أثارت تحولات التيارات السلفية بعد الربيع العربي اهتماما بحثيا لافتا، حيث انصب التركيز أساسا على موضوعات المشاركة السياسية للسلفيين وعلاقة السلفية بظاهرة التطرف العنيف ضمن قضايا أخرى. وتركز أغلب هذه الدراسات التي تناولت الظاهرة السلفية على المصادر الثانوية والمعطيات الكيفية، في حين أن وضع السلفيين تحت المجهر من خلال البحث الكمي يعتبر نادرا للغاية. وتمتاز هذه الدراسة عن غيرها باعتمادها تقنيات البحث الكمي، وتهدف إلى سبر أغوار تصورات السلفيين وتمثلاتهم الاجتماعية حول ذاتهم ومحيطهم. وفي الواقع، هناك بعض الدراسات الكمية التي حاولت دراسة موضوع ظاهرة التطرف والعنف المرتبط بالجماعات الإسلامية المسلحة عبر تكوين قاعدة بيانات ترصد أنشطة المجموعات المسلحة والعمليات الإرهابية. مثلا نشر المركز الدولي لدراسة الراديكالية في سنة 2014 نتائج دراسة كمية حول المقاتلين الأوروبيين في سوريا انطلاقا من قاعدة بيانات تم تكوينها من الصفحات الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي لحوالي 190 مقاتلا أوروبيا في سوريا وغيرها. إلا أنها لم تتمكن من دراسة تمثلات وتصورات الناشطين السلفيين العاديين، ويمكن إرجاع هذا الأمر إلى سببين. الأول مرتبط بطبيعة الظاهرة السلفية التي تستعصي التكميم، فمسألة التطرف والاعتدال هو أمر نسبي ويصعب إيجاد مؤشرات دقيقة لاستبيانه داخل المجتمع، كما أن الظاهرة السلفية هي ظاهرة معقدة يصعب تحليلها ووضعها في قوالب جاهزة مكممة. وهذا ما دفع بعض الباحثين إلى تأكيد أن صعوبة الاعتماد على الأبحاث الامبريقية واستعمال الأرشيفات والمعطيات المؤسسية لتفسير العوامل التي تجعل الأفراد عرضة للتطرف. السبب الثاني مرتبط بالجمهور المدروس، فهذا التقرير لا يستهدف الجمهور الواسع ولكنها تستهدف بشكل مباشر السلفيين، ومن ثمة فإن تحدي الولوج وإقناع السلفيين بأن يكونوا مادة للدراسة والدرس تمثل مغامرة لا تخلو من صعوبات. أولا: المعرفة الدينية يُثمن السلفيون بشكل كبير المعرفة الدينية التقليدية التي ينتجها العلماء السلفيون وينظرون إليها كمدخل أساسي للتكوين العقائدي السليم. فبسبب اهتمامهم بالحصول على الدليل قبل أن يتم قبول رأي ما، وبامتلاك الدليل على الحكم لا يكون المسلم منشغلا بالتقليد بل هو بالأحرى مشغول بممارسة يسميها السلفيون الإتباع ( أي الالتزام الشكلي والمضموني لما كان عليه السلف). ومن هذه الناحية فكل ناشط سلفي يكون قد تحرر من نير التقليد ويكون مخلصا للتعاليم الحقيقية للأجيال الأولى للإسلام. رغم ذلك فإن الإتباع هو نوع من تقليد الشيوخ من خلال أخذ المعارف الدينية والعقائد بشكل حرفي منهم. وهو أيضا مدخل للكثير من الانقسامات بسبب تعدد الأفهام للنصوص الدينية. وفي كل الأحوال، يحرص السلفيون على تبجيل المعرفة الدينية السلفية بشكل كبير لأنها تمنح المتقن للعلوم الشرعية هيبة ومشروعية في أعين المنتسبين إلى التيار. وبشكل عام يوجد ثلاث مصادر لاستقاء المعرفة الدينية، وهي كالتالي: * الطريقة الأولى تقليدية وتعتمد على السمع والحفظ، وترتبط أساسا بالدروس الدينية التي يلقيها السلفيون في المساجد أو في دور القرآن. وهذه الطريقة هي المعتمدة منذ فجر الإسلام عبر حلق الذكر والدروس في المساجد. * الطريقة الثانية تعتمد على القراءة والإطلاع على الكتب التراثية. * الطريقة الثالثة، وبسبب ظهور الفضائيات وتكنولوجيا التواصل الحديثة تغيرت العلاقة بالمعرفة الدينية، بحيث لم يعد إنتاجها محصورا في الفضاءات المقدسة التي كان يجسدها المسجد، ولم تعد محصورة في فئة العلماء الرسميين أو التقليديين، ولكن تحرر الخطاب الديني كنتيجة لتحرر الفضاء الإعلامي في العالم العربي، وأصبح للجمهور إمكانية الحصول على المعرفة الدينية عن بعد ومن دون الحاجة إلى الوسطاء الدينيين التقليديين. ومن ثمة فمن من المهم معرفة مصادر التلقي التي يعتمدها السلفيون في تعاطيهم مع المعرفة الدينية. وهو ما تم في هذا التقرير من خلال تخصيصنا محورا مستقلا للمعرفة الدينية في البحث الميداني نظرا للأهمية التي يحظى بها ضمن السلفيين، يتضمن أسئلة ذات العلاقة بموضوع مصادر التلقي والأهمية النسبية لبعض الشخصيات الدينية، ومدى تأثيرها على المبحوثين، هذا بالإضافة إلى أنواع الكتب التي تمت قراءتها مع ذكر أسماءها، هذا بالإضافة إلى ذكر أسماء الشخصيات الدينية البارزة المؤثرة ثم أخيرا القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي التي يتم متابعتها بشكل مستمر، حيث تم تخصيص أسئلة خاصة بأبرز المواقع والقنوات التي يواظب السلفيون على متابعتها. في المستوى الأول، رغبنا في استكشاف تعامل السلفيين مع المرجعيات السلفية المكتوبة، فالتفاعل مع النصوص المدونة يعكس مستوى معمق من الارتباط الفكري مع إيديولوجية معينة، كما أن نوعية الكتب التي يتم قراءتها تعكس أيضا أولويات القارئ واهتماماته الفكرية. ومن ثمة تم طرح أسئلة لها علاقة بوتيرة القراءة ونوعية الكتب المقروءة ثم أبرز المرجعيات المكتوبة التي يعتمدها المبحوثون في بناء تصوراتهم الفكرية. بالنسبة للسؤال المتعلق بوتيرة القراءة تم طرح سؤال مغلق حول ما إذا كان المبحوث قد قرأ كتابا خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، فكان الجواب أن أكثر من نصف المستجوبين لم يسبق لهم قراءة أي كتاب خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، وغالبا ما يكتفي هؤلاء الذين لم يقرؤوا الكتب بالدروس الدينية التي تلقى في دور القرآن أو المساجد، أو من خلال متابعة الفضائيات. وقد طلب من المستجوبين الذي أجابوا بنعم على سؤال: هل قرأت كتابا خلال ثلاث أشهر الأخيرة، تحديد أسماء الكتب التي قاموا بقراءتها، وقد كانت النتيجة أن أغلب القراءات التي يمارسها السلفيون تدور في كتب التراث، لا سيما كتب شرح الحديث والعقيدة والسيرة والفتاوى، مثل كتاب "التوحيد" لمحمد بن عبد الوهاب، وفتاوى الشيخ ابن تيمية، وكتاب "فقه السيرة" لسيد سابق. لقد كان لسؤال الكتب المقروءة ضمن الاستمارة الموزعة على المبحوثين، دور مهم في تحديد المرجعيات المعتمدة في التكوين الايديولوجي للسلفيين، فضلا عن تحديد الخصائص الفقهية والعقدية ضمن أبرز الكتب المكررة، والتي هي إلى جانب كتب الحديث والسنة كصحيح البخاري ومسلم، نجد كتاب التوحيد للشيخ محمد ابن عبد الوهاب، وهو كتاب عقدي، متضمن لأفكار "إصلاحية دينية"عبر تحديده لطبيعة التداخلات الشركية والكفرية حسب اعتقاده في الممارسات التعبدية، وموجه بذلك للعقيدة الصحيحة الخالية من "البدع والمستحدثات". كما تضمنت النتائج وجود كتب أخرى، كفتاوى أبن تيمية، وفقه السنة، ورياض الصالحين، والرحيق المختوم لابن القيم وغيرها. بالرغم من أن حوالي نصف المبحوثين فقط من أجاب بالإيجاب عن سؤال الكتب المرجعية، فإن نسبة قليلة منهم استطاعت تحديد ثلاث كتب تمت قراءتها خلال الفترة الماضية، وأغلب الذين أجابوا اكتفوا بذكر كتاب أو كتابين على الأكثر. وبالرغم من ذلك، فقد تمكنا من حصر أزيد من أربعين عنوانا، تنتمي كلها لكتب التراث المعتمدة لدى التيار السلفي. من الناحية الكمية تبوأت ثلاث كتب الصدارة على رأس الكتب التي قرأها المبحوثون خلال الأشهر الثلاث الأخيرة حيث احتل كتاب صحيح البخاري الصدارة بنسبة تكرار 12، يليه كتاب صحيح مسلم وكتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب بتكرار 11 لكل منهما. تعكس نسبة تكرار هذه الكتب الأهمية النسبية التي تمثلها هذه الكتب بالنسبة للسلفيين، فكتاب صحيح البخاري يعد المصدر الأول للأحاديث الصحيحة المنقولة عن الرسول عند أهل السنة، ويضم الكتاب حوالي أربعة آلاف حديث، يليه من حيث الأهمية صحيح مسلم الذي يعد أهم كتب الحديث الصحيح بعد كتاب البخاري، لدى أهل السنة، ثم أخيرا كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب. وترجع أهمية هذا الكتاب لكونه صادرا عن مؤسس السلفية الحديثة والشخصية الأكثر تأثيرا داخل التيار السلفي المعاصر، بعد الشيخ ابن تيمية. وكتاب التوحيد يتضمن لأقوال السلف الصالح، والأحاديث النبوية الصحيحة، لإبراز "العقيدة الصحيحة"، وتبيان التوحيد في العبودية والربوبية، من خلال انتقاد ما اعتبر مظاهر الشرك والمدخلات البدعية في العقيدة الإسلامية. ثانيا: وسائل التواصل الحديثة لقد كان النفاذ إلى المعرفة الدينية مرتبطا أساسا بالمدارس التقليدية العتيقة وأيضا بالخطاب المسجدي. ولكن ستعرف السنوات الأخيرة تطورا على مستوى الولوج إلي المعرفة الدينية، لا سيما مع التطور التكنولوجي الذي سهل الولوج للمعرفة. وقد استفاد التيار السلفي من نتائج هذا التطور التكنولوجي بحيث تمكن من التكيف بسرعة مع هذه التطورات. فقد شجعت عملية تحرير الإعلام من هيمنة الدولة العديد من المستثمرين للدخول إلى سوق الإعلام. وقد حصل تحالف موضوعي بين فئة من رجال الأعمال "المتدينين" وعناصر من التيار السلفي بحيث تم بناء شبكة واسعة من القنوات الفضائية السلفية في السنوات الأخيرة. كما عملت بعض الحكومات قبل وبعد "الربيع العربي" على غض الطرف عن نشاط التيارات السلفية في وسائل الإعلام الفضائية وفي بعض الأحيان شجعت هذا التيار، باعتبار أن التيار السلفي التقليدي لا يشكل تهديدا أمنيا، كما وظفته بهدف خلق توازن حركات الإسلام السياسي، مثل جماعة الإخوان المسلمين. ونتيجة لذلك، ظهرت منذ منتصف عام 2000 فئة جديدة من الدعاة السلفيين الذين استفادوا من الثورة الإعلامية التي عرفها العالم العربي وتمكنوا من بناء شبكة من الزبناء الجدد، لا سيما في صفوف النساء والشباب، وتمكن هذا الخطاب من ملامسة تطلعاتهم. الشخصية الدينية المؤثرة وفي هذا الصدد تم وضع سؤال مفتوح يهم تحديد اسم الشخصية الدينية المؤثرة. وقد أجاب أكثر من نصف المبحوثين بكون الشخصيات الدينية الأكثر تأثيرا في حياتهم هم دعاة ورموز دينيون من خارج المغرب، ويأتي الشيوخ المصريون المشهورون في قناة الناس الفضائية في الرتبة الأولى ضمن الشيوخ الأكثر تأثيرا في السلفيين المغاربة، وقد احتل الشيخ المصري أبو إسحاق الحويني الرتبة الأولى بحوالي 30 في المائة من مجموع المستجوبين ، ثم بعده الشيخ محمد حسان (مصري) ب21 في المائة، وبعده الشيخ الألباني (أردني) ب8 في المائة ، في حين يأتي أول شيخ مغربي في الرتبة الرابعة احتلها الشيخ حماد القباج بحوالي 7 في المائة من المبحوثين، وبعد الشيخ محمد المغراوي بنسبة 4 في المائة من مجموع المبحوثين. من الظاهر أن حضور الشيوخ السلفيين المصريين مرتبط أساسا بانتشار الفضائيات السلفية خلال السنوات الأخيرة، لا سيما قناة الناس وقناة الرحمة. وهو ما يؤكده نسب المشاهدة العالية لهذه القناة بالذات بالنسبة للسلفيين. فقد استقطبت مشاهدة هاتين القناتين حوالي نصف المشاهدين (الرحمة، 34 في المائة) و (الناس ب 13 في المائة) في حين احتلت قناة السادسة (قناة محمد السادس للقرآن الكريم) الرتبة الثانية واستقطبت حوالي خمس المشاهدين.
التكنولوجيا الحديثة تجدر الإشارة إلى أن قناة السادسة هي قناة فضائية مغربية ممولة من الحكومة المغربية ولا تنتمي للتيار السلفي، ولكنها تنشر برامج دينية مختلفة تركز أساسا على نموذج "التدين المغربي" الذي يعتمد أساسا على "المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني". فباستثناء المذهب المالكي، لا يتشارك السلفيون مع توجهات الدولة الاديولوجية، لا سيما فيما يخص العقيدة الأشعرية والتصوف. ويمكن تفسير أسباب احتلال قناة السادسة للرتبة الثانية لعدة اعتبارات. أولا رغبة السلفيين المبحوثين في تأكيد البعد المحلي لتدينهم لإبعاد التهمة المرتبطة أساسا باتهامهم بالولاء للمدرسة الوهابية السعودية. كما أن الراجح أن السلفيين يتعاملون بانتقائية مع هذه القناة، بحيث يتم الاستماع إلى البرامج التي تتقاطع مع أفكارهم لا سيما تلك التي تركز على العقيدة. أما بالنسبة للإنترنيت فيبدو أن موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يحتل رتبة متقدمة، فأكثر من نصف المستعملين للإنترنيت أشاروا إلى أنهم يستعملون الفيسبوك كقناة أولى للتواصل، ثم بعدها موقع طريق الإسلام بحوالي عُشر المستجوبين، في حين لم تستقطب باقي المواقع إلا نسبة قليلة منهم. ويشير الاستعمال المكثف لموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إلى أن السلفيين لا يستعملون الانترنيت فقط بهدف الولوج إلى المعرفة الدينية ولكن أيضا بهدف التواصل فيما بينهم ومعرفة ما يدور حولهم. تتقاطع نتائج الدراسة الميدانية التي أجريناها مع المعطيات التي توصلت إليها عدد من الدراسات السابقة لا سيما تقرير الإسلام اليومي الذي أنجز سنة 2007 والبحث الوطني حول القيم الذي أنجز سنة 2006 وتقرير الحالة الدينية الثاني الذي أجري سنة 2012. ويشير التقرير التركيبي للبحث الوطني حول القيم إلى نتائج متقاربة مع نتائج البحث الميداني الذي توصلنا إليه. لا سيما وجود تنوع كبير في مصادر المعرفة الدينية ودخول الوسائل الجديدة للتواصل على الخط. مع ذلك يشير التقرير إلى أن المسجد يبقى في الرتبة الأولى على مستوى مصدر المعرفة الدينية بالنسبة للمغاربة رغم منافسة وسائل التواصل الحديث لمؤسسات التنشئة الدينية التقليدية التي وضعت في محل منافسة من قبل هذه الوسائل الحديثة. أما تقرير الإسلام اليومي فيؤكد نفس نتائج تقرير الخمسينية، حيث يبوأ المسجد الرتبة الأولى على مستوى المصدر الأول للمعرفة الدينية، يليه التلفاز، ثم الأصدقاء والأقران وتأتي القراءة رابعا. كما أجاب حوالي أكثر من نصف الشباب المستجوبين بأن الجيل الحالي من الشباب يتوفرون على معرفة دينية أكثر من الأجيال السابقة، كما أن ثلث المستجوبين يعتبرون بأن معرفتهم الدينية أكبر من معرفة آبائهم، والشباب أقل معرفة بها.
ثالثا: تطبيق الشريعة وقضايا الهوية يمتلك السلفيون تصورات خاصة حول المجتمع والعلاقة التي تربط بين أفراده. فالسلفيون ينظرون إلى أن الرابطة الأساسية التي تربط بين مختلف مكونات المجتمع هي العقيدة الدينية وليس على أساس المواطنة. فالرابطة العقدية تمتلك في نظر السلفي قوة أكبر من الروابط الاجتماعية الأخرى، ومن ثمة فإن السلفي يعمل عل تصنيف الأفراد ووصمهم بناء على مدى قربهم أو بعدهم من النموذج المعياري السلفي. إلا أن مقارنة نتائج الدراسة الميدانية التي أجريناها مع دراسات سابقة أنجزت على غير السلفيين تظهر أن السلفيين المغاربة يختلفون على مستوى بعض التمثلات بالمقارنة في حين أنهم يتشابهون في البعض الآخر.
الموقف من المجتمع في الموقف من المجتمع المغربي تم طرح أسئلة لها علاقة بموقف السلفيين ورؤيتهم للمجتمع، وما إذا كان الواقع الحالي متطابقا مع تصورهم للمجتمع المثالي، كما تم طرح أسئلة أخرى لها علاقة بمسألة تطبيق الشريعة، باعتبارها أحد أبرز القضايا التي تشغل العقل السلفي. فتم طرح أسئلة من قبيل هل يمكن تطبيق الشريعة في المغرب سواء حاليا أو في المستقبل، وطرح أيضا سؤال متعلق بنسبة انسجام المجتمع المغربي مع مقتضيات الشريعة، ثم أخيرا طرح سؤال له علاقة بالبعد المقارن لا سيما الدول التي تطبق في نظرهم الشريعة بشكل مثالي. بخصوص السؤال الرئيسي في هذا المحور والمتعلق بمسألة الموقف من المجتمع المغربي، وما إذا كان في نظرهم منسجما مع المرجعية الدينية التي يؤمن بها أم لا، أجاب نصف المبحوثين أن المجتمع المغربي مليء بالبدع وأجاب العُشر بأنه مجتمع غير إسلامي في الكثير من جوانبه، في حين أجاب حوالي ثلث المستجوبين بأن المجتمع المغربي هو مجتمع مسلم قائم جزئيا على الكتاب والسنة، في حين لم يتجاوز عدد المستجوبين الذين اعتبروا أن المجتمع المغربي قائم بشكل كلي على القرآن والسنة نسبة 2 في المائة. ولتدقيق هذا السؤال بشكل أكبر طلب من المستجوبين إعطاء رقم لتحديد نسبة المغاربة الملتزمين بالكتاب والسنة، علما أن 10 تعني الالتزام الكامل و1 تعني نسبة ضئيلة جدا. وقد أجاب حوالي 45 في المائة بأن التزام المغاربة الملتزمين بالكتاب والسنة ضئيل جدا (بين 1 و3)، في حين عبر نصف المستجوبين تقريبا أن التزام المغاربة متوسط (بين 4 و6) في حين لم تتجاوز نسبة الذين عبروا عن كون المغاربة ملتزمين بشكل كامل 7 في المائة.
تطبيق الشريعة المؤشر الفرعي الثاني يهم فهم موقف السلفيين من تطبيق الشريعة. وقد تم طرح أربع أسئلة مترابطة تتعلق بإمكانية تطبيقها حاليا، أو بتدرج أو استحالة تطبيقها نهائيا في ظل الظروف الحالية، وأخيرا طرح سؤال مفتوح على المستجوبين بخصوص الدولة التي تطبق الشريعة الإسلامية بشكل كامل. بخصوص الموقف من إمكانية تطبيق الشريعة حاليا، عبرت نصف العينة عن اتفاقها مع هذا المبدأ فيما عبر النصف الآخر عن شكوكهم من إمكانية تحقق هذا الأمر. في حين تؤيد الغالبية الساحقة من المستجوبين تطبيقا تدريجيا للشريعة (97 في المائة)، وتعارض نفس الفكرة مقولة انه يستحيل تطبيق الشريعة في الوقت الحالي بحجة أنها تجاوزها الزمن، بنسبة 96 في المائة من المستجوبين. كما تم طرح سؤال مفتوح متعلق بالدول التي تطبق الشريعة الإسلامية حاليا، وكان من المفاجئ أن 40 في المائة من المبحوثين تعتبر أنه لا يوجد أي دولة في العالم حاليا تطبق الشريعة بشكل كامل حاليا ولا يمتلك حوالي ربع المستجوبين تقريبا جوابا على هذا السؤال، في حين يحيل 30 في المائة على المملكة العربية السعودية باعتبارها تطبق الشريعة الإسلامية . في حين لم يشر أي منهم إلى المغرب، باعتباره دولة إسلامية، رغم أن الدستور المغربي يشير إلى أن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للمملكة، وأنه لا ينبغي للنصوص التشريعية أن تتعارض مع الدين. لمقارنة تصورات السلفيين من قضية تطبيق الشريعة مع دراسات سابقة، نشير إلى دراسة أنجزها معهد غالوب في أواخر سنة 2006، تحت عنوان "الإسلام والديمقراطية"، وشملت حوالي 10 دول ذات أغلبية مسلمة، فقد توصلت النتائج إلى نتائج متقاربة مع تلك التي توصل إليها البحث الذي أجريناه حول السلفيين. فبخصوص موقع الشريعة الإسلامية في التشريع فقد اعتبر 33 في المائة من المغاربة المستجوبين أن الشريعة يجب أن تكون المصدر الوحيد للتشريع، و65 في المائة منهم يعتبرون بأنها هي المصدر الأساسي ولكنها ليست الوحيدة، فيما اعتبر 2 في المائة فقط من المستجوبين بأن الشريعة لا ينبغي أن تكون مصدرا للتشريع. وفي السؤال المتعلق بدور علماء الدين في وضع دستور الدولة، هل تعتقد بأنه دورهم يجب أن يكون مباشرا، أو باعتباره مستشار، أو دور غير مباشر، يجيب 16 في المائة من المغاربة بان العلماء يجب أن يكون لهم دور مباشر في وضع الدستور و9 في المائة باعتباره مستشارا و73 في المائة يعتبرون بأنه ينبغي أن يكون لهم دور غير مباشر، ويبين الجدول التالي الدور الذي يجب أن يلعبه عالم الدين في صياغة الدستور:
لباس المرأة بخصوص السؤال الخاص بلباس المرأة، وما إذا كان للمرأة الحق في اختيار اللباس الذي تراه مناسبا، أجاب ثلاثة أرباع من المستجوبين أن النقاب ضروري للمرأة، و85 في المائة عبروا عن كون كل من النقاب والحجاب (الوجه والكفين) على نفس قدم المساواة من الأهمية، في حين اعتبر نصف المبحوثين أن لبس المرأة للحجاب الشرعي كاف، في حين عارضت الأغلبية الساحقة إعطاء المرأة حق اختبار اللباس الذي تراه مناسبا أو أن لها الحرية في لبس ما تشاء.
التعامل مع المؤسسات البنكية الربوية من جهة ثانية، حاولت الدراسة التعرف على موقف السلفيين إزاء بعض القضايا اليومية، لا سيما التعامل مع المؤسسات العصرية من قبيل البنوك وغيرها. يمتلك أقل من ثلث المبحوثين على حساب بنكي. وتم طرح سؤال مفتوح لهم، لماذا تمتلك حسابا بنكيا أو لا، ومن خلال إجابات المبحوثين يظهر أن سبب توفر الحساب البنكي من عدمه لا يرجع إلى أسباب دينية محضة، فبعض الأشخاص الذين يمتلكون حسابا اعتبروا انه ضروري في الحياة اليومية لتسهيل حياتهم خصوصا الطلبةمنهم الذين يقطنون في أماكن بعيدة عن أسرهم ويتلقون منهم تحويلات، في حين يعتبر آخرون انه لا يوجد سبب لفتح حساب بنكي، لأنه لا يتعامل إلا بالأموال النقدية/السائلة. كما حاولنا من خلال أسئلة البحث اكتشاف ما إذا كان السلفيون يتعاملون ببراجماتية فيما يخص القروض "الربوية" في حالة الضرورة أم لا. تم طرح السؤال التالي على المبحوثين: * في حالة وقوع أحد أفراد أسرتك في وضع صحي حرج يتطلب منك أموالا كثيرة والحل الوحيد المتبقي هو الاقتراض من البنك. هل ستقبل بالقرض؟ وقد طلب منهم تبرير خيارهم في كل حالة. في هذا الصدد أجاب ثلث المبحوثين أنهم في حالة إضرارهم الحصول على قرض ربوي من البنك فسيقدم على ذلك لأنه يدخل في مبدأ الضرورات تبيح المحظورات. في حين رفض ثلثا المبحوثين ذلك وفضلا بدلا من ذلك البحث عن بدائل أخرى.
رابعا: العنف المسلح تعتبر مسألة تصورات السلفيين ومواقفهم إزاء مسألة العنف المسلح وتأييد التمردات المسلحة من أبرز القضايا المثيرة للجدل. فنتائج الدراسة الميدانية حول موقف السلفيين من مسألة العنف المسلح تتضمن مجموعة من النتائج الدالة، بحيث رفض أغلب المبحوثين الإجابة عن سؤال الموقف من مسألة الجهاد في سوريا. تجدر الإشارة إلى أننا أنجزنا الدراسة في نهاية صيف 2013 وبداية 2014 وهي مرحلة كانت تعرف أوج التعبئة الإيديولوجية للثورة السورية، وقد لاحظنا تحفظ السلفيين الذين أجرينا معهم البحث الميداني في التعبير عن آراءهم إزاء هذا الموضوع. فقد رفض حوالي ثلثي المستجوبين الجواب على السؤال المتعلق بتأييد الثورة السورية، وكان ردود أفعالهم إما من خلال الجواب بأنه غير معني بالسؤال أو يرفض الإجابة. في حين أن الثلث الذي وافق على الجواب فقط كان غير مرتاح لهذا النوع من الأسئلة. أجاب 13 في المائة من مجموع المستجوبين بكون الجهاد فرض عين، في حين يعتبر الثلث أنه فرض كفاية. أما فيما يخص السفر لسوريا للقتال فيها فقد أجاب حوالي 5 في المائة بأنهم موافقون على هذه المسألة، في حين يعارضها ربع المستجوبين.
خامسا: المشاركة السياسية اكتسب السلفيون بمختلف توجهاتهم زخما وحضورا لافتا في الفضاء العمومي بعد اندلاع موجة الاحتجاج الشعبي سنة 2011 في العالم العربي. وقد شكلت حركة "20 فبراير" فرصة للسلفيين المغاربة للخروج من العزلة التي فُرضت عليهم عقب تفجيرات الدارالبيضاء سنة 2003، والحصول على بعض المكاسب السياسية. فقد بارك السلفيون المغاربة احتجاجات حركة "20 فبراير" وشاركوا فيها بنشاط. تميزت استجابة السلطات المغربية بالمرونة إزاء احتجاجات السلفيين وحاولت تبديد جزء من استياءهم بسلوك عدد من الإجراءات التنفيسية، في إطار عملية تسوية تسعى إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي والتكيف مع السياق الذي فرضته حركة الشارع. فبعد أقل من شهرين من اندلاع الاحتجاجات الشعبية أصدر العاهل المغربي عفوا عن مجموعة من الشيوخ السلفيين ضمنهم الشيخ محمد الفيزازي، وفي بداية سنة 2012 تم إطلاق فوج ثان من المعتقلين السلفيين. كما سمحت السلطات في شهر أبريل 2011 للشيخ محمد المغراوي بالرجوع من منفاه الإختياري في المملكة السعودية، بعد هروبه سنة 2008 بعد إصداره لفتوى حول زواج القاصرات، والتي أثارت جدلا إعلاميا وسياسيا آنذاك، أدت من ضمن نتائجها إلى إصدار وزارة الداخلية قرارا بإغلاق العشرات من دور القرآن القريبة من جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة. كما قامت وزارة الداخلية بإعادة فتح دور القرآن المغلقة، وهي جزء من الترتيبات الهادفة لتهدئة غضب التيار التقليدي. ومن هنا، فقد أدى الانفتاح السياسي الذي عرفه المغرب سنة 2011 إلى تسييس جزء من التيار السلفي الدعوي، وذلك بعد مقاطعة دامت عقودا من الزمن. فخلال الستة سنوات الأخيرة نهج هذا التيار مقاربة براجماتية في التعامل مع المتغيرات السياسية تجلت في الدعوة للتصويت على الدستور والترشح أو دعم أحزاب مختلفة علمانية وإسلامية. ضمن هذا السياق، تم تخصيص محور لسلوكات السلفيين من المشاركة الانتخابية وطرحت أسئلة مباشرة حول سلوكياتهم خلال الانتخابات السابقة ونية التصويت في الانتخابات المقبلة. ويظهر من خلال النتائج التي تم التوصل إليها أن موقف السلفيين يختلف عن التصور التقليدي المرتبط بابتعادهم عن المجال السياسي ولامبالاتهم إزاء العملية الانتخابية، فحسب نتائج البحث فنصف السلفيين المستجوبين مسجلون في اللوائح الانتخابية، إلا أن 37 في المائة فقط من المستجوبين شاركوا في الانتخابات التشريعية ل25 نونبر 2011، في حين لم يشارك ثلثا المبحوثين تقريبا في تلك الانتخابات. أما بخصوص الأحزاب التي تم التصويت عليها فقد جاء حزب العدالة والتنمية على رأس تلك الأحزاب، بنسبة 79 في المائة من مجموع الأشخاص الذين صوتوا في انتخابات 2011. في حين جاء حزب التجمع الوطني للأحرار في الرتبة الثانية بحوالي 7 في المائة يليه حزب الأصالة والمعاصرة بحوالي 5 في المائة. أما بالنسبة للانتخابات المقبلة، فيظهر أن السلفيين فقدوا الثقة في الأحزاب السياسية، حيث تراجع عدد المؤيدين لحزب العدالة والتنمية في صفوف السلفيين إلى 56 في المائة من الأشخاص الذين عبروا عن رغبتهم في التصويت في الانتخابات المقبلة، مقابل ارتفاع كبير في صفوف الأشخاص الذين ينوون رمي ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع، بحيث وصلت نسبتهم إلى حوالي 31 في المائة. أما بخصوص موضوع الزعامات السياسية فيبدو أن الموضوع لا يستهوي الكثير من السلفيين. فقد تم طرح سؤال مفتوح للمبحوثين لاختيار اسم الشخصية السياسية المؤثرة في حياتهم. ومن أصل 118 مبحوثا لم يجب إلا حوالي 33 شخصا (أي حوالي 28 في المائة من المستجوبين) عن هذا السؤال، في حين لم يتمكن 72 في المائة من المستجوبين من اختيار اسم من الشخصيات السياسية المؤثرة. وتشير نتائج البحث أنه من ضمن 28 في المائة من الأجوبة الصحيحة، فقد احتلت الرتب الأولى شخصيات سياسية غير مغربية، ويأتي الرئيس التركي رجب طيب أردغان في الرتبة الأولى بنسبة 40 في المائة، يليه رئيس الحكومة المغربي عبد الإله بنكيران بنسبة 21 في المائة، ثم السلفي السياسي المصري حازم صلاح أبو إسماعيل ب12 في المائة. تشير هذه النتائج إلى ملاحظة أساسية، وهي حالة الإعجاب نحو التجربة التركية التي يقودها حزب العدالة والتنمية ورئيسها رجب طيب أردوغان. تطور هذا الإعجاب أيضا بفضل الزيارات التي قام بها عدد منهم إلى تركيا في إطار أنشطة ثقافية أو سياحية، ولقاءات مع ممثلي المجتمع المدني التركي. فمن المثير في موقف السلفيين هو اعتبارهم لرئيس الوزراء التركي طيب رجب أردغان ضمن الشخصيات الأكثر تأثيرا في العالم العربي، ويعتبرونه قدوة في الإصلاح التدريجي والموازن بين تحقيق أمور الناس الدنيوية والحفاظ على الهوية. لا يختلف موقف السلفيين عن توجهات الرأي العام العربي إزاء هذه المسألة، إذ أشارت عدد من استطلاعات الرأي إلى تبوأ أردوغان صدارة الشخصيات السياسية الأكثر تأثيرا في العالم، واعتبر معهد بروكينز أن تركيا هي الرابح الأكبر في الربيع العربي. فمن بين البلدان الخمسة الذين شملهم استطلاع رأي أجرته سنة 2011، فقد توصلت إلى نتائج تعتبر أن تركيا لعبت دورًا "بناءً للغاية" في الأحداث العربية. يُعد رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان الشخص الأكثر إثارة للإعجاب بين قادة العالم وهؤلاء الذين يتصورون رئيسًا جديدًا لمصر يريدون هذا الرئيس الجديد أن يشبه أردوغان إلى حد كبير، كما عبر 78 في المائة من المغاربة عن اعجابهم بالسياسات التي يتبعها أردوغان، و82 في المائة اعتبروا أن تركيا ساهمت في السلم والاستقرار في العالم العربي.
سادسا: التعايش مع الآخر * الصداقة والتعايش مع الآخر في هذا المحور تم طرح أسئلة إن كان المبحوث يقبل بالصداقة مع مجموعة من الأصناف، وتشمل الشيعة واليهود والأشخاص المصابين بأمراض جنسية متنقلة والمثليين والصوفية والعلمانيين. وتم تصنيفهم وفق الأكثر قبولا للصداقة إلى الأكثر رفضا. ويظهر من خلال سلم الترتيب الموضوع، أن الشيعة تأتي مباشرة بعد المثلية الجنسية التي يرفض السلفي أن يعقد معها علاقات صداقة، ثم يأتي بعدها اليهودي، ثم العلماني والصوفي وأخيرا المريض بالسيدا. فقد توصلت الدراسة إلى أن 85 في المائة من الأجوبة الصحيحة ترفض ربط علاقات مع شخص مثلي، وحوالي ثلاث أرباع المستجوبين ترفض الصداقة مع شيعي، وثلثي المبحوثين يرفضون الصداقة مع يهودي، في حين يرفض النصف الصداقة مع علماني، وحوالي 40 في المائة يرفضون الصداقة مع صوفي أو شخص حامل لفيروس فقدان المناعة المكتسبة السيدا.
* الدول التي تهدد المنطقة نفس التوجه المعادي لليهود والشيعة يتكرر من خلال التصورات المرتبطة بالعلاقات الدولية. فمن خلال السؤال المفتوح الذي طرح على المبحوثين بخصوص الدولة التي تشكل التهديد الأكبر للعالم الإسلامي تبرز كل من إسرائيل وإيران والولايات المتحدة على رأس الدول التي تشكل في نظر المبحوثين التهديد الأبرز للسلام في العالم الإسلامي. حيث احتلت هذه الدول مشتركة حوالي 90 في المائة من أجوبة المبحوثين، في حين عبر 5 في المائة منهم بعبارة "الغرب" (ويقصد بها على الراجح الدول الغربية) كتهديد رئيسي للعالم الإسلامي. في حين لم يشر إلا 3 في المائة إلى دول عربية أو دول أخرى. وفي محور مخصص لمعرفة موقف السلفيين من التبشير، تم طرح سؤال مرتبط بالموقف من الأنشطة التنصيرية. وقد عارض 97 في المائة من المستجوبين الأنشطة التنصيرية (24 في المائة معارض، و73 معارض تماما)، فيما وافق عليها 3 في المائة فقط.
سابعا: الثقة في المؤسسات تمثل قيمة الثقة أحد العناصر التي تساعد على فهم مواقف السلفيين من الحياة العامة. وينطوي رفض السلفيين للمشاركة السياسية إلى ضعف ثقتهم بالمؤسسات الرسمية والحزبية. وقد تم رصد أكثر من عشرين مؤشرا لقياس ثقة السلفيين بالمؤسسات. وتراوحت المؤسسات التي وضعت للقياس، بين المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمؤسسات الدينية الرسمية والمستقلة عن الدولة. تأتي جمعيات دور القرآن الكريم التابعة للشيخ محمد بن عبد الرحمان المغراوي على رأس المؤسسات التي يثق بها السلفيون المستجوبون بنسبة 96 في المائة من الأجوبة الصحيحة. تليها الحكومة وحزب العدالة والتنمية ب 65 في المائة، ومؤسسة الجيش بحوالي 58 في المائة. في حين نالت المؤسسات الدينية الرسمية (وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والمجلس العلمي الأعلى، والمجالس العلمية المحلية) ثقة نصف المستجوبين. ونالت حركة التوحيد والإصلاح ثقة 40 في المائة في حين نالت النقابات العمالية والصحافة المستقلة وجماعة التبليغ ثقة ثلث المبحوثين. في أسفل السلم جاءت الأحزاب السياسية كمؤسسة تحظى بأقل نسبة من الثقة من طرف المبحوثين بنسبة 2 في المائة. ثم تأتي بعدها منظمة الأممالمتحدة والزوايا الصوفية والقنوات الإعلامية العمومية والتيارات الجهادية وجماعة العدل والإحسان. 6 المنهجية إن المعطيات التي سيتم عرضها في هذا التقرير، هي خلاصات بحث ميداني أنجز في الفترة بين 2013 و2014 وشمل 150 عضوا نشيطا في التيار السلفي التقليدي، لا سيما أعضاء ومرتادي دور القرآن السلفية، المقربة من تيار الشيخ محمد بن عبد الرحمان المغراوي وتيار الشيخ حماد القباج. وقد أنجز البحث الميداني على مرحلتين: المرحلة الأولى خلال شهر شتنبر 2013، ملئ فيها حوالي 70 استمارة، أما باقي الاستمارات فتم ملئها لاحقا في مرحلة ثانية في الفترة بين مارس ويونيو 2014. حيث قمنا بتوزيع حوالي 150 استمارة على السلفيين تمكنا من انجاز حوالي 114 استمارة وجها لوجه، ما عدا 10 استمارات ملئها السلفيون أنفسهم ثم تم إرسالها إلينا. على مستوى التوزيع الجغرافي، شكل المبحوثون من مدينة أكادير حوالي نصف المبحوثين، ثم بعد ذلك مدينة مراكش بحوالي خمس المبحوثين، وتليهما مدينة سلا بنسبة 17 في المائة، في حين شكلت مدن فاس وطنجة ووجدة حوالي 7 في المائة لكل واحدة منها. ويرجع هذا الاختيار إلى كون هذه المدن تعرف حضورا سلفيا متميزا، لا سيما مراكشوأكاديروسلا وطنجة وفاس. وقد كان الحضور الكبير لمدينة أكادير على مستوى العينة مرتبطا أساسا بكونها تتضمن عددا من دور القرآن السلفية. تتميز العينة المدروسة أيضا بخاصية الشبابية على عدة مستويات، فمن حيث السن، تتراوح أعمار المبحوثين بين 18 و54 سنة وتمثل فئة الأقل من 35 سنة حوالي 80 في المائة من نسبة المبحوثين، في حين تمثل الفئة العمرية بين 18 و25 سنة حوالي ثلث المبحوثين. وهذه النسبة ليست تمثيلية لعموم التيار السلفي في المغرب نظرا لغياب قاعدة إحصائية يمكن الاستناد عليها، ولكن مع ذلك فإننا نسجل ملاحظة أن غلبة الطابع الشبابي على الاستمارة قد لا تكون معبرة بشكل دقيق عن التقسيم العمري داخل التيار. على المستوى الأسري والاجتماعي أجاب نصف العينة أنهم متزوجون، فيما النصف الآخر لا زال عازبا. وتقطن الأغلبية الساحقة في بيوت عادية أو تقليدية أو منازل قروية، في حين تقطن نسبة قليلة منهم في عمارات متوسطة أو عالية الجودة أو في فيلا. بالنسبة للأنشطة الاقتصادية فيقضي ثُلث المبحوثين وقتهم في الدراسة في حين يشتغل الباقي في مهن التجارة أو مهن حرة ويدوية مستقلة ولا يتجاوز عدد الموظفين عُشُر الأشخاص الذين شملهم البحث. أما بالنسبة للمستوى الدراسي فقد تمكن حوالي ربع المستجوبين من الوصول إلى مستوى جامعي، فيما لم يتمكن ثلاث أرباعهم من تجاوز المستوى الثانوي. وللإشارة فحوالي 13 في المائة من المستجوبين لديهم تكوين قرآني فقط ولم ينخرطوا في المسار التعليمي النظامي. تحتوي الاستمارات على حوالي 70 مؤشرا لقياس المواقف والتمثلات وكذا السلوكات، وتراوحت الأسئلة بين الموقف من القضايا الدينية والسياسية الدولية والمحلية الراهنة، وكذا الاعتقادات والسلوك اليومي. ينبغي الإشارة هنا إلى مسألة صعوبة استعمال أدوات قياس موضوعية لقياس توجهات السلفيين من القضايا المختلفة. للوصول إلى هذا الهدف وضعنا ترسانة من المؤشرات المترابطة التي تساعدنا على رصد تمثلات ومواقف السلفيين إزاء القضايا المختلفة، التي تتراوح بين النشاط السياسي والموقف من العنف والثقة في المؤسسات، هذا بالإضافة إلى مؤشرات خاصة بالمعرفة الدينية والتفاعل مع وسائل التواصل الحديثة. وبشكل عملي اعتمدنا على مؤشرات رئيسية تتكون بدورها من مجموعة مؤشرات فرعية، وهي كالتالي: * المؤشر الأول: يشمل المعرفة الدينية ومصادرها، بحيث اعتبرنا أنه كلما انفتح السلفيون معرفيا على مصادر من خارج المرجعيات السلفية التقليدية كلما كانوا أكثر قدرة على قبول أفكار جديدة ومن ثمة الإيمان بنسبية المعرفة، وكلما كان الانغلاق أكثر على المرجعيات السلفية كلما كانت إمكانية الانفتاح المعرفي محدودة، وهو ما ينتج التعصب للإيديولوجيا. * المؤشر الثاني: السلفيون ووسائل التواصل، وهو فصل وصفي تحليلي لعلاقة السلفيين مع وسائل التواصل العصرية وطريقة استثمارهم لها وتأثيرها عليهم. * المؤشر الثالث: خصص مسألة المشاركة السياسية للسلفيين وتوجهاتهم الانتخابية. * المؤشر الرابع: خصص للموقف من المجتمع والشريعة والسلوك اليومي، ومدى الاستعداد لقبول الانخراط فيه والتعامل مع مختلف مكوناته وأيضا الموقف من الشريعة، ثم قضايا تتعلق بالحياة اليومية والتعامل مع بعض القضايا الجدلية، مثل التعامل مع البنوك الربوية في حالة الضرورة، وغيرها. * المؤشر الخامس: ركز على موقف السلفيين من العنف المسلح وتأييد الثورة السورية والمقاتلين الأجانب. * المؤشر السادس: تناول مسألة التعايش مع الآخر والثقة في المؤسسات، بحيث طلب من السلفيين المبحوثين تحديد موقفهم من حوالي 27 مؤسسة سياسية ودينية ومدنية..6 خاتمة وخلاصات حاولت هذه الدراسة تسليط الضوء على تصورات السلفيين لذاتهم ولمحيطهم، من خلال الوقوف عند مصادر المعرفة التي يعتمدون عليها لبناء تصوراتهم الفكرية، وأيضا الطريقة التي ينظرون بها لعدد من القضايا التي تخص الحياة اليومية مثل التعامل مع البنوك والموقف من لباس المرأة، هذا بالإضافة إلى القضايا التي يشتبك فيها السياسي والديني، لا سيما الموقف من تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل كامل، ومدى إمكانية ذلك في السياق المغربي. بشكل عام توكد الدراسة عددا من الخلاصات: – الاهتمام البالغ الذي يوليه السلفيون للمعرفة الدينية التقليدية، وهذا يرجع إلى الاهتمام البارز بكتب التراث الإسلامي. – بالمقابل، يظهر السلفيون انفتاحا على التكونولوجيا الحديثة، فنتائج الدارسة أظهرت هذا الاهتمام بالتكنولوجيا الحديثة كمصدر من المصادر التي يعتمدها السلفيون لبناء تصوراتهم. – يظهر السلفيون تزمتا على مستوى الموقف من لباس المرأة، كما عبروا عن مواقف منغلقة فيما يخص التعايش مع الآخر، لا سيما الصداقة مع الشيعة والعلمانيين والمثلية الجنسية. – بشكل عام يرفض التيار السلفي التقليدي العنف المسلح، من خلال رفض أغلب المستجوبين تبرير السفر للقتال في سوريا. – مرونة السلفيين فيما يخص المشاركة السياسية، ففي الوقت التي دعم فيها ناشطو هذا التيار حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2011، يظهر أن السلفيين أعادوا حساباتهم من خلال الإحجام عن التصويت في الاستحقاقات الانتخابية في المستقبل. – في الوقت الذي يظهر فيها السلفيون ثقة في جمعيات دور القران الكريم، فإن مستوى ثقتهم في المؤسسات السياسية والدينية الرسمية تبدو ضعيفة.