عديدة هي الأسئلة التي تطرح بخصوص الخصائص القانونية لمسألة الدفع بعدم الدستورية، هل هي فعلا تعكس حقيقة في مساطرها و إجراءاتها خصائص الرقابة القضائية البعدية ؟. بالرجوع إلى الفقه الدستوري المقارن و مقارنته بالأنموذج المغربي، نجد أن المسطرة الدستورية المحددة، من حيث المبدأ العام، في الفصل 133 من الدستور، و من حيث الإجراءات و الشروط التطبيقية في مشروع القانون التنظيمي 15-86، ليست بشكل دقيق دفعا بعدم الدستورية،- l'exception- الذي يفترض فقهيا " أن القاضي العادي المختص بالنظر في الدعوى الأصلية مختص أيضا بالبث في الدعوى الدستورية كما هو الحال في التجربة الأمريكية. في حين أن الأمر يتعلق بمسالة فرعية – préjudicielle- تلزم القاضي الذي أثيرت أمامه بالتوقف عن البث في الدعوى الأصلية و انتظار صدور قرار عن القاضي الدستوري المختص في حسم النزاع. إن المحكمة الدستورية تبث في مسألة الدفع الفرعي وفق منطق "القضاء العادي" حيث لا تحاكم أي وضعية خاصة، و إنما تبث في علاقة المقتضى التشريعي المعني بالنص الدستوري، مما يجعل من الدعوى الدستورية، دعوى "قانونية" و ليست "واقعية" مرتبطة بوضعية متغيرة، و بالتالي وجود مسافة بين الدعوى المرفوعة في الموضوع و مراقبة دستورية القوانين، الشيء الذي يبعدها بالتالي جوهريا عن خصائص المراقبة البعدية من خلال محافظتها على قاعدتي التجرد و الموضوعية المرتبطتين بالمراقبة القبلية للدستور، و هو نفس الأمر الذي نجده في مسالة الدستورية ذات الأولية في الأنموذج الفرنسي. و عموما، إذا كان كلا المشرعين الدستوري و التنظيمي واضحين بخصوص مجموعة من النقاط، فان غموضا لا زال يكتنف إثارة هذا الدفع من خلال مجموعة من الجوانب……. هذا الأمر من المفترض أن يجيب عليه و يوضحه القاضي الدستوري المغربي بموجب فحصه لمطابقة مشروع القانون التنظيمي رقم 15-86 المتعلق بتحديد شروط و إجراءات الدفع بعدم دستورية قانون. و الأمر الذي سار عليه القاضي الدستوري من خلال قراره الجديد رقم 18-70. – تدخل القاضي الدستوري من خلال القرار رقم 18-70 للإجابة عن إشكالية أطراف الدعوى( النيابة العامة) بالعودة إلى القرار الدستوري الأخير رقم 18-70 نجد أن القاضي الدستوري المغربي قد أجاب بالفعل عن إشكالية "النيابة العامة كطرف في الدعوى"، حين اعتبر أن مسالة " … عدم تخويل النيابة العامة، إلى جانب أطراف أخرى، صفة طرف في دعوى الدفع بعدم الدستورية، يشكل مخالفة لما قررته الفقرة الأولى من الفصل 133 من الدستور… ". و علل القرار الدستوري هذا الأمر بان " الفقرة الأولى من الفصل 133 من الدستور، جعلت الدفع بعدم الدستورية حقا مخولا للأطراف بصيغة العموم…. و حيث انه خلافا لذلك، فان البند ب من المادة الثانية المذكورة، عمد إلى بيان و تحديد الأطراف المخول لهم حق إثارة الدفع بعدم الدستورية و جعله حقا محصورا فيهم، و ليس حقا مخولا لكل الجهات التي ينطبق عليها وصف " الطرف"، … و حيث انه، لبيان المقصود بأطراف الدعوى يجب الرجوع إلى قانوني المسطرة المدنية و الجنائية و إلى نصوص خاصة أخرى، التي تجعل من النيابة العامة، إلى جانب أطراف أخرى تتوفر على شرطي الصفة و المصلحة، أما طرفا رئيسيا أو منضما، حسب الحالة…. و حيث أنه، لئن كانت النيابة العامة باعتبارها طرفا في الدعوى المدنية، قد يشملها تعبير " مدع او مدعى عليه "، فان البند ب من المادة الثانية يستثني النيابة العامة من أطراف الدعوى العمومية المعنيين بمسطرة الدفع، بحصره الجهات المخول لها هذا الحق في المتهم أو المطالب بالحق المدني أو المسؤول المدني… و حيث أن ممارسة النيابة العامة للاختصاص الدستوري الموكول لها، و المتثل في تطبيق القانون ( 110)، يجب أن يتم في استحضار لما ورد في الفصل 6 من الدستور من أن " دستورية القواعد القانونية " تشكل مبدأ ملزما… و حيث ان التقيد بإلزامية دستورية القواعد القانونية يقتضي من النيابة العامة، بصفتها طرفا ان تدفع بعدم دستورية قانون، في حال تقديرها أو شكها من أن مقتضياته الواجبة التطبيق، تعتريها شبهة الدستورية". – كيف أجاب القاضي الدستوري المغربي، من خلال قراره رقم 18-70 عن مسألة " المحاكم المعنية بدعوى الدفع بعدم الدستورية " بموجب قراره رقم 18-70، اعتبر القاضي الدستوري بخصوص هذه المسالة من جهة أولى، أن " تخويل أطراف الطعون الانتخابية، بمناسبة تقديمها، حق إثارة الدفع بعدم الدستورية، ليس فيه ما يخالف الدستور". و من جهة ثانية، و بخصوص المادة 14 من مشروع القانون التنظيمي 15-86 أن " غياب أحكام مرتبطة بتطبيق حقوق و ضمانات دستورية لاسيما ما يتعلق منها بإجراءات التقاضي و حق الدفاع، يشكل إغفالا تشريعيا يتعين معه التصريح بعدم دستورية المادة 14 … ". و علل المسالة الأولى ب: أولا، … و حيث أن الفصل 133 من الدستور، الذي أوكل اختصاص الدفع بعدم الدستورية إلى المحكمة الدستورية، لم يحدد الجهة القضائية التي يمكن أن يثار أمامها، عبر جعل إثارة الدفع تتم بمناسبة النظر في قضية، مما يسمح بإمكانية إثارة الدفع محكاكم التنظيم القضائي للمملكة بمختلف درجاتها، و أيضا أمام المحكمة الدستورية في الاختصاص المخول لها في شكل "قضية"….ثانيا، وحيث أن الطعون الانتخابية، بالرغم من طابعها الموضوعي، فإنها تتخذ شكل منازعة بين أطراف العملية الانتخابية، و يتوقف فيها نظر المحكمة الدستورية على التحقق من صدقية و نزاهة وسلامة العملية الانتخابية، دون البت في دستورية الأحكام أو المقتضيات المطبقة على النزاع، و هو ما يبرر إدراج المشرع لحالة الطعون الانتخابية ضمن القضايا المعنية بتطبيق أحكام الفصل 133 من الدستور….ثالثا، و حيث أن المحكمة الدستورية، باعتبارها قاضيا انتخابيا بمناسبة نظرها في الطعون الانتخابية المتعلقة بأعضاء البرلمان، تطبق أحكام القانونين التنظيميين المتعلقين بمجلسي البرلمان، إلى جانب المقتضيات ذات الصلة الواردة في قوانين أو مراسيم….رابعا، وحيث انه يترتب عن هذا التفصيل للقواعد القانونية المطبقة، انه لا يمكن إثارة الدفع بخصوص أحكام القانونين التنظيميين المتعلقين بمجلسي البرلمان، بسبب سبق البت في دستوريتهما، إلا في حالة تغير ظروف القانون أو الواقع، وهو ما يسري أيضا على القوانين التي كانت موضوع مراقبة قبلية، في حين انه لا يندرج فحص دستورية المراسيم ضمن اختصاصات المحكمة الدستورية، سواء في إطار المراقبة القبلية أو البعدية، ولو تعلقت بالعملية الانتخابية… ". أما فيما يتعلق بالمسالة الثانية –عدم دستورية المادة 14- فقد عللها ب: أولا: وحيث انه، باستثناء التأكيد على وقف البت في منازعة الطعون الانتخابية إلى حين البت في الدفع المرتبط بها، فان القانون التنظيمي لم يتضمن أي مقتضى يخص الشكل الذي يتخذه هذا الدفع، و هل يقدم بمذكرة مستقلة أم في صلب عريضة الطعن أو في المذكرة الجوابية بالنسبة للمطعون في انتخابه،و مدى إلزامية الاستعانة بمحام من عدمها….ثانيا: وحيث انه، ليس في القانون التنظيمي المعروض على نظر المحكمة أو في القانون التنظيمي المتعلق بها، ما يفيد تطبيق القواعد و الأحكام الواردة فيهما، على الدفع بعدم الدستورية المثار بمناسبة المنازعة الخاصة بانتخاب أعضاء البرلمان… ثالثا، و حيث إن القانون التنظيمي المعروض، أحال بمقتضى المادة 14 منه على نظام داخلي للمحكمة الدستورية تحديد مسطرة البت بعدم دستورية قانون أمامها، مع مراعاة القواعد الواردة في المواد من 16 إلى 24 منه…رابعا، وحيث أن إحالة القانون التنظيمي، على نظام داخلي للمحكمة الدستورية، تحديد قواعد تتعلق بالدفع المثار أمام المحكمة المذكورة، بخصوص المنازعة في انتخاب أعضاء البرلمان، يعد تخليا من المشرع عن ممارسة اختصاص موكول له حصرا، بمقتضى الدستور… " الأمر الذي يجعل معه المادة 14 من القانون التنظيمي رقم 15-86 غير دستورية. – تدخل القاضي الدستوري بخصوص هذه مسالة المذكرة المكتوبة من خلال القرار رقم 18-70 سلك القاضي الدستوري المغربي نفس التوجه الذي اعتمده المشرع التنظيمي من خلال قراره رقم 18-70، حيث اعتبر أن " ما تضمنته المادة الخامسة المشار إليها من توقيع مذكرة الدفع من قبل الطرف المعني أو من قبل محام، ليس فيه ما يخالف الدستور… ". و قد علل هذه المسالة ب: أولا: أن الأحكام المذكورة قد تؤول بأن إثارة الدفع يتيح للطرف المعني الخيار بين توقيعه شخصيا على مذكرة الدفع أو رفعها من قبل محام. ثانيا، و حيث انه تحقيقا للانسجام التشريعي بين ما ورد في المادة الخامسة المشار إليها، وبين المقتضيات الإجرائية العامة التي جاءت تطبيقا لفصول الدستور، لا سيما الفقرة الأخيرة من الفصل 120 منه، يتعين تفسير الاختبار الوارد في المادة المذكورة، بأن الدفع بعدم الدستورية، يتبع الدعوى الأصلية بخصوص ما تتطلبه في موضوع الاستعانة بمحام، فتكون إجبارية الاستعانة بمحام في الحالة التي توجب ذلك الدعوى الأصلية، في حين يكون للمعني بالأمر الحق في توقيع مذكرة الدفع، إذا كانت الدعوى الأصلية التي أثير بمناسبتها معفية من تطبيق قاعدة الاستعانة الوجوبية بمحام… ". – تدخل القاضي الدستوري بخصوص مسالة شروط، معايير الإحالة، وآجال الإحالة من خلال القرار رقم 18-70 قرر القاضي الدستوري بموجب قراره رقم 18-70 أن أحكام المواد السالفة الذكر… الخامسة (فيما نصت عليه من شرطي المقتضى التشريعي والحقوق والحريات)، المواد السادسة و و السابعة (الفقرة الثانية) و المادة 8، المرتبطة بها، غير مطابقة للدستور… ‘. وعلل قراره هذا ب: أولا، أن الدفع بعدم الدستورية هو اختصاص موكول للمحكمة الدستورية بمقتضى أحكام الفصلين 132 و 133، وليس وفق القانون التنظيمي المتعلق به. ثانيا، أن مجال القانون التنظيمي تكون مشمولاته محددة في الشروط و الإجراءات الكفيلة الفصل المعني (133)، وأنه ليس في الدستور ما يشرع لتجزيء هذا الاختصاص المندرج في ولايتها الشاملة، و لا أيضا ما يبرر نقله لغير الجهة المحددة له دستوريا. ثالثا، أن التشريع وفق القانون التنظيمي، نطاق موضوعاته محدد احتراما لسمو الدستور، و لا يجوز بالتالي للمشرع أن يتجاوز مشمولاته، بمعنى بيان كيفيات تطبيق أو تفعيل الصلاحيات او الاختصاصات المخولة دستوريا للمؤسسات المعنية. رابعا، بهذا المنطق يمكن اعتبار مسالة التحقق من استيفاء الدفع بعدم الدستورية للشروط المنصوص عليها من طرف محاكم الموضوع يمكن أن يحول مرحلة التحقق إلى مراقب أولي للدستورية، إذ أن الحسم النهائي في الطبيعة التشريعية للمقتضى القانوني المعني، وتحديد قائمة الحقوق والحريات المضمونة دستوريا، يعد من الاختصاصات التي تنفرد المحكمة الدستورية بممارستها. خامسا، يقتضي من المشرع حصر، إذن، حصر نطاق الشروط التي يتحقق القاضي من استيفائها بمناسبة إثارة الدفع في تلك التي لا تشكل عناصر تقدير أولي للدستورية'. وعليه، يتوقف على محاكم الموضوع، بخصوص مسطرة الدفع بعدم الدستورية في هذه المرحلة في استيفاء لبعض الشروط الشكلية المتمثلة في: – التأكد من مطلبي الصفة و المصلحة – اتصال الدفع بالدعوى الأصلية – المذكرة المكتوبة – أداء الرسم القضائي في حالة تحقق هذه الشروط الأولية يتم وقف القضية، و الآثار المترتبة عليها، و ذلك ابتداء من تاريخ تقديم الدفع، كما تقوم بعد ذلك بإحالة المسالة إلى محكمة النقض التي من المفترض أن تحيل القضية على المحكمة الدستورية بعد مراجعتها لشكلية هذه البيانات المتطلبة في أي دعوى، دون الأخذ بعين الاعتبار لمراعاة الاستثناءات الواردة في مشروع القانون التنظيمي و التي تم البت فيها بعدم المطابقة للدستور. – كيف تدخل القاضي الدستوري للرد على مسألة اختصاص محكمة النقض بالنظر في الدفع بعدم دستورية قانون من خلال القرار الدستوري رقم 18-70 ابتدأ القاضي الدستوري بناءاته بخصوص هذه المسالة بالتذكير بالمواد 6،10،11،12 و الفقرة الثانية من المادة السابعة، السالفة الذكر و التي اعتمدها مشروع القانون التنظيمي 15-86 لتأطير اختصاصات محكمة النقض بالنظر في الدفع بعدم دستورية قانون، إلا أنه ذهب في تعليله في مسار مغاير تماما لما نصت عليه هذه المواد من اختصاصات، حيث أنه قرر بموجب قراره رقم 18-70 أن " أحكام المواد السادسة و العاشرة (باستثناء ما يتعلق بعدم إقرار مسطرة ترتيب أثر قرار المحكمة الدستورية) و المادة الحادية عشر، و المواد الخامسة (فيما نصت عليه من شروط متصلة بمراقبة الدستورية كما تم بيانه) و السابعة (الفقرة الثانية) و المادة 12، المرتبطة بها، والمادة 13 (فيما يتعلق بعدم إقرار مسطرة ترتيب أثر قرار المحكمة الدستورية) غير مطابقة للدستور… ‘. و علل قراره هذا ب: أولا، أن المشرع التنظيمي أخطأ عندما أسند النظر في مقبولية الدفع من عدمها، بما يعنيه ذلك من البت فيه شكلا، لمحاكم التنظيم القضائي للمملكة، دون المحكمة الدستورية، مدعما ذلك الخيار بتحصين قرارات عدم القبول (محكمتي أول وثاني درجة أو محكمة النقض) أو رد الدفع (محكمة النقض) من أي طعن. ثانيا، أن الدفع بعدم الدستورية هو اختصاص موكول للمحكمة الدستورية بمقتضى أحكام الفصلين 132 و 133، وليس وفق القانون التنظيمي المتعلق به. ثالثا، أن مجال القانون التنظيمي تكون مشمولاته محددة في الشروط و الإجراءات الكفيلة الفصل المعني (133)، وأنه ليس في الدستور ما يشرع لتجزيء هذا الاختصاص المندرج في ولايتها الشاملة، و لا أيضا ما يبرر نقله لغير الجهة المحددة له دستوريا. رابعا، أن التشريع وفق القانون التنظيمي، نطاق موضوعاته محدد احتراما لسمو الدستور، و لا يجوز بالتالي للمشرع أن يتجاوز مشمولاته، بمعنى بيان كيفيات تطبيق أو تفعيل الصلاحيات او الاختصاصات المخولة دستوريا للمؤسسات المعنية…. ‘. و بالتالي و فضلا على ما تقدم، اعتبر القاضي الدستوري: أولا، أن ما شملته المادة الخامسة و الفقرة الثانية من المادة 10 التي تحيل عليها، … من شانه أن يحول مرحلة التحقق من استيفاء الدفع لبعض الشروط المتمثلة، في اتصال الدفع بالدعوى الأصلية و مدى تضمينه للبيانات المتطلبة في أي دعوى و أدائه للرسم القضائي، إلى مراقب أولي للدستورية…ثانيا، أن تقدير الجدية الموكول للهيئة المحدثة بمحكمة النقض، يحول الهيئة المذكورة إلى مراقب سلبي للدستورية، بالنظر لصعوبة تحديد العناصر المشكلة للجدية، وارتباط تقديرها بالموضوع، وليس بالشكل…ثالثا، وحيث أن نظام التصفية، كما تم بيانه في المشروع، يؤدي إلى عدم مركزة المراقبة الدستورية، و انتقاص استئثار المحكمة الدستورية بصلاحية المراقبة البعدية للدستور، و حرمانها من ممارسة اختصاصها كاملا، عبر دفعها لمباشرة النظر في موضوع الدفوع المقبولة، دون رقابة شكلية عليها. رابعا، و حيث أن الغايات الدستورية، لكي تكون مبررا مقبولا للتشريع، يجب أن تتم في تلاؤم و انسجام مع قواعد الدستور احتراما لمبدأ وحدته… و بناء على تعليلاته استنتج القاضي الدستوري أن "…التوفيق بين الحق في إثارة الدفع بمناسبة قضية معروضة على محكمة ما، و اختصاص المحكمة الدستورية بالبت شكلا و موضوعا في الدفوع الدستورية المحالة عليها، و بين متطلبات النجاعة القضائية و حسن سير العدالة و سرعة البت في الدفوع و إصدار قرارات بشأنها داخل أجل معقول، يقضي من المشرع حصر نطاق الشروط التي تتحقق القاضي من استيفائها بمناسبة إثارة الدفع في تلك التي لا تشكل عناصر تقديري أولي للدستورية، و في إحداث آلية كفيلة بإرساء نظام التصفية بالمحكمة الدستورية، يحدد قانون تنظيمي تركيبتها و ضوابط عملها، و ذلك تحقيقا للمرونة المتطلبة الكفيلة بالوصول إلى الغايات التي سبق عرضها…. وتأسيسا على كل هذه المعطيات والحيثيات أنتج القاضي الدستوري قراره القاضي بعدم مطابقة مجموعة من المواد التي اعتمدها مشروع القانون التنظيمي 15-86 لتنظيم اختصاصات محكمة النقض بالنظر في الدفع بعدم دستورية قانون، وهي: المواد…6، 10( باستثناء ما يتعلق بما ورد في آخرها من أنه "لا يمكن إثارته تلقائيا)،11،12 و الفقرة الثانية من المادة السابعة، و أيضا المادة 13 (باستثناء ما يتعلق بعدم إقرار مسطرة ترتيب أثر قرار المحكمة الدستورية). و بالتالي، ومن منطلق أن اختصاص النظر في كل دفع بعدم الدستورية الموكول للمحكمة الدستورية، هو اختصاص عام، يشمل النظر في الدفوع المحالة عليها شكلا وموضوعا، وليس في الدستور ما يشرع لتجزيء هذا الاختصاص المندرج في ولايتها الشاملة، ولا أيضا ما يبرر نقله لغير الجهة المحددة له دستوريا، و حيث أن تدخل القانون التنظيمي في هذا المجال ينحصر فقط في موضوع الشروط و الإجراءات، بما تتضمنه من شكليات… فان اختصاص محكمة النقض يتوقف عند: أولا، فحص المشروعية، بمعنى فحص الشكل من حيث إقامة الدعوى و آجالها… ثانيا، وأخذا بمبدأ مركزية المراقبة الدستورية القبلية واستئثار المحكمة الدستورية بالمراقبة البعدية، يتم، بموجب المادة الفقرة الأولى من المادة 13، إيقاف البت في الدعوى في القضية المعروضة أمامها إلى غاية صدور قرارها القاضي برد الدفع أو إلى غاية صدور قرار المحكمة الدستورية القاضي برفض الدفع. ثالثا، يجب الإشارة إلى أن محكمة النقض لا يمكن إثارته تلقائيا. * باحث بجامعة عبد المالك السعدي / طنجة