موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الإعلام البريطاني يعتبر قرار الجنائية الدولية في حق نتنياهو وغالانت "غير مسبوق"    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..        الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        منظمة الصحة العالمية تؤكد أن جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    ترامب يستكمل تشكيلة حكومته باختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة    ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    الأرصاد: ارتفاع الحرارة إلى 33 درجة وهبات رياح تصل 85 كلم في الساعة    قاضي التحقيق في طنجة يقرر ايداع 6 متهمين السجن على خلفية مقتل تلميذ قاصر    الاحتفال بالذكرى السابعة والستين لانتفاضة قبائل ايت باعمران    فدرالية أطباء الطب العام بشمال المغرب تعقد المؤتمر الثاني للطب العام    إفريقيا تنتقد ضعف التمويل المناخي    كوب 29: رصد 300 مليار دولار لمواجهة التحديات المناخية في العالم    غوتيريش: اتفاق كوب29 يوفر "أساسا" يجب ترسيخه    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    دولة بنما تقطع علاقاتها مع جمهورية الوهم وانتصار جديد للدبلوماسية المغربية    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    الصحة العالمية تؤكد أن جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ عامة        انقسامات بسبب مسودة اتفاق في كوب 29 لا تفي بمطالب مالية طموحة للدول النامية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في قرار المحكمة الدستورية رقم 70/18 م.د
نشر في هسبريس يوم 14 - 08 - 2018

في شأن القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون
(الجزء 3)
سنخصص الجزء الرابع والأخير من هذه القراءة لبسط المحور الثالث الذي سينصب على إبراز بعض مقتضيات القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، التي كانت تستلزم تدخل المحكمة الدستورية من أجل تأويلها لغاية مطابقتها للدستور، ويمكن إجمالها فيما يلي:
-عدم مناقشة مدلول المحاكم التي يمكن إثارة الدفع بعدم الدستورية أمامها، المنصوص عليها في المادة 3 من القانون التنظيمي رقم 86.15؛
-عدم تعميق المناقشة في الحالات الاستثنائية التي ترد على مبدأ إيقاف البت في الدعوى الأصلية كأهم أثر يترتب عن إثارة الدفع بعدم الدستورية أمام المحاكم، المنصوص عليها في المادة 8 من القانون التنظيمي رقم 86.15.
المحور الثالث
مقتضيات كانت تستلزم تدخل المحكمة الدستورية من أجل تأويلها لغاية مطابقتها للدستور.
أ-عدم مناقشة مدلول المحاكم التي يمكن إثارة الدفع بعدم الدستورية أمامها.
جاء في حيثيات قرار المحكمة الدستورية في شأن المواد الثالثة (الفقرة الأولى):
"حيث إن الفقرة الأولى من المادة الثالثة تنص على أنه "يمكن أن يثار الدفع بعدم دستورية قانون أمام مختلف محاكم المملكة، وكذا أمام المحكمة الدستورية مباشرة بمناسبة البت في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان"،
وحيث إن الفصل 133 من الدستور، الذي أوكل اختصاص البت في الدفع بعدم الدستورية إلى المحكمة الدستورية، لم يحدد الجهة القضائية التي يمكن أن يثار أمامها، عبر جعل إثارة الدفع تتم بمناسبة النظر في قضية، مما يسمح بإمكانية إثارة الدفع أمام محاكم التنظيم القضائي للمملكة بمختلف درجاتها، وأيضا أمام المحكمة الدستورية في الاختصاص المخول لها في شكل "قضية"؛
لقد مرت الحكمة الدستورية مرورا سريعا على مقتضيات المادة 3 من القانون التنظيمي رقم 86.15 الذي تنص فقرته الأولى على أنه "يمكن أن يثار الدفع بعدم دستورية قانون أمام مختلف محاكم المملكة، وكذا أمام المحكمة الدستورية مباشرة بمناسبة البت في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان". واكتفت بالقول " إن الفصل 133 من الدستور، الذي أوكل اختصاص البت في الدفع بعدم الدستورية إلى المحكمة الدستورية، لم يحدد الجهة القضائية التي يمكن أن يثار أمامها، عبر جعل إثارة الدفع تتم بمناسبة النظر في قضية، مما يسمح بإمكانية إثارة الدفع أمام محاكم التنظيم القضائي للمملكة بمختلف درجاتها، وأيضا أمام المحكمة الدستورية في الاختصاص المخول لها في شكل "قضية". فبالرغم من تأكيد المحكمة الدستورية بأن الفصل 133 من الدستور ربط إمكانية إثارة الدفع بعدم الدستورية "بالقضية" دون تحديد للجهة القضائية التي يمكن أن يثار أمامها، فقد اكتفت باستنتاج مفاده أن ذلك "يسمح بإمكانية إثارة الدفع أمام محاكم التنظيم القضائي للمملكة بمختلف درجاتها، وأيضا أمام المحكمة الدستورية في الاختصاص المخول لها في شكل قضية". وباستثناء التوضيحات والإضافات والتفسيرات التي حاولت بسطها فيما يخص الدفع بعدم الدستورية الذي يمكن إثارته أمام المحكمة الدستورية مباشرة بمناسبة البت في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان- والتي سأعود للتعليق عليها في مكان آخر-فإن المحكمة لم تقدم أي تفسير أو توضيح بشأن المقصود بعبارة " مختلف محاكم المملكة" التي يمكن أن يثار الدفع بعدم دستورية قانون أمامها " الواردة في المادة 3 ما يستشف منه أنها فسرت العبارة المذكورة السالفة الذكر بكونها تعني " محاكم التنظيم القضائي للمملكة بمختلف درجاتها"، وهي مسألة أعتقد أن المحكمة الدستورية كان ينبغي عليها أن تقف عندها مليا، وتقوم بتوضيحها ,وإعطائها التفسير الملائم الواضح الذي يبدد كل غموض أو إبهام. فتحديد الجهات القضائية التي يمكن أن يثار أمامها الدفع بعدم الدستورية أمر في غاية الدقة والأهمية لأنه يؤثر في نطاق استعمال هذه "الوسيلة الدستورية الجديدة" إما في اتجاه التضييق أو التوسيع.
لذا يحق لنا أن نتساءل هل تشمل عبارة" مختلف محاكم المملكة" الواردة في المادة 3 من القانون التنظيمي رقم 15-86 أو عبارة "محاكم التنظيم القضائي للمملكة بمختلف درجاتها" الواردة في قرار المحكمة الدستورية، المحاكم الآتية:
-المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات باعتبارها محاكم مالية طبقا للقانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية كما وقع تغييره وتتميمه ولاسيما بالقانون رقم 55.16 الصادر بتنفيذه الظهير المؤرخ في 25 أغسطس 2016؛
- المحكمة العسكرية المحدثة بموجب القانون رقم 108.13 المتعلق بالقضاء العسكري الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.187 المؤرخ 10 ديسمبر 2014؟.
فاستنادا إلى الفصل الأول من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.338 بتاريخ 24 جمادى الثانية 1394 (15 يوليوز 1974) يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة كما وقع تغييره وتتميمه، يشمل التنظيم القضائي المحاكم التالية:
1- المحاكم الابتدائية؛
2- المحاكم الإدارية؛
3- المحاكم التجارية؛
4- محاكم الاستئناف؛
5- محاكم الاستئناف الإدارية؛
6- محاكم الاستئناف التجارية؛
7- محكمة النقض".
ووفقا للمادة الأولى من مشروع القانون رقم 38.15 يتعلق بالتنظيم القضائي المصادق عليه من لدن مجلس النواب في 7 يونيو 2016 ومن لدن مجلس المستشارين في 24 يوليوز 2018 يشمل التنظيم القضائي:
أولا – محاكم أول درجة، وتضم:
1- المحاكم الابتدائية؛
2- المحاكم الابتدائية التجارية؛
3- المحاكم الابتدائية الإدارية.
ثانيا – محاكم ثاني درجة، وتضم:
4- محاكم الاستئناف؛
5- محاكم الاستئناف التجارية؛
6- محاكم الاستئناف الإدارية.
ثالثا – محكمة النقض، ويوجد مقرها بالرباط".
فضلا عن ذلك، يتضح من مقتضيات القانون التنظيمي رقم 86.15 السالف الذكر، أن المحكمة المثار أمامها الدفع بعدم الدستورية لا تخرج عن نطاق مشتملات التنظيم القضائي المحددة سابقا، مثال ذلك:
- "الباب الثاني: شروط وإجراءات إثارة الدفع بعدم دستورية قانون أمام محاكم أول درجة ومحاكم ثاني درجة".
- "المادة 8:استثناء من أحكام الفقرة الأولى من المادة 7 أعلاه، لا توقف المحكمة البت في الدعوى في الحالات الآتية:
إجراءات التحقيق في المجالين المدني والجنائي؛
................................................"
-"الباب الثالث: اختصاص محكمة النقض بالنظر في الدفع بعدم دستورية قانون
-المادة 10:يحال الدفع بعدم دستورية قانون، المثار أمام محكمة أول درجة أو محكمة ثاني درجة، حسب الحالة، إلى الرئيس الأول لمحكمة النقض طبقا لأحكام المادة 6 أعلاه، ويشعر فورا الوكيل العام للملك لدى هذه المحكمة بالإحالة المذكورة.
غير أنه إذا أثير الدفع بعدم دستورية قانون أمام محكمة النقض لأول مرة بمناسبة قضية معروضة أمامها، فإن المحكمة المذكورة تبت في الدفع مباشرة، وذلك وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 5 أعلاه، ولا يمكنها إثارته تلقائيا".
استنادا إلى هذه المؤشرات الدالة، يمكن القول أن كلا من المشرع والمحكمة الدستورية ذهبا في اتجاه تضييق نطاق المحاكم التي يمكن إثارة الدفع بعدم دستورية قانون أمامها وذلك بحصرها في محاكم التنظيم القضائي للمملكة والمحكمة الدستورية مع العلم أن الفصل 133 من الدستور ربط إمكانية إثارة الدفع بعدم دستورية قانون "بالنظر في قضية" وأحد الأطراف" و"القانون الذي سيطبق في النزاع" و"يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور" دون أن يحدد الجهة القضائية التي يمكن أن يثار أمامها الدفع بعدم الدستورية. ورغم أن المحكمة الدستورية توصلت إلى هذا الاستنتاج في إحدى حيثيات قرارها ( الحيثية رقم 3 الواردة في عنوان "في شأن المواد الثالثة (الفقرة الأولى) و 14 و15،صفحة 3 من قرار المحكمة الدستورية). فإن الفقرة الأولى من المادة 3 من القانون التنظيمي رقم 15-86، لم تثر لديها أي تحفظ ولم تتصد لها على الأقل بالتفسير لاستيعاب جميع أصناف المحاكم استنادا إلى مطلق مقتضيات النص الدستوري(الفصل 133من الدستور)،وهو النص الذي طبقته بحزم وصرامة لكي تدافع بقوة عن اختصاصها المطلق للنظر في الدفع بعدم الدستورية شكلا وموضوعا وضرب نظام التصفية القضائية للدفوع من ناحية، ولتقر بأحقية النيابة العامة في الدفع بعدم الدستورية كطرف سواء في الدعوى المدنية أو الدعوى العمومية حين تم إقصاءها من مدلول الأطراف من لدن المشرع من ناحية ثانية.
بناء على هذه العطيات، ومراعاة لنص الفصل 133 من الدستور الذي جاء مطلقا دون تقييد كان من الملائم أن تقدم المحكمة الدستورية تفسيرا لعبارة "مختلف محاكم المملكة" بما يسمح بتوسيعها لتشمل إلى جانب محاكم التنظيم القضائي بالمفهوم الضيق، المحاكم المالية والمحكمة العسكرية، فلا يعقل أن يتم حرمان الأشخاص، الذين يضعهم القانون بحكم مركزهم ووظيفهم تحت اختصاص هذه المحاكم، من حق الاستفادة من إمكانية إثارة الدفع بعدم دستورية قانون أمامها، لأن ذلك من شأنه أن يمس بحقوق المتقاضين ويخرق قواعد سير العدالة ولا سيما حقوق الدفاع والحق في محاكمة عادلة المضمونين دستوريا بموجب الفصل 120 من الدستور.
على خلاف واقع الحال في النص الدستوري المغربي، حدد الدستور الفرنسي في المادة 1-61 نطاق الجهات ذات الطبيعة القضائية التي يمكن أن تثار أمامها المسألة الأولية للدفع بعدم الدستورية(QPC) عندما ربط القضية "بالمحكمة" JURIDICTION" سواء كانت تابعة لمحكمة النقض أو لمجلس الدولة، و ذلك ما يستشف مما ورد في الفصل المذكور الذي نص على أن إحالة المسألة الأولية للدفع بعدم الدستورية إلى المجلس الدستوري تتم عن طريق مجلس الدولة أو محكمة النقض، الأمر الذي سمح، بصورة تلقائية لا تحتاج إلى تفسير، بإدراج المحاكم المالية في فرنسا ضمن الجهات القضائية التي يمكن أن يثار أمامها الدفع بعدم الدستورية بحكم تبعيتها قضائيا لمجلس الدولة.
وتجب الإشارة إلى أن هذا الضابط الدستوري في التجربة الفرنسية والذي خضع له القانون التنظيمي المتعلق بتطبيق المسألة الأولية للدفع بعدم الدستورية، أثار غموضا ولبسا حول مدى إمكانية إثارة المسألة الأولية للدفع بعدم الدستورية أمام المجلس الدستوري بصفته قاضي الطعون الانتخابية المتعلقة بنواب وشيوخ البرلمان ؛ حيث لم يستطع المشرع الفرنسي إقحام المجلس الدستوري بصفته هاته ضمن المحاكم التي يثار أمامها الدفع المذكور بحكم أنه هيئة دستورية مستقلة غير تابع قضائيا لا إلى محكمة النقض ولا إلى مجلس الدولة، مما خلق جدلا وإشكالا قانونيا بشأن ما سيكون عليه موقف المجلس الدستوري فيما لو عرضت عليه حالة من هذا النوع. وقد كان موقفه إيجابيا منذ صدور قراره الشهير رقم 2011-4538 SEN المؤرخ في 13 يناير 2012 حيث قبل النظر في الدفع المذكور. وبذلك يكون المجلس الدستوري الفرنسي قد أسس لإمكانية إثارة الدفع بعدم الدستورية أمامه بمناسبة نظره في الطعون الانتخابية لنواب وشيوخ البرلمان عن طريق الاجتهاد، في حين تم التأسيس لهذه الإمكانية عن طريق القانون في الحالة المغربية.
ب - عدم تعميق المناقشة في الحالات الاستثنائية التي ترد على مبدأ إيقاف البت في الدعوى الأصلية كأهم أثر يترتب عن إثارة الدفع بعدم الدستورية أمام المحاكم.
جاء في حيثيات قرار المحكمة الدستورية في شأن المواد السابعة (الفقرة الأولى) والثامنة و13:
"حيث إن الفقرة الأولى من المادة السابعة تنص على أنه "توقف المحكمة، التي أثير أمامها الدفع، البت في الدعوى كما توقف الآجال المرتبطة بها، ابتداء من تاريخ تقديم الدفع، مع مراعاة الاستثناءات الواردة في المادة 8..."؛
وحيث إن المادة الثامنة نصت على الاستثناءات التي ترد على وقف البت في الدعوى الأصلية، والتي حددتها في حالات "إجراءات التحقيق في المجالين المدني والجنائي، اتخاذ التدابير الوقتية أو التحفظية الضرورية، اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة متى تعلق الأمر بتدبير سالب للحرية، عندما ينص القانون على أجل محدد للبت في الدعوى أو البت على سبيل الاستعجال، إذا كان الإجراء يؤدي إلى إلحاق ضرر بحقوق أحد الأطراف يتعذر إصلاحه"؛
وحيث إن المادة 13 تنص على أنه "توقف محكمة النقض البت في القضية المعروضة أمامها...غير أنها لا توقف البت في الحالات الآتية: إذا تعلق الأمر بحرمان شخص من حريته في القضية التي أثير بمناسبتها الدفع، إذا كان القانون ينص على أجل محدد للبت في القضية المعروضة على النقض، أو كانت محكمة النقض ملزمة بالبت فيها على سبيل الاستعجال، إذا كان من شأن وقف البت في القضية إلحاق ضرر بحقوق أحد الأطراف يتعذر إصلاحه"؛
وحيث إن الاستثناءات المذكورة تراعي، إما قواعد جوهرية أو آجالا مقررة قانونا، أو أنها تأخذ في الاعتبار وضعيات تتعلق بالمنع من الحرية أو تلك التي يترتب عنها ضرر في حال توقف البت في الدعوى الأصلية، مما يجعلها استثناءات مشروعة ومبررة"؛
من أجل حسن فهم الآثار القانونية المترتبة عن إثارة الدفع بعدم الدستورية وفق القانون التنظيمي رقم 15- 86،ينبغي أولا دراسة هذه الآثار في النظام القانوني الفرنسي باعتباره المصدر الأساسي الذي استمد منه المشرع المغربي مقتضياته.
2-الآثار المترتبة عن إثارة الدفع بعدم الدستورية أمام المحاكم في النظام القانوني الفرنسي
باستقراء القانون التنظيمي رقم 1523-2009 بتاريخ 10 ديسمبر 2009 المتعلق بتطبيق الفصل 1-61 من الدستور، فيما يخص كيفية معالجته للآثار القانونية المترتبة عن إثارة المسألة الأولوية للدفع بعدم الدستورية، يلاحظ أن هناك مبدئين عامين يحكمان هذه الآثار: الأول أساسي والثاني مكمل له. فالمبدأ العام الأساسي مفاده أن إثارة الدفع بعدم الدستورية توقف البت في موضوع الدعوى، أما المبدأ المكمل له فيكمن في أن إثارة الدفع بعدم الدستورية لا يؤثر بأي حال من الأحوال على اتخاذ المحكمة أي إجراء من الإجراءات الوقتية أو تدبير من التدابير التحفظية الضرورية.
وترد على المبدأ العام الأساسي استثناءات، يمكن تصنيفها حسب مقتضيات القانون التنظيمي الفرنسي بحسب الحالات على النحو الآتي:
حالتان يحق فيهما للمحكمة المثار أمامها الدفع بعدم الدستورية، بحسب تقديرها لموضوع الدعوى وللدفع المثار، أن توقف أو لا توقف البت في الدعوى، إلى حين صدور موقف المحكمة الأعلى درجة(محكمة النقض أو مجلس الدولة) أو صدور قرار المجلس الدستوري في شأن الدفع المثار، و هما:
1-إذا حدد القانون للمحكمة أجلا معينا للبت في الدعوى أو نص على ضرورة البت باستعجال؛
2-إذا كان إيقاف البت في الدعوى سيؤدي إلى إلحاق أضرار بليغة بحقوق أحد الأطراف أو يتعذر إصلاحها.
حالة لا يمكن فيها للمحكمة أن توقف البت في موضوع الدعوى المعروضة عليها، إذا وجد شخص محروما من حريته بسبب هذه الدعوى، أو إذا كانت الدعوى المذكورة تهدف إلى وضع حد لتدبير سالب للحرية. وهذه الحالة لا تترك للمحكمة أي هامش للتقدير فهي مطالبة بمواصلة البت في الدعوى مادام هناك شخص مسلوب الحرية.
وقد لفت المجلس الدستوري الفرنسي الانتباه إلى المشكلة التي ستطرح فيما لو قامت المحكمة، المثار أمامها الدفع المقبول من لدنها والمحال إلى محكمة النقض أو مجلس الدولة، بالبت في موضوع الدعوى دون انتظار صدور موقف المحكمة الأعلى درجة (محكمة النقض أو مجلس الدولة) أو صدور قرار المجلس الدستوري في شأن الدفع المثار، وذلك بناء على تقديرها أو بصفة إلزامية حسب الحالات التي سبق بيانها؛ إذ كيف يمكن التوفيق بين حسن إدارة العدالة – والتي تتجسد في مواصلة المحكمة البت في الدعوى-من جهة، وبين ضمان تفعيل القرار الصادر في شأن الدفع بعدم الدستورية القاضي بعدم دستورية المقتضى القانوني؟ وأجاب المجلس بأن حل هذا الاشكال يوجد في وسيلتي الطعن بالاستئناف أو النقض المتاحتين للطرف مثير الدفع بعدم الدستورية؛ إذ يمكنه الاستفادة من مفاعيل قرار المجلس الدستوري المذكور في مرحلة الاستئناف أو في مرحلة النقض.
لكن هذا الحل قد لا يجدي نفعا لترتيب الأثر القانوني لقرار المجلس الدستوري القاضي بعدم دستورية القانون إذا أثير الدفع لأول مرة أما م محكمة النقض ، وذلك في الحالة التي تكون فيها هذه الأخيرة ملزمة بالبت في النقض دون انتظار القرار المذكور إذا وجد شخص محروما من حريته بسبب هذه الدعوى وألزم القانون محكمة النقض بالبت في أجل محدد. هنا ولغاية إيجاد حل لمثل هذه الفرضية، تدخل المجلس الدستوري الفرنسي في قراره الصادر في 3 ديسمبر 2009 تحت رقم 595-2009 ليبدي تحفظه إزاء إمكانية صدور قرار نهائي عن محكمة النقض لا يأخذ في الاعتبار منطوق قرار المجلس الدستوري اللاحق، و يؤكد على أن القرار النهائي لمحكمة النقض لا يمكن أن يحرم الطرف المثير للدفع من إمكانية رفع دعوى من جديد إلى المحكمة لترتيب الآثار القانونية لقرار المجلس الدستوري.
بعد استعراض موقف التشريع الفرنسي ومخرجات قرار المجلس الدستوري بشأنه، نعرج على دراسة الآثار القانونية المترتبة عن إثارة الدفع بعدم الدستورية، وفق القانون التنظيمي رقم 86.15 و مخرجات قرار المحكمة الدستورية بشأنه.
2-الآثار المترتبة عن إثارة الدفع بعدم الدستورية وفق القانون التنظيمي رقم 15- 86
نص القانون التنظيمي المذكور على أن إثارة الدفع بعدم دستورية قانون أمام المحكمة توقف البت في الدعوى، وتوقف الآجال المرتبطة بها كمبدأ عام (المادة 7 من القانون التنظيمي رقم 15-86)، وأورد استثناءات على هذا المبدأ في حالات معينة، توقف المحكمة البت في الدعوى عند تحققها (المادتان 8 و13 من القانون التنظيمي رقم 15- 86) .
فالمادة 8 تتعلق بالآثار المترتبة عن إثارة الدفع بعدم الدستورية أمام المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف، وهي إيقاف البت في الدعوى الأصلية كمبدأ عام مع إيراد استثناءات عليه لا توقف فيها المحكمة البت وذلك في الحالات الآتية:
1.إجراءات التحقيق في المجالين المدني والجنائي؛
2 اتخاذ التدابير الوقتية أو التحفظية الضرورية؛
3.اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة متى تعلق الأمر بتدبير سالب للحرية؛
4. عندما ينص القانون على أجل محدد للبت في الدعوى أو البت على سبيل الاستعجال؛
5.إذا كان الإجراء يؤدي إلى إلحاق ضرر بحقوق أحد الأطراف يتعذر إصلاحه.
أما المادة 13 فتتعلق بالآثار المترتبة عن إثارة الدفع بعدم الدستورية أمام محكمة النقض، وهي إيقاف البت في الدعوى الأصلية كمبدأ عام مع إيراد استثناءات عليه لا توقف فيها المحكمة البت وذلك في الحالات الآتية:
1.إذا تعلق الأمر بحرمان شخص من حريته في القضية التي أثير بمناسبتها الدفع؛
2. إذا كان القانون ينص على أجل محدد للبت في القضية المعروضة على النقض، أو كانت محكمة النقض ملزمة بالبت فيها على سبيل الاستعجال؛
3.إذا كان من شأن وقف البت إلحاق ضرر بحقوق أحد الأطراف يتعذر إصلاحه.
فالحالات الواردة في المادة 8 تجد مصدرها في المادة 3-23 من القانون التنظيمي رقم 1523-2009 المؤرخ في 10 ديسمبر 2009 المتعلق بتطبيق الفصل 1-61 من الدستور الفرنسي، غير أنه تمت صياغتها بشكل مختلف أفقدها المعاني والأهداف التي رسمها لها المشرع الفرنسي؛ وهكذا تم إدراج الحالتين الواردتين في البندين 1 و2 ضمن الحالات الاستثنائية التي توقف البت في الدعوى، في حين اعتبرها المشرع الفرنسي من المبادئ المكملة للمبدأ العام، والتي تفيد بأن إيقاف البت في الدعوى، بناء على إثارة الدفع بعدم الدستورية، لا يؤثر بأي حال من الأحوال في مواصلة المحكمة القيام بإجراءات التحقيق في الدعوى واتخاذ أي إجراء من الإجراءات الوقتية أو تدبير من التدابير التحفظية الضرورية؛ لذا فشتان بين هذا المعنى وذاك.
فيما يخص الحالتين الواردتين في البندين 4و5 فيختلفان عن نظيريهما كما وردا في القانون التنظيمي الفرنسي من حيث هامش التقدير والإمكانية المتاحة للمحكمة الفرنسية في إيقاف البت في الدعوى أو عدم إيقافها، وهو ما يستفاد من استعمال المشرع الفرنسي لفعل "يمكن". في المقابل فإن الصياغة التي وردت في المادة 8 من القانون التنظيمي رقم 15-86، لا تترك للمحكمة المغربية أي هامش للتقدير والاختيار بين إيقاف البت في الدعوى أو مواصلتها بعد أن استعمل المشرع المغربي العبارة التالية: استثناء من أحكام الفقرة الأولى من المادة 7 أعلاه، لا توقف المحكمة البت في الدعوى في الحالات الآتية:....".
بخصوص الحالة الواردة في البند 3 وإن كانت تتحد مع مثيلتها الواردة في القانون التنظيمي الفرنسي من حيث الحكم وهو عدم إيقاف البت في الدعوى عند تحققها، فهما يختلفان من حيث صياغة مضمونهما؛ إذ يستفاد من الحالة الفرنسية أن المحكمة مطالبة بمواصلة البت في الدعوى مادام يوجد شخص مسلوب الحرية إما بسبب هذه الدعوى أو لكونها تهدف إلى وضع حد لتدبير سالب للحرية. بينما جاءت الصياغة غير واضحة في القانون التنظيمي المغربي.
أما الحالات الواردة في المادة 13، فتم استنباطها من المادة 5- 23 ( الفقرة 4) من القانون التنظيمي رقم 1523-2009 المؤرخ في 10 ديسمبر 2009 المتعلق بتطبيق الفصل 1-61 من الدستور الفرنسي، لكن تمت صياغتها بشكل مغاير أفقدها المعاني التي رُسمت لها من لدن المشرع الفرنسي، وأضاف إليها المشرع المغربي حالة أخرى جديدة لم ينص عليها القانون التنظيمي الفرنسي.
فالمشرع الفرنسي أوجب على محكمة النقض من حيث المبدأ إيقاف البت في الدعوى الأصلية حين إثارة الدفع بعدم دستورية قانون أمامها، وأورد استثناءين على هذا المبدأ في حالتين هما:1-الحالة التي تكون فيها محكمة النقض ملزمة بمواصلة البت في الدعوى إذا وجد شخص محروما من حريته بسبب هذه الدعوى وألزم القانون محكمة النقض البت في أجل محدد. 2-الحالة التي يكون فيها لمحكمة النقض هامشا من التقدير للاختيار بين مواصلة البت أو إيقافه وذلك إذا كانت ملزمة بالبت في القضية باستعجال. ويبدو أن الاختلاف واضح في صياغة هذه الحالات.
الملاحظ أن المحكمة الدستورية لم تعمق النقاش في الحالات الاستثنائية الواردة في المادتين 8 و13 لتقف على عناصر اللبس والغموض الذي يعتريها، والتي قد تطرح مشاكل وصعوبات عند التطبيق من الناحية العملية؛ بحيث اكتفت بتبريرها وإضفاء الشرعية عليها عندما قالت: "وحيث إن الاستثناءات المذكورة تراعي، إما قواعد جوهرية أو آجالا مقررة قانونا، أو أنها تأخذ في الاعتبار وضعيات تتعلق بالمنع من الحرية أو تلك التي يترتب عنها ضرر في حال توقف البت في الدعوى الأصلية، مما يجعلها استثناءات مشروعة ومبررة". وكان بإمكان المحكمة الدستورية تذكير المشرع بما يقع عليه من التزام بأن تكون الأثار القانونية المترتبة على تقديم الدفع بعدم دستورية قانون واضحة لا لبس أو غموض فيها حتى يتيسر فهمها من لدن المحاكم لضمان حسن تطبيقها.
*باحث في القانون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.