يبدو، حسب بعض المراقبين، أن مخاضا عسيرا يواجه حاليا ولادة أول حكومة مغربية في ظل الدستور الجديد، مستدلين على ذلك، بتأخير إعلانها، الذي كان منتظرا أن يتم أمس أو اليوم، فإذا به يتأجل إلى تاريخ غير محدد، دون أي تفسير رسمي. كما أن عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين، الذي كان يطلع الرأي العام الوطني على سير مختلف مراحل المشاورات بانتظام، قد اختفى نهائيا عن الأنظار، وانعدمت نهائيا إطلالاته المعهودة على وسائل الإعلام. وكان آخر ظهور له يوم السبت الماضي، بمناسبة انعقاد هيئة اقتراح وزراء العدالة والتنمية بالرباط، حيث أكد " أن "الإعلان عن الحكومة لن يكون بعيدا"، مضيفا أن الأمور تسير بطريقة جيدة، وأنها بالنسبة للأحزاب الحليفة، أصبحت أكثر وضوحا،سواء تعلق الأمر بالأشخاص الذين سيتحملون الوزارات أو القطاعات التي سيتكلفون بتدبيرها." واستنادا لذلك التصريح، المطمئن والمتفائل، اعتقد المواطنون أن مسألة تشكيل الحكومة تم حسمها، وأن انتظارهم لظهورها لن يتأخر كثيرا، فإذا بالتطورات، حسبما يبدو، ربما بدأت تأخذ منحى أخر، بسبب ماروجته الصحافة المغربية الصادرة اليوم من خلاف بين بنكيران،رئيس الحكومة المعين، وعباس الفاسي، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، والأمين لحزب الاستقلال، حول حقيبة وزارة التجهيز والنقل، التي قيل أن هذا الأخيريتمسك بها . وفي هذا السياق، تساءلت يومية " المساء" في مقالها الرئيسي: "هل يقلب عباس الطاولة على بنكيران؟" مشيرة إلى انه السؤال الذي تردد كثيرا في الصالونات السياسية، بعد أن لوح الاستقلاليون بخيار الخروج من الحكومة خلال اجتماع استثنائي عقدت اللجنة التنفيذية للحزب يوم الأحد الأخير. وجاءت هذه التطورات بعد أن تشبث حزب العدالة والتنمية بوزارة النقل والتجهيز في اخر لحظة،عندماأخبر بنكيران عباس الفاسي بهذا الأمر، فيما كانت هذه الوزارة ضمن قائمة الوزارات المسنودة إلى حزب الاستقلال". وعنونت يومية" الصباح" مقالها الرئيسي أيضا، ب "وزارة التجهيز توقف عجلة حكومة بنكيران"، مشيرة بالخصوص إلى ماأسمته"إثارة حزب الاستقلال لأزمة سببها حرمانه من حقيبة التجهيز والنقل، وعدم التشاور مع قيادة الحزب في لائحة الأسماء المقترحة،وهي الأزمة التي من الممكن احتواؤها بتمكين " الاستقلال" من وزارة النقل من جديد." ومن تداعيات هذا الخلاف، تهديد حزب الاستقلال بالانسحاب من الحكومة، وفقا لما أوردته يومية "أوجوردوي لوماروك: "بعد صراع مع حزب العدالة والتنمية حول وزارة النقل"، مضيفة أن اللجنة التنفيذية للاستقلال تعرب عن عدم قبولها للمقاربة التي ينهجها حليفها الإسلامي بشأن حرمان حزب الاستقلال من وزارة التجهيز والنقل". وفسرت بعض المنابر الإعلامية اليومية ذلك، بكونه مؤشرا ينبئ عن ظهور " أول أزمة للاغلبية الحكومية، بعد تشبث حزب الاستقلال بتدبير حقيبة النقل، والتهديد بالانسحاب من الأغلبية إذا لم تحصل عليها" حسب صحيفة "لوسوار إيكو". ومن جهتها،دخلت صحيفة "لوماتان الصحراء والمغرب العربي"، المحسوبة على دوائر القرار الرسمي،على الخط، فقالت إن حزب الاستقلال لم يقبل أن تسحب منه وزارة التجهيز والنقل التي دبر شؤونها منذ حكومة التناوب. وأضافت أن مسؤولي العدالة والتنمية يعتبرون أن الأمر يتعلق بخلاف داخلي ينبغي على الاستقلال أن يدبره في هذه الفترة العصيبة من تشكيل الحكومة. وأكدت يومية " ليكونوميست" ذات الطابع الاقتصادي،مايروج هذه الأيام من تهديد لحزب الاستقلال بالانسحاب من الأغلبية إذا لم يحصل على وزارة التجهيز والنقل. وقالت إن عباس الفاسي لم يستسغ أن يسحب منه هذا القطاع, حيث ذهب إلى القول بأن حزب الاستقلال على استعداد "لتقديم نقد بناء للحكومة المقبلة دون أن يكون عضوا فيها". أما جريدة "ليبيراسيون" الصادرة عن حزب الاتحاد الاشتراكي المتموقع في المعارضة، فقالت إن عباس الفاسي ورفاقه يعرقلون تشكيل الحكومة, ويؤكدون رفضهم التخلي عن وزارة التجهيز والنقل, تحت طائلة الانسحاب من الأغلبية الحكومية. وتساءلت : "هل يتعلق الأمر بمزايدة أم بابتزاز سياسي؟". وتطرقت يومية "الأحداث المغربية" إلى الموضوع من وجهة نظرها، فأوضحت أن "حقيبة التجهيز والنقل" تقطع حبل الود بين الاستقلال وبكيران"، مضيفة ان الاستقلاليين لم يخفو تذمرهم منذ بداية المفاوضات من الطريقة التي يتعامل بها معهم عبد الإله بنكيران،"لكن توزيع الحقائب فجر مكنون الأنفس، بعدما تأكد أن حقيبة التجهيز والنقل سيتولاها حزب العدالة والتنمية". وختمت الجريدة مقالها بالإشارة إلى أن هذه أولى المنعرجات التي تظهر في طريق حكومة بنكيران،" فلايبدو أن الاستقلاليين سيتنازلون بسهولة عن وزارات راكموا فيها التجارب والخبرات، وعن طريقها بنوا قواعد انتخابية تعيدهم في كل مرة إلى قبة البرلمان"، حسب تعبيرها. ورغم هذه السيولة من المقالات والتساؤلات حول مصير حكومة بنكيران، التي تحفل بها الصحافة المغربية والمواقع الاليكترونية، لم يظهر بعد أي بيان حقيقة أو توضيح رسمي لتفسير مايجري في كواليس تشكيل الحكومة المقبلة،كما أن موقع حزب العدالة والتنمية لايتضمن أية إشارة من قريب أو بعيد إلى هذا الخلاف الذي يبدو أنه بدأ يلقي بظلاله على مسار التحالف الحكومي الذي يقوده بنكيران، والذي قد ينفرط بانسحاب أحد مكوناته، وتعويضه بحزب الاتحاد الدستوري،أو "الأحرار"،وفق مايروج إعلاميا. وحدها يومية " العلم" الناطقة بلسان حزب الاستقلال، خرجت عن صمتها، في عددها الصادر اليوم، في مقال رئيسي بعنوان" حقيقة ماجرى لحد صباح أمس في مسار تشكيل الحكومة الجديدة"، وصفت فيه الأخبار الرائجة، بأنها "تفتقد للدقة والموضوعية، وروجت لإشاعات تروم الشويش على مسار تشكيل الحكومة المرتقبة". وأضافت أن الأمور تسير بشكل عادي في الضفة الأخرى حيث تتواصل المفاوضات بين مكونات الأغلبية الجديدة، مع مايتطلب ذلك من صعوبات حول القطاعات وأشياء أخرى". وأكدت الجريدة "أن حزب الاستقلال الذي أعلن منذ اليوم الأول مساندته للحكومة الجديدة عن قناعة،لن يدخر جهدا في العمل على ضمان شروط نجاح التجربة الجديدة بما يحفظ وزنه السياسي والانتخابي".