تستقطب مساجد مدينة فاس خلال شهر رمضان الكريم المصلين أكثر من أي شهر آخر، فتمتلئ عن آخرها سواء في الصلوات الخمس لكن بالخصوص، لأداء صلاة الجمعة والتراويح بعد العشاء، وصلاة التهجد قبل صلاة الفجر. وتحافط مساجد العاصمة العملية للمملكة على هذا الموروث منذ القدم، حفاظا على القيم الدينية المتوارثة لدى الساكنة، المتمسكة بالعادات الثقافية خصوصا في الأكل واللباس والقيم المرتبطة بهذا الشهر الفضيل من صدقة وأعمال الخير وتراحم وتوادد. وحتى قبل حلول هذا الشهر المبارك تكون هذه المساجد قد شهدت عمليات واسعة من التنظيف والإصلاح والترميم يقوم بها القيمون على المساجد، وكذا العديد من المتطوعين الذين يساهمون في هذه المبادرات ويعتبرون عملهم ومجهودهم خالصا لوجه الله وابتغاء مرضاته. كما تشكل هذه المساجد فضاء لتتبع الدروس الدينية التي يلقيها علماء أجلاء طيلة شهر رمضان، والتي تتمحور حول قضايا متعددة خاصة السيرة أو الحديث النبوي الشريف أو في تفقيه الناس في أمور دينهم وتصحيح بعض الممارسات والبدع الخاطئة. وتبقى المساجد المفضلة للساكنة لأداء الصلوات هي مساجد المدينة العتيقة، بفناءاتها الضخمة وأسوارها الحاملة لعبق التاريخ، لعل أبرزها مسجد القرويين الذي بنته فاطمة الفهرية في العام 245 ه – 859 م، كمسجد جامع وكجامعة علمية، ويعد حاليا من أقدم الجامعات في العالم، فبين أعمدته كان يلقي العلماء من مختلف التخصصات يوميا العشرات من الدروس لطلبة العلم القادمين من مختلف مدن المغرب والخارج. ومن بين المساجد التاريخية الكبرى التي تعتبر محجا للمصلين خلال شهر رمضان الكريم هناك أيضا مسجد جامع أبي الجنود الذي يعود للفترة الموحدية، ثم مسجد الأندلس الذي شيدته مريم الفهرية سنة 246 ه 860 م، ومسجد الشربليين الذي تأسس في الفترة المرينية وتزينه صومعة بالزليج الأخضر والأبيض والأحمر، ومسجد الحمراء، ومسجد الرصيف ومسجد باب عجيسة غيرها من عشرات المساجد المنتشرة في مختلف أنحاء المدينة. ومختلف هذه المساجد تعرف إقبالا متزايدا لأعداد كبيرة من المصلين من الجنسين ومن كافة الفئات العمرية خلال الشهر الفضيل، والذي غالبا ما تعجز عن تلبيته خصوصا خلال صلاة الجمعة والتراويح. نفس الإقبال المنقطع النظير يسجل في مختلف المساجد حديثة البناء في الأحياء الجديدةلفاس والتي رأت النور تماشيا مع الخطة الملكية لإعادة هيكلة الحقل الديني وتقويته، والتي تتمحور حول تأهيل أماكن العبادة، وتأطير الممارسة الدينية، وتعزيز التعليم والتكوين حتى يؤدي المسجد دوره في نشر مبادئ الإسلام السني وفق المذهب المالكي. وفي هذا الإطار تعرف مدينة فاس دينامية كبيرة في بناء المساجد الجديدة علاوة على عمليات الترميم التي شهدتها 13 من مساجدها العريقة.