استمعت عدة مرات خلال السنوات الأخيرة لمقاطع متفرقة من بعض برامج إذاعة محمد السادس، وتتبعت اليوم حوالي الساعة السادسة والنصف مساء جزءا من عرض أو درس لفقيهة تقدم أحد برامج هذه الإذاعة، وتأكدت لدي الملاحظات والأسئلة التي يثيرها الخط التحريري لهذه الإذاعة، ونوعية البرامج والمقاربات التي يتم بها تناول المواضيع والقضايا الفقهية، وصورة ومقتضيات الإسلام التي يذيعها مقدمو وضيوف هذه البرامج والدروس، وهي الإسلام السلفي والأحكام الشرعية المتحجرة والرائجة في كتب وقنوات ومواقع التيارات السلفية وفقهاء التحريم وتطبيق الحدود. السيدة الفقيهة تحدثت وكررت بصوت شجي وأنثوي مؤثر الكثير من الآراء الفقهية السلفية والتراثية، منها: التأكيد على لباس المؤمنات واللباس الشرعي. تنصيص القرآن الكريم على عقوبة الرجم حتى الموت، وأمام طائفة من الناس.. إقامة الحدود وتطبيق العقوبات الشرعية. إقامة الحدود منوطة بأجهزة الدولة... الإشكال الذي يطرحه الخط التحريري لهذه الإذاعة، التي تصنفها الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة الإذاعة الأولى من حيث عدد المستمعين والمتتبعين، هو أنها تتوجه إلى شرائح هامة من المستمعين تصل إلى الملايين، منهم الذين تلقوا أو يتابعون التعليم العتيق بدور القرآن والمدارس العتيقة، وازدادت أعدادهم بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، خاصة بالبوادي والقرى النائية، أو الشرائح الأمية أو شبه الأمية التي تبحث عن الإرشاد الديني والأجوبة الفقهية عير السماع والتفاعل الإذاعي. وبدل أن تنخرط الإذاعة في مقاربة إعلامية لتحديث النقاش الفقهي وتطوير وعصرنة الرأي والإرشاد الديني، وتوسيع مجالات ومستويات التناول الإعلامي ومواضيعه، يلاحظ كيف أن الخط التحريري والمقاربة المعتمدة، ونوعية المواضيع المتناولة، ونوعية الأشخاص/المصادر وتكوينهم وتخصصهم وتوجهاتهم، ومنشطي البرامج وضيوفها، بقيت تقليدية تعيد إنتاج الموقف الفقهي و"البروتوتيب" الديني السلفي الشرقي. وتزداد خطورة تأثير وامتدادات هذه المقاربات الإعلامية باستحضار وفرة مواقع وتسجيلات ومنشورات التيارات السلفية والأصولية والمتطرفة في الإعلام والأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، التي تنخرط فيها وتتلقاها الفئات الأخرى من مستهلكي الخطاب الديني والفتوي، حيث بدل أن تساهم مثل هذه الإذاعة في نشر نوع من المناعة الاعتدالية وتنوير الرأي الديني المغربي بما يساهم في التطور الاجتماعي والقيمي، تكرس الخطاب والرأي السلفي الذي يغذي الأصولية الفقهية والتطرف الإيديولوجي والدعوي وتبعاته السياسية في المستقبل.