جاءت ولادة الحكومة رقم 30 في تاريخ المغرب، برئاسة عبد الإله بنكيران أمين عام حزب العدالة والتنمية، الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية الأخيرة، عقب مشاورات سياسية موسعة وعسيرة طبعتها علنية غير مسبوقة، ونتيجة حراك حزبي اضطرت معه مجموعة أحزاب إلى جمع هيآتها التقريرية للحسم في المشاركة من عدمها. فمنذ الوهلة الأولى لإعلان نتائج الانتخابات الأخيرة، أجرى بنكيران رئيس الحكومة سلسلة لقاءات مع الأحزاب الممثلة في البرلمان في محاولة أولية لجس النبض واستكشاف مواقف مختلف الفاعلين على الرغم من أن الميولات المعلنة قبل نتائج الانتخابات وبعدها كانت تسير في اتجاه عقد تحالف بين العدالة والتنمية وأحزاب الكتلة الديمقراطية، مع الانفتاح على حساسيات أخرى باستثناء حزب الأصالة والمعاصرة. ومع تقدم اللقاءات وتوارد تصريحات رئيس الحكومة المعين حول هذه اللقاءات، اختلت قيادات مختلف الأحزاب بهيآتها للرد على عرض بنكيران بعقد تحالفات معها، وذلك من خلال عقد اجتماعات لبرلماناتها التي وجدت صعوبة في حسم قرار المشاركة، مما اضطرها إلى تفعيل الآليات الديمقراطية وحسم الموقف بالتصويت. وإذا كانت الخطوة التي أقدم عليها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والمتمثلة في اختيار الاصطفاف في المعارضة، قد أربكت إلى حد ما، حسابات بنكيران في نسج التحالف مع مكونات الكتلة فقط وإحياء فكرة الكتلة التاريخية، التي نادى بها الراحل محمد عابد الجابري، فإن المشاورات الموسعة التي دشنها قبل هذه المحطة سهلت له مأمورية الالتجاء إلى حلفاء آخرين ظل حبل الود موصولا معهم. وإذا كان طريق المشاورات الموسعة، الذي سلكه رئيس حكومة التناوب الثانية، قد سهل عليه مأمورية تجاوز مرحلتي الحسم في مبدأ المشاركة في الحكومة، وفي طبيعة الهيكلة فإن مرحلة توزيع الحقائب الوزارية قد عرفت نوعا من شد الحبل بين بعض الأطراف المتحالفة نتج عنه تأخر لم يكن متوقعا ورسم صورة مضببة على مآل المشاورات. ومع ذلك فإن ولادة الحكومة تمت على العموم في ظرف زمني معقول، على عكس تجارب سابقة، لم تتمكن رغم مفاوضات ماراطونية وشاقة ووقت زمني استغرق في إحداها 40 يوما، من تجاوز عائق تضخم الوزارات كما هو الشأن بالنسبة لحكومة التناوب الأولى برئاسة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي. وفي سلوك حزبي غير مسبوق يعارض في جوهره فكرة الاستوزار بقرار فوقي غير مسنود بشرعية القواعد الحزبية، ومن شأنه أن يساهم في تطوير الممارسة السياسية بالمغرب، تبنى المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية في دورة استثنائية مسطرة لاختيار مرشحي الحزب لتقلد مناصب وزارية وعلى ميثاقين ينصان على مجموعة من البنود المفروض الالتزام بها من طرف برلمانيي ووزراء الحزب. وإن كانت هذه الخطوة تتجاوب مع منطق تكريس الخيارات الديمقراطية، فإن اعتماد أحزاب التحالف الحكومي (العدالة والتنمية، الاستقلال، الحركة الشعبية، التقدم والاشتراكية)، ولأول مرة، لميثاق للأغلبية يسير في نفس اتجاه تخليق ممارسة المسؤولية، من منطلق أن هذا الميثاق يشكل وثيقة تعاقدية ومرجعا للعمل المشترك للأحزاب الأربعة وأساسا لالتزامها الواضح أمام المواطنات والمواطنين. وقد شكلت محطة انتخاب رئيس مجلس النواب أفضل ترجمة لميثاق الاغلبية، ذلك أن العملية حسمت بسهولة لفائدة كريم غلاب، القيادي الشاب من حزب الاستقلال، الذي زكته أحزاب التحالف الحكومي في إشارة تتجاوب مع مطلب تجديد وتشبيب النخب بمراكز القرار وذلك على الرغم من الجدال الدستوري الذي رافقها والمتعلق بحالة التنافي المتعلقة بالجمع بين صفة وزير ورئيس مؤسسة تشريعية. وتميزت هذه التجربة الجديدة في تشكيل الحكومة والمشاورات الخاصة بها بانفتاح كبير وغير مسبوق على وسائل الإعلام، حيث تم سواء من قبل رئيس الحكومة أو الأحزاب المتحالفة معه والمعارضة، نهج سياسة تواصلية كانت تستهدف تنوير الرأي العام حول مدى تقدم المشاورات مما مكن من الحد من الإشاعة وأضفى جدية على هذه المشاورات التي أفرزت حكومة بواحد و ثلاثين حقيبة وزارية، والتي عين جلالة الملك محمد السادس اليوم الثلاثاء بالرباط أعضاءها. غير أنه تم في الأيام الأخيرة تم تداول معلومات متناقضة ساهمت في جعل الصورة أكثر ضبابية عكس البدايات الأولى للمشاورات أدى إلى تناسل اشاعات واسعة النطاق حول التشكيلة الحكومية. ويؤكد العديد من المتتبعين والمهتمين بالشأن السياسي في المغرب في ضوء هذه المنهجية التي اتبعت في تشكيل الحكومة، أن المغرب يلج بثبات مرحلة ما بعد الدستور الجديد الذي خول لرئاسة الحكومة صلاحيات واسعة، وأرسى أسس الشفافية والحكامة الجيدة في مجال تدبير الشأن العام.