مع حلول شهر يونيو الماضي من سنة 2011 وضعت مجلة "فوربس" الأمريكية الذائعة الصيت شركة "اتصالات المغرب" في المرتبة 19 في قائمة أقوى 100 شركة من حيث الابتكار في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. بعد أشهر قليلة، تعود نفس المجلة الأمريكية لتكافئ رئيس الإدارة الجماعية لاتصالات المغرب عبد السلام أحيزون بإحدى جوائز "ستيفي" المخصصة لصناع القرار في عالم المال والأعمال في الإدارة والابتكار والتسويق وخدمة العملاء وإدارة الموارد، حيث وضعت المجلة الأمريكية عبد السلام أحيزون في قائمة أحسن ثمانية أفضل مديري شركات الاتصالات في العالم. العارفون بباطرون "اتصالات المغرب" المولود بمدينة تيفلت الصغيرة سنة 1955 يدركون جيدا أنه لا يقف كثيرا عند هذه التصنيفات بقدر بحثه الدائم على أكثر الطرق نجاعة "لالتهام" حصة أكبر من سوق الاتصالات بالمغرب. هذا باختصار هو عبد السلام أحيزون الذي أطلق أول صرخة له في الحياة بقرية صغيرة بمدينة تيفلت تدعى قرية سيدي عبد الرازق بتاريخ 20 أبريل 1955. كبر ونما الطفل عبد السلام في هذه القرية وتتلمذ في إحدى فترات عمر دراسته على يد الراحل إدريس بنزكري الذي كان أستاذا له في اللغة الفرنسية. منذ نعومة أظافره كان يُشهد لعبد السلام أحيزون بالتميز بين أقرانه، وهو ما جعله يتفوق في دراسته في مراحلها الابتدائي والإعدادي قبل أن يحصل على شهادة البكالوريا بامتياز ويغادر إلى فرنسا لإتمام دراسته العليا، حيث تابع تفوقه الدراسي وتحصيله العلمي الذي مكنه من الحصول على دبلوم مهندس من المدرسة الوطنية العليا للمواصلات بباريس سنة 1977 وعمره لا يتجاوز 22 سنة. ولم تدم عطالة ابن تيفلت إلاّ سنة واحدة بعد رجوعه سنة 1978 إلى المغرب حيث وجد أمامه أبواب الوظيفة العمومية مفتوحة، ليصبح موظفا في "قطاع البريد والمواصلات"، الذي كان المحجوبي أحرضان وزيرا عنه. سنتين بعد ذلك، تسلق عبد السلام أحيزون المراتب ليصبح المسؤول الأول عن مصلحة البث، قبل أن يحرق المراحل مرة أخرى ويصبح رئيسا لمديرية الخطوط التي تولاها إلى سنة 1987، حينما أصبح مديرا للمكتب الوطني للبريد والمواصلات إلى حدود سنة 1992، حيث سترمي به الأقدار ليكون اصغر وزير في حكومة كريم العمراني الذي اختاره ليتقلد وزير البريد والمواصلات إلى سنة 1995، ثم بعدها سيعود لنفس المنصب ما بين سنة 1997 و1998 وهي السنة التي عرفت تطورا مذهلا لقطاع الاتصالات بالمغرب بعد أن تم حل المكتب الوطني للبريد والاتصالات وتعويضه بثلاث مؤسسات هي: "بريد المغرب"، و"الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات"، وشركة "اتصالات المغرب"، التي أصبح أحيزون رئيسا مديرا عاما عنها منذ عام 1998 حتى نهاية عام 2000، ثم رئيسا لمجلس إدارة الشركة منذ سنة 2001 إلى اليوم. خلال السنوات الأولى لتسييره وتدبيره لشركة "اتصالات المغرب" أدخل أحيزون مفهوما جديدا للعاملين معه، عنوانه الابتكار والسلوك اتجاه الزبون المفترض. كما جعل "اتصالات المغرب" أول شركة في إفريقيا، وثاني شركة في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط تدخل خدمة الهاتف الجوال بتقنية "جي اس ام"، سنة 1994. وصفة أحيزون كان لها الوقع الكبير على سوق الاتصالات الذي تحرر منذ ذاك الحين بشكل سريع في المغرب وأخذ التسابق على ربح أكبر حضيرة من الزبناء يشتد بعد دخول فاعل ثان للسوق هو "ميديتيل" سنة 1999، حينها كانت وصفة أحيزون جاهزة لقبول المنافسة على طريقته. ابن تيفلت أطلق الشعار المبتكر و"الخالد" لاتصالات المغرب في جملة واحدة: "عالم جديد يناديكم" فكان لهذا الشعار التسويقي الوقع الأكبر على المشتركين المغاربة، قبل أن يدعم إستراتيجية "القرب" مع المستهلك بطرح "باك جوال" للأسواق لينافس به الفاعل الجديد "ميديتيل" الذي ظن الكل أن دخوله للسوق سيجعل شركة "اتصالات المغرب" تصبح من الماضي، غير أن احيزون كانت له "أسلحته" الخاصة التي يحارب بها في الأوقات العصيبة. سنتين بعد ذلك، قررت الدولة المغربية بيع 35 في المائة من رأس مال "اتصالات المغرب" بمبلغ 23 مليار درهم لشركة فيفاندي الفرنسية، التي باعت لها الدولة المغربية أيضا 16 في المائة سنة 2004 بمبلغ 12 مليار درهم. في خضم هذا التحول الذي عرفته الشركة الأكبر في المغرب ظل بعد السلام أحيزون الرجل الهادئ والبسيط في طبائعه حسب المقربين منه يمسك بأسراره التي يخرجها في الوقت الذهبي. وهكذا كان، ففي أواخر سنة 2004 طرحت الشركة في عملية اعتبرها الكثيرون تاريخية 130 مليون سهم مبلغ 68.5 درهم للسهم الواحد في بورصة الدارالبيضاء. العملية حسب العديد من الخبراء أنعشت بورصة الدارالبيضاء خصوصا وأن قيمة السهم كانت أكبر من المبلغ الذي بيع به في البورصة وهو ما جعل الإقبال عليه كبيرا. بهذه العملية ضمن أحبزون بذكائه المقاولاتي في أن يجعل من "اتصالات المغرب" الرقم الأول في رأسملة بورصة الدارالبيضاء، قبل أن يقتحم بورصة باريس بعدما جعل اتصالات المغرب الفاعل الاتصالاتي الأول من خلال هيكلة الشركة وفق احدث المعايير والمواصفات الدولية. اليوم، تحتكر "اتصالات المغرب" أزيد من 60 في المائة من حصة سوق الاتصالات بالمغرب، قبل أن يدعم أحيزون موقع الشركة ويجعلها عابرة للقارات بعد أن استثمر في كل من موريتانيا وأصبح شريكا رئيسيا في شركات الاتصال في العديد من البلدان الإفريقية مثل بوركنفاصو والكابون ومالي، كما تستعد الشركة لاقتحام أسواق نامية جديدة في الأدغال الإفريقية الوعرة اقتصاديا. مع كل هذا الطموح الجارف واللامحدود ظل عبد السلام أحيزون يبتكر ويحلم بتحقيق مزيدا من الأرباح للفاعل التاريخي في الاتصالات داخل المغرب، حيث يضع اليوم اللمسات الأخيرة على المقر الجديد والشاهق للشركة بحي الرياض الذي يضم 21 طابقا ويكلف ملايير السنتيمات، كما يستعد لطرح ماركات وأسماء تجارية أخرى يضيفها إلى ما يزيد عن 880 اسما تجارية في ملكية اتصالات المغرب. كل هذه النجاحات الباهرة جعلت العديد من الاقتصاديين والخبراء والصحافيين يعتبرون أن عبد السلام احيزون هو رجل سنة 2011 لما حققه من صافي أرباح لشركته يفوق كل التوقعات رغم الظرفية الاقتصادية الصعبة، مما جعل "اتصالات المغرب" تعتبر الفرع الأكثر ربحية في كل فروع شركة "فيفادني" الفرنسية عبر العالم. مع كل هذا النجاح يصر عبد السلام أحيزون أن يرافقه بمهام أخرى يتولاها منها رئاسته للجامعة الملكية لألعاب القوى التي يحاول إعادة هيكلتها من جديد لصناعة أبطال رياضيين قادرين على تحقيق الأحلام كما حققها هو مع "اتصالات المغرب"، غير أن الأرق الوحيد الذي يرهق ابن تيفلت وبدأ يشكل له صداعا نصفي في الرأس هو خروج الآلاف من موظفي "اتصالات المغرب" مؤخرا أمام مقر الشركة بحي الرياض ليطالبوا بتحسين وضعهم الاجتماعي رافعين شعار مزعجا مفاده "مامفاكينش". [email protected]