أطفأت إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم شمعتها العاشرة، وهي تحتفي بما حققته من إسهامات في تأهيل الحقل الديني بالمغرب (كرتوش) إلى جانب آليات أخرى، وتقديم صورة حقيقة عن الدين الإسلامي السمح الذي يدعو إلى الوسطية والاعتدال والتسامح والانفتاح واحترام الآخر. إسهامات هذه الإذاعة الدينية والتثقيفية كانت أيضا في إبراز قدرات المرأة العالمة المغربية إعلاميا وجعلها منبعا للاستفادة من علمها. "المغربية" زارت إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم يوم الاحتفاء بهذه الذكرى لنقل صورة عنها في هذا الربورتاج. كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا من يوم الأربعاء ثاني يوليوز الجاري، وعلى غير عادته كان استوديو رقم اثنين بدار البريهي يعج بعلماء وفقهاء ومقرئين حلوا ضيوفا على إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، من أجل المشاركة في إحياء الذكرى العاشرة لإطلاقها من قبل أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس. كانت هذه الذكرى وقفة تأمل وتقييم لأداء هذه الإذاعة في الوسط الإعلامي، الذي تعزز في السنوات الأخير بعدد من الإذاعات الخاصة التي تتنافس في ما بينها لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المستمعين. إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، ورغم إمكانياتها البسيطة وأطرها القليلة، استطاعت أن تحتل الصدارة من حيث نسبة استقطاب المستمعين، بل الأكثر من ذلك وصل صيتها إلى عدد من الدول العربية والاسلامية، واعتُبرت تجربة رائدة من حيث طريقة اشتغالها وتنوع برامجها وخطابها المبسط الذي يصل بسهولة إلى المتلقي بكل فئاته المثقفين منهم والأميون. هذا التصنيف حصلت عليه هذه التجربة المغربية بعد مقارنتها مع تجارب دول إسلامية مشاركة في لقاء للإذاعات الإسلامية بنواكشوط. وبهذا الخصوص، قال عبد السلام زيان، رئيس قطاع البرامج بإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، " إنه بعد عرض تجربة إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم في هذا اللقاء و مقارنتها مع باقي التجارب تبين أنها نموذجية، كما لوحظ اهتمام كبير بها من طرف باقي الإذاعات المشاركة، خاصة أن نجاحها وصل إلى العالم العربي والإسلامي بفضل وسائل التواصل الحديثة، ممثلة في الإنترنيت والأقمار الاصطناعية، مشيرا إلى أن مغاربة العالم يتابعونها بدورهم عبر الوسائل نفسها. احتلالها الصدارة بين الإذاعات الوطنية نجاح هذه الإذاعة الدينية والتثقيفية، يؤكده تصنيف المركز المهني لقياس نسب الاستماع للمحطات الإذاعية بالمغرب (سيراد) في كل دراساته لقياس نسب الاستماع لدى متتبعي الإذاعات الوطنية، حيث كانت إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، في مركز الصدارة من حيث نسبة الاستماع ضمن مختلف الإذاعات الموجودة على امتداد التراب الوطني، حسب إدريس أولحيان، مدير إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، بفضل الجهود التي تبذلها بمواكبتها لكافة الأنشطة الثقافية والعلمية والدينية التي تنظمها المجالس العلمية المحلية، وتقديمها لمجموعة من البرامج الدينية والفقرات التي تهم المواطن في دينه ودنياه، وبإيلائها العناية اللازمة للتراث العريق والعمل على إحيائه. منتوج الإذاعة ذو طابع ديني منذ انطلاقها سنة 2004، كان القرآن الكريم يشكل المادة الأساسية ضمن مواد وفقرات برامج إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، نظرا لارتفاع نسبة مستمعيها، ثم بعد ذلك تم وضع دفتر تحملات حدد نسب لكل البرامج الإذاعية، وبالتالي خصص 50 في المائة للقرآن الكريم، وبعد أن تم تنويع البرامج وتكثيفها تراجعت هذه النسبة إلى 40 في المائة تضم القرآن الكريم والقراءات والسنة النبوية الشريفة وشرح القرآن. الزياني الذي قضى سنوات طويلة في الاشتغال في الإذاعة الوطنية قبل أن يلتحق بإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، قال " إن الإذاعة تهتم بجميع مناحي الحياة التي يهتم بها الدين، وتحاول معالجة كل القضايا والمواضيع ببعد ديني، كالبيئة، وحوادث السير، والأسرة والطفل، والصحة وغيرها، مبرزا أن هذا التنوع التي تنهجه إذاعة محمد السادس يوجد فقط في المغرب. ويتم اختيار البرامج التي تقدمها الإذاعة عن طريق ثلة من العلماء والفقهاء والإعلاميين العاملين بالإذاعة بعد مناقشتها، حيث العلماء والفقهاء يهتمون بالمضمون والمحتويات الفقهية والدينية، فيما يهتم الإعلاميون بالجانب التقني. وقال زيان بهذا الخصوص " نحن كطاقم نحرص على المسائل التقنية من خلال ضمان جودة الصوت والتسجيل واحترام المعايير الإعلامية الإذاعية"، معتبرا أن هذا التجانس تجربة رائدة في المغرب، حيث يعمل الإعلاميون والعلماء في إطار من التعاون في بلورة صيغة البرامج واختيارها، مع مراعاة طبيعة وخصوصية الإذاعة والأسلوب والتبليغ الإذاعي. وهذا التعاون، حسب زيان، أثمر تجربة مغربية يحتدى بها في العالم العربي والإسلامي، لأنها خلقت نجاحا وتجاوبا مع المستمعين. اختيار الإعلاميين بما أن إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم تشتغل في المجال الديني، فقد كانت بحاجة إلى إعلاميين لهم دراية بالشريعة والفقه والقرآن الكريم، لذا استعانت بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي مدتها بمرشدات ومرشدين دينيين متخرجين من معهد تكوين الأئمة والمرشدين، وتم تكوينهم ميدانيا للعمل في التنشيط الإذاعي وإنتاج البرامج وتقديمها. وقالت حليمة، مرشدة دينية، تعتمل منشطة في الإذاعة، إنه بدل أن تعمل في مجال اختصاصها، الذي هو المسجد والمدارس العلمية، اختيرت رفقة مجموعة من زملائها للالتحاق بالإذاعة، على اعتبار أن هناك بعض الأمور لا يمكن للصحافي أن يتفوق فيها رغم تكوينه الصحفي، كإتقان قواعد التجويد والعلوم الشرعية، مؤكدة أنها استفادت من العمل في الإذاعة من خلال توسيع معارفها الدينية، من خلال تواصلها مع العلماء والمقرئين والفقهاء وجمهور المستمعين. وأكدت أنها وزملاؤها في الإذاعة يدركون حاجيات المستمع المغربي، وأنهم على هذا الأساس يزودونه بما يحتاجه في كل ما يتعلق بالدين، مع استعمال خطاب مبسط حتى لا يضطر إلى التنقل عبر القنوات الأخرى. أما زميلتها ابتسام حمومي، فهي تعتبر أن رسالتها وزملاؤها هي خدمة القرآن الكريم من خلال العمل الجماعي والمتناغم بين كل عناصر الطاقم من إعلاميين ومنشطين ومهندسي الصوت ومخرجين، متحدّين الإكراهات المرتبطة بإمكانيات العمل البسيطة وقلة الأطر العاملة في الإذاعة، في الوقت الذي يكثر الاشتغال نتيجة توسع الإذاعة ونجاحها، فهم يشتغلون مثل خلية نحل، ولا مانع لديهم في تبادل المهام إذا دعت الضرورة إلى ذلك وتضيف ابتسام إنها تعمل منشطة ومقدمة برامج، لكنها أحيانا تتبادل الدولار مع أحد زملائها، وهذا ما حدث في اللقاء المباشر الخاص بالاحتفاء بالذكرى العاشرة، حيث اشتغلت مخرجة بطلب من زميلتها. مراقبة المادة القرآنية منذ انطلاق هذه الإذاعة الدينية والتثقيفية كان القرآن الكريم لا يوجد إلا في الأشرطة والأقراص المدمجة، وعندما كُلّف، محمد المسعودي، مشرف على مادة القرآن الكريم بإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، بمراقبة مادة القرآن الكريم بالإذاعة، كانت الوسيلة الوحيدة لتحضير هذه المادة هي الاستماع واختيار أشرطة القرآن الكريم واختيار المقرئين، لكن عندما تطورت وسائل العمل بالإذاعة وبدأت هذه الأخيرة تستعمل نظام المعلوميات، يضيف المسعودي، سهل ذلك علينا المأمورية فالتحقت بالبرمجة مباشرة بعدما كنت أعمل داخل خزانة الأشرطة. والتحق المسعودي ببرمجة إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم وكلف من جديد بتسجيل بعض الأشرطة الخاصة بالقرآن الكريم في نظام المعلوميات، بحيث اختار أشهر المقرئين المغاربة وسجل مع مقرئين جدد أيضا، فضلا عن سهره على المسيرات القرآنية التي تداع كل شهر رمضان. وأصبحت مهمة المسعودي الاستماع والتوضيب والإصلاح في آن واحد بمساعدة أطر البرمجة وتقنيي استوديوهات الإذاعة، بحيث تزوده مصلحة الخزانة الصوتية بالمادة القرآنية، فيما يتم التسجيل من طرف تقنيي الاستوديو. وبالمقابل تقوم مصلحة البرمجة ببرمجة المادة القرآنية مع المراقبة اليومية لجميع الحصص القرآنية لتفادي التكرار أو التنكيس. وبالتالي، فتقديم المادة القرآنية، يتم عن طريق عمل جماعي، يقول المسعودي، "والآن أصبحت الإذاعة غنية بالحصص القرآنية ومازلنا نطمح إلى المزيد من التسجيلات الجديدة بمقرئين آخرين جدد من مختلف مناطق المملكة". الانطلاقة والتطور لما أطلقت إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم بتاريخ11 أكتوبر 2004 موافق 2 رمضان 1425 من طرف أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، كانت هذه الأخيرة تابعة لمصلحة البرمجة في الإذاعة الوطنية إلى غاية سنة 2006. ويحكي خالد أبنور، رئيس مصلحة البرمجة بالإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، أنه في سنة 2006، وبعدما أعيدت هيكلة الإذاعة الوطنية لتصبح الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، انفصلت عنها إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، وأصبح لها مدير وطاقمها الخاص، والتحق بها عدد من العاملين بالإذاعة الوطنية آنذاك، مشيرا إلى أنه، خلال حوالي سنة من انطلاقها كانت تشتغل لمدة 10 ساعات، من الثانية بعد الظهر إلى منتصف الليل، و70 في المائة من موادها كانت عبارة عن قراءات قرآنية، وبعد سنة، يضيف أبنور، انتقلنا إلى 16 ساعة من العمل، وتم تكثيف البرامج وتنويعها وأصبحت برامج صباحية وبرامج الظهيرة والمساء. وقبل نهاية سنة 2006 توسع مجال اشتغال الإذاعة وأصبحت تشتغل 24 ساعة على 24 ساعة، وهنا كثفت البرامج وتنوعت وأصبحنا نشتغل بدفتر تحملات، لكن الغريب، يضيف أبنور، أن عملنا كان يتماشى مع ما جاء في دفتر التحملات وهذا كان جيدا. بعملها الدؤوب والمتنوع، استطاعت إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم أن تحتل الصدارة، ويظهر ذلك من خلال مشاركة المستمعين في البرامج المباشرة، حسب أبنور، إذ نلاحظ أن هناك تجاوبا كبيرا مع هذه البرامج الدينية التثقيفية التي تنطلق من المذهب المالكي الوسطي المعتدل الذي هو مذهب المغاربة. وما ساهم في نجاح برامج الإذاعة انفتاحها على العلماء والفقهاء المغاربة في مختلف مناطق المملكة وعدم الاقتصار على علماء الرباط، حيث تتم دعوتهم للمشاركة في البرامج المباشرة والتواصل مع المستمعين والإجابة عن تساؤلاتهم. إبراز مؤهلات النساء في الدين النجاح الذي حققته إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، إلى جانب تنوع برامجها وانفتاحها على جمهور المستمعين والعلماء المغاربة، هو البحث عن الطاقات النسائية المتشبعة بالعلم والفقه الإسلامي وإبراز قدراتها والاستفادة منها. وبهذا الخصوص، يعتبر إدريس أولحيان، مدير الإذاعة، أن فتح الباب أمام المرأة العالمة وتكريس انخراطها في مشروع تأهيل الحقل الديني في شقه الإعلامي يدعو إلى الاعتزاز بهذه المنشأة الإعلامية الدينية، مؤكدا أن المرأة العالمة المغربية أثبتت إعلاميا قدرتها واستحقاقها للأمانة التي أناطها بها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، في خطابه يوم 30 أبريل 2004، الذي أوصى فيه جلالته بضرورة إشراك المرأة العالمة في تأهيل المجتمع دينيا وتربويا ودعويا، لذلك ، يضيف أولحيان، أصبحت المرأة العالمة اليوم حاضرة بقوة داخل المسجد وداخل المجالس العلمية وفي دور العجزة والمستشفيات والمؤسسات التربوية والتعليمية، وكذا في جل المنابر الإعلامية، مشيرا إلى أن نسبة النساء العاملات تشهد ارتفاعا، مقارنة مع نسبة الرجال العاملين بالإذاعة في المجالات الصحفية والتقنية والفنية والإرشادية. ويرى رشيد بلعشية، قارئ للمسيرة القرآنية بإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، أن هذا المنبر الإعلامي الديني مكن المرأة المغربية العالمة من أن تبرز قدراتها وأن يستفيد الناس من علمها، مشيرا إلى أن الرجال استفادوا من علم المرأة في التاريخ الإسلامي، قائلا " كم من عالم علمته المرأة حفظ القرآن والحديث والسيرة والتاريخ"، مضيفا، أنه بفضل هذه الإذاعة تم إحياء ذلك، وشرف لنا أن نتعلم من المرأة.