عمر حمداوي – تنجداد في الثامن عشر من نونبر من كل سنة يخلد المغرب ذكرى عيد الاستقلال، والتي يستحضر المغاربة من خلالها الدور البطولي لمجموعة من المقاومين وقادة المعارك التي دارت رحاها بمختلف ربوع المملكة، بما فيها الجنوب الشرقي الذي شهدت أرجاءه مجموعة من المعارك تكبد فيها العدو خسائر فادحة وأجبر على التقهقر في أكثر من مرة، إذ لم يتمكن من إخضاع البلاد والعباد إلا بعد استعمال آليات حربية متطورة على مستوى البر والجو أدت إلى اختلال ميزان القوة، بشكل لم يقف ذات يوم في نحت المواقف البطولية في الذاكرة المحلية، التي أصبحت صيانتها في إطار التعريف بأمجاد ملحمة العرش والشعب في سبيل الاستقلال مطلبا لا يقل أهمية عن باقي المطالب التنموية. في هذا الإطار، عملت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير على إحداث مجموعة الفضاءات التربوية والتثقيفية والمتحفية للمقاومة وجيش التحرير بمجموعة من مناطق جهة درعة تافيلالت، والتي تتوخى من خلال ما تحتويه من لقى وتحف وصور فوتوغرافية وكتب ووسائط فضلا عن الأنشطة التي تنظمها من حين لآخر، صيانة وخدمة الذاكرة التاريخية والتعريف بالتراث النضالي وإشاعة ثقافة الوطنية والمواطنة الايجابية والسلوك المدني في أوساط الشباب والناشئة والأجيال المتعاقبة. كما عملت المندوبية السامية في إطار إبراز تاريخ المقاومة بواحة تافيلالت واستلهام درره وتنوير أذهان الناشئة والأجيال الصاعدة بدروسه وعبره وقيمه، على إصدار بعض الأعمال التي تتراوح ما بين أبحاث ودراسات ووقائع ندوات علمية، إلا أن هذه الخطوات تظل متواضعة مقارنة بحجم تطلعات وانتظارات الباحثين والمهتمين والغيورين على تاريخ الجنوب الشرقي المغربي الذي يعد حسب الدكتور عبد العزيز الطاهري أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط من أبرز مناطق المغرب التي شهدت مقاومة مسلحة شرسة ضد نظام الحماية الفرنسية، والتي لم تنل ما يكفي من الاهتمام من طرف مؤسسات البحث التاريخي الجامعي والمندوبية السامية لقدماء المقاومة وأعضاء جيش التحرير. ولهذا، فإن من المسؤوليات المطروحة يقول الدكتور عبد العزيز الطاهري على البحث التاريخي عموما والمندوبية السامية خصوصا، إعادة الاعتبار لهذا التاريخ ورفع التهميش عنه وإبراز الدور التاريخي الذي قام به سكان المنطقة في التصدي للمستعمر الفرنسي منذ فترة مبكرة قبل فرض نظام الحماية سنة 1912. مضيفا أنه لا يجب أن يبقى تناول هذا الموضوع مرهونا بمقاربة ملحمية بطولية تقتصر على تخليد المعارك والانتصارات فقط، بل يجب أن تهتم أيضا بتوضيح بعض هزائم هذه المقاومة وتفسير ذلك من جهة، وتوضيح الخلفيات الاجتماعية والثقافية لهذه المقاومة، وإبراز مظاهر الحياة اليومية بالمنطقة خلال زمن الحماية وأهم التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمرانية والسياسية والذهنية التي أحدثها الوجود الاستعماري الفرنسي بالمنطقة… وفي انتظار بذل المزيد من الجهود لحفظ ذاكرة وتاريخ المقاومة بالجنوب الشرقي من طرف المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، حري بالذكر أنه سبق لهذه الأخيرة توقيع اتفاقية شراكة وتعاون مع فريق البحث في اللغة والآداب والفنون لمنطقة تافيلالت التابع للكلية متعددة التخصصات بالرشيدية بمناسبة الذكرى 79 لمعارك جبل بادو، وتوقيع اتفاقية إطار مع مجلس جهة درعة تافيلالت حول صيانة وتثمين الذاكرة التاريخية الوطنية والجهوية والمحلية للحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، تمت المصادقة عليها في الدورة العادية المنعقدة بتاريخ الجمعة 15 يوليوز 2016. فهل يا ترى ستجد هذه الاتفاقيات بتنسيق مع الفاعلين كل من موقعه طريقها نحو التنزيل استجابة لحاجة الجنوب الشرقي الملحة لتوثيق وصيانة ذاكرة مقاومته في سبيل الدفاع عن حوزة الوطن؟ أم سيظل جمع وتدوين الحقبة الاستعمارية من تاريخ هذه الربوع جعجعة بدون طحين؟؟