قُبيل أذان المغرب، يجلس خالي المعطي على علبة "نيدو" قصديرية فارغة، يمدّ السبسي على كفه اليسرى، باسطا تحته السبابة مثل سرير، ويحرص بعناية بالغة على عدم توجيهه ناحية القِبلة، فيما يحكم قبضته على الولاعة بالأصابع اليُمنى، عدا السبابة التي يحرّكها في دوائر أو يمدّها للسماء وهو يقسم أن الهلال الذي ظهر في السماء هو بعمر يومين أو يزيد. يمضغ علكا خالية من السكّر بأضراس مهترئة، وبحركة سريعة يلصقها بلسانه في أعلى تجويف الفم ويحلف: - بربّي حتى كلينا اليوم الأول ف رمضان.. إيه! المغاربة كاملين. تردّ خالتي حليمة دون أن تلتفت: - إوا ذنوبنا على مالين الإذاعة. يواصل بسرعة كأنها لم تتكلم، حتى إنه -بالضبط- عند منتصف كلمة "مالين" كان هو قد بدأ الكلام، وبحزم أكثر: -الله قال لينا "الهلال راه مواقيت للناس"، إوا راه خاصو يكون ديما "مواقيت". لم تفهم خالتي حليمة شيئا، لذا تصمت وهي تضع على المائدة في الآن نفسه صحن "الشباكية المجعّبة" المثقلة بعسل رخيص، وصحنَ قِطعٍ مبخّرة من لسان العجل؛ فيُثني سبابته اليمنى قليلا ويبعد بها صحن الشباكية، ثم يبسُطها تماما ويُدْني القطع المبخرة، ويواصل بصوت مشبع بالحسرة: - حق مولانا كون ما الكافر اللي نْقص ليا العينين كون خرجت لبارح نشوف ليكوم الهلال، والله حتى نجيبو.. جوج شوفات مانفوتهومش. يقصد خالي المعطي ب"الكافر" مرض السكري، لذا يُعانده بقوّة المُجاهدين ويُصرّ على صيام الشهر كاملا. يمضغ علكا خالية من السكر، ويُحاجج بشراسة أن العلك ليست مُفطِرة أصلا، وأنها فقط مكروهة، وأن هذا موجود في الكتُب. كانت خالتي حليمة تردد أغنية قديمة، فيما خالي المعطي يمد السبابة قبالته مثل عمود، ثم يغلق عينا ويفتح أخرى بالتناوب كي يقارن شدة بصرهما. قاطعَته حين مدّت إليه علبة سمك الأسقمري الناشف كي يفتحها، فأدخل طرف السبابة في الدائرة المعَدّة للفتح وجرّ، ثم وضعها على المائدة بسرعة قبل أن يشحذ انتباهه، وينظر إلى الساعة باهتمام وهو يعدّ بهمس..عقف السبابة اليمنى قليلا، وحركها مرتين في الهواء بحرص شديد، ثم فجأة، وبسرعة محسوبة نَقَرَ الظّفرَ بقوة على الطاولة، فانطلق الأذان في الوقت نفسه تماما. صاح بانتشاء: - آآه..!!؟ ياك قلت ليك نجيبها "ماقيت للناس" قْدْ قْدْ. وأشعل السبسي باطمئنان كبير ..