استطاعوا بالوسائل العسكرية والدبلوماسية أن يفرضوها في النهاية، وتعينت الحدود بوادي تافنا. ولما حلت فرنسا محل الأتراك، غيرت خط الحدود من وادي تافنا إلى وادي كيس (عجرود)، ولم تقف عند هذا الحد، بل نهجت سياسة للحدود انتهت فيها إلى احتلال المغرب.
بعد حصول المغرب على الاستقلال، ظلت رغبة جلالة الملك الحسن الثاني يومئذ قوية لتصفية ما تبقى من فلول الاستعمار، وكان التاريخ الذي وضع لإنهاء الوجود العسكري الفرنسي بالمغرب هو سنة 1963. بيد أن دبلوماسية العاهل المغربي مكنته من انتزاع اتفاق من قبل الرئيس الفرنسي دوكَول عام 1961 لإخلاء القواعد الفرنسية. ومع ذلك لم يكن الجلاء الأجنبي عن تراب المغرب كاملا خاصة بالمناطق التابعة للنفوذ الإسباني؛ إذ إن سيدي إيفني لم يعد إلى حظيرة الوطن إلا في 30 يونيو من سنة 1969 بعد توصية من الأمم المتحدة). كما أنه رغم العديد من التوصيات التي أصدرتها الهيئة الدولية منذ عام 1964، فإن الحكومة الإسبانية لم تنسحب من أراضي الساقية الحمراء ووادي الذهب الواقعتين جنوب طرفاية إلا بعد تنظيم المسيرة الخضراء.
فما هي حوادث الحدود الشرقية 20 أكتوبر 1963 ؟ وما هي تداعياتها إقليميا ودوليا ؟
معاهدة مغنية: دبلوماسية تغيير الحدود المغربية الشرقية
لم يكن المشروع الفرنسي عملا بسيطا كما يمكن أن نتصور، فلم يكن يهدف إلى الاحتلال فحسب، وإنما كان يهدف إلى أبعد من ذلك وهو: "عزل المغرب عن السودان الغربي من جهة الجنوب، وفصله عن المغرب الأوسط من جهة الشرق، وإتمام تطويقه من جهة الجنوب الشرقي باحتلال توات. وكانت المرحلة الثانية من المخطط الفرنسي بعد احتلال الجزائر عام 1830، تقضي بفصل المغرب الأقصى بالعنف في معركة إيسلي، لأن هذا العنف أرغمه على قبول اتفاقية الحدود، (الاتفاقية:الخطة) التي ارتكزت عليها سياسة الحدود.
فكانت سياسة الحدود تعمل في اتجاهين:
-اتجاه دبلوماسي يخدم سياسة التسرب ويمهد لسقوط المغرب الأطلسي (الشمالي).
-اتجاه عسكري يحقق التوسع الترابي والامتداد نحو توات (الحلقة الأخيرة في التطويق).
وعلى هذا الأساس، لم تكن حدود المغرب الشرقية مسطرة إلا على طول 150 كلم من مصب وادي كيس إلى "ثنية الساسي"، أما إلى الجنوب من ذلك، فقد بقيت الحدود غير واضحة المعالم منذ معاهدة مغنية سنة 1845.
لقد كانت واحات توات والمناطق الموجودة شرقها وجنوبها إلى تومبوكتو على نهر النيجر، ترابا مغربيا عبر التاريخ، ولم يكن هناك أي نزاع مع المغرب سواء من قبل الأتراك، أم من طرف الفرنسيين حتى العقد الأخير من القرن التاسع عشر.
كما أن اتفاقية الحدود لسنة 1845، لم تشر مطلقا إلى منطقة توات وقصورها بحكم مغربيتها التي كانت مسَلّمة عبر القرون من جهة، وبحكم أن النفوذ الفرنسي لم يكن قد اقترب منها بعد حتى يمكن إثارة قضيتها مع المغاربة. فقد كانت الحدود المغربية في الصحراء الشرقية والجنوبية الشرقية تتصل بتونس، إذ لم يكن للأتراك نفوذ على الصحراء، بل كان نفوذهم مقتصرا على منطقة التل (المنطقة الرطبة) وعلى المدن بالخصوص، حتى أنهم لم يكونوا يسيطرون سوى على سدس مساحة الجزائر الحالية.
إن اتفاقية الحدود، اعتبرت بحق بداية للأطماع الفرنسية بالتراب المغربي من الجهة الشرقية، وهو ما تفطن له السلطان المولى عبد الرحمان لما اطلع عليها اشتد غضبه، وسخط على نائبه حميدة بن علي الشجع ومرافقه أحمد الخضر السلوي في المفاوضات للتفريط الذي وقع منهما، وقد وجه رسالة في الموضوع بتاريخ 1261ه يقول فيها: "وبعد، فإن حميدة بن علي... طبع له على الرسم الذي أتى به... ونحن لم نرض ذلك، ولا نوافق على تسليم بلاد قبائل إيالتنا...فأعلم قونصو الفرنصيص بذلك لئلا يعتقد تسليمنا لما فعلوا خداعا ومكر".
لم يوقع السلطان عبد الرحمان على اتفاقية الحدود إلا بعد إدخال تغييرات عليها، وخاصة الشرط السادس من النسخة السباعية للاتفاقية المذكورة، وألح على أن التحديد يجب أن يقتصر على المنطقة الشمالية التي ورثها الفرنسيون عن الأتراك باعتبار الصحراء كانت ترابا مغربيا ليست فيه مناقشة.
ومن المعلوم أن هذا الشرط، الذي جعل المناطق بين قصور الطرفين مجالا مختلطا، كان في صالح فرنسا باعتبارها الدولة الأقوى في الصراع؛ فقد استطاعت بالتدريج السيطرة على أغلب الأراضي المشتركة بينها وبين المغرب بالاغتصاب والقوة تارة، وبالتحايل وتأويل بنود معاهدة مغنية بما يخدم مصالحها تارة أخرى. وقد امتد هذا الاغتصاب ليشمل المجال الممتد بين فكيك وتوات، بحجة أنها أرض خالية، والحاصل أن الطريق بينهما كلها مياه وقصور ونخيل.
الحدود الشرقية المغربية ما بعد الاستقلال
يتضح لدارس أحداث التاريخ أن خطين تجاذبا علاقات المغرب بجيرانه: الأول عمودي يوحي للمغاربة بالنظر للشمال أو الجنوب، والثاني أفقي يلفتهم إلى أصولهم الإفريقية؛ الأول اقتصادي تجاري جهادي، والثاني عرقي ثقافي روحي.
نشأت مشكلة الحدود الجنوبية بين المغرب والجزائر عام 1950 عندما ضمت سلطات الاستعمار الفرنسي منطقتي تندوف وبشار إلى الأراضي الجزائرية، ولما طالب المغرب باسترجاع المنطقتين بعد استقلاله عام 1956، لم تلتفت باريس إلى المطالب المغربية، وبادرت عام 1957 بإقرار منظومة إدارية جديدة للصحراء، واقترحت على المغرب بدء مفاوضات لحل الإشكال الحدودي، بموفد من قبل الجنرال دوكَول (بارودي) الذي صرح قائلا: "نحن على وشك تسوية سلمية مع الجزائر، ونعتقد أنه من المناسب أن يتباحث المغرب وفرنسا من الآن في مشكل حدودهما. فكان جواب محمد الخامس: "إنه غير وارد أن أتفاوض في هذه الظروف. فذلك سيكون مني طعنا من الخلف للجزائر المكافحة، إننا سنسوي قضايانا فيما بعد."
كانت فرنسا تريد من وراء مقترحها وقف دعم المغرب المستمر للثورة الجزائرية، حيث كان يستضيف قادة الثورة وخاصة بمدينة وجدة شرق البلاد، كما كانت الرباط توفر إمدادات السلاح للثوار، وهو ما كان يقض مضجع الاحتلال الفرنسي.
المغرب يرفض حل الحدود مع فرنسا
لقد رفض المغرب القبول بأن تعاد له حدوده الشرقية من قبل فرنسا، وقد تجسدت حنكة الحسن الثاني التي أدار بها مفاوضاته مع فرنسا في محاولة لقطع الطريق عليها للمطالبة بأي حقوق للمتاخمة القاضي بالاستغلال المشترك. ومن جانب آخر، كانت رؤيته لتدبير الشأن السياسي مع الجزائر في إطار علاقات قائمة على حسن الجوار، والمصير المشترك للوحدة العربية، في إشارة إلى تمتين الروابط المشتركة التي قادتهما لمواجهة الاستعمار.
لم يكن للاستقلال أن يحسم في كل المشاكل، فقد كان الاستقلال ناقصا، ما دامت قضية الحدود لم يتم التطرق إليها. وكان حريا بالمغرب، أن يطرح مسألة حدوده في مفاوضات إيكس ليبان. وهذا لم يقم به المسؤولون الذين كانوا ينتظرون استقلال الجزائر...حيث لم تكن الجزائر البتة هي المعنية لأن فرنسا لوحدها هي التي حددت خط الحدود. من جهة أخرى لم يكن أحد يعلم متى ستحصل الجزائر على الاستقلال. فالأراضي المعنية كانت خاضعة للنفوذ الفرنسي، وإذا كان للمغرب مطالب بخصوص جزء من هذه الأراضي، فكان عليه أن يطرح هذه المطالب مع فرنسا. إذ كان من الخطأ المضاربة على المستقبل.
يعترف جلالة الملك الراحل الحسن الثاني برفض المغرب ذلك المقترح، مؤكدا: "إن قضايا تحديد الحدود الترابية بين المغرب والجزائر تعنيهما وحدهما، ولا يمكن تسويتها إلا بين الدولتين بعيدا عن كل ادعاء أو تدخل أجنبي".
ووقعت الرباط يوم 6 يوليوز 1961 اتفاقا مع فرحات عباس، رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، يعترف بوجود مشكل حدودي بين البلدين، وينص على ضرورة بدء المفاوضات لحله مباشرة عند استقلال الجزائر.
إن رفض المغرب لحل الحدود مع فرنسا لم يلق الاستجابة من قبل الجزائريين، هذا مع العلم أن التسوية "الأخوية" لسنة 1961 لن تنفذ، بل على العكس من كل ذلك، تعرض الذين لم يقبلوا المشاركة في الاستفتاء الذي أعدته الحكومة الجزائرية المؤقتة لاعتداءات شنيعة من قبل جيش التحرير الجزائري، كما سقط العديد من القتلى قدروا ب 120 بمدينة تندوف بعدما رفضوا المشاركة في الاستفتاء الذي أعدته الحكومة الجزائرية، وأعلنوا ولاءهم للمغرب.
المباحثات بين المغرب والجزائر.. نوايا الحسن الثاني الصادقة وأطماع بن بلة
اقتضت المباحثات التي فتحها المغرب مع الجزائر التريث بعد التطمينات التي حملها بن بلة للحسن الثاني القاضية بإمهاله بعض الوقت لإرساء المؤسسات الجديدة، وبعدها يتم تسوية ملف الحدود، مؤكدا: "إن الجزائر لن تكون وارثة فرنسا فيما يتعلق بالحدود ".
وقد كشفت المباحثات الثنائية بين المغرب والجزائر عن نوايا الحسن الثاني الصادقة في تدبير ملف الحدود مع الجزائر، وعدم الانصياع لمواقف الجزائر المتهورة، "من خلال تصديقه لأقوال بن بلة الباطلة"، وتأكد ذلك بالملموس بعدما تعرضت الحاميات المغربية بحاسي بيضا وحاسي تنجوب للإبادة، كما أن بعض المناطق الأخرى المغربية لم تسلم من الهجمات المتكررة من قبل الجيش الجزائري كمنطقة إيش وفكيك.
وأمام هذه الأحداث الخطيرة التي عبرت عن أطماع الجزائر بالمغرب، تقرر عقد اجتماع للجنة المغربية الجزائرية المتابعة لملف الحدود بوجدة في 15 أكتوبر 1963، وقد وضعت البعثة الجزائرية المغاربة المشاركين في الاجتماع أمام موقف مذهل، مفاده أن يعترف المغرب، ويقر "بالحدود المغربية الجزائرية الجديدة" على ضوء خرائط أركان حرب القوات الفرنسية التي ألحقت الأراضي المغربية المحتلة بموجب قانون المتابعة بالأراضي الجزائرية (خط فارنيي وترينكي). وهكذا اضطر المغرب للتخلي عن أراضي مغربية كانت تأوي القوات الجزائرية التي لجأت إليها أيام حرب الاستقلال، بعدما كانت تتلقى الدعم في المؤونة والعون. وكان هذا تناقضا صارخا مع أقوال بن بلة المغرضة التي طمأن من خلالها المغرب، بأن لا تكون الجزائر وريثة فرنسا في الأراضي المغربي.
رفض حزب الاستقلال المغربي موقف النظام الجزائري والحملة الإعلامية الجزائرية على المغرب، وفي مارس من السنة ذاتها نشر الحزب خريطة "للمغرب الكبير" في الجريدة المغربية (يومية العلم). وكانت الخريطة تضم المناطق المغربية الشرقية التي احتلتها فرنسا حتى عين صالح، والصحراء المغربية التي كانت في ذلك الوقت ماتزال خاضعة لإسبانيا.
كان المسؤولون الجزائريون يجدون الحبل جاهزا لتعليق مشاكلهم على المغرب، فعندما كانوا يرزحون تحت وطأة الاستعمار، لم يكن أمامهم من مخرج سوى الاستنجاد بملك المغرب الراحل محمد الخامس، لكي يوفر لهم قاعدة تحمي ظهورهم في وجدة المغربية، وتوفر للجزائريين المهاجرين المساعدات الإنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة.
سبق للراحل الحسن الثاني أن طرح مسألة الحدود مع الجارة الجزائر، بل أن ذلك كان موضوع زيارة خاصة اجتمع فيها الحسن الثاني مع الرئيس ابن بلة في 13 مارس 1963. وكان الملك المغربي قد حمل إليه ملفا متكاملا، عن المناطق المغربية في الصحراء الشرقية، بما في ذلك الوثائق المحررة من لدن فرنسا والموقعة من قبل رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة فرحات عباس. حيث ذكّر العاهل المغربي نظيره الجزائري بن بلة بالاتفاق الموقع مع الحكومة الجزائرية المؤقتة بشأن وضع الحدود بين البلدين الذي خلقه الاستعمار الفرنسي، وحل المشكلة التي ورثموها عن فرنسا. لكن جواب الجزائر كان واضحا، حيث أعلن بن بلة أن طلب المغرب لا يعتمد على أساس قانوني، وأن فرنسا التي احتلت الجزائر لمدة مائة وثلاثين سنة أعادت للجزائريين أراضيهم وفق حدود طبيعية. كان جوابا يثير حقا الاستغراب لأن هذه الحدود رسمتها فرنسا التي أعادت للجزائريين بلدا صنعته هي، وسطرت مع المغرب حدوده الشرقية في مغنية.
جاء رد العاهل المغربي على هذا التصريح أكثر رصانة وحكمة: "أنا أتأسف لكون بن بلة فضل التطرق لمسألة الحدود من زاوية وطنية، عوض تناولها في أفق تاريخي أكثر واقعية"
ورغم أن بعض الوزراء المغاربة الذين كانوا حاضرين في اللقاء بين بن بلة والحسن الثاني كانوا مرتابين من الرئيس الجزائري إلا أن ملك المغرب كان حريصا على الثقة في الطرف الآخر، ويكفي الرجوع في هذا الصدد إلى ما كان قد صرح به عبد الهادي بوطالب لبعض الصحف الوطنية حين قال: "كنت ضمن الوزراء الذين أطلعهم الملك الحسن الثاني إثر اجتماعه بالرئيس الجزائري على ما راج بينهما في موضوع الحدود فأبدى بعضنا تشككا، وارتيابا في حسن نية الرئيس الجزائري إلى الأسلوب الملتوي... إذ لا يعقل أن يكافأ المغرب على سنده الموصول للجزائر بالعمل على إدامة مشكل الحدود".
كانت سياسة الرئيس بن بلة خاضعة للإيديولوجية ومتكيفة بمقتضياتها. فمن الخلاف على الحدود قفز الرئيس إلى خلاف النُّظُم، ومن خلاف النظم سلك سبيله إلى خلاف التحالفات، فعقَّد المشكلة الجزائرية المغربية وقذف بها في طريق مسدود، معتقدا أن هذا التعقيد هو الحل الطبيعي. لكن الرئيس الجزائري لم يصمد أمام ما أثير بينه وبين رفاقه في جبهة التحرير من خلاف داخلي عصف به بعد انقلاب قاده العقيد هواري بومدين الذي نحّاه عن الرئاسة.
حرب الرمال 1963 وآثارها على العلاقات المغربية الجزائرية
وصل الجانبان إلى طريق مسدود، وأغلقت أبواب التفاوض والعمل الدبلوماسي، واندلعت الحرب الشهيرة المعروفة بحرب الرمال التي تكبد فيها الجيش الجزائري هزائم وخسائر كبيرة نظرا لفتوته وقلة تجربته وضعف إمكاناته في أكتوبر 1963. واستمرت لأيام معدودة قبل أن تتوقف المعارك في 5 نوفمبر 1963، حيث نجحت جهود جامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الأفريقية في توقيع اتفاق نهائي لإطلاق النار. لكن العلاقات بين المغرب والجزائر بقيت تعاني من آثار ومخلفات هذه الحرب.
يعتبر حدث مهاجمة مركز حاسي بيضا في 8 أكتوبر 1963، وتدميره من قبل القوات الجزائرية منطلقا أساسيا لأكبر مواجهة عسكرية بين المغرب والجزائر، وهي المواجهة التي سميت فيما بعد بحرب الرمال، وأدت إلى سقوط 10 قتلى في صفوف المغاربة بعد حرق الثكنة العسكرية المغربية من قبل الجيش الجزائري، لكن الجيش المغربي استطاع من خلالها صد الهجوم المباغت، وسحق الجزائريين، جعلتهم يرددون: "المغاربة حكرونا" .
وجد الملك الحسن الثاني نفسَه مضطرا لسلوك الطريق الذي لم يجد له منفذا سواه، بعد أن استنفد وسائل الحوار الهادئ، فنشِبت حرب الرمال، استرجع فيها المغرب بالقوة بعض ما أخذته الجزائر بالقوة والعدوان، وتوغل الجيش المغربي يقوده الضابط العسكري الكبير العقيد إدريس بن عمر حتى أصبح على بعد 26 كيلومترا فقط من مدينة تيندوف المغربية. وقَبِل الجيش المغربي على مضض أن يتوقف القتال طبقا لأمر جلالة الملك، وذلك حسب صريح لقائد الجبهة العقيد إدريس بن عمر :"مولاي لا يُقبل في المنطق الحربي والتقاليد العسكرية أن يعود جيش منتصر إلى منطلقاته الأولى كجيش منهزم"، مطالبا ببقاء وحدات الجيش المغربي بالمناطق التي وصلتها إلى حين تسوية مشكلة الحدود.
لكن الملك الحسن الثاني أمره أن يمتثل لتعليمات القائد الأعلى للجيش فتراجع الضابط العسكري، ورجع جيش المغرب إلى قواعده الأولى. وكان موقف الملك الحسن الثاني يعبر عن رغبته الصادقة في أن يعاد مدُّ الجسور بينه وبين الجزائر، وأن لا يَقطع الطريق على إقامة المغرب العربي، الخيارِ الاستراتيجي الدائمِ للمغرب.
الملك الحسن الثاني.. سياسة حكيمة خبرة كبيرة بطبائع الأفراد والجماعات
يقدم عبد الوهاب بن منصور فصولا من السياسة التي انتهجها صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني الموسومة بالحكمة وبعد النظر وتدبر الوقائع ومراعاة الواقع، وتجنب الطفرة والشطط والارتجال وتجاهل الحقائق، وعدم خضوعها لسلطان العواطف الجياشة، أو وقوعها تحت تأثير المشاعر المهتاجة.
وجلالة الملك ينِمّ في هذه السياسة الرشيدة عن ثقافة واسعة، وخبرة كبيرة بطبائع الأفراد والجماعات، وتقديرات دقيقة للعواقب، وإدراك قوي من المقدمات للنتائج، وموازنة بين ما يترتب عن موقف وآخر من ربح وخسارة، فهو لذلك يختار من الأمور أوسطها، ويسلك من السبل أقومها... وقد أتت هذه السياسة الحكيمة أكلها وأدت إلى أحسن النتائج فيما يخص علاقات الشعبين المغربي والجزائري اللذين تجمعهما وحدة العقيدة واللغة والموقع الجغرافي واشتراك الحضارة والثقافة).
"كان الحسن الثاني يُؤَوِّل أعمال وأقوال الخصوم التأويل الحسن، معتبرا أن ما يفعله الخصم مفروضا عليه أيضا بالإرث والموقع، فلا تخطي للأزمة إلا بالتواصل والحوار...وحسن النية، والفهم المشترك للمصلحة العامة، وهذا ما يعنيه الملك بترديده الآية الكريمة: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَّ أَحْسَنْ فَإِذَا اَلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
كان العاهل المغربي ينتصر دوما للحل الدبلوماسي، تجلى ذلك من خلال توجيهه للعديد من الوفود لدراسة المسألة مع الجزائريين لإيجاد حل سياسي سلمي. لكن الوضع المتأزم داخليا للجزائر، كان يلهب تطورات الأحداث على المستوى الخارجي، فقد أراد حكام الجزائر إشغال الرأي العام الجزائري عما يجري بالداخل، بعبارة بن بلة التي صارت لازمة يرددها كل الجزائريين "المغاربة حكَرونا".
مسار العلاقات بين المغرب والجزائر..في الأصول والمآل
وفي تتبع مسار العلاقات بين الجارين والمآل الذي آلت إليه، منذ خريف سنة 1963، يمكن القول، إن سببها البعيد يعود إلى اقتطاع فرنسا أيام المد الاستعماري لأجزاء كبيرة من أرض المملكة المغربية وضمها إلى ممتلكاتها بشمال إفريقيا، وسببها القريب يتجلى في استمساك الجزائر ببسط نفوذها على تلك الأجزاء التي لم يسبق لأمير من أمرائها ولا حاكم من حكامها قبل الاستعمار الفرنسي أن مارس بها حكما، أو أقام عليها سلطانا. تداعيات حرب الرمال إقليميا ودوليا.
تسببت حرب الرمال في نشوء توتر مزمن أصاب علاقات البلدين حتى بعد مجيء رئيس جديد للجزائر هو هواري بومدين الذي قاد انقلابا على نظام أحمد بن بلة عام 1965. وازداد الوضع تعقيدا بعد تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء عام 1975، التي شارك فيها 350 ألف شخص دخلوا إلى مناطق الصحراء، منهيا بذلك وجود الاستعمار الإسباني في المنطقة.
أبانت الخطوات والمواقف التي أدار بها الحسن الثاني وقتئذ تدبير قضية الحدود مع الجزائر عن دهائه السياسي وحنكته الدبلوماسية بعيدا عن أي اندفاع أو مزايدات سياسية. وفي هذا الإطار يأتي اللقاء الذي جمع الملك الحسن الثاني والرئيس الجزائري الهواري بومدين في 7 ماي 1970، الذي أفضى إلى تشكيل لجنة مشتركة لتسوية مشكل الحدود، وإنهاء الاستعمار في الصحراء، وقد انضمت موريتانيا إلى المخطط خلال لقاء نواديبو عام 1970.
يعترف الحسن الثاني في التحدي بالروح التوفيقية التي يعالج بها مع الجيران المشاكل المختلفة، وبخصوص مشكلة الصحراء المغربية، فقد كانت تبدو مشكلة جد بسيطة، ما لم يخلق في آن واحد نزاع بين هذه المشكلة وبين التاريخ والجغرافيا وحقوق الإنسان.
لقد أدت حرب الرمال إلى إقبار فكرة المغرب العربي وكل أشكال التعاون الحدودي، وكل المشاريع التنموية المشتركة بين هذه المناطق شبه الصحراوية.
خاتمة:
ثمة دلالات وعبر على قدرات ذهنية وفكرية، وقيم روحية انبرى إليها المغرب الحسني في التعامل مع جارته الشقيقة، وكانت لها نتائج مهمة في التكيف مع الظروف والمستجدات بتغليبه للتفاوض والحوار حتى في أحلك الفترات التي دفعت بالعاهل المغربي إلى عدم التعامل معها بالمثل. لكنه كان حريصا أن لا تتجاوز الإجراءات حدودها القانونية، ولا تتعداها إلى ما يمس حياة الأفراد وروابط الثقافة والاقتصاد، لا اعتبارا لشخصه، بل رعاية لمصالح الشعبين المغربي والجزائري.
إذا كانت حرب الرمال قد أظهرت الدروس الواجب استخلاصها من عثرات النشأة، فإنها من جانب آخر قادت إلى استخلاص الدروس من عثرات الثقة المبالغ فيها نحو الجزائر. وإذا كانت الحرب تقود ميكانيكيا إلى الدمار والقتل، فإن من مميزات حرب الرمال عام 1963، أن سمحت للمغرب بتقويم تدبير مؤسسته الملكية للأزمة في أدائها السياسي والعسكري بما يتلاءم ودورها في أن يبقى المغرب رائدا على المستوى الإقليمي والدولي.
*عبد الرزاق لكريط أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الاَداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس
– حاصل على الدكتوراه في التاريخ المعاصر بكلية الاَداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس سنة 2004، في موضوع: المغرب و الجنرال نوكَيس على عهد الحماية 1936 – 1943 .
– نشر العديد من الأبحاث العلمية باللغتين العربية والفرنسية – شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات الوطنية والدولية داخل المغرب وخارجه .
– باحث مهتم بالتاريخ الاقتصادي والاجتماعي للمغرب زمن الحماية الفرنسية .
من مؤلفاته:
*القبيلة والاستعمار(1913-1956)، صدر سنة 2017.
*المخزن والحماية الفرنسية، وهم السيادة المزدوجة (1912-1956)، صدر سنة 2015.
*مؤسسة الحماية الفرنسية بالمغرب، مخاض الأفول(1935-1945)، صدر سنة 2014.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.