في أفق الإغناء والاستثمار والمواكبة ضمن أوراش علمية وتربوية رافعة وواعدة مناظرة غير مسبوقة تلك التي استضافتها مكناس مؤخراً في إطار تشارك بين المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاسمكناس، لِما طبعها من طموح ومحاور استهدفت الذاكرة الوطنية من خلال الكتابات التاريخية والمذكرات، في محاولة للإحاطة بتجليات الكائن حولها على مستوى المدرسة والمتمدرسين، ولِما تأسست عليه من أسئلة آنية تخص درجة الإنصات التربوي للأبحاث والباحثين، في أفق ما ينبغي من مواكبة وتحيين وإغناء وتجاوب مع النشء، وتخص أيضاً درجة الحضور الرمزي التاريخي من أجل جيل أكثر حساً وطنياً وهوية واعتزازاً بالانتماء وتلاقحاً في زمن عولمة كاسحة وتدفق قيم، فضلاً عن تساؤلات تهم واقع كتبنا المدرسية في ضوء المنجز حول ذاكرتنا الوطنية وفق ما ينسجم مع أعمار متمدرسينا وأزمنتهم التربوية، وحول ما من شأنه جعل هذه الذاكرة ضمن تفاعلاتهم المعرفية والوجدانية والتعبيرية..، ناهيك عما يُعلق على البحث والباحثين ومؤسسات تكوين الأطر من آمال من أجل وثائق مدرسية أكثر وظيفية، في أفق تجويد ما هو برامج ومناهج ورسم معالم كتب مدرسية أكثر استحضاراً لذاكرة البلاد الوطنية وأكثر إدراكاً لأهمية استدامة هوية المتمدرسين. وإذا كان الحديث عن الأبحاث والدراسات الإنسانية والاجتماعية المغربية عموماً أمر ذو شجون، وخاصة عندما يتعلق الأمر بما هو وظيفي ونوعية وتراكم وخصوصية وغيرها، فإن الحديث عن الكتابات التاريخية والمدرسة والآفاق البحثية والتربوية لا يقل تعقيدا لاعتبارات عدة ومتداخلة. وكان الجابري رحمه الله قد أورد منذ عقود في مؤلفه "من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية"، أنه من السذاجة اعتبار المدرسة مؤسسة محايدة مشيرا إلِى ما كانت عليه دوما كجهاز تأطير إيديولوجي. في هذا الإطار يحق السؤال حول طبيعة العلاقة بين المدرسة والمتمدرسين والذاكرة الوطنية المغربية، وحول سبل تأطير ما يحمله التاريخ من قيم بل يحق السؤال أيضا حول الاتجاه الذي تقوم وتسير عليه منهجية تدريس التاريخ في أطوار مدرستنا الثلاث، وهل ما حصل من انفتاح على تعدد تأليف كتب التاريخ المدرسية خلال العقدين الأخيرين كان بأثر تجاه ما هو قيمي وطني، وبالتالي قدرة مادة التاريخ على القيام بما هو منوط بها تجاه الناشئة المتمدرسة، وهل علاقة مادة التاريخ بالمتمدرسين هي علاقة تفاعل وجدل، والى أي مدى تستجيب طرائق تدريسها لمطلب نماء ما هو معرفي وسلوكي وتعبيري لدى هؤلاء، وهل المدرسة المغربية هي بأهداف واضحة من خلال تدريس هذه المادة، بل وأية مراجعات لِما هو كائن وعبر محطات محددة من حين لآخر، وما درجة حضور البحث والباحثين والكتابات التاريخية في تأثيث ما ينبغي من نصوص مدرسية، وهل العلاقة بين التاريخ والمدرسة والمتمدرسين من الناشئة مجرد زمن مدرسي لا غير في غياب ما هو وظيفي وإدماج رافع لقيم الفرد والمجتمع معا. أسئلة وغيرها شكلت بعض رهان ورقة مناظرة وطنية استضافتها مكناس نهاية أكتوبر الماضي، توزعت مادتها العلمية على أربع جلسات، الأولى منها تناولت ما هو ببليوغرافي وسير ذاتية ومذكرات من خلال قراءات ومقاربات شملت ملاحم المغرب التاريخية وأصداءها، كذا أجيال المقاومة من خلال الكتابات مثلما ورد عند محمد ابن الأعرج السليماني، فضلاً عما تم عرضه حول قضايا الحركة الوطنية خلال خمسينات القرن الماضي، وما تم الوقوف عليه من إشارات تاريخية على درجة من الأهمية في افتتاحيات صحفية كما تلك التي ارتبطت بعبد الرحيم بوعبيد، إضافة لمِا تمت مناقشته حول ذاكرة الحركة الوطنية من خلال كتابات أبي بكر القادري وما تم التساؤل بشأنه حول المنطقة الخليفية وجيش التحرير من خلال المذكرات. وكان سؤال البحث التاريخي وتراكماته هو ما طبع جلسة هذه المناظرة الثانية من خلال مداخلات توجهت بعنايتها لإبراز أهمية التاريخ المحلي، ولما هناك من عوائق ووثائق تخص هذا الرهان في أفق تعميق التأريخ للمقاومة والحركة الوطنية بالصحراء المغربية والمغرب الشرقي. أما ثالث جلسات هذا الموعد العلمي فقد تمحورت حول ملامح البحث في موضوع المقاومة والحركة الوطنية، من خلال مناقشة درجة حضور عدد من المكونات في الكتابات التاريخية، كما بالنسبة إلى جيش التحرير ولإسهامات هوامش المدن فضلا عما تمت إثارته حول مقاومة القبائل للاستعمار الفرنسي على مستوى تخوم البلاد الشرقية وواحات تافيلالت والأطلس المتوسط وغيرها من المجال المغربي. لتقتصر جلسة هذه المناظرة الأخيرة على ما هو تربوي لِما قاربته من قضايا معرفية ومنهاجية ومفاهيمية تخص الذاكرة الوطنية والكتاب المدرسي، ولما عرضت له حول الوطنية المغربية ودرس التاريخ وإشكالات تدريس المقاومة المسلحة والحركة الوطنية وكفاح المغاربة المسلح من خلال الكتاب المدرسي. ووعيا بما توفره وتسمح به هذه المواعيد العلمية من فرص لقاء وتواصل وتطارح وتفاعل بين الباحثين والمهتمين في إطار هاجس البحث والسؤال والتراكم والوثيقة والأرشيف والمفاهيم، وبما يطبعها أيضاً من نقاش وحوار وسؤال ورأي وتنوير وعرض لأبحاث ودراسات على درجة من القيمة المضافة، ارتأينا الوقوف على ما ورد في بعض المداخلات تنويراً لرأي عام باحث ومهتم متتبع. وفي هذا الإطار وحول ذاكرة البلاد الوطنية وورش تاريخها المحلي، دعت مناظرة مكناس المؤرخين والباحثين لمزيد من الجهود والاجتهاد من أجل تاريخ وطني أكثر آفاقا وانفتاحا على صناع الأحداث والوقائع التاريخية الوطنية. ولعله ما تناوله د.سمير بوزويتة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، مستحضراً طرحا ورؤية المرحوم محمد المختار السوسي في موضوع كتابة تاريخ المغرب، لسبقه في إثارة الرهان المحلي وإيمانه بكون شمولية التاريخ لا يمكن تحقيقها دون تواريخ محلية خاصة بكل حاضرة من حواضر البلاد وبادية من بواديها. ومؤكداً على موقع التأريخ المحلي في إعادة كتابة تاريخ المغرب الوطني لمِا توفره المنوغرافيات من عمل مجهري يخص مناطق وهوامش وأحواز وجهات. وفي هذا الإطار دعا د. سمير بوزويتة المؤرخ أيضاً لأهمية توفير ميكانيزمات تدريس التاريخ المحلي من خلال دمجه في ما هو مقرر من برامج، وتجاوز ما هو كائن من هوة بين ما هو معرفة عالمة وبحث تاريخي وما هو أنشطة ديداكتيكية كائنة، عملاً بتجارب دول كانت بسبق في هذا المجال كما بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية وروسيا وغيرها. مشيراً إلى أن حصيلة الأبحاث العلمية الأكاديمية لا تحضر في ما يلقن للمتمدرسين، مما يدعو إلى مزيد من الجهد والتفاعل وتقاسم الأدوار والإسهامات في أفق منظومة بيداغوجية مغربية أكثر إشراكاً وانفتاحاً واستيعاباً للمتمدرسين لقضايا تاريخ بلادهم المحلي تماشياً مع الرهان الجهوي الجديد. الأمر الذي يقتضي استثمار حصيلة البحث التاريخي المنجز حول تاريخ المغرب والتي من شأنها إغناء وتجويد الفعل التعليمي التعلمي وبخاصة ما يتعلق بالتأليف المدرسي. وضمن مواد وقضايا مناظرة مكناس أيضا ما تحدث عنه د. عبد الرزاق بنواحي عن كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، من خلال مداخلة تاريخية محضة دون تفاعل مع ما هو أفق تربوي، توجهت بعنايتها لما ورد عند الأعرج السليماني حول أجيال المقاومة مؤكداً أن هذه الأخيرة وجدت وارتبطت بما واجهه المغاربة من تحديات منذ قرون، وأن ذاكرة الشعوب هي بحسب عنايتها بتاريخها ودرجة استخلاص ما يحتويه من عبر. وقد تجلت أهمية موضوع هذه المداخلة في كونها نهلت أفكارها من مصدر مخطوط اهتم بحدث المقاومة. علماً أن السليماني هو أحد مؤرخي فترة الحماية الذين اجتهدوا لإبراز حقيقة الهوية الوطنية في امتدادها التاريخي، وللرد على بعض مزاعم كتابات استعمارية سعت لفصل ماضي المغرب عن حاضره ولتبخيس ما كان عليه السلف المغربي من أدوار بالحديث عن خضوعهم وعجزهم عن بناء وحدة سياسية متكاملة. والمهم الذي ورد عن الأعرج السليماني حديثه عن المقاومة المغربية من خلال أجيال أربعة، الأول منها ارتبط بموقع المغرب الذي اعتبره سبب الأطماع الأجنبية فكانت المواجهة مع الرومان والوندال والبيزنطيين. أما الثاني منها فهو الذي ارتبط بوصول العرب الفاتحين إلى المغرب فكانت مواجهة هذا الجيل انتقائية. بينما الجيل الثالث من المقاومة بفهم السليماني دائماً فهو الذي قام بالتصدي لمحاولات السيطرة الإيبيرية، وإعلان الجهاد بالمغرب من قِبل نخب دينية صوفية توجت بمعركة واد المخازن، في حين كانت مهمة جيل المقاومة الرابع بعد هزيمتي إيسلي وتطوان قاسية. وقد ركزت مداخلة مناظرة مكناس على هذا النموذج الأخير من المقاومة المغربية تلك التي حصلت بعد توقيع عقد الحماية بكافة جهات البلاد، وكان السليماني يفضل في تتبع بعض نماذجها من خلال ما كتبه حول مقاومة أهل الريف بقيادة ابن عبد الكريم الخطابي. أما د. عمر صصي علوي فقد اختار افتتاحيات الزعيم الوطني عبد الرحيم بوعبيد بجريدة الاستقلال موضوعا لمداخلته، ولعلها الأسبوعية التي أصدرها حزب الاستقلال باللغة الفرنسية وقد ترأس تحريرها في الفترة ما بين أكتوبر 1951 ودجنبر 1952. مستهدفاً رصد مواقف الحركة الوطنية المغربية تجاه القضايا التي ارتبطت بالمسألة المغربية خلال هذه الفترة، وقد ركز الباحث على افتتاحيات الجريدة باعتبارها تعبيراً عن خط تحريرها وعن مواقف الحزب لما كان عليه من موقع هام في الحركة الوطنية المغربية. وقد تبين أن عبد الرحيم بوعبيد كان بدور في التعبير عن موقف المغاربة المتشبث باستقلال بلادهم وسيادتها كاملة ورفضهم لسياسة فرنسا المتشبثة بنظام الحماية أو إلحاق المغرب بالمتربول الفرنسي، مع ما كان عليه من دور بالمقابل في تبديد مخاوف الفرنسيين حول مصالحهم على أساس إلغاء عقد الحماية وبناء علاقات فرنسية مغربية وفق اتفاق جديد. وهو ما كان يرى أن مدخله يكمن في المفاوضات ومن ثمة ألقى بالمسؤولية على الحكومة الفرنسية في بناء مستقبل علاقات جديدة مع بلدان شمال إفريقيا، وقد توقف الباحث في مداخلته على ما كان عليه عبد الرحيم بوعبيد من حس دبلوماسي، أهله ليكون موفد حزب الاستقلال إلى فرنسا للتعريف بالقضية المغربية بعد خروجه من السجن، وعضوا في فريق مباحثات إيكس ليبان وعضوا في حكومة محمد بن يوسف المكلفة بالتفاوض مع فرنسا وإسبانيا بشأن الاعتراف باستقلال المغرب ووحدته الترابية. وعن الشق التربوي ضمن هذه المناظرة أشار د. سعيد عبيدي عن الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين فاسمكناس، إلى أن تاريخ الحركة الوطنية والمقاومة المسلحة يظل إشكالاً مطروحاً معرفياً وديداكتيكياً رغم ما تراكم في هذا الإطار من كتابات. ذلك أن انشغالات البحث الأكاديمي ورهاناته وأهدافه تظل دوما هي بلوغ الحقيقة مهما كانت طبيعتها، خلافاً لسقف كتب مدرسية يقتصر اهتمامها على ما هو تربوي انسجاما مع خيارات بيداغوجية، تروم المناهج من خلالها تحقيق أنساق معرفية ومفاهيمية وبلوغ معارف فعل ووجود لدى المتمدرسين، والتي من شأنها نقل قيم وطنية لناشئة وتنظيم معارفها المدرسية عبر مادة التاريخ. مضيفاً أنه رغم تعدد أنشطة ما هو مقرر من دروس يمكن تسجيل جملة ملاحظات لعل منها إغفال ما كانت عليه المرأة المغربية من أدوار في وقائع هذه الملاحم. فضلاً عما هناك من انتقائية في تناول المقاومة المسلحة والحركة الوطنية المغربية، وهيمنة ما حصل من أحداثها في المنطقة السلطانية مقارنة مع المنطقة الخليفية. ناهيك عما يسجل من خجل حول استحضار بعض المحطات وتفادي خوض لجان تأليف الكتب المدرسية في مراحل معينة من تاريخ هذه الفترة، تحديدًا بعض القضايا الهامة في مسار الحركة الوطنية والكفاح المسلح من قبيل فكرة ونشأة وتفاعلات وعمليات جيش التحرير ونواته وقياداته. مع أهمية الإشارة لِما يطبع معارف هذه الفترة الموجهة للمتمدرسين من سرد كرونولوجي لوقائع وتطورات ومن طغيان لتاريخ حدثي سياسي وعسكري مقابل ما يسجل من ضآلة في تاريخ هذه الفترة الدقيقة الاقتصادي والاجتماعي والإداري. ويسجل لفائدة مناظرة مكناس حول الحركة الوطنية والمقاومة المسلحة من خلال الكتابات والمذكرات، أنها جاءت في ظرفية تتقاسمها جملة أسئلة تخص درجة تفاعل التاريخي الأكاديمي مع التربوي المدرسي، بعد حوالي ثلاثة عقود من الدراسات الجامعية حول تاريخ البلاد الوطني، وبعد المدة نفسها أيضاً من تجارب بيداغوجية وتقلبات ارتبطت بالمدرسة المغربية. وعندما يتعلق الأمر بما هو بحث تاريخي وذاكرة وطنية وآفاق، يزداد جدل الباحثين حول التراكم والنوعية والوثائق والأرشيف والوظيفية والاستثمار والاغناء. ولعل حرص المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين على تنظيم موعد علمي وطني تقييمي واستشرافي، يعبر عن وعي المؤسستين وايمانهما بأن الأمر لا يقتصر لديهما على ما هو تدبير إداري فقط، بل أيضاً على ما هناك من طموح في تقاسم جهود ورؤى وتفاعل وإشعاع خاصة وأن الأمر يتعلق بمجالين حيويين في المجتمع الذاكرة الوطنية والتاريخ من جهة والمدرسة والتربية والناشئة من جهة ثانية. ناهيك عما يترتب عن هذه المواعد العلمية من عرض فكري وطروحات ومقاربات وزوايا تحليل ومقترحات ونقاشات مثمرة، فضلاً عما يتاح عبرها من فرص تعارف بين الباحثين واحتكاك وتبادل للرأي والتجارب والأبحاث وتقوية العلاقة بين الأفراد والمؤسسات وأوراش الاشتغال. وبقدر ما أثير من نقاش تفاعلاً مع ما تضمنه هذا الموعد من أفكار وطروحات، بقدر ما تبلور على إثره موقفان تجاه موضوع الحركة الوطنية والمقاومة المسلحة من خلال الكتابات والمذكرات وتجاه الآفاق البحثية والتربوية. بحيث من الردود من اعتبرت مواكبة وتتبع تراكمات البحث التاريخي ببلادنا مجرد ترف لا يتناغم مع وضع مدرسة مثقلة بهموم متداخلة وتقلبات وإشكالات وضبابية خيارات بيداغوجية وغيرها، فضلاً عما هناك من قلة إمكانات وموارد عمل بشرية خاصة وأنها تمر بظرفية صعبة على أكثر من صعيد. بالمقابل من المهتمين من أكد على أهمية وضرورة الانصات لتراكمات البحث العلمي وللمعرفة العالمة في مختلف التخصصات بغض النظر عن حال وأحوال المدرسة، على أساس أن التحيين من شأنه إغناء ما هو تربوي والتخفيف مما توجد عليه مؤسساتنا التعليمية من تحديات، لدرجة أنه يصعب على التربوي عموماً كيفما كانت مهمته التفاعل بما هو مفيد دون مواكبة لمستجدات ما يحصل باستمرار على المستوى المعرفي والمفاهيمي والمنهجي. وإلى جانب ما أجمعت عليه مناظرة مكناس حول حصيلة الأبحاث التاريخية المنفتحة على ذاكرة المغرب الوطنية باعتبارها جهود تراكمية، وعياً بأهمية تجنب أي تقييم سليم وموضوعي لِما تحقق على امتداد عقود بعيداً عن أية عدمية، هناك بياضات تخص جوانب عدة يصعب القفز عليها، فضلاً عما سجله نقاش المهتمين من خجل واجترار ونمط مقاربة تهم الأبحاث التربوية ذات التماس. لتبقى العلاقة بين الكتابات التاريخية والذاكرة الوطنية والمدرسة المغربية والناشئة من المتمدرسين، هي علاقة سبل نقل التجارب ديداكتيكياً وبناء المعنى في أفق فهم الحاضر من خلال وقائع الماضي، فضلاً عما هناك من رهان في تكوين وإعداد مواطن الغد وفق ما ينبغي من ذاكرة وطنية غنية بمشارب متعددة. وليس سهلاً الوقوف على كافة موارد وتميزات حصيلة الكتابات التاريخية المغربية التي استحضرت الحركة الوطنية والمقاومة المسلحة وذاكرة المغاربة من أجل الاستقلال، وعليه فما تناولته مناظرة مكناس من قضايا وإشكالات ذات صلة تبقى إلى حد ما مجرد مدخل لأوراش ومبادرات ومنتديات أخرى، من خلال أوراق علمية أكثر عمقاً وتفاعلاً وتركيزاً وتصويباً وفرزاً لما هو آفاق بحثية وتربوية في هذا الإطار. وبقدر ما كانت عليه مادة مناظرة مكناس العلمية من تلقائية طرح وإسهام ومقاربة ومن وقفة تأمل حول البحث التاريخي والمدرسة المغربية والناشئة المتمدرسة، بقدر ما كانت من خلال مدخلاتها ومخرجاتها بياناً تقييمياً لوضع وحال وأحوال تدريس التاريخ وبخاصة ما يتعلق بذاكرة البلاد والعباد الوطنية. وبقدر ما انتهت إليه مناظرة مكناس من توصيات توزعت على أهمية تعميم فائدة هذا الموعد العلمي، من خلال نشر ما ورد فيها عبر مؤلف خاص وتعميق تضافر جهود المؤسسات والباحثين على صعيد الجامعات ومراكز التكوين ومعاهد البحث، كذا تجميع الأرشيف الخاص بالذاكرة الوطنية ووضعه رهن إشارة الباحثين من أجل أفق بحثي أهم وأفيد. فضلاً عما يمكن أن تسهم به الأبحاث العلمية على مستوى التأليف المدرسي وتوفير نصوص أكثر استحضاراً لهذه الذاكرة وأكثر انسجاماً مع الناشئة المغربية المتمدرسة، وما يمكن أن يسهم به إعلامنا السمعي البصري على مستوى استحضار وصيانة ذاكرتنا عبر المناطق والجهات، من خلال برامج ومساحات تعبير يؤطر محتوياتها من هم على قيد الحياة من المقاومين فضلاً عن باحثين متخصصين في المجال. بقدر ما كان إيقاع ومحاور وتفاعلات هذا الموعد العلمي على درجة عالية من القيمة المضافة، بفضل ما حصل من تعاون بناء بين المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاسمكناس، وما كانت عليه اللجنة العلمية من حرص ومسؤولية وإدراك لأهمية الموضوع وراهنيته، ومن أدوار رافعة على مستوى الجلسات العلمية التي تقاسم تدبيرها كل من الدكتور مصطفى الكثير المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، والدكتور محمد العمراني الباحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فرع مكناس، والدكتور جمال حيمر الباحث عن كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس ويبقى أن يتم تنظيم مناظرة وطنية بأفق تقييمي وأن يتناظر باحثون لرصد علاقة الأكاديمي بالمدرسي التربوي وعلاقة ذاكرة البلاد الوطنية من خلال الأبحاث بالمدرسة المغربية، فهذا أمر على درجة عالية من الشجاعة الأدبية بقدر ما يدعو للتثمين والتحفيز والاحتضان لِما يرومه من فائدة عامة، بقدر ما يؤكد أن بلوغ نماء مجال ما لا يقتصر على حصيلة تراكم وجهود فردية وجماعية ومؤسساتية فحسب، إنما أيضاً بما يتحقق من وقفات تأمل ورأي وتقييم وتصويب وتقاسم وتساؤل..، من شأنه الإغناء والتجويد فضلاً عما هناك من رهان إدماجٍ واستثمارٍ وتحيينٍ ومراجعةٍ ومواكبةٍ وغيرها وفق ما يسهم في رسم ملامح أوراش رافعة ما وآفاق ممكنة واعدة ما. *باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاسمكناس.