قامت جمعية سمنيد للتنمية الاجتماعية بأزيلال، العام الماضي بشراكة مع الشركة الفرنسية "Sam-assur"، بتأسيس مركز الاستقبال العائلي للتميز من أجل دعم تمدرس الفتاة القروية بالجماعات الترابية بالإقليم. وحسب تصريح لرئيس الجمعية، عمر مجان، فإن فكرة تأسيس هذا المشروع الاجتماعي جاءت نتيجة تفشي ظاهرة الهدر المدرسي في صفوف فتيات العالم القروي بأزيلال، بالإضافة إلى عدم وجود ما يضمن لهن حق الاستفادة من متابعة دراستهن في ظروف عادية، وفق ما يتحدث عنه الدستور. ويعد مركز الاستقبال العائلي للتميز بأزيلال تجربة نموذجية بالمغرب العميق (أزيلال)، تهدف إلى إتاحة الفرصة للفتاة القروية التي لم يسعفها الحظ في الحصول على منحة أو سرير بمؤسسات الرعاية الاجتماعية لمتابعة دراستها الاعدادية، ما يجعلها في الغالب مهددة بشبح الانقطاع. والمرفق يوفر عدة خدمات اجتماعية، من ضمنها المبيت والتغذية والدعم التربوي والاجتماعي والصحي، بالإضافة إلى باقي مستلزمات الدراسة بالمجان.. في عامه الأول استفادت من خدماته فقط 12 تلميذة يتراوح سنهن ما بين 12 و14 سنة، وينحدرن من أربع جماعات ترابية مختلفة بإقليمازيلال. ويتم اختيار المستفيدات، يقول عمر مجان، رئيس جمعية سمنيد، "بناء على معايير اجتماعية وتربوية مضبوطة، ما يعطى الأولوية لفائدة الأيتام والمتفوقين دراسيا"، وزاد: "وتهدف الجمعية في إطار أهدافها التربوية ذات البعد الاندماجي إلى خلق جو عائلي دائم، إذ غالبا ما تتبنى إحدى الأسر المشروع، وتتكلف الجمعية بمصاريف التسيير، ما يفسح المجال لربط علاقات جديدة، خاصة أن سياسة المركز التربوية تسمح للأمهات بزيارة فلذات أكبادهن ومشاركتهن الطعام والمبيت، ما ينعكس إيجابا على نفسية التلميذات ويجعلهن يكابدن أكثر لتحقيق رغبات أسرهن في التحصيل العلمي..". والملاحظ، يضيف المتحدث ذاته، أن "كل الفتيات المستفيدات من خدمات المركز ينحدرن من أعماق جبال أزيلال، والبعض منهن كن سينقطع عن الدراسة، وبمساهمة المشرفين على المركز، وبحكم الإجراءات التربوية الفعالة، تحولن إلى تلميذات مُجدّات ومهذبات، لا يتغيبن عن القسم أبدا، بل أكثر من ذلك أن واحدة من المستفيدات تربعت على الترتيب في بعض المؤسسات التعليمية بأزيلال". يتعلق الأمر، تقول فرح اشباب، باحثة في سلك الدكتوراه، ب"الفتاة رشيدة عبدون، من منطقة آيت الكوش بجماعة واولي إقليمأزيلال، وعمرها 14 سنة، والتي حصلت على نقطة 18,62 كمعدل للسنة أولى إعدادي، وعلى الرتبة الثانية في مؤسستها التعليمية، وهي الفتاة التي تنحدر من دوار "هش" نواحي مدينة أزيلال، وكانت ستنقطع عن الدراسة نهائيا لانعدام الإمكانيات". واليوم - يقول عمر مجان - وبالنظر إلى سمعة المركز والنتائج المرضية التي حققها خلال الموسم التربوي الحالي، "تتوارد على الإدارة عشرات الطلبات من عائلات وأسر في وضعيات هشة من مختلف المناطق الجبلية بأزيلال، من أجل الاستفادة من خدمات المركز وضمان حق بناتهن في التعلم ومتابعة الدراسة في مناخ عادي. لكن يبقى أهم عائق أمام مركز الاستقبال والساهرين على تدبيره هو الدعم المالي الذي يقتضي من كل الشركاء في التنمية البشرية التدخل كل حسب موقعه ومسؤوليته من أجل الحد من الهدر المدرسي بالإقليم وتوسيع دائرة المستفيدين". الهدر المدرسي من ضمن أكبر المشاكل التي يتخبط فيها قطاع التعليم بأزيلال، وذلك راجع إلى عدة مؤشرات اقتصادية واجتماعية وثقافية، إذ إن الكثير من الأسر القروية تتخلى عن مواصلة مشوار أبنائها الدراسي -خاصة الفتيات- بسبب ضعف الإمكانيات وقلة المنح الدراسية وبُعد المؤسسات التعليمية عن المداشر والقرى؛ علاوة على ضعف الطاقة الاستيعابية لمؤسسات الرعاية الاجتماعية والداخليات في حالة وجودها. وفي هذا السياق، يقول عبد الكريم رمزي: "اشتغلت في مدرسة العام الماضي، ودرست القسم السادس، واتضح لي أن الكثير من الآباء لا يسمحون لبناتهن باستكمال دراستهن بالإعدادي(...) وهو أمر معمول به بمنطقة آيت عباس بأزيلال خصوصا، وبالإقليم بأكمله عموما .. وقليل من البنات ممن يسلمن من هذا المصير البئيس بقدرة قادر". جدير بالذكر أن شبح الهدر المدرسي لا يلاحق فتيات أزيلال وحدهن، وإنما الكثير من أمثالهن في صفوف عائلات تعيش تحت رحمة عقول متحجرة لا تدرك أهمية طلب العلم والتعلم، كهذه الحالة التي رصدتها Katy Gouahi على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، حيث كتبت: "أنا عايشت تجربة أكثر مرارة..طفلة في السادس حصلت على الرتبة الأولى على مستوى إقليمالصويرة (بمدارسها الخاصة ومساحتها الشاسعة...مئات المدارس بين المجالين الحضري والقروي..)، حصلت على تنويه من المدير الإقليمي لازال معلقا في الإدارة...وفي الآخر رفض الأب أن تذهب للمركز الذي يبعد مسافة 12km، والغريب أن الداخلية كاينة والنقل كاين..كلشي الأساتذة طلبوه وزاااوكو فيه...دون جدوى...تخيلوا المرارة التي كنا نحسها عندما نمر عليها وهي ترعى غنم زوجها ونحن في الطريق لندرّس أخريات سيعشن نفس الخيبة". وحتى يجبّ التاريخ ما قبله، ونقطع حبل المرارة، يقول رئيس جمعية سمنيد، "آمنّا بفكرة مركز الاستقبال العائلي، وكانت البداية ب12 فتاة متمدرسة فقط، حيث لم يكن هدفنا استقطاب العشرات وتكديسهن بين أربعة جدران من أجل إعادة تجارب فاشلة، وإنما إبراز أن الفتاة القروية، ومهما توغلت في أعماق هذه القرى الجريحة، فإنها قادرة على أن تحقق نتائج مرضية، وأن تنافس زميلاتها بالمعاهد والمؤسسات التعليمية الكبرى، شريطة أن تتوفر لها الظروف والإمكانات الحقيقية".